ابن قتيبة

عيون الأخبار

8 كتاب الحوائج

 

استنجاح الحوائج

للنبي صلى اللّه عليه وسلم في كتمان الحوائج حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا محمد بن الخصيب قال: حدّثني أوس بن عبد اللّه بن بريدة عن أخيه سهل بن عبد اللّه بن بريدة عن بريدة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه:"إستعينوا على الحوائج بالكتمان فإنّ كلّ ذي نعمةٍ محسودٌ".
لخالد بن صفوان في طلب الحاجة ومفتاح نجاحها قال خالد بن صفوان: لا تطلبوا الحوائج في غير حينها، ولا تطلبوها إلى غير أهلها، ولا تطلبوا ما لستم له بأهلٍ فتكونوا للمنع خلقاء.
لشبيب بن شيبة في نجح السؤال مع العقل قال شبيب بن شيبة: إنّي لأعرف أمراً لا يتلاقى به اثنان إلاّ وجب النّجح بينهما. فقال له خالد بن صفوان: ما هو
؟ قال:"العقل، فإنّ" العاقل لا يسأل ما لا يجوز ولا يردّ عما يمكن. فقال له خالد: نعيت إليّ نفسي؟ إنّا أهل بيتٍ لا يموت منا أحدّ حتى يرى خلفه.
وصية بني ربيعة لأولادهم أبو اليقظان قال: كان بنو ربيعة-وهم من بني عسل بن عمرو بن يربوع-يوصون أولادهم فيقولون: إستعينوا على الناس في حوائجكم بالتثقيل عليهم، فذاك أنجح لكم قال الشاعر:

هيبة الإخوان مقـطـعةٌ

لأخي الحاجات عن طلبه

فإذا ما هـبـت ذا أمـلٍ

مات ما أمّلت من سببـه

لأبي نواس، وغيره، في طلب الحاجات وقال أبو نواس:

وما طالب الحاجات ممّن يرومـهـا

 

من الناس إلا المصبحون على رجل

تأنّ مواعـيد الـكـرام فـربّـمـا

 

أصبت من الإلحاح سمحاً على بخل

والبيت المشهور في هذا:

إنّ الأمور إذا انسدت مسالـكـهـا

 

فالصبر يفتح منها كلّ ما ارتتجـا

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته

 

ومدمن القرع للأبواب أن يلـجـا

لا تيأسنّ وإن طالـت مـطـالـبةٌ

 

إذا استعنت بصبرٍ أن ترى فرجـا

وقال آخر:

إنّـي رأيت، ولـلأيّام تـجـربةٌ

 

للصبر عاقبةً محـمـودة الأثـر

وقلّ من جدّ في أمر يطـالـبـه

 

واستصحب الصبر إلاّ فاز بالظّفر

من أمثال العرب في الصبر في طلب الحاجة والعرب تقول:"ربّ عجلة تهب ريثاً". يريدون أن الرجل قد يخرق ويعجل في حاجته فتتأخّر أو تبطل بذلك.
وتقولك"الرّشف أنقع". يريدون أن الشراب الذي يترّشف رويداً رويداً أقطع للعطش وإن طال على صاحبه.
شعر لعامر بن خالد بن جعفر يخاطب يزيد بن الصقّ وقال عامر بن خالد بن جعفر ليزيد بن الصّق:

إنك إن كلّفتني ما لـم أطـق

 

ساءك ما سرّك منّي من خلق

دعاء في استنجاح الحوائج
وكانوا يستنجحون حوائجهم بركعتين يقولون بعدهما: اللّهم إنّي بك أستفتح، وبك أستنجح، وبمحمّد نبيك إليك أتوجّه، اللّهم ذلّل لي صعوبته، وسهّل لي خزونته، وارزقني من الخير أكثر مما أرجو، واصرف عنّي من الشرّ أكثر مما أخاف.
شعر للقطامي في التأني بطلب الحاجة وقال القطاميّ:

قد يدرك المتأنّي بعض حاجته

 

وقد يكون مع المستعجل الزّلل

بين إبراهيم بن السندي ورجل من أهل الكوفة عرف بالمرؤة عمرو بن بحرٍ عن إبراهيم بن السّنديّ قال: قلت في أيام ولايتي الكوفة لرجلٍ من وجوهها، كان لا يجفّ لبده ولا يستريح قلمه ولا تسكن حركته في طلب حوائج الرجال، وإدخال المرافق على الضغفاء وكان رجلاً مفوّهاً: خبّرني عن الشيء الذي هوّن عليك النّصب وقوّاك على التعب ما هو؟ قال: قد واللّه سمعت تغريد الطير بالأسحار، في أفنان الأشجار؛ وسمعت خفق أوتار العيدان، وترجيع أصوات القيان الحسان؛ ما طربت من صوتٍ قطّ طربي من ثناء حسنٍ بلسانٍ حسنٍ على رجلٍ قد أحسن، ومن شكر حرّ لمنعمٍ حرّ، ومن شفاعة محتسب لطالب شاكر. قال إبراهيم: فقلت: للّه أبوك لقد حشيت كرماً فزادك اللّه كرماً، فبأيّ شيء سهلت عليك المعاودة والطلب؟ قال: لأني لا أبلغ المجهود ولا أسأل ما لا يجوز، وليس صدق العذر أكره إليّ من إنجاز الوعد، ولست لإكداء السائل أكره منّي للإجحاف بالمسؤول، ولا أرى الراغب أوجب عليّ حقّاً للذي قدّم من حسن ظنه من المرغوب إليه الذي احتمل من كلّه. قال إبراهيم: ما سمعت كلاماً قطّ أشدّ موافقة لموضعه ولا أليق بمكانه من هذا الكلام. شعر لمصعب في طلب الحوائج وقال مصعبٌ:

في القوم معتصمٌ بقوّة أمـره

ومقصّر أودى به التقصـير

لا ترض منزلة الذليل ولا تقم

في دار معجزةٍ وأنت خبير

وإذا هممت فأمض همّك إنما

طلب الحوائج كلّه تغـرير

وكان يقال: إذا أحببت أن تطاع، فلا تسأل ما لا يستطاع.
ويقال: الحوائج تطلب بالرجاء، وتدرك بالقضاء.

الاستنجاح بالرّشوة والهديّة

لسفيان الثوري في الاستنجاح بالهدية حدّثني زيد بن أخزم عن عبد اللّه بن داود قال: سمعت سفيان الثوريّ يقول: إذا أردت أن تتزّوج فأهد للأمّ.
والعرب تقول:"من صانع لم يحتشم من طلب الحاجة".
لميمون بن ميمون قال ميمون بن ميمون: إذا كانت حاجتك إلى كاتبٍ فليكن رسولك الطمع.
لعلي بن أبي طالب في الهدية لنيل الحاجة وقال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه: نعم الشيء الهديّة أمام الحاجة.
لرؤبة،ولغيره، في الرشوة وقال رؤبة:

لما رأيت الشّفعاء بلّـدوا

وسألوا أميرهم فأنكدوا

نامستهم برشوةٍ فأقردوا

وسهّل اللّه بها ما شدّدوا

وقال آخر:

وكنت إذا خاصمت خصماً كببـتـه

 

على الوجه حتى خاصمتني الدراهم

فلما تنازعنا الخصـومة غـلّـبـت

 

عليّ وقالوا قـم فـإنـك ظـالـم

للعرب في البذل لطلب الحاجة والعرب تقول في مثل هذا المعنى:"من يخطب الحسناء يعط مهراً" يريدون من طلب حاجةً مهمّةً بذل فيها وقال بعض المحدثين:

ما من صديقٍ وإن تمت صداقتـه

يوماً بأنجح في الحاجات من طبق

إذا تلّثم بالمنـديل مـنـطـلـقـاً

لم يخش نبوة بوّابٍ ولا غـلـق

لا تكذبنّ فإنّ الناس مذ خـلـقـوا

لرغبةٍ يكرمون الناس أو فـرق

وقال آخر:

ما أرسل الأقوام في حاجةٍ

أمضى ولا أنجح من درهم

يأتيك عفواً بالذي تشهـتـي

نعم رسول الرجل المسلـم

الاستنجاح بلطيف الكلام

بين أبي بكر الهجريّ والمنصور حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قالك دخل أبو بكر الهجريّ على المنصور فقال: يا أمير المؤمنين نغض فمي وأنتم أهل بيت بركة، فلو أذنت لي فقبلت رأسك لعل اللّه يشدّد لي منهم؟ فقال أبو جعفر: اختر منها ومن الجائزة. فقال: يا أمير المؤمنين، أهون عليّ من ذهاب درهم من الجائزة ألاّ تبقى في فمي حاكّة.
لخلف في رقية الخبز قال أبو حاتم: وحدّثنا الأصمعيّ عن خلف قال: كنت أرى أنّه ليس في لدنيا رقية إلا رقية الحيّات، فإذا رقية الخبز أسهل. يعني ما تكلّفه الناس من الكلام لطلب الحيلة.
بين الفضل بن سهل ورجل يسأله قال رجلٌ للفضل بن سهل يسأله: الأجل آفة الأمل، والمعروف ذخيرة الأبد، والبرّ غنيمة الحازم، والتفريط مصيبة أخي القدرة؛ فأمر وهباً كاتبه أن يكتب الكلمات.
من رقعة رفعت إلى الفضل بن سهل ورفع إليه رقعةً فيها: يا حافظ من يضيّع نفسه عنده، ويا ذاكر من ينسى نصيبه منه، ليس كتابي إذا كتبت استبطاء، ولا إمساكي إذا أمسكت استغناءً؛ لكنّ كتابي إذا كتبت تذكرةٌ لك، وإمساكي إذا أمسكت ثقةً بك.
وقال رجل لآخر: ما قصّرت بي همّةٌ صيّرتني إليك، ولا أخّرني ارتيادٌ دلّني عليك، ولا قعد بي رجاءٌ حداني إلى بابك. وبحسب معتصمٍ بك ظفرٌ بفائدةٍ وغنيمةٍ، ولجءٌ إلى موئل ٍوسندٍ.
للهذيل بن زفر يستعين بيزيد بن المهلّب دخل الهذيل بن زفر على يزيد بن المهلّب في حملاتٍ لزمته، فقال له: قد عظم شأنك عن أن يستعان بك أو يستعان عليك، ولست تصنع شيءاً من المعروف إلاّ وأنت أكثر منه وليس العجب أن تفعل، وإنما العجب من ألاّ تفعل.
شعر للحمدويّ في الحسين بن أيوب قال الحمدونيّ في الحسين بن أيوب والي البصرة:

قل لابن أيّوب قد أصبحـت مـأمـولا

 

لا زال بابك مـغـشـيّاً ومـأهـولا

إن كنت في عطلةٍ فالعذر مـتّـصـلٌ

 

وصل إذا كنت بالسلطان مـوصـولا

شرّ الأخـلاّء مـن ولـيّ قـفـاه إذا

 

كان المولّي وأعطى البشر معـزولا

من لم يسمّن جـواداً كـان يركـبـه

 

في الخصب قام به في الجدب مهزولا

افرغ لحاجتنا ما دمـت مـشـغـولاً

 

لو قد فرغت لقد ألـفـيت مـبـذولا

وقال آخر:

ولا تعتذر بالشّغل عنّا فـإنـمـا

 

تناط بك الآمال ما اتّصل الشّغل

بين رجل وبعض الولاة وأتى رجلٌ إلى صديقٍ له: قد عرضت قبلك حاجةٌ، فإن نجحت بك فألفاني منها حظّي والباقي حظّك، وإن تعتذر فالخير مظنون بك والعذر مقدّم لك.
وفي فصلٍ آخر: قد عذرك الشّغل في إغفال الحاجة وعذرني في إنكارك.
وفي فصل آخر: قد كان يجب ألاّ أشكو حالي مع علمك بها، ولا أقتضيك عمارتها بأكثر من قدرتك عليها؛ فلربّما نيل الغنى على يدي من هو دونك بأدنى من حرمتي. وما استصغر ما كان منك إلا عنك، ولا أستقلّه إلا لك.
وقال آخر: إن رأيت أن تصفّد يداً بصنيعةٍ باقٍ ذكرها جميلٍ في الدهر أثرها، تغتنم غرّة الزمان فيها وتبادر فوت الإمكان بها، فافعل.
بين زياد وأعرابي يسأله العطاء قدم على زيادٍ نفرٌ من الأعراب فقام خطيبهم فقال: أصلح الله الأمير؟ نحن، وإن كانت نزعت بنا أنفسنا إليك وأنضينا ركائبنا نحوك التماساً لفضل عطائك، عالمون بأنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع؛ وإنما أيها الأمير خازنٌ ونحن رائدون، فإن أذن لك فأعطيت حمدنا الله وشكرناك، وإن لم يؤذن لك فمنعت حمدنا الله وعذرناك. ثم جلس؛ فقال زياد لجلسائه: تالله ما رأيت كلاماً أبلغ ولا أوجز ولا أنفع عاجلة منه. ثم أمر لهم بما يصلحهم.
بين العتابي والمأمون دخل العتابي على المأمون، فقال له المأمون: خبّرت بوفاتك فغمتني، ثم جاءتني وفادتك فسرتني. فقال العتابي: لو قسمت هذه الكلمات على أهل الأرض لوسعتهم؛ وذلك أنه لا دين إلا بك ولا دنيا إلا معك. قال: سلني. قال: يداك بالعطية أطلق من لساني.
بين نصيب وعمر بن عبد العزيز قال نصيب لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، كبرت سني ورقّ عظمي، وبليت ببنّياتٍ نفضت عليهن من لوني فكسدن عليّ. فرقّ له عمر ووصله.
مسألة رجل لأسد بن عبد الله واعتلال أسد عليه سأل رجل أسد بن عبد الله فاعتل عليه؛ فقال: إني سألت الأمير من غير حاجةٍ. قال: وما حملك على ذلك؟ قال: رأيتك تحبّ من لك عنده حسن بلاء، فأحببت أن أتعلق منك بحبل مودة.
مسألة بعض الحكماء لبعض ملوك العجم لزم بعض الحكماء باب بعض ملوك العجم دهراً فلم يصل إليه، فتلطف للحاجب في إيصال رقعةٍ ففعل. وكان فيها أربعة أسطرٍ: السطر الأول "الأمل والضرورة أقدماني عليك".
والسطر الثاني "والعدم لا يكون معه صبرٌ على المطالبة".
والسطر الثالث "الانصراف بلا فائدةٍ شماتةٌ للأعداء".
والسطر الرابع "فإما نعم مثمرةٌ، وإما لا مريحةٌ". فلما قرأها وقع في كل سطرٍ: زه؛ فأُعطي ستة عشر ألف مثقال فضة.
مسألة محمد بن واسع لقتيبة بن مسلم
دخل محمد بن واسع على قتيبة بن مسلم، فقال له: أتيتك في حاجةٍ رفعتها إلى الله قبلك، فإن تقضها حمدنا الله وشكرناك، وإن لم تقضها حمدنا الله وعذرناك. فأمر له بحاجته.
وقال له أيضاً في حاجةٍ أخرى: إني أتيتك في حاجة، فإن شئت قضيتها وكنا جميعاً كريمين، وإن شئت منعتها وكنا جميعاً لئيمين.
بين خالد بن عبد الله ورجل جاء يسأله أتى رجل خالد بن عبد الله في حاجةٍ، فقال له، أتكلّم بجرأة اليأس أم بهيبة الأمل؟ قال: بل بهيبة الأمل. فسأله حاجته فقضاها.
لأبي سماك يسأل رجلاً وقال أبو سمّاكٍ لرجل: لم أصن وجهي عن الطلب إليك، فصن وجهك عن ردّي، وضعني من كرمك بحيث وضعت نفسي من رجائك.
بين المنصور ورجل تلطف للسؤال قال المنصور لرجل: ما مالك؟ قال: ما يكفّ وجهي ويعجز عن برّ الصديق. فقال: لقد تلطّفت للسؤال. ووصله.
وقال لمنصور لرجلٍ أحمد منه أمراً: سل حاجتك. فقال: يبقيك الله يا أمير المؤمنين. قال: سل، فليس يمكنك ذلك في كل وقتٍ. فقال: ولم يا أمير المؤمنينن ؟؟؟فوالله لا أستقصر عمرك ولا أرهب بخلك ولا أغنم مالك وإن سؤالك لزينٌ، وإن عطاءك لشرف، وما على أحدٍ بذل وجهه إليك نقصٌ ولا شينٌ. فأمر حتى ملىء فوه درّاً.
بين أبي العباس وأبي دلامة قال أبو العباس لأبي دلامة: سل حاجتك. قال: كلبٌ؛ قال: لك كلب. قال: ودابة أتصيد عليها؛ قال: ودابة. قال: وغلام يركب الدابة ويصيد؛ قال: وغلام. قال: وجارية تصلح لنا الصيد وتطعمنا منه؛ قال: وجارية. قال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء عيال ولابدّ من دارٍ؛ قال: ودار. قال: لابدّ من ضيعةٍ لهؤلاء؛ قال: قد أقطعتك مائة جريبٍ عامرةٍ ومائة جريب غامرة. قال: وأي شيءٍ الغامرة؟ قال: ليس فيها نباتٌ. قال: فأنا أقطعك ألفاً وخمسمائة جريبٍ من فيا في أسدٍ؛ قال: قد جعلتها "كلها لك" عامرةً. قال: أقبل يدك؛ قال: أما هذه فدعها. قال: ما منعت عيالي شيئاً أهون عليهم فقداً منها.
بين عبد الملك بن مروان ورجل قال عبد الملك لرجل: ما لي أراك واجماً لا تنطق؟ قال: أشكو إليك ثقل الشرف؛ قال: أعينوه على حمله.
بين زياد ورجل تلطف في السؤال منه رأى زياد على مائدته رجلاً قبيح الوجه كثير الأكل، فقال له: كم عيالك؟ قال: تسع بنات. قال: أبن هنّ منك؟ قال: أنا أجمل منهم وهنّ آكل مني. قال: ما أحسن ما تلطفت في السؤال. وفرض له وأعطاه.
مسألة عجوز لقيس بن سعد وقفت عجوز على قيس بن سعد فقالت: أشكو إليك قلة الجرذان. قال: ما أحسن هذه الكناية؟ إملأوا بيتها خبزاً ولحماً وسمناً وتمراً.
لبعض القصاص وقال بعض القصاص في قصصه: اللهم أقلّ صبياننا وأكثر جرذاننا.
كان سليمان بن عبد الملك يأخذ الولي بالولي والجار بالجار؛ فدخل عليه رجلٌ وعلى رأسه وصيفةٌ روقةٌ فنظر إليها؛ فقال سليمان: أأعجبتك؟ قال: بارك الله لأمير المؤمنين فيها ! قال: هات سبعة أمثالٍ في الاست وخذها؛ فقال: "صر عليه الغزو استه" . قال: واحد. قال: " است البائن أعلم"؛ قال: اثنان. قال: "است لم تعود المجمر تحترق"؛ قال: ثلاثة. قال: "الحرّ يعطي والعبد يبجع باسته"؛ قال: أربعة. قال: "استي أخبثي" ! قال: خمسة. قال: "عاد سلاها في استها"؛ قال: "لا ماءك أبقيت ولا حرك أنقيت"؛ قال: ليس هذا من ذاك؛ قال: أخذت الجار بالجار كما يفعل أمير المؤمنين! قال: خذها.
بين يزيد بن المهلب وسليمان قال يزيد بن المهلّب لسليمان في حمالةٍ كلمة فيها: يا أمير المؤمنين، والله لحمدها خيرٌ منها، ولذكرها أحسن من جمعها، ويدي مبسوطةٌ بيدك فابسطها لسؤالها.
بين عبد الملك بن مروان وعمرو بن عتبة وقد سأله أن لا يقطع عطاءه  
قطع عبد الملك بن مروان عن آل أبي سفيان أشياء كان يجريها عليهم، لتباعدٍ كان بينه وبين خالد بن يزيد بن معاوية؛ فدخل عليه عمرو بن عتبة فقال: يا أمير المؤمنين، أدنى حقّك متعبٌ وتقصيه فادحٌ، ولنا مع حقك علينا حقٌ عليك، لقرابتنا منك وإكرام سلفنا لك؛ فانظر إلينا بالعين التي نظروا بها إليك، وضعنا بحيث وضعتنا الرحم منك، وزدنا بقدر ما زادك الله؛ فقال: أفعل، وإنما يستحق عطيتي من استعطاها، فأما من ظن يستغني بنفسه فسنكله إليها. يعرّض بخالد؛ فبلغ ذلك خالداً، فقال: أما عمرو فقد أعطى من نفسه أكثر مما أخذ، أو بالحرمان يتهددني! يد الله فوق يده مانعةٌ، وعطاؤه دونه مبذول.
مسألة رجل للحجاج برقعة سلمها ليزيد بن أبي مسلم أتى رجل يزيد بن أبي مسلم برقعةٍ يسأله أن يرفعها إلى الحجاج؛ فنظر فيها يزيد فقال: ليست هذه من الحوائج التي ترفع إلى الأمير. فقال له الرجل: فإني أسألك أن ترفعها، فلعلها توافق قدراً فيقضيها وهو كاره. فأدخلها وأخبره بمقالة الرجل؛ فنظر الحجاج في الرقعة، وقال ليزيد: قل للرجل: إنها وافقت قدراً وقد قضيناها ونحن كارهون.
لبعض الشعراء يخاطب بشر بن مروان دخل بعض الشعراء على بشر بن مروان فأنشده:

أغفيت عند الصبح نوم مسهـدٍ

 

في ساعة ما كنت قبل أنامها

فرأيت أنك رعتنـي بـولـيدةٍ

 

مغنوجةٍ حسن عليّ قيامـهـا

وببذرةٍ حملت إلـيّ وبـغـلةٍ

 

دهماء مشرفةٍ يصل لجامهـا

فدعوت ربي أن يثيبـك جـنةً

 

عوضاً يصيبك بردها وسلامها

فقال له بشر: في كل شيء أصبت إلا في البغلة فإني لا أملك إلا شهباء. فقال: إني الله ما رأيت إلا شهباء.
مسألة رجل لمعاوية قال رجل لمعاوية: أقطعني البحرين. قال: إني لا أصل إلى ذلك. قال: فاستعملني على البصرة. قال: ما أريد عزل عاملها. قال: تأمر لي بألفين. قال: ذاك لك. فقيل له: ويحك أرضيت بعد الأوليين بهذا قال: اسكتوا لولا الأوليان ما أعطيت هذه.
مسألة أعرابي لبعض الكتاب جاء أعرابي إلى بعض الكتاب فسأله، فأمر الكاتب غلامه بيمينه أن يعطيه عشرة دراهم وقميصاً من قمصه؛ فقال الأعرابي:

حوّل العقد بالشمال أبـا الأص

 

بغ واضمم إلى القميص قميصا

إن عقد اليمين يقصـر عـنـي

 

وأرى في قميصكم تقلـيصـا

يقول: حوّل عقد اليمين وهو عشرة إلى عقد الشمال وهو مائة: مسألة أعرابي: سألني أعرابي فقال في مسألته: لقد جعت حتى أكلت النوى المحرق ولقد مشيت حتى انتعلت الدم وحتى سقط من رجلي بخص لحمٍ وحتى أن وجهي حذاءٌ لقدامي، فهل من أخٍ يرحمنا؟ وسأل آخر قوماً فقال: رحم الله امرأً لم تمجج أذناه كلامي، وقدم لنفسه معاذاً من سوء مقامي، فإن البلاد مجدبة، والحال مصعبة، والحياء زاجر يمنع من كلامكم، والعدم عاذر يدعو إلى إخباركم، والدعاء أحد الصدقتين فرحم الله امرأً أمر بمير، ودعا بخير. فقال له رجل من القوم: ممن الرجل؟ فقال: اللهم غفراً ممن لا تضرك جهالته، ولا تنفعك معرفته؛ ذلّ الاكتساب، يمنع من عز الانتساب.
بين أعرابي ورجل حرمه العطاء سأل أعرابي رجلاً فحرمه؛ فقال: غلام تحرمني فوالله ببييييسسش ما زلت قبلةً لأملي لا تلفتني عنك المطامع، فإن قلت: قد أحسنت بدءاً، فما ينكر لمثلك أن يحسن عوداً.
بين ابن أبي عتيق وأشعب قال ابن أبي عتيق: دخلت على أشعب وعنده متاع حسن وأثاثٌ، فقلت له: ويح أما تستحي أن تسأل وعندك ما أرى فقال: يا فديتك معي والله من لطيف السؤال ما لا تطيب نفسي بتركه.
شعر للصلتان العبدي قال الصّلتان العبديّ:

نروح ونغدو لحاجـاتـنـا

 

وحاجة من عاش لا تنقضي

تموت مع المرء حاجـاتـه

 

وتبقى له حاجةٌ ما بـقـي

إذا ليلةٌ هرّمـت يومـهـا

 

أتى بعد ذلـك يومٌ فـتـي

وقال آخر:

وحاجةٍ دون أخرى قد سنحت بها

 

جعلتها للتي أخفيت عـنـوانـا

لدعبل الخزاعي في طلب حاجة له كتب دعبلٌ إلى بعض الأمراء:

جئتك مستشفعاً بلا سبـب

 

إليك إلا بـحـرمة الأدب

فاقض ذمامي فإنّني رجلٌ

 

غير ملحٍّ عليك في الطلب

من يعتمد في لحاجة ويستسعى فيها

للنبي صلى الّه عليه وسلم فيمن يعتمد في الحاجة
روى هشيم عن عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي مصعب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:"اطلبوا الحوائج إلى حسان الوجوه".
وفي حديث آخر:"إعتمد لحوائجك الصّباح الوجوه، فإنّ حسن الوجوه الصورة أوّل نعمةٍ تتلقّاك من الرجل".
شعر لامرأة من ولد حسّان بن ثابت قالت امرأةٌ من ولد حسّان بن ثابت:

سل الخير أهل الخير قدماً ولا تسل

 

فتىً ذاق طعم العيش منذ قـريب

ومن المشهور قول بعض المحدثين:

حسن ظنّ إليك أكرمك الـلّ

 

ه دعاني فلا عدمت الصّلاحا

ودعاني إليك قـول رسـول

 

اللّه إذ قال مفصحاً إفصاحا

إن أردتم حوائجاً عنـد قـومٍ

 

فتنقّوا لها الوجوه الصّباحـا

وقال آخر:

إنا سألنا قومنا فخـيارهـم

 

من كان أفضلهم أبوه الأوّل

أعطى الذي أعطى أبوه قبله

 

وتبخّلت أبناء من يتبـخّـل

لخالد بن صفوان في طلب الحاجة إلى غير أهلها وقال خالد بن صفوان: فوت الحاجة خيرٌ من طلبها إلى غير أهلها، وأشدّ رمن المصيبة سوء الخلف منها.
لمسلم بن قتيبة فيمن لا تطلب الحاجة إليه حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قال مسلم بن قتيبة: لا تطلبنّ حاجتك إلى كذّابٍ فإنه يقرّبها وهي بعيدٌ ويبعّدها وهي قريب، ولا إلى أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك، ولا إلى رجل عند من تسأله الحاجة مأكلةٌ، فإنه لا يؤثرك على نفسه.
شعر لأبي عون في عدم مساءلة الأعراب أنشدنا الرّياشيّ لأبي عونٍ:

ولست بسائل الأعراب شيءً

 

حمدت اللّه إذ لم يأكلونـي

لميمون بن ميمون في النهي عن طلب الحاجة من لئيم وقال ميمون بن ميمون: لا تطلبنّ إلى لئيم حاجةً، فإن طلبت فأجّله حتى يروض نفسه.
لعطاء هارون بن معروفٍ عن ضمرة عن عثمان بن عطاء، قال: عطاء الحوائج عند الشباب أسهل منها عند الشيوخ ثم قرأ قول يوسف:"لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللّه لكم" وقول يعقوب"سوف أستغفر لكم ربّي إنّه هو الغفور الّرحيم".
شعر لبشار وقال بشارٌ:

إذا أيقظتك حروب العدا

 

فنبّه لها عمراً ثـم نـم

فتىً لا يبيت على دمنةٍ

 

ولا يشرب الماء إلا بدم

يلذّ العطاء وسفك الدماء

 

فيغدو على نعم أو نقم

لأبي عبّاد الكاتب وقال أبو عبّاد الكاتب: لا تنزل مهمّ حوائجك بالجيّد اللسان، ولا المتسرّع إلى الضّمان، فإنّ العجز مقصورٌ على المتسرّع؛ ومن وعد ما يعجز عنه فقد ظلم نفسه وأساء إلى غيره؛ ومن وثق بجودة لسانه ظنّ أنّ في فصل بيانه ما ينوب عن عذره وأن وعده يقوم مقام إنجازه.
وقال أيضاً: عليك بذي الحصر البكيّ، وبذي الخيم الرضيّ، فإن مثقالاً من شدّة الحياء والعيّ، أنفع في الحاجة من قنطارٍ من لسانٍ سليطٍ وعقلٍ ذكيّ؛ وعليك بالشّهم النّدب الذي إن عجز أيأسك، وإن قدر أطعمك.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:

لا تطلبـنّ إلـى لـئيم حـاجة

 

واقعد فإنك قائماً كالـقـاعـد

يا خادع البخلاء عن أمولـهـم

 

هيهات !تضرب في حديدٍ بارد

وقال آخر:

إذا الشافع استصقى لك الجهد كلّه

 

وإن لم تنل نجحاً فقد وجب الشّكر

وقال آخر:

وإذا امرؤٌ أسدى إليك صنيعةً

 

من جاهه فكأنّها من مالـه

أعرابي يذكر رجلاً بعلو الهمّة ذكر أعرابيّ رجلاً، فقال: كان واللّه إذا نزلت به الحوائج قام إليها ثم قام بها، ولم تقعد به علاّت النفوس.
قال الشاعر:

ماإن مدحتك إلا قلت تخدعني

 

ولا استعنتك إلا قلت مشغول

في شهامة شبيب بن شيبة ابن عائشة قال: كان شبيب بن شيبة رجلاً شريفاً يفزع إليه أهل البصرة في حوائجهم فكان إذا أراد الركوب تناول من الطعام شيءاً ثم ركب؛ فقيل له: إنك تكابر الغذاء فقال: أجل أطفىء بهفورة جوعي، وأقطع به خلوف فمي، وأبلغ في قضاء حوائجي، فخذ من الطعام ما يذهب عنك النّهم؛ ويداوي من الخوى.
قال بعض المحدثين:

لعمرك ما أخلفت وجهاً بذلـتـه

 

إليك ولا عرّضته للـمـعـاير

فتىً وفرت أيدي المحامد عرضه

 

وخلّت لديه ماله غـير وافـر

وقال آخر:

أتيتك لا أدلـي بـقـربـي ولا يدٍ

 

إليك سوى أنّي بـجـودك واثـق

فإن تولني عرفاً أكن لك شـاكـراً

 

وإن قلت لي عذراً أقل أنت صادق

وقال رجلٌ لآخر في كلامه: أيدينا ممدودةٌ إليك بالرغبة، وأعناقنا خاضعةٌ لك بالذّلّة، وأبصارنا شاخصةٌ إليك بالشكر؛ فافعل في أمورنا حسب أملنا فيك، والسلام.

الإجابة إلى الحاجة والردّ عنها

للعباس بن محمد وعلي بن عبد اللّه بن العباس في معنى هذا العنوان قال رجل للعّباس بن محمد: إنّي أتيتك في حاجةٍ صغيرةٍ؛ قال: اطلب لها رجلاً صغيراً. وهذا خلاف قول عليّ بن عبد اللّه بن العبّاس لرجل قال له: إني أتيتك في حاجةٍ صغيرةٍ فقال له عليّ بن عبد اللّه: هاتها، إنّ الرجل لا يصغر عن كبير أخيه ولا يكبر عن صغيره.
بين الأحنف ورجل قال رجل للأحنف: أتيتك في حاجةٍ لا تنكيك ولا ترزؤك. قال: إذاً لا تقضى! أمثلي يؤتى في حاجةٍ لا تنكي ولا تزر! بين رجل ورقبة جاءه مع قوم يسألونه حاجة جاء قومٌ يكلمونه في حاجةٍ لهم ومعهم رقبو، فقال لرقبة: تضمنونها؟ فقال له رقبة: جئناك نطلب منك فضل التوسّع فأدخلت علينا همّ الضمّان بين عمر وبن عبيد وحقص بن سالم أتى عمرو بن عبيد حفص بن سالم، فلم يسأله أحدٌ من حشمه شيئاً إلا قال: لا فقال عمرو: أقلّ من قول: "لا" فإنّ "لا" ليست في الجنّة.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا سئل ما يجد أعطى، وإذا سئل ما لا يجد قال: "يصنع اللّه".
شعر لعمر بن أبي ربيعة قال عمر بن أبي ربيعة:

إنّ لي حاجةً إليك فقالت

 

بين أذني وعاتقي ما تريد

أي قد تضمّنته لك فهو في عنقي في إجابة حاجة رجل سأل رجلٌ قوماً؛ فقال له رجل منهم: اللّهم هذا سائلنا ونحن سؤالك، وأنت بالمغفرة أجود منّا بالعطاء، ثم أعطاه.
وفي ردّ الإجابة سأل رجلٌ رجلاً حاجةً؛ فقال: اذهب بسلام. قال السائل: أنصفنا من ردّنا في حوائجنا إلى اللّه عزّ وجلّ.
بين ثمامة ورجل قال رجل لثمامة: إنّ لي إليك حاجةً؛ قال ثمامة: ولي إليك حاجةٌ؛ قال: ما هي؟ قال: لا ؟أذكرها حتى تتضمّن قضاءها؛ قال: قد فعلت؛ قال: حاجتي ألا تسألني هذه الحاجة؛ قال: رجعت عما أعطيتك؛ قال ثمامة: لكنّي لا أردّ ما أخذت.
بين الأصمعي ورجل اشترى منه ثمرة نخلة قال الحافظ: تمشّي قومٌ إلى الأصمعيّ مع رجل اشترى منه ثمرة نخله، فناله فيها خسرانٌ وسألوه حسن النظر له؛ فقال الأصمعيّ: أسمعتم بالقسمة الضّيزى! هي ما تريدون شيخكم عليه، إشترى منّي على أن يكون الخسران عليّ والربح له! إذهبوا فاشتروا لي طعام السّو على هذا الوجه والشرط. ثم قال: ها هنا واحدةٌ هي لكم دوني، ولا بدّ من الإحتمال لكم إذ لم تحتملوا لي، هذا ما مشيتم معه إلا وأنتم توجبون حقّه وتحبّون رفده، ولو كنت أوجب له مثل الذي توجبون لقد كنت أغنيته عنكم، ولكن لا أعرفه ولا يضرّنني بحقّ؛ فهلمّ فلنتوزع هذا الخسران بيننا بالسواء. فقاموا ولم يعودوا، وأيس التاجر فخرج له من حقّه.
يزيد بن عمير الأسيدي ينصح بنيه بردّ السؤال قال يزيد بن عمير الأسيدي لبنيه: يا بنيّ، تعلمّوا الردّ فإنه أشدّ من الإعطاء، ولأن يعلم بنو تميم أن عند أحدكم مائة ألف درهم أعظم له في أعينهم من أن يقسمها فيهم، ولأن يقال لأحدكم: بخيلٌ وهو غنيٌ، خيرٌ له من أن يقال: سخيٌ وهو فقير.
شعر لإسحاق بن إبراهيم وقال إسحاق بن إبراهيم:

النصر يقرئك الـسـلام وإنـمـا

 

أهدي السلام تعرضّاً للمطـمـع

فاقطع لبانتـه بـيأسٍ عـاجـلٍ

 

وأرح فؤادك من تقاضي الأضلع

ثمامة يعرّض بمحمد بن الجهم ذكر ثمامة محمد بن الجهم فقال: لم يطمع أحداً قطّ في ماله إلا ليشغله بالطمع فيه عن غيره، ولا شفع لصديقٍ ولا تكلّم في حاجة متحرّمٍ به، إلا ليلقن المسؤول حجّة منع، وليفتح على السائل باب حرمانٍ.
شعر سهل بن هارون إلى موسى بن عمران كتب سهل بن هارون إلى موسى بن عمران:

إنّ الضمير إذا سألتك حـاجةً

 

لأبي الهذيل خلاف ما أبدي

 

فأمنعه روح اليأس ثم امدد له

 

حبل الرجاء لمخلف الوعـد

 

وألن له كنفاً ليحسن ظـنّـه

 

في غير منفـعةٍ ولا رفـد

 

حتى إذا طالت شقاوة جدّه

 

وعناؤه فأجبهه بـالـردّ

       

لحبّى المدينية في الجرح الذي لا يندمل والذل والشرف قيل لحبى المدينيّة: ما الجرح الذي لا يندمل؟ قالت: حاجة الكريم إلى اللئيم ثم يردّه. قيل لها: فما الذل؟ قالت: وقّوف الشريف بباب الدنيء ثم لا يؤذن له. قيل: فما الشرف؟ قالت: اعتقاد المنن في رقاب الرجال.
لمعن بن زائدة قال معن بن زائدة: ما سألني قطّ أحدٌ فرددته إلا رأيت الغنى في قفاه.
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه روى عليّ بن مسهر عن هشام عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: أعلمتم أن الطمع فقرٌ، وأن اليأس غنىً، وأن المرء إذا يئس استغنى عنه.
وقال آخر في كلامٍ له: كلّ ممنوعٍ مستغنىً عنه بغيره، وكلّ مانع ما عنده ففي الأرض غنىً عنه.
وقد قيل: أرخص ما يكون الشيء عند غلائه.
وقال بشار: "والدر يترك من غلائه" لشريح في سؤال الحاجة ومنعها قال شريح: من سأل حاجةً فقد عرض نفسه على الرّق، فإن قضاها المسؤول استبعده بها، وإن ردّه عنها رجع حرّاً وهما ذليلان: هذا بذّل البخل، وهذا بذّل الردّ.
وقال بعضهم: من سألك لم يكرم وجهه عن مسألتك، فأكرم وجهك عن ردّه.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يردّ ذا حاجةٍ إلا بها أو بميسور من القول.
لأسماء بن خارجة في تمنعه عن رد ذي حاجة وقال أسماء بن خارجة: ما أحبّ أن أردّ أحداً عن حاجةٍ؛ فإنه لا يخلو من أن يكون كريماً فأصونه، أو لئيماً فأصون منه نفسي.
شعر لأعرابي وقال أعرابيّ سأل حاجة فردّ عنها: وقال أعرابيّ سأل حاجة فردّ عنها:

ما يمنع الناس شيئاً كنت أطلبـه

 

إلا أرى اللّه يكفي فقد ما منعوا

بين الحسن بن علي ورجل جاء يسأله حاجة، ومثله مع أخيه الحسين وعبد اللّه بن عمر أتى رجلٌ الحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما يسأله؛ فقال الحسن: إن المسألة لا تصلح إلا في غرمٍ فادحٍ أو فقر مدقع أو حمالة مفظعةٍ؛ فقال الرجل: ما جئت إلا في إحداهنّ. فأمر له بمائة دينار.
ثم أتى الرجل الحسين بن علي رضي اللّه عنهما فسأله، فقال له مثل مقالة أخيه، فردّ عليه كما ردّ على الحسن، فقال: كم أعطاك؟ قال: مائة دينار، فنقصه ديناراً. كره أن يساوي أخاه.
ثم أتى الرجل عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما فسأله فأعطاه سبعة دنانير ولم يسأله عن شيء فقال الرجل له: إني أتيت الحسن والحسين، واقتصّ كلامهما عليه وفعلهما به؛ فقال عبد اللّه ويحك! وأنّى تجعلني مثلهما! إنهما غرّاً العلم غرّا المال.
بين شيخ من بني عقيل وعمر بن هبيرة حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: جاء شيخٌ من بني عقيلٍ إلى عمر بن هبيرة، فمتّ بقرابةٍ وسأله فلم يعطه شيئاً؛ فعاد إليه بعد أيام فقال: أنا العقيليّ الذي سألك منذ أيام؛ فقال عمر: وأنا الفزاري الذي منعك منذ أيام؛ فقال: معذرةً إلى اللّه! إني سألتك وأنا أظنك يزيد بن هبيرة المحاربيّ؛ فقال: ذاك الأم لك، وأهون بك عليّ، نشأ في قومك مثلي ولم تعلم به، ومات مثل يزيد ولا تعلم به! يا حرسيّ اسفع بيده.
بين عبد اللّه بن الزبير وأعرابي أتى عبد اللّه بن الزبير أعرابيٌ يسأله، فشكا إليه نقب ناقته واستحمله؛ فقال له ابن الزبير: ارقعها بسبتٍ واخصفها بلهب وافعل....؛فقال الأعرابيّ: إني أتيتك مستوصلاً ولم آتك مستوصفاً، فلا حملت ناقةٌ حملتني إليك! فقال: إن وصاحبها.
من أمثال العرب فيمن رجع خائباً والعرب تقول لمن جاء خائباً ولم يظفر بحاجته: "جاء على غبيراء الظهر" وتقول هي والعوامّ: "جاء بخفّي حنين"؛ و"جاء على حاجبه صوفةٌ".
شعر أبو عطاء السندي في عمر بن هبيرة وقال أبو عطاء السّندي في عمر بن هبيرة:

ثلاثٌ حكتهنّ لـقـرم قـيسٍ

 

طلبت بها الأخوة والثـنـاء

رجعن على حواجبهن صوفٌ

 

فعند اللّه أحتسب الـجـزاء

الأصل في قول العرب "جاء بخفي حنين"
والأصل في قولهم: "جاء بخفي حنين" أن إسكافاً من أهل الحيرة ساومه أعرابيٌ بخفّين، فاختلفا حتى أغضبه، فازداد غيظ الأعرابيّ؛ فلما ارتحل أخذ حنينٌ أحد خفّيه فألقاه على طريقه ثم ألقى الآخر في موضع آخر؛ فلما مرّ الأعرابي بأحدهما قال: ما أشبه هذا بخفّ حنين! ولو كان معه الآخر لأخذته، ومضى؛ فلما انتهى إلى الأخر ندم على تركه الأوّل، وأناخ راحلت فأخذه ورجع إلى الأوّل، وقد كمن له فعمد إلى راحلته وما عليها فذهب به؛ وأقبل الأعرابيّ ليس معه غير الخفّين؛ فقال له قومه: ما الذي أتيت به؟ قال: بخّفي حنين.
قالوا: فإن جاء وقد قضيت حاجته قيل: "جاء ثانياً من عنانه" فإن جاء ولمّا تقض حاجته وقد أصيب ببعض ما معه، قالوا: "ذهب يبتغي قرناً فلم يرجع بأذنين". يقول بشار:

فكنت كالعير غدا يبتغي

 

قرناً فلم يرجع بأذنين

لأعرابي وقد سأل قوماً سأل أعرابيّ قوماً، فقيل له: بورك فيك! فقال: وكلكم اللّه إلى دعوةٍ لا تحضرها نيّة.
بين الوليد وأعرابي أرسل الوليد خيلاً في حلبةٍ، فأرسل أعرابيٌ فرساً له فسبقت الخيل؛ فقال له الوليد: احملني عليهما؛ فقال: إن لها حرمةً، ولكني أحملك على مهر لها سبق الخيل عام أوّل وهو ريضّ.
من أقوال العرب وتقول العرب فيمن يشغله شأنه عن الحاجة يسألها: "شغل الحلي أهله أن يعار" بنصب الحلي، ويعار: من العارية. فأمّا قولهم: "أحقّ الخيل بالركض المعار" فأنّ المعار: المنتوق الذّنب وهو المهلوب؛ يريدون أنه أخفّ من الذيّال الذنب، يقال: أعرت الفرس إذا نتفته.
وتقول العرب لمن سئل وهو لا يقدر فردّ: " بيتي يبخل لا أنا"؛ يريدون أنه ليس عنده ما يعطي.
ووعد رجلٌ رجلاً فلم يقدر على الوفاء بما وعده؛ فقال له: كذبتني. قال: لا، ولكن كذبك مالي.
وتقول العرب فيمن اعتذر بالمنع بالعدم وعنده ما سئل: "أبى الحقين العذرة". قال أبو زيد: وأصله أن رجلاً ضاف قوماً فاستسقاهم لبناً، وعندهم لبنٌ قد حقنوه في وطبٍ، فاعتذروا أنه لا لبن عندهم؛ فقال: "أبى الحقين العذرة". ويقال: " العذرة طرف البخل".
شعر للطائي يذكر المطل وقال الطائي يذكر المطل:

وكان المطل في بدءٍ وعـودٍ

 

دخاناً للصنيعة وهـي نـار

نسيب البخل مذ كانا وإن لـم

 

يكن نسبٌ فبينهمـا جـوار

لذلك قيل بعض المنع أدنـى

 

إلى جودٍ وبعض الجود عار

لإسماعيل القراطيسي في الفضل بن الربيع قال إسماعيل القراطيسيّ في الفضل بن الربيع:

لئن أخطأت فـي مـدح

 

ك ما أخطأت في منعي

لقد أحللت حـاجـاتـي

 

بوادٍ غــير ذي زرع

بين المنذر بن الزبير وحكيم بن حزام غزا المنذر بن الزبير "في" البحر ومعه ثلاثون رجلاً من بني أسد بن عبد العزّى؛ فقال له حكيم بن حزام: يا بن أخي، إني قد جعلت طائفةً من مالي للّه عزّ وجلّ، وإني قد صنعت أمراً ودعوتكم له، فأقسمت عليك لا يردّه عليّ أحدٌ منكم. فقال المنذر: لاها اللّه إذاً، بل نأخذ ما تعطي، فإن نحتج إليه نستعن به ولا نكره أن يأجرك اللّه، وإن نستعن عنه نعطه من يأجرنا اللّه فيه كما أجرك.
شعر لأعرابي وقد سأل رجلاً فأعطاه درهمين سأل أعرابيٌّ رجلاً يقال له: الغمر فأعطاه درهمين، فردّهما وقال:

جعلت لغمرٍ درهمـيه ولـم يكـن

 

ليغني عني فاقتي درهما غـمـر

وقلت لغمر خذهما فاصطرفهـمـا

 

سريعين في نقض المروءة والأجر

أتمنع سؤّال العشـيرة بـعـد مـا

 

تسمّيت غمراً واكتنيت أبا بـحـر

شعر لأبي العتاهية في الفضل بن الربيع وقد سأله حاجة فلم يقضها له اختلف أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع في حاجةٍ له زماناً فلم يقضها له، فكتب:

أكلّ طول الزمان أنـت إذا

 

جئتك في حاجةٍ تقول غدا!

لا جعل اللّه لي إلـيك ولا

 

عندك ما عشت حاجةٍ أبدا!

وقال آخر:

إن كنت لم تنو فيما قلت لي صلةً

 

فما انتفاعك من حبسي وترديدي

فالمنع أجمله ما كان أعـجـلـه

 

والمطل من غير عسرٍ آفة الجود

وقال آخر:

بسطت لساني ثم أوثقت نصـفـه

 

فنصف لساني في امتداحك مطلق

 

فإن أنت لم تنجز عداتي تركتني

 

وباقي لسان الشكر باليأس موثق

         

وقال آخر:

يا جواد اللسان من غير فعلٍ

 

ليت جود اللسان في راحتيكا

المواعيد وتنجّزها

لجبار بن سلمى في عامر بن الطفيل ذكر جبّار بن سلمى عامر بن الطّفيل فقال: كان واللّه وعد الخير وفى، وإذا أوعد بالشرّ أخلف وعفا.
شعر لأبي عمرو بن العلاء وأنشد أبو عمرو بن العلاء في نثل هذا المعنى:

ولا يرهب ابن العمّ ما عشت صولتي

 

ويأمن منّي صـولة الـمـتـهـدّد

وإنّـي إن أوعـدتـه أو وعـدتـه

 

ليكذب إيعادي ويصدق مـوعـدي

وكان يقال: وعد الكريم نقدٌ، ووعد اللئيم تسويف.
شعر عبد الصمد بن الفضل لخالد بن ديسم وقال عبد الصّمد بن الفضل الرّقاشيّ "أبو الفضل والعباس الرّقاشيّين البغداديّين" لخالد بن ديسم عامل الرّيّ:

أخالد إنّ الرّيّ قد أجحفت بـنـا

 

وضاق علينا رحبها ومعاشهـا

وقد أطمعتنا منك يوماً سحـابةٌ

 

أضاء لنا برقٌ وكفّ رشاشهـا

فلا غيمها يصحو فيؤيس طامعٌ

 

ولا ماؤها يأتي فتروى عطاشها

شعر لأبي الحجاج وقال رجل في الحجّاج:

كأنّ فؤادي بين أظـفـار طـائر

 

من الخوف في جوّ السماء محلّق

حذار امرىء قد كنت أعلـم أنـه

 

متى ما يعد من نفسه الشرّ يصدق

لعمرو بن الحارث في الخلف بالوعد قال عمرو بن الحارث: كنت متى شئت أجد من يعد وينجز، فقد أعياني من يعد ولا ينجز.
قال: وكانوا يفعلون ولا يقولون، فقد صاروا يقولون ويفعلون، ثم صاروا يقولون ولا يفعلون، ثم صاروا لا يقولون ولا يفعلون.
شعر لبشار، ولغيره، في ذلك المعنى قال بشار:

وعدتني ثم لم توفي بمـوعـدتـي

 

فكنت كالمزن لم يمطر وقد رعدا

هذا مثل قول العرب لمن يعد ولا يفي: "برقٌ خلّب" وقال آخر:

قد بلوناك بحمد اللّه إن أغنى البلاء

 

فإذا جلّ مواعي

 

دك والـجــحـــد ســـواء

وقال آخر:

لها كلّ عامٍ موعدٌ غير نـاجـزٍ

 

ووقت إذا ما رأس حولٍ تجرّما

فإن أوعدت شرّاً أتى دون وقته

 

وإن وعدت خيراً أراث وأعتما

لعبد اللّه بن عمر وقد زوّج ابنته لرجل من قريش وعد عبد اللّه بن عمر رجلاً من قريش أن يزوّجه ابنته! فلما كان عند موته أرسل إليه فزوّجه إياها، وقال: كرهت أن ألقى اللّه عزّ وجلّ بثلث اتّفاق شعر للطائي وقال الطائي:

تقول قول الذي ليس الوفاء له

 

خلقاً وتنجز إنجاز الذي حلفا

وأثنى اللّه تبارك وتعالى على نبيّه إسماعيل صلى اللّه عليه وسلم فقال: "إنّه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً" شعر لبشار، ولغيره، في المدح وقال بشار يمدح:

إذا قال تمّ علـى قـولـه

 

ومات العناء بلا أو نعـم

وبعض الرجال بمـوعـده

 

قريبٌ وبالفعل تحت الرّجم

كجاري السّراب ترى لمعه

 

ولست بواجده عـنـدكـم

وقال العبّاس بن الأحنف:

ما ضرّ من قطع الرجاء ببخله

 

لو كان علّلني بوعـدٍ كـاذب

وقال آخر:

عسى منك خيرٌ من نعم ألف مرّةٍ

 

من آخر غال الصّدق منه غوائله

وقال نصيب:

يقول فيحسن القول ابن ليلى

 

ويفعل فوق أحسن ما يقول

وقال زيادٌ الأعجم:

للّه درّك من فـتـىً

 

لو كنت تفعل ما تقول

لا خير في كذب الجوا

 

د وحبّذا صدق البخيل

من أمثال العرب في الخلف بالوعد والعرب تضرب المثل في الخلف بعرقوب. قال ابن الكلبيّ عن أبيه: كان عرقوب رجلاً من العماليق؛ فأتاه أخٌ له فسأله شيئاً؛ فقال له عرقوب: إذا أطلع نخلي. فلما أطلع أتاه، قال: إذا أبلح. فلما أبلح أتاه، فقال: إذا أزهى. فلما أزهى أتاه، قال: إذا أرطب أتاه، قال: إذا صار تمراً جدّه من الليل ولم يعط أخاه شيئاً.
شعر لكعب بن زهير، ولغيره، في هذا المعنى قال كعب بن زهير:

كانت مواعيد عرقوبٍ لها مثلاً

 

وما مواعيدها إلاّ الأباطـيل

وقال الأشجعيّ:

وعدت وكان الخلف منك سجيّةً

 

مواعيد عرقوب أخاه بيتـرب


هكذا قرأته على البصريين في كتاب سيبويه بالتاء وفتح الراء.
وقال الشاعر:

متى ما أقل يوماً لطالـب حـاجةٍ

 

نعم، أقضها قدما وذلك من شكلي

وإن قلت لا، بيّنتها من مكانـهـا

 

ولم أوذه منها بجرٍّ ولا مـطـل

وللبخـلة الأولـى أقـلّ مـلامةً

 

من الجود بداءاً ثم يتبع بالبـخـل

لأبي نواس في امرأة وقال أبو نواس لامرأة:

أنضيت أحرف لا مما لهجت بها

 

فحوّلي رحلها عنها إلى نـعـم

أو حوّليها إلى "لا" فهي تعدلهـا

 

إن كنت حاولت في ذا قلّة الكلم

قستم علينا فعارضنا قياسـكـم

 

يا من تناهى إليه غاية الكـرم

وفي هذا معنىً لطيفٌ.
من رجل إلى صديق له كتب رجلٌ إلى صديق له: قد أفردتك برجائي بعد اللّه، وتعجّلت راحة اليأس ممن يجود بالوعد ويضنّ بالإنجاز، ويحسد أن يفضل، ويزهد أن يفضل، ويعيب الكذب ولا يصدق وقال آخر:

وذي ثقةٍ تبدّل حين أثـرى

 

ومن شيمي مراقبة الثّقات

فقلت له عتبت عليّ إثمـاً

 

فراراً من مؤونات العدات

فعد لمودّتي وعلـيّ نـذرٌ

 

سألتك حاجةً حتى الممات

شعر في أصحاب النبيذ وقال آخر في أصحاب النبيذ:

مواعيدهم ربحٌ لمن يعدونـه

 

بها قطعوا برد الشتاء وقاظوا

وقال مسلم:

لسانك أحلى من جنى النحل موعداً

 

وكفّك بالمعروف أضيق من قفل

تمنّي الذي يأتيك حتّى إذا انتهـى

 

إلى أجلٍ ناولته طرف الحـبـل

شعر خلف بن خليفة لأبان بن الوليد وقد وعده وأبطأ عليه وسأل خلف بن خليفة أبان بن الوليد أن يهب له جاريةً، فوعده وأبطأ عليه؛ فكتب إليه:

أرى حاجتي عند الأمير كأنّمـا

 

تهمّ زماناً عـنـده بـمـقـام

وأحصر من إذكاره إن لقـيتـه

 

وصدق الحياء ملجمٌ بـلـجـام

أراها إذا كان النهـار نـسـيئةً

 

وبالليل تقضي عند كلّ مـنـام

فيا ربّ أخرجها فإنك مخـرجٌ

 

من الميت حيّاً مفصحاً بكـلام

فتعلم ما شكري إذا ما قضيتهـا

 

وكيف صلاتي عندها وصيامي

وإن حاجتي من بعد هذا تأخّرت

 

خشيت لما بي أن أزور غلامي

والعرب تقول: "أنجز حرٌّ ما وعد" شعر أمية بن أبي الصلت لعبد اللّه بن جدعان وقال أميّة بن أبي الصّلت لعبد اللّه بن جدعان:

أأذكر حاجتي أم قد كفاني

 

حياؤك إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوماً

 

كفاه من تعرضه الثنـاء

للطائي وقال الطائي:

وإذا المجد كان عوني على المر

 

ء تقاضيته بترك التّقـاضـي

كلمات في استنجاز المواعيد وقال الزّهريّ: حقيقٌ على من أورق بوعدٍ، أن يثمر بفعل.
وقال المغيرة: من أخرّ حاجة رجلٍ فقد تضمنّ قضاءها.
وقال الشاعر:

كفاك مدكراً وجهي بأمـري

 

وحسبي أن أراك وأن تراني

وكيف أحثّ من يعني بشأنـي

 

ويعرف حاجتي ويرى مكاني

وقال الشاعر:

يا صاح قل في حاجتي

 

أذكرتها فيما ذكرتـا

إنّ السّراح من النجـا

 

ح إذا شقيت بما طلبتا

وقال آخر:

في تصديك للمطالب إذكا

 

رٌ بوعدٍ جرى به المقدار

كتاب لصديق وكتب بعض الكتاب إلى صديقٍ له: إن من العجب إذكار معنيٍّ، وحث متيقظٍ واستبطاء ذاكرٍ؛ إلا أن ذا الحاجة لا يدع أن يقول في حاجته، حلّ بذلك منها أو عقل. وكتابي تذكرةٌ والسلام.
شعر للطرماح وقال الطرماح:

ألحسن منزلتي تؤخر حاجتـي

 

أم ليس عندك لي بخيرٍ مطمع

شعر حمزة بن بيض لمخلد بن يزيد بن المهلب وقال حمزة بن بيضٍ لمخلد بن يزيد بن المهلّب:

أتيناك في حاجةٍ فاقضهـا

 

وقا مرحباً يجب المرحب

ولا تكلّنا إلى مـعـشـرٍ

 

متى يعدوا عدةً يكذبـوا

وقال بعض المحدثين:

حوائج الناس كلّها قضـيت

 

وحاجتي لا أراك تقضيهـا

أناقة اللّه حاجتي عقـرت

 

أم نبت الحرف في نواحيها

شعر جرير لعمر بن عبد العزيز
وقال جريرٌ لعمر بن عبد العزيز:

أأذكر الضّرّ والبلوى التبي نزلت

 

أم تكتفي بالذي بلّغت من خبري

وقال آخر:

أرواح لتسليم عليك وأغتـدي

 

وحسبك بالتّسليم منّي تقاضيا

كفى بطلاب المرء ما لا يناله

 

عناءً وباليأس المصرّح ناهيا

وقال آخر:

ما أنت بالسّبب الضّعيف وإنما

 

نحج الأمور بقوّة الأسـبـاب

فاليوم حاجتنـا إلـيك وإنـمـا

 

يدعى الطبيب لكثرة الأوصاب

كتاب إلى سلطان كتب بعض الكتّاب إلى بعض السلطان: أنا أنزّهك عن التجمّل لي بوعدٍ يطول به المدى ويعتزله الوفاء، وأحبّ أن يتقرر عندك أن أملي فيك أبعد من أن أختلس الأمور منك اختلاس من يرى في عاجلك عوضاً من آجلك، وفي الراهن من يومك بدلاً من المأمول في غدك، وألا تكون منزلتي في نفسك منزلة من يصرف الطرف عنه وتستكره النفس عليه ويتكلّف ما فوق العفو له، وأن يختار بين العذر والشكر؛ فاللّه يعلم أنّ أثر الحظّين عندي أحقّهما عليك، وأصوبهما لحالي عندك.
وفي كتاب: ذو الحرمة ملومٌ على فرط الدّالة، كما أنّ المتحرّم به مذمومٌ على التناسي والإزالة. ومن مذهبي الوقوف بنفسي دون الغاية التي يقدّمني إليها حقّي، لأمرين: أحدّهما ألاّ أرضى بدون الحقّ أزيد في الحقّ. والثاني أن أرى النفيس من الحظّ زهيداً إذا أتىمن جهة الإ رهاق ولي ذمام الموّدة الصادقة التي كلّ حرمةٍ تبعٌ لها، وحق الشكر الذي جعله اللّه وفاءً بالنعم وإن جلّ قدرها؛ وأنت مراعي المعالي وحافظ بقيّة الكرم؛ فأيّ سبيل للعذر، بل أي موضع للإكداء بين حرمتي ورعايتك، وذمامي وكرمك! قال أحمد بن يوسف: أوّل المعروف مستخفٌ، وآخره مستثقل؛ يكاد أوّله يكون للهوى دون الرأي، وآخره للرأي دون الهوى. ولذلك قيل: ربٌ الصنيعة أشدّ من ابتدائها.
شعر أبو العطاء السندي في يزيد بن عمر بن هبيرة قال أبو عطاء السّندي في يزيد بن عمر "بن هبيرة":

ثلاثٌ حكتهن لقـوم قـيسٍ

 

رجعن إليّ صفراً خائبات

أقام على الفرات يزيد شهراً

 

فقال الناس أيّهما الفـرات

فيا عجباً لبحرٍ فاض يسقي

 

جميع الناس لم يبلل لهاتي

حال المسؤول عند السؤال

شعر في معنى هذا العنوان قال الشاعر:

سألناه الجزيل فما تلـكّـا

 

وأعطى فوق منيتنا وزادا

مراراً ما أعـود إلـيه إلاّ

 

تبسّم ضاحكاً وثنى الوسادا

وقال آخر:

قومٌ إذا نزل الغريب بدارهـم

 

تركوه ربّ صواهلٍ وقـيان

وإذا دعوتهـم لـيوم كـريهةٍ

 

سدّوا شعاع الشمس بالفرسان

لا ينقرون الأرض عند سؤالهم

 

لتلمّس العلاّت بـالـعـيدان

بل يبسطون وجوههم فترى لها

 

عند السؤال كأحسن الألـوان

وقال آخر:

يجعل المعروف والبرّ ذخراً

 

ويعدّ الحمد خير التّجـارة

وإذا ما جئتـه تـجـتـديه

 

خلته بشّرتـه بـبـشـاره

فترى في الطّرف منه حياءً

 

وترى الوجه منه استنـاره

وقال آخر:

إذا غدا المهـديّ فـي جـنـده

 

أوراح في آل الرسول الغضاب

بدا لك المعروف في وجـهـه

 

كالضوء يجري في ثنايا الكعاب

للعتبي، ولزهير وأنشدني العتبيّ:

له في ذرى المعروف نعمى كأنها

 

مواقع ماء المزن في البلد القفر

إذا ما أتاه السـائلـون تـوقـدت

 

عليه مصابيح الطلاقة والبـشـر

والمشهور في هذا قول زهير:

تراه إذا ما جئته متـهـلّـلاً

 

كأنّك تعطيه الذي أنت سائله

لأعرابي وقد سأل رجلاً فردّه وسأل رجل من الأعراب رجلاً "فلم يعطه" شيئاً؛ فقال:

كدحت بأظفاري وأعملت معـولـي

 

فصادفت جلموداً من الصّخر أملسا

تشاغل لما جئت في وجه حاجـتـي

 

وأطرق حتى قلت قد مات أو عسى

وأجمعت أن أنـعـاه حـين رأيتـه

 

يفوق فواق "الموت" ثم تنـفّـسـا

فقلت له لا بأس، لـسـت بـعـائذٍ

 

فأفرخ تعلوه الكـآبة مـبـلـسـا

لمسلم، وغيره وقال مسلم:

أطرق لما أتيت ممـتـدحـاً

 

فلم يقل "لا" فضلاً على "نعم"

فخفت إن مات أن أقـاد بـه

 

فقمت أبغي النّجاء من أمـم

لو أنّ كنز البـلاد فـي يده

 

لم يدع الإعتلال بـالـعـدم

وقال الحارث الكندي:

فلما أن أتيناه وقـلـنـا

 

بحاجتنا تلوّن لون ورس

وأض بكفّه يحتكّ ضرساً

 

يرينا أنه وجعٌ بضـرس

فقلت لصاحبي أبه كزاز

 

وقلت أسرّه أتراه يمسي

وقمنا هاربين معاً جميعاً

 

نحاذر أن نزنّ بقتل نفس

لأعرابي دخل على المساور الضبي فردّه خائباً قال الأصمعي: دخل أعرابّي على المساور الضّبي وهو بندار الرّي، فسأله فلم يعطه شيئاً، فأنشأ يقول:

أتيت المسـاور فـي حـاجةٍ

 

فما زال يسعل حتى ضـرط

وحكّ قفاه بـكـر سـوعـه

 

ومسّح عثنونه وامـتـخـط

فأمسكت عن حاجتـي خـيفةً

 

لأخرى تقطّع شرج السفـط

فأقسم لو عدت في حاجـتـي

 

للطّخ بالسلح وشي النـمّـط

وقال غلطنا حساب الخـراج

 

فقلت من الضّراط جاء الغلط

قال: فكان العامل كّلما ركب صاح به الصّبيان: "من الضرط جاء الغلط" فهرب من غير عزل إلى بلاد أصبهان.
لنهار بن توسعة في قتيبة بن مسلم وقال نهار بن توسعة في قتيبة بن مسلم:

كانت خراسان أرضاً إذ يزيد بها

 

وكلّ باب من الخيرات مفتوح

فبدّلت بعده قرداً نـظـيف بـه

 

كأنما وجهه بالخلّ منـضـوح

لجرير في يزيد وقال جرير:

يزيد يغضّ الطّرف دوني كأنّمـا

 

زوى بين عينيه عليّ المحـاجـم

فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى

 

ولا تلقنـي إلا وأنـفـك راغـم

وقال آخر:

لا تسأل المرء عن خلائقه

 

في وجهه شاهدّ من الخبر

لمحمد بن واسع حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي عن الأبحّ عن البتيّ قال: قال محمد بن واسع: إنك لتعرف فجور الفاجر في وجهه.
شعر لأبي العتاهية قال أبو العتاهية:

ما لي أرى الناس قد أبرقوا

 

بلؤم الفعال وقد أرعـدوا

إذا جئت أفضلهم للـسـلا

 

م ردّ وأحشـاؤه تـرعـد

كأنك من خشية لـلـسـؤا

 

ل في عينه الحيّة الأسـود

لبعضهم في زياد وقال آخر:

إذا ما الرزّق أحجهم عن كريمٍ

 

فألجأه الـزمـان إلـى زياد

تلقّاه بـوجـهٍ مـكـفـهـر

 

كأن عليه أرزاق الـعـبـاد

وقال أخر:

ولي خليلٌ ما مسّنـي عـدمٌ

 

مذ نظرت عينه إلى عدمي

بشّرني بالغنى تـهـلـلّـه

 

وقبل هذا تهلـلّ الـخـدم

ومـحـنة الـزائرين بـينةٌ

 

تعرف قبل اللقاء في الحشم

العادة من المعروف تقطع

كان يقال: انتزع العادة ذنبّ محسوبّ لأبي الأسود الدؤلي

وقال أبو الأسود "الدؤلـي":

 

ليت شعري عن أميري ما الذي

 

غاله في الودّ حتـى ودعـه

لا تهنّي بعد إذ أكرمـتـنـي

 

وشديد عادةٌ مـنـتـزعـه

أذكر البلوى التي أبلـيتـنـي

 

وكلاماً قلته في المجـمـعة

لا يكن برقك برقاً خـلّـبـاً

 

إنّ خير البرق ما الغيث معه

للأعشى والمشهور في هذا قول الأعشي:

عوّدت كندة عادةً فاصبر لها

 

واغفر لجاهلها وروّ سجالها

لأعرابي في القطع بعد العطاء سأل أعرابّي قوماً، فرقّ له رجلٌ منهم فضمّه إليه وأجرى له رزقاً أياماً ثم قطع عنه؛ فقال الأعرابي:

تسرّى فلمّا حاسب المرء نفسه

 

رأى أنه لا يستقيم له السّـرو

مثله لأبي زياد الكلابي وقدم أبو زياد الكلابي مع أعراب سنة القحمة، فأجرى عليهم رجلٌ رغيفاً لكل رجلٍ ثم قطعه؛ فقال أبو زياد:

إن يقطع العباس عنا رغيفة

 

فما يأتني من نعمة اللّه أكثر

والحكماء تقول: "العادة طبيعةٌ ثانيةٌ" في الأثر وفي الحديث: "الخير عادةٌ والشرّ لجاجةٌ" لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء لرجل من الأشراف:

ولقد ضربنا في البلاد فلم نجد

 

أحداً سواك إلى المكارم ينسب

فاصبر لعادتك التي عودتـنـا

 

أولاً فأرشدنا إلى من نذهـب

من أقوال العرب وتقول العرب فيمن اصطنع معروفاً ثم أفسده بالمنّ أو قطعه حين كاد يتمّ: "شوى أخوك حتى إذا أنضج رمدّ" لأبي كعب القاص قال أبو كعب القاصّ: كان رجل يجري عليّ رغيفاً في كلّ يوم، وكان يقول إذا أتاه الرغيف: لعنك اللّه ولعن من بعث بك، ولعنني إن تركتك حتى أصيب خيراً منك.
والعرب تقول في مثل هذا: "خذ من الرّضفة ما علها" وقال الشاعر:

وخذ القليل من اللئيم وذمّه

 

إنّ اللئيم بما أتى معذور

ومعذور: موسوم في موضع العذار، وليس هو من العذر

الشكر والثناء

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني شيخ لنا عن وكيع عن سفيان عن منصور عن هلال بن أساف قال: قال "النبي" صلى اللّه عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليدن عليه من ستر بيته فإنّ اللّه عزوجلّ يقسم الثناء كما يقسم الرزق" وحدّثني أيضاً عن وكيع عن سعيد عن أبي عمران الجوني عن عبد اللّه بن الصّامت قال: قال أبو ذرّ: قلت للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم: الرجل يعمل العمل ويحبّه الناس؟ قال: "تلك عاجل بشرى المؤمن" وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "إذا أردتم أن تعلموا ما للعبد عند اللّه فانظروا ماذا يتبعه من الثناء" مضاعفة الثناء كما تضاعف الحسنات حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: كان يقال: الثناء يضاعف كما تضاعف الحسنات؛ يكون الرجل سخيّاً فيزيد اللّه في سخائه، ويكون شجاعاً فيزيد اللّه في شجاعته.
بين عمر بن الخطاب ورجل وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن العمريّ قال: قال رجلٌ لعمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: إنّ فلاناً رجل صدقٍ. قال: سافرت معه؟ قال: لا قال: فكانت بينك وبينه خصومة؟ قال: لا. قال: فهل ائتمنته على شيء؟ قال: لا. قال: فأنت الذي لا علم لك به أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد؟؟! لبعض الحكماء في الشعر قال بعض الحكماء: إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر وقال آخر: حقّ النّعمة أن تحسن لباسها، وتنسبها إلى وليّها، وتذكر ما تناسى عندك منها.
شعر لبعض الحارثيين وقال بعض الحارثّيين:

عثمان يعلم أنّ الحمد ذو ثـمـن

 

لكنّه يشتهي حمـداً بـمـجّـان

والناس أكيس من أن يحمدوا أحداً

 

حتى يروا قبله آثار إحـسـان

لحماد عجرد، ثم لابن حطان وقال حمّاد عجرد:

قد ينقضي كلّ ما أوليت من حسنٍ

 

إذا أتى دون ما أولـيت يومـان

تنأى بودّك ما استغنت عن أحـدٍ

 

وطمعت فأنت الواصل الدّانـي

الشّهد أنت إذا ما حاجةٌ عرضت

 

وحنظلٌ كلّما استغنيت خطبـان

وقال عمران بن حطّان:

وقد عرضت لي حاجةٌ وأظننـي

 

بأنّي إذا أنزلتها بـك مـنـجـح

فإن أك في أخذ العطيّة مربحـاً

 

فإنك في بذل العـطـيّة أربـح

لأنّ لك العقبى من الأجر خالصاً

 

وشكري في الدنيا، فحظّك أرجح

لمعاوية بن أبي سفيان يعاتب قريشاً وقال معاوية بن أبي سفيان يعاتب قريشاً:

إذا أنا أعطيت القلـيل شـكـوتـم

 

وإن أنا أعطيت الكثير فلا شكـر

وما لمت نفسي في قضاء حقوقكم

 

وقد كان لي فيما اعتذرت به عذر

وأمنحكم مالي وتكفر نعـمـتـي

 

وتشتم عرضي في مجالسها فهـر

إذا العذر لم يقبل ولم ينفع الأسـى

 

وضاقت قلوبٌ منهم حشوها الغمر

فكـيف أداوي داءكـم ودواؤكـم

 

يزيدكم غيّاً؟؟ فقد عظـم الأمـر

سأحرمكم حتى يذلّ صعـابـكـم

 

وأبلغ شيءٍ في صلاحكم الفقـر

لطريح الثقفي، وللخريمي وقال طريح الثّقفيّ:

سعيت ابتغاء الشكر فيما صنعت بي

 

فقصّرت مغلوباً وإني لـشـاكـر

للخريمي ومثله قول الخريميّ:

لأنك تعطيني الـجـزيل بـداهةً

 

وأنت لما استكثرت من ذاك حاقر

ومثله قوله أيضاً:

زاد معروفك عندي عظماً

 

أنه عندك محقور صغير

 

تتنـاسـاه كـأن لـم تـأتـه

 

وهو عند الناس مشهورٌ كبير

           

قول رجل لسلطان قال رجل لبعض السلطان: المواجهة بالشكر ضربٌ من الملق، منسوب من عرف بها إلى التخلق وأنت تمنعني من ذلك وترفع الحال بيننا عنه، ولذلك تركت لقاءك به. غير أني من الاعتراف بمعروفك ونشر ما تطوي منه والإشادة بذكره عند إخوانك والانتساب إلى التقصير مع الإطناب في وصفه، على ما أرجو أن أكون قد بلغت به حال المحتمل للصنيعة، الناهض بحقّ النعمة.
شعر لابن عنقاء الفزاري قال ابن عنقاء الفزاريّ:

رآني على ما بي عميلة فاشتكـى

 

إلى ماله حالي أسرّ كما جـهـر

دعاني فآساني ولو صـدّ لـم ألـم

 

على حين لا بدو يرجّى ولا حضر

فقلت له خيراً وأثنـيت فـعـلـه

 

وأوفاك ما أسديت من ذمّ أو شكر

شعر في الشكر وقال آخر:

سأشكر عمراً إن تراخت منـيتـي

 

أيادي لم تمنن وإن هـي جـلّـت

فتىً غير محجوب الغنى عن صديقه

 

ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت

رأى خلتي من حيث يخفى مكانهـا

 

فكانت قذى عينيه حتى تـجـلّـت

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: أربعةٌ ليست لأعمالهم ثمرة: مسار الأصمّ، والباذر في السبخة، والمسرج في الشمس، وواضع المعروف عند من لاشكر له.
لبعض الشعراء في الشكر وقال بعض الشعراء المحدثين، وقيل: إنه للبحتري، فبعثت إليه أسأله عنه فأعلمني أنه ليس له:

فلو كان للشكر شخصٌ يبين

 

إذا ما تأملـه الـنـاظـر

لبينته لـك حـتـى تـراه

 

فتعلم أنّي امرؤ شـاكـر

ولكنه ساكنٌ في الضمـير

 

يسحرّكه الكلم الـسـائر

وقال آخر:

فلو كان يستغني عن الشكر سيدٌ

 

لعزة ملكٍ أو علـوّ مـكـان

لما أمر الله الجليل بـشـكـره

 

فقال اشكروني أيها الثقـلان

وقال آخر:

فأثنوا علينا لا أبا لأبـيكـم

 

بإحساننا إن الثناء هو الخلد

وقال رجل من غنيٍّ:

فإذا بلغتم أهلكم فتحدثـوا

 

ومن الثناء مهالك وخلود

لعائشة رضي الله عنها تتمثل بشعر في شكر النعمة وكانت عائشة رضي الله عنها تتمثل بقول الشاعر:

يجزيك أو يثني عليك وإن مـن

 

أثنى عليك بما فعلت كمن جزى

شعر الحارث بن شداد في علي بن الربيع الحارثي وقال الحارث بن شداد في عليّ بن الربيع الحارثي:

الناس تحتك أقدام وأنـت لـهـم

 

رأسٌ وكيف يسوى الرأس والقدم

فحسبنا من ثناء الـمـادحـين إذا

 

أثنوا عليك بأن يثنوا بما علمـوا

وقال آخر:

بأي الخصلتين عليك أثنـي

 

فإني عند منصرفي مسول

أبالحسنى وليس لها ضـياءٌ

 

عليّ فمن يصدّق ما أقول

أم الأخرى ولست لها بأهلٍ

 

وأنت البحر من ذهبٍ يسيل

لبشار وقال بشار:

أثني عليك ولي حال تكـذبـنـي

 

فيما أقول فأستحيي من الـنـاس

قد قلت إن أبا حفصٍ لأكرم مـن

 

يمشي فخاصمني في ذاك إفلاسي

من بعض الكتاب إلى وزير وكتب بعض الكتاب إلى وزير: لست تشبه حالنا في الحرمة، ولا نشبه حالك في الجاه والقدر، ولا ظاهر ما نحن عليه الباطن. وليس بعد حرمتي حرمةٌ، ولا فوق سببي سبب، ولا بعد حالك حالٌ يرتجى، ولا بعد منزلتك منزلةٌ تتمنى، ولا تنتظر شيئاً ولا أنتظره؛ ولا أتوقع حقاً أزيده في حقوقي، ولا تتوقع فائدة تزيدها في ذات يدك. وكم تحتال بالألفاظ، وتموه بالمعاني، والناس يحتجون بالعمل ويقضون بالعيان.
لبعض الشعراء في قلة الشكر وقال بعض الشعراء:

وزهدني في كل خيرٍ صنـعـتـه

 

إلى الناس ما جريت من قلة الشكر

شعر لأبي الهول في أبي المراء عتبة بن عاصم وقال أبو الهول في أبي المراء عتبة بن عاصم:

إذا فاخرتنا من معـدٍّ عـصـابةٌ

 

فحزناً عليها بابن عتبة عاصـم

يجرّ رياط الحمد في دار قومـه

 

ويختال في عرضٍ من الذم سالم

من رجل لبعض السلطان
وقال رجل لبعض السلطان: مثلك أوجب حقاً لا يجب عليه، وسمح بحق يجب له، وقيل واضح العذر، واسكثر قليل الشكر. لا زالت أياديك فوق شكر أوليائك، ونعمة الله عليك فوق آمالهم فيك.
وكتب آخر: ما أنتهي إلى غايةٍ من شكرك، إلا وجدت وراءها غايةً من معورفك يحسرني بلوغها. وما عجز الناس عنه فالله من ورائه. فلا زالت أيامك ممدودةً بين أمل لك تبلغه، وأمل فيك تحقّقه، حتى تتملّى من الأعمار أطولها، وتنال من الهبات أفضلها.
ونحو هذا قول آخر: كان لي فيك أملان: أحدهما لك، والآخر بك، فأمّا الأمل لك فقد بلغته، وأما الأمل بك فأرجو أن يحقّقه الله ويوشكه.
وفي كتاب آخر: أيام القدرة وإن طالت قصيرةٌ، والمتعة بها وإن كثرت قليلةٌ، والمعروف وإن أسدي إلى من يكفره مشكورٌ بلسان غيره.
لبعض الكتّاب وفي كتاب بعض الكتّاب: وما ذكرت - أعزك الله - من ذلك قديماً ولا جدّدت منه حديثاً، إلا وأصغر أملي فيك فوقه إن كان استحقاقي دونه. فإن أقض واجب حقّ الله عليّ في كشر نعمك فبتوفيقه وعونه، وإن أقصّر عن كنهه فعن غير تقصيرٍ في بلوغ الجهد فيه.
وفي هذا الكتاب: أما ما بذل الأمير من ماله، فذلك ما قد سبق الرجاء بل اليقين إليه، معرفةً مني بطوله وكرمه، وليس ينكر أياديه ولا بدع صنائعه. وما يرشدني أملي بعد الله إلا إليه، ولا أفزع لحادثةٍ إلى غيره، ولا أتضاءل لنائبة معه. ولو عجزت عن النهضة لما حاولت الاستقلال والانتعاش إلا به. ومال الأمير الكثير المذخور عند انقطاع الحيل، ولا معنّفٌ طالبه، ولا مخوّفٌ على الرد عنه واهبه، ولا عائق منعٍ دونه، ولا تنغيص من ورائه؛ ولا كنز أولى بالصون وأن يجعل وقفاً على النوائب والعواقب من كنز من هذه حاله.
بين بني تميم وسلامة بن جندل قالت بنو تميم لسلامة بن جندل: مجّدنا بشعرك؛ فقال: افعلوا حتى أثني.
شعر لعمرو بن معد يكرب ونحوه قول عمرو بن معد يكرب:

فلو أن قومي أنطقطتني رماحهم

 

نطقت ولكن الرمـاح أجـرّت

بين قرشي وأشعب قال رجل من قريش لأشعب: والله ما شكرت معروفي عندك. فقال: إن معروفك كان من غير محتسبٍ، فوقع عند غير شاكر.
شعر لأبي نواس، وآخرين وقال أبو نواس:

أنت امرؤ أوليتنـي نـعـمـاً

 

أوهت قوى شكري فقد ضعفا

فإليك بـعـد الـيوم تـقـدمةً

 

والتك بالتصريح منكـشـفـا

لا تـحـدثـنّ إلـيّ عـارفةً

 

حتى أقوم بشكر ما سـلـفـا

وقال أبو نخيلة:

شكرتك إنّ الشكر حبلٌ من التقى

 

وما كلّ من أقرضته نعمةً يقضي

فأحييت من ذكري وما كان ميّتـاً

 

ولكن بعض الذكر أنبه من بعض

آخر:

لأشكرنّك معروفاً همـمـت بـه

 

إن اهتمامك بالمعروف معروف

ولا ألومك إن لم يمـضـه قـدرٌ

 

فالشيء بالقدر المحتوم مصروف

بين رجل وسعيد بن جبير وقال رجل لسعيد بن جبير: المجوسيّ يوليني خيراً فأشكره، ويسلّم عليّ فأردّ عليه. فقال سعيد: سألت ابن عباس عن نحو هذا، فقال لي: لو قال لي فرعون خيراً لرددت عليه مثله.
شعر لابن الأعرابي أنشد ابن الأعرابي:

أهلكتني بفـلانٍ ثـقـتـي

 

وظنون بفلانٍ حـسـنـه

ليس يستوجب شكراً رجلٌ

 

نلت خيراً منه من بعد سنه

لبعضهم وقال بعضهم: لا تثق بشكر من تعطيه حتى تمنعه؛ فإن الصابر هو لشاكر، والجازع هو الكافر.
لأوس بن حجر وقال أوس بن حجر:

سأجزيك أو يجزيك عني مثوّبٌ

 

وقصدك أن يثنى عليك وتحمدي

من أمثال العرب في الشكور والعرب تقول: فلانٌ "أشكر من البروق" وهو نبت ضعيف ينبت بالسحاب إذا نشأ وبأدنى مطر.
وقال الشاعر:

لئن طبت نفساً عن ثنائي فـإنـنـي

 

لأطيب نفساً عن نداك على عسري

فلست إلى جدواك أعظـم حـاجةً

 

على شدّة الإعسار منك إلى شكري

وقال آخر:

حسب امرئٍ إن فاتني غرضُ

 

من برّه أن فاته شـكـري

إني إذا ضاق امرؤ بـجـداً

 

عني اتسعت عليه بالـعـذر

شعر الطائي إلى إسحاق بن إبراهيم وقال الطائي لإسحاق بن إبراهيم:

ومحجّب حاولتـه فـوجـدتـه

 

نجماً عن الركب العفاة شسوعا

 

أعدمته لما عدمـت نـوالـه

 

شكري فرحنا معدمين جميعا

         

وقال:

فإن يك أربى عفو شكري على ندى

 

أناسٍ فقد أربى نداه على جهـدي

وقال:

وكيف يجور عن قصدٍ لساني

 

وقلبي رائحٌ برضاك غادي

ومما كانت العلماء قـالـت

 

لسان المرء من خدم الفؤاد

وقال:

أبا سعيدٍ وما وصفـي بـمـتّـهـمٍ

 

على الثناء وما شكري بمـخـتـرم

لئن جحدتك وما أوليت مـن نـعـمٍ

 

إني لفي الشكر أحظى منك في النعم

أنسى ابتسامـك والألـوان كـاسـفةً

 

تبسّم الصبح في داجٍ من الـظـلـم

رددت رونق وجهي في صحيفـتـه

 

ردّ الصقال بهاء الصـارم الـخـذم

وما أبالي، وخير القـول أصـدقـه،

 

حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي

وقال:

فلا تكدر حياضك لي فإني

 

أمتّ إليك آمـالاً طـوالا

وفر جاهي عليّ فإن جاهي

 

إذا ما غبّ يومٌ كان مـالا

وقال:

يا منّةً لك لولا ما أخـفّـفـهـا

 

به من الشكر لم تحمل ولم تطق

بالله أدفع عني ثقل فـادحـهـا

 

فإنني خائفٌ منه على عنـقـي

شعر لبشار في عمر بن العلاء وقال بشار في عمر بن العلاء:

دعاني إلى عمـرٍ جـوده

 

وقول العشيرة بحرٌ خضم

ولولا الذي زعموا لم أكن

 

لأمدح ريحانةً قبل شـمّ

مراتب الشكر ويقال: الشكر ثلاث منازل: لمن فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإفضال عليه.
شعر لإبراهيم بن المهدي يشكر المأمون قال إبراهيم بن المهدي يشكر المأمون:

رددت مالي ولم تمنن علـيّ بـه

 

وقبل ردّك مالي قد حقنت دمـي

فأبت منك وقد جللتني نـعـمـاً

 

هي الحياتان من موتٍ ومن عدم

فلة بذلت دمي أبغي رضاك بـه

 

والمال حتى أسل النعل من قدمي

ما كان ذاك سوى عاريّةٍ رجعت

 

إليك لو لم تعرها كنت لم تـلـم

وقام علمك بي فاحتج عندك لـي

 

مقام شاهد عدلٍ غير مـتّـهـم

للخثعمي وقال آخر، وبلغني أنه الخثعمي:

فاذهبا بي إن لم يكن لكما عق

 

رٌ إلى جنب قبره فاعقراني

وانضحا من دمي عليه فقد كا

 

ن دمي من نداه لو تعلمـان

بين سليمان بن عبد الملك ورجل وفد عليه شاكراً وفد رجل على سليمان بن عبد الملك في خلافته؛ فقال له: ما أقدمك؟ قال: ما أقدمني عليك رغبةٌ ولا رهبةٌ. قال: وكيف ذاك؟ قال: أما الرغبة فقد وصلت إلينا وفاضت في رحالنا وتناولها الأقصى والأدنى منا، وأما الرهبة فقد أمنا بعدل أمير المؤمنين علينا وحسن سيرته فينا من الظلم، فنحن وفد الشكر.
الفرزدق يمدح عمرو بن عتبة وقال الفرزدق في عمرو بن عتبة:

لولا ابن عتبة عمروٌ والرجاء له

 

ما كانت البصرة الحمقاء وطنا

أعطاني المال حتى قلت يودعني

 

أو قلت أودع لي مالاً رآه لنـا

فجوده متعبٌ شكري ومنّـتـه

 

وكلما زدت شكراً زادني مننـا

يرمي بهمته أقصى مسافتـهـا

 

ولا يريد على معروفه ثمـنـا

لأعرابي في كرم أحدهم هذا مثل قول الأعرابيّ: ما زال فلانٌ يعطيني حتى ظننت أنه يودعني ماله. وما ضاع مالٌ أورث المحامد.
خمسة أشياء ضائعة ويقال: خمسة أشياء ضائعةٌ: سراجٌ يوقد في شمسٍ، ومطرٌ جودٌ في سبخةٍ، وحسناء تزفّ إلى عنّينٍ، وطعامٌ استجيد وقدّم إلى سكران، ومعروفٌ صنيع إلى من لا شكر له.
قول في الشكر وكان يقال: الشكر زيادةٌ ف النّعم وأمانٌ من الغير.
لأسماء بن خارجة وقال أسماء بن خارجة: إذا قدمت المصيبة تركت التّعزية، وإذا قدم الإخاء قبح الثناء.
لروح بن حاتم وقد أرسل إلى كاتب له بدراهم بعث روح بن حاتم إلى كاتب له بثلاثين ألف درهم، وكتب إليه: قد بعثت بها إليها، ولا أقلّلها تكبّراً، ولا أكثّرها تمنّناً، ولا أستثيبك عليها ثناء، ولا أقطع عنك بها رجاء.
من كتاب الهندفي ستة أشياء لا ثبات لها وفي كتاب للهند: لا ثناء مع كبر.
وفيه: ستّة أشياء لا ثبات لها: ظلّ الغمام، وخلّة الأشرار، وعشق النساء، والمال الكثير، والسّلطان الجائر، والثناء الكاذب.
من أمثال العرب والعرب تقولك:"لا تهرف قبل أن تعرف" أي تطنبنّ في لثّناء قبل الاختيار.
شعر لأبي نواس وهو في الحبس إلى الفضل بن الربيع وكتب أبو نواس من الحبس إلى الفضل بن الربيع:

ما من يدٍ في الناس واحدةٍ

 

كيدٍ أبو العباس مولاهـا

نام الثّقات على مضاجعهم

 

وسرى إلى نفسي فأحياها

قد كنت خفتك ثم آمننـي

 

من أن أخافك خوفك اللّه

فعفوت عنّي عفو مقتـدرٍ

 

وجبت له نقمٌ فألغـاهـا

والبيت المشهور في هذا قول النّجاشيّ:

لا تحمدنّ امرأً حتى تجرّبه

 

ولا تذمّنّ من لم يبله الخبر

شعر في اختبار الرجال وقال آخر في الاختبار:

إنّ الرجال إذا اختبرت طباعهم

 

ألفيتهم شتّى على الأخـبـار

لا تعجلنّ إلى شريعة مـوردٍ

 

حتى تبيّن خـطّة الإصـدار

لأبي العالية وقال الرّياشيّ: أنشدني أبو العالية:

إذا أنا لم أشكر على الخير أهله

 

ولم أذمم الجبس اللئيم المذمما

ففيم عرفت الخير والشرّ باسمه

 

وشقّ لي اللّه المسامع والفما

لابن التوءم في الجواد قال ابن التّوءم: كلّ من كان، جوده يرجع إليه؛ ولولا رجوعه إليه لما جاد عليك، ولو تهيأ له ذلك المعنى في سواك لما قصد إليك، فليس يجب له عليك شكرٌ. وإنما يوصف بالجود في الحقيقة ويشكر على النفع في حجّة العقل، الذي إن جاد عليك فلك جاد، ونفعك أراد، من غير أن يرجع إليه جوده بشيءٍ من المنافع على جهةٍ من الجهات، وهو اللّه وحده لا شريك له. فإن شكرنا الناس على بعض ما جرى لنا على أيديهم، فلأمرين: أحدهما التعبّد؛ وقد أمر اللّه تعالى بتعظيم الوالدين وإن كانا شيطانين، وتعظيم من هو أسنُّ منّا وإن كنّا أفضل منه. والآخر: لن النفس ما لا تحصّل الأمور وتميّز المعاني، فالسابق إليها حبّ من جرى لها على يديه الخير وإن كان لم يردها ولم يقصدها إليها. إلا ترى أن عطيّة الرجل صاحبه لا تخلو أن تكون للّه أو لغير اللّه؛ فإن كانت للّه فثوابه على اللّه؛ وكيف يجب في حجّة العقل شكره وهو لو صادف ابن سبيل غيري لما أعطاني؛ وإما يكون إعطاؤه إياي للذكر؛ فإن كان كذلك فإنما جعلني سلماً إلى حاجته وسبباً إلى بغيته؛ أو يكون إعطاؤه إيايّ طلباً للمكافأة؛ فإنما ذلك تجارةٌ؛ أو يكون إعطاؤه لخوف يدي أو لساني أو اجترار معونتي ونصرتي، وسبيل هذا معروفٌ؛ أو يكون إعطاؤه للرحمة والرّقة ولما يجد في فؤاده من العصر والألم، فإنما داوى بتلك العطيّة من دائه ورفّه من خناقه.
وكان محمد بن الجهم يقول: نحو هذا قول الشاعر:

لعمرك ما الناس أثنوا علـيك

 

ولا عظّموك ولا عظـمـوا

ولا شايعوك على ما بـلـغ

 

ت من الصالحات ولا قدّموا

ولو وجدوا لهم مـطـعـنـاً

 

إلى أن يعيبوك ما جمجمـوا

ولكن صبرت لما ألـزمـوك

 

وجدت بما لـم يكـن يلـزم

وكان قراك إذا مـا لـقـوك

 

لساناً بما سـرّهـم ينـعـم

وخفض الجناح ووشك النجاح

 

وتصغير ما عظّم المنـعـم

فأنت بفضلك ألـجـأتـهـم

 

إلى أن يجلّوا وأن ينعـمـوا

شعر لخلف بن خليفة الأقطع وقال خلف بن خليفة الأقطع:

وفي اليأس من أن تسأل الناس راحةٌ

 

تميت بها عسراً وتحيي بها يسـراً

ولـيس يدٌ أولـيتـهـا بـغـنـيمة

 

إذا كنت تبغي أن يعدّ لها شـكـرا

غنى النفس يكفي النفس ما سدّ فاقةً

 

فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقـرا

شعر لعبد الرحمن بن حسان قال ابن عائشة: بلغني أنّ عبد الرحمن بن حسّان سأل بعض الولاة حاجةً فلم يقضها له، فسألها آخر فقضاها له؛ فقال:

ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتي

 

تولّى سواكم أجرها واصطناعها

 

أبى لك كسب الحمد رأيٌ مقصرٌ

 

ونفسٌ أضاق اللّه بالخير باعها

 

إذا هي حثّته على الخير مـرّةً

 

عصاها وإن همّت بشرٍّ أطاعها

         

بين ابن عيينة ورجل سأله عن الثناء على اللّه تعالى وقال ابن عائشة: قال رجلٌ يوماً لابن عيينة: ما شيء تحدثونه يا أبا محمد؟ قال: ماهو؟ قال: يقولون إن اللّه تعالى يقول: أيّما عبدٍ كانت له إليّ حاجةٌ فشغله الثناء عليّ عن سؤال حاجته، أعطيته فوق أمنيّته. فقال له: يا بن أخي، وما تنكر من هذا! أما سمعت قول أميّة بن أبي الصّلت في عبد اللّه بن جدعان:

أثنى عليه المرء يومـاً

 

كفاه من تعرضه الثناء

فكيف بأكرم الأكرمين! وكان يقال: في طلب الرجل الحاجة إلى أخيه فتنةٌ: إن هو أعطاه حمد غير الذي أعطاه وإن هو منعه ذم غير الذي منعه.
شعر لدكين الراجز حدّثنا الرّياشيّ قال: أنشدنا كيسان لدكين الراجز:

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه

 

فكـل رداءٍ يرتـديه جـمــيل

إذا المرء لم يصرع عن اللؤم نفسه

 

فليس إلى حسن الثنـاء سـبـيل

أول منازل الحمد وكان يقال: أول منازل الحمد السلامة من الذم.
شعر لعروة بن أذنية قال عروة بن أذينة اللّيثي:

لا تتركن إن صنيعةٌ سلـفـت

 

منك وإن كنت لا تصغّرهـا

إلى امرىء أن يقول إن ذكرت

 

عندك في الجدّ لست أذكرهـا

فإنّ إحـياءهـا إمـاتـتـهـا

 

وإنّ منّـا بـهـا يكـدّرهـا

وإن تولّى امرؤٌ بـشـكـر يدٍ

 

فاللّه يجزي بها ويشكـرهـا

إحياء المعروف ويقال: أحيوا المعروف بإماتته.
لأبي همرو بن مسعدة في خير مواضع المعروف أبو سفيان الحميريّ قال: كان مسعدة الكاتب أبو عمرو بن مسعدة مولىً لخالد القسريّ، وكان في ديوان الرسائل بواسط، وكان موجزاً في كتبه، فكتب إلى صديق له: أما بعد، فإنه لن يعدمك من معروفك عندنا أمران: أجرٌ من اللّه وشكرٌ منّا. وخير مواضع المعروف ما جمع الأجر والشكر. والسلام.
كتاب بعض الكتاب لأحد العمال وكتب بعض الكتّاب إلى بعض العمّال: وما أتأملّ في وقت من الأوقات ولا يومٍ من الأيام آثار أياديك لديّ، ومواقع معروفك عندي، إى نبّهني التأمل على ما يحسر الشكر ويثقل الظهر، لأنك أنعشت من عثرة، وأنهضت من سقطه، وتلافيت نعمةً كانت على شفا زوالٍ ودروس، وتلقّيت ما ألقيت عليك من الكلّ بوجهٍ طليق وباع رحيب. والسلام.

الترغيب في قضاء الحاجة واصطناع المعروف

للنبي صلى اللّه عليه وسلم في معنى هذا العنوان حدثني محمد بم عبيد قال: حدّثنا داود بن المحبّر عن محمد بن الحسن الهمداني عن أبي حمزة عن عليّ بن الحسين عن أبيه عن جدّه عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "من ترك معونة أخيه المسلم والسّعي معه في حاجته قضيت أو لم تقض كلف أن يسعى في حاجة من لا يؤجر في حاجته. ومن ترك الحجّ لحاجةٍ عرضت له لم تقض حاجته حتى يرى رؤوس المحلّقين" وله صلى اللّه عليه وسلم في الشفاعة إليه حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا ابن عيينة عن يزيد بن عبد اللّه بن أبي بردة عن أبيه عن جدّه عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "اشفعوا إليّ ويقضي اللّه على لسان نبيّكم ما شاء".
بلغني عن جعفر بن أبي جعفر المازنّي عن ابن أبي السّريّ عن إبراهيم بن أدهم عن منصور بن المعتمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن أحببت أن يحبك اللّه فأزهد في الدنيا وإن أحببت أن يحبك الناس فلا يقع في يدك من حطامها شيء إلا نبذته إليهم" لابن عيينة عن ابن المنكدر في أفضل الأعمال حدّثني محمد بن داود عن محمد بن جابر قال: قال ابن عيينة: ليس أقول لكم إلاّ ما سمعت: قيل لابن المنكدر: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: إدخال السرور على المؤمن. وقيل: أيّ الدنيا أحبّ إليك؟ قال: الإفضال على الإخوان.
لزرير العطاردي في قضاء أبي رجاء العطاردي حاجات الناس
حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثنا زرير العطارديّ قال: صلّى بنا أبو رجاء العطارديّ العتمة ثم أوى إلى فراشه، فأتته امرأة فقالت: أبا رجاءٍ، إنّ لطارق الليل حقّاً، وإنّ بني فلان خرجوا إلى سفوان وتركوا كتبهم وشيئاً من متاعهم. فانتعل أبو رجاء وأخذ الكتب وأدّاها وصلّى بنا الفجر، وهو مسيرة ليلةٍ للإبل، والناس يقولون: إنها أربعة فراسخ.
للحسن في قضاء الحاجة حدّثني أحمد بن الخليل عن محمد بن سعيد قال: حدّثنا ابن المبارك عن حميدٍ عن الحسن قال: لأن أقضي حاجةً لأخٍ أحبّ إليّ من أن أعتكف سنةً.
دعاء لعمرو بن معاوية العقيلي قال المأمون لمحمد بن عبّاد المهلّبيّ: أنت متلافٌ. فقال: يا أمير المؤمنين، منع الموجود سوء ظنّ بالله، يقول اللّه تعالى: "وما أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفه وهو خير الرازقين" لابن عباس، وللنبي صلى اللّه عليه وسلم في المعروف وكان ابن عبّاس يقول: صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متّكأً. هذا نحو قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: "المعروف يقي مصارع السّوء" لابن عباس أيضاً في المعروف وكان ابن عبّاس يقول أيضاً: ما رأيت رجلاً أوليته معروفاً إلاّ أضاء ما بيني وبينه، ولا رأيت رجلاً أوليته سوءاً إلاّ أظلم ما بيني وبينه.
لجعفر بن محمد في قضاء الحاجة قال جعفر بن محمد: إن الحاجة تعرض للرجل قبلي فأبادر بقضائها مخافة أن يستغني عنها أو تأتيه وقد استبطأها فلا يكون لها عنده موقع.
شعر في قضاء الحاجة وقال الشاعر:

وبادر بسلطان إذا كنـت قـادراً

 

زوال اقتدارٍ أو غنىً عنك يعقب

وقال آخر في مثله:

بدا حين أثرى بإخـوانـه

 

ففكّك عنهم شباة العـدم

وذكّره الحزم غبّ الأمور

 

فبادر قيل انتقال النّعـم

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: من صنع المعروف لعاجل الجزاء، فهو كملقي الحبّ ليصيد به الطير لا لينفعه.
لابن عباس رضي اللّه عنهما قال ابن عباس: ثلاثة لا أكافئهم: رجل بدأني بالسلام، ورجلٌ وسّع لي في المجلس، ورجل قال غبّرت قدماه في المشي إليّ إرادة التسليم عليّ؛ فأما الرابع فلا يكافئه عني إلا الله جلّ وعزّ. قيل: ومن هو؟ قال: رجل نزل به أمرٌ فبات ليلته يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلاً لحاجته.
أقوال في المعروف وقال سلم بن قتيبة: ربّ المعروف أشدّ من ابتدائه.
ويقال: الابتداء بالمعروف نافلة، وربّه فريضة.
قيل لبزرجمهر: هل يستطيع أحد أن يفعل المعروف من غير أن يرزأ شيئاً؟ قال: نعم، من أحببت له الخير وبذلت له الودّ، فقد أصاب نصيباً من معروفك.
لجعفر بن محمد قال جعفر بن محمد: ما توسل إليّ أحدٌ بوسيلةٍ هي أقرب به إلى ما يحب من يدٍ سلفت مني إليه، أتبعتها أختها لأحسن ربها وحفظها؛ لأن منع الأواخر يقطع شكر الأوائل.
لخالد بن عبد الله القسري في رجل كان يبغض قام رجل من مجلس خالد بن عبد الله القسري؛ فقال خالد: إني لأبغض هذا الرجل وما له إليّ ذنب. فقال رجل من القوم: أوله أيها الأمير معروفاً. ففعل، فما لبث أن خفّ على قلبه وصار أحد جلسائه.
لابن عباس في إتمام المعروف قال ابن عباس: لا يتمّ المعروف إلا بثلاثٍ: تعجيله وتصغيره وستره، فإنه إذا عجّله هنّأه، وإذا صغّره عظمه، وإذا ستره تمّمه.
مثله شعر للخريمي وقال الخريمي في نحو هذا:

زاد معروفك عندي عظمـاً

 

أنه عندك محقورٌ صـغـير

تتنـاسـاه كـأن لـم تـأتـه

 

وهو عند الناس مشهورٌ كبير

شعر للطائي وقال الطائي:

جودٌ مشيت به الضراء تواضعاً

 

وعظمت عن ذكراه وهو عظيم

أخفيته فخـفـيتـه وطـويتـه

 

فنشرته والشخص منه عمـيم

وكان يقال: ستر رجلٌ ما أولى، ونشر رجلٌ ما أولي.
وقالوا: المنّة تهدم الصنيعة.
قال الشاعر:

أفسدت بالمنّ ما أسديت من حسنٍ

 

ليس الكريم إذا أسدى بمـنـان

بين ابن شبرمة ورجل قال رجل لابن شبرمة: فعلت بفلانٍ كذا وفعلت به كذا. فقال: لا خير في المعروف إذا أحصي.
في الآثر وفي بعض الحديث: "كلّ معروفٍ صدقةٌ وما لأنفق الرجل على أهله ونفسه وولده صدقةٌ وما وقى المرء به عرضه فهو صدقة وكلّ نفقةٍ أنفقها فعلى اللّه خلفها مثلها إلا في معصيةٍ أو بنيانٍ".
وفي الحديث المرفوع: "فضل جاهك تعود به على أخيك صدقةٌ منك عليه، ولسانك تعبّر به عن أخيك صدقةٌ منك عليه، وإماطتك الأذى عن الطريق صدقةٌ منك على أهله".
وكان يقال: بذل الجاه زكاة الشرف.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

وليس فتى الفتيان من راح واغتدى

 

لشرب صبوحٍ أو لشرب غبـوق

ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى

 

لضرّ عدوٍّ أو لـنـفـع صـديق

لابن عباس قال ابن عباس: لا يزهّدنّك في المعروف كفر من كفره، فإنه يشكرك عليه من لم تصنعه إليه.
شعر لحماد عجرد في الجود وقال حمّاد عجرد:

إنّ الكريم ليخفي عنك عسرتـه

 

حتى تراه غنيّاً وهو مجـهـود

إذا تكرمت أن تعطي القليل ولم

 

تقدر على سعةٍ لم يظهر الجود

وللبخيل على أموالـه عـلـلٌ

 

رزق العيون عليها أوجهٌ سود

أورق بخيرٍ ترجّى للنوال فمـا

 

ترجى الثّمار إذا لم يورق العود

بثّ النوال ولا تمنعك قـلّـتـه

 

فكلّ ما سدّ فقراً فهو محمـود

والعرب تقول:"من حقر حرم".
لسلم بن قتيبة حدّثني عبد الرحمن عن عمه قال: قال سلم بن قتيبة: أحدهم يحقر الشيء فيأتي ما هو شرّ منه. يعني المنع.
وقال الشاعر:

وما أبالي إذا ضيفٌ تضـيّفـنـي

 

ما كان عندي إذا أعطيت مجهودي

جهد المقلّ إذا أعطاك مصطبـراً

 

ومكثرٌ من غنىً سيّان في الجـود

في الأثر وفي الحديث المرفوع "أفضل الصّدقة جهد المقلّ".
للبريق الهذلي وقال البريق الهذليّ:

أبو مالكس قاصرٌ فقره

 

على نفسه ومشيعٌ غناه

لخالد بن عبد اللّه في إتيان المعروف، وشعر للحطيئة وكان خالد بن عبد اللّه يقول على المنبر: أيها الناس عليكم بالمعروف، فإنّ فاعل المعروف لا يعدم جوازيه، وما ضعف الناس عن أدائه قوي اللّه على جوازيه. والبيت المشهور في هذا قول الحطيئة:

من يفعل الخير لا يعدم جـوازيه

 

لا يذهب العرف بين اللّه والناس

ويقال: إنه في بعض كتب اللّه عزّ وجل.
لوهب بن منبه في الإفضال على الإخوان قال وهب بن منبّه: إن أحسن الناس عيشاً من حسن عيش الناس في عيشه، وإنّ من أللّذّة الإفضال على الإخوان.
في الأثر وفي الحديث المرفوع "إنّما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو أعطيت فأمضيت وما سوى ذلك فهو ملك الوارث".
شعر لبشار في إنفاق المال وقال بشار:

أنفق المال ولا تشق به

 

خير ديناريك دينارٌ نفق

لبزر جمهر في الإنفاق وشعر في الجود قال بزر جمهر: إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق فإنها لا تفنى وإذا أدبرت عنك فأنفق فإنها لا تبقة.
أخذه بعض المحدثين فقال:

فانفق إذا أنفقت إن كنت موسـراً

 

وأنفق على ما خيّلت حين تعسر

فلا الجود يفني المال والجدّ مقبلٌ

 

ولا البخل يبقي المال والجدّ مدبر

من كتاب كليلة ودمنة وفي"كتاب كليلة" لا يعدّ عائشاً من لا يشارك في غناه.
مرّ الحسن برجلٍ يقلّب درهماً؛ فقال له: أتحبّ درهمك هذا؟ قال: نعم، قال: أما إنه ليس لك حتى يخرج من يدك.
بين الربيع بن خيثم وأخ له قال الربيع بن خيثم لأخٍ له: كن وصيّ نفسك ولا تجعل أوصياءك الرجال.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

سأحبس مالي علي حاجتي

 

وأوثر نفسي على الوارث

أعاذل عاجل ما أشتـهـي

 

أحبّ من المبطىء الرّائث

لعبيد اللّه بن عكراش قال عبيد بن عكراشً: زمنٌ خؤون، ووارثٌ شفون؛ فلا تأمن الخؤون وكن وارث الشّفون.
لأبي ذرّ وقال أبو ذرّ: لك في مالك شريكان إذا جاءا أخذا ولم يؤامراك: الحدثان والقدر، كلاهما يمرّ على الغثّ والسمين، والورثة ينتظرون متى تموت فيأخذون ما تحت يديك وأنت لم تقدّم لنفسك؛ فإن استطعت ألاّ تكون أخسّ الثلاثة نصيباً فافعل.
لسعيد بن العاص في الحث على الإنفاق وقال سعيد بن العاص في خطبة له: من رزقه اللّه رزقاً حسناً فليكن أسعد الناس به فإنه إنما يترك لأحد رجلين. إمّا مصلحٍ فلا يقلّ عليه شيءٌ، وإمّا مفسدٍ فلا يبقى له شيء. فقال معاوية: جمع أبو عثمان طرفي الكلام.
شعر لحطائط بن يعفر في الجود وقال حطائط بن يعفر:

ذريني أكن للمال ربّا ولا يكن

 

لي المال ربّا تحمدي غبّه غدا

أريني جواداً مات هزلاً لعلّني

 

أرى ما ترين أو بخيلاً مخلّدا

وقلت ولم أعي الجواب تبيّني

 

أكان الهزال حتف زيدٍ وأربد

لأعرابي قال أعرابّي: الدراهم ميسمٌ تسم حمداً أو ذمّا؛ فمن حبسها كان لها، ومن أنفقها كانت له، وما كلّ من أعطي مالاً حمداً، ولا كلّ عديم ذميم.
وقال بعض المحدثين:

أنت للمال إذا أمسكته

 

فإذا أنفقته فالمال لك

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني يزيد بن عمرو عن يزيد بن مروان قال: حدّثنا النعمان بن هلال عن عبد اللّه بن دينار عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول للّه صلى اللّه عليه وسلم: "تنزل المعونة على قدر المؤونة".
بين معاوية ووردان مولى عمرو بن العاص قال أعرابيّ: الدراهم ميسمٌ تسم حمداً أو ذمّاً؛ فمن حبسها كان لها، ومن أنفقها كانت له، وما كلّ من أعطي مالاً أعطي حمداً، ولا كلّ عديم ذميم.
وقال بعض المحدثين:

أنت للمال إذا أمسكته

 

فإذا أنفقته فالمال لك

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني يزيد بن عمرو عن يزيد بن مروان قال: حدّثنا النعمان بن هلال عن عبد اللّه بن دينار عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:"تنزل المعونة على قدر المؤونة".
بين معاوية ووردان مولى عمرو بن العاص قال معاوية لوردان مولى عمرو بن العاص: ما بقي من الدنيا تلذّه؟قال: العريض الطويل. قال: وما هو؟ قال: الجديث الحسن أو ألقى أخاً قد نكبه الدهر فأجبره. قال: نحن أحقّ بهما منك. قال: إن أحقّ بهما منك من سبقك إليهما.
لأعرابي في التزود بالمعروف وقال أعرابي:

ومـا هـذه الأيام إلا مـعـارةٌ

 

فما اسطعت من معروفها فتزوّد

فإنـك لا تـدري بـأيّة بـلـدةٍ

 

تموت ولا ما يحدث اللّه في غد

يقولون لا تبعد، ومن يك بـعـده

 

ذراعين من قرب الأحبّة يبعـد

وقال آخر:

إن كنت لا تبذل أو تسـأل

 

أفسدت ما تعطي بما تفعل

قال بعضهم: مضى لنا سلفٌ أهل تواصلٍ، اعتقدوا منناً، واتخذوا أيادي ذخيرةً لمن بعدهم: كانوا يرون اصطناع المعروف عليهم فرضاً، وإظهار البر حقاً واجباً، في حال الزمان بنشءٍ اتخذوا مننهم صناعةً، وبرّهم مرابحةً، وأياديهم تجارةً واصطناع المعروف مقارضة كنقد السوق خذ مني وهات.
بين عمرو بن عتبة وولده قال العتبي: وقع ميراثٌ بين ناس من آل أبي سفيان وبني مروان، فتشاحوا فيه، فلما انصرفوا أقبل عمرو بن عتبة على ولده، فقال لهم: إن لقريش درجاً تزلق عنها أقدام الرجال، وأفعالاً تخشع لها رقاب الأموال، وألسناً تكلّ معها الشفار المشحوذة، وغاياتٍ تقصر عنها الجياد المنسوبة؛ ولو كانت الدنيا لهم ضاقت عن سعة أحلامهم، ولو اختلف ما نزينت إلا بهم. ثم إن أناساً منهم تخلقوا بأخلاق العوام، فصار لهم رفق باللؤم وخرق في الحرص، لو أمكنهم قاسموا الطير أرزاقها؛ إن خالفوا مكروهاً تعجّلوا له الفقر، وإن عجلت لهم نعمة أخروا عليها الشكر، أؤلئك أنضاء فكر الفقر وعجزة حملة الشكر.
لبعض الحجازيين قال بعض الحجازيين:

فلو كنت تطلب شأو الكرام

 

فعلت كفعل أبي البختري

تتبع إخوانه في الـبـلاد

 

فأغنى المقلّ عن المكثر

القناعة والاستعفاف

للنبي ) في النهي عن سؤال الناس حدّثني شيخٌ لنا عن وكيع عن ابن ذئبٍ عن محمد بن قيس عن عبد الرحمن بن يزيد عن ثوبان قال: قال رسول الله ): "من يتقبل لي بواحدةٍ وأتقبل له بالجنة؟". فقال ثوبان: أنا يا رسول الله. قال: "لا تسأل الناس شيئاً". فكان ثوبان إذا سقط سوطه من يده نزل فأخذه ولم يسأل أحداً أن يناوله إياه.
لعمر بن الخطاب في القناعة والاقتصاد وحدّثني أيضاً عن عبد الرحمن المحاربي عن الأعمش عن مجاهد قال: قال عمر رضي الله عنه: ليس من عبدٍ إلا وبينه وبين رزقه حجابٌ، فإن اقتصد أتاه رزقه وإن اقتحم هتك الحجاب ولم يزد في رزقه.
للنبي ): "إن الصفا الزلال الذي لا تثبت عليه أقدام العلماء الطمع".
وقال عليه السلام: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب".
شعر لابن حازم قال ابن حازم:

للناس مالٌ ولي مالان ما لهـمـا

 

إذا تحارس أهل المال أحـراس

مالي الرضا بالذي أصبحت أملكه

 

ومالي اليأس مما يملك النـاس

أخذ هذا من قول أبي حازم المدنيّ، وقال له بعض الملوك: مامالك؟ قال: الرضا عن اللّه، والغنى عن الناس.
لبشار بن بشر في الإستعفاف وقال بشار بن بشر:

وإني لعفٌ عن فكاهة جارتـي

 

وإنيّ لمشنوء إليّ اغتـيابـهـا

إذا غاب عنها بعلها لم أكن لهـا

 

زءوراً ولم تأنس إليّ كلابهـا

ولم أك طلاباً أحاديث سـرّهـا

 

ولا عالماً من أيّ حوكٍ ثيابهـا

وإن قراب البطن يكفيك ملـؤه

 

ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها

إذا سدّ بابٌ عنك من دون حاجةٍ

 

فذرها لأخرى ليّنٍ لك بابـهـا

لابن أبي حاوم وقال ابن أبي حازم:

أوجع من وخزة السّنان

 

لذي الحجا وخزة اللّسان

فاسترزق اللّه واستعنـه

 

فإنه خير مسـتـعـان

وإن نبا منـزلٌ بـحـرٍ

 

فمن مكانٍ إلى مكـان

لا يثبت الحرّ في مكـانٍ

 

ينسب فيه إلى هـوان

الحرّ حرٌّ وإن تـعـدّت

 

عليه يوماً يد الـزمـان

لعامر بن عبد قيس العنبري في أربع آيات من كتاب اللّه تعالى حدّثني محمد بن داود عن جابر بن عثمان الحنفيّ عن يوسف بن عطيّة قال: حدّثني المعلّى بن زياد القردوسي: أن عامر بن عبد قيس العنبري كان يقول: أربع آياتٍ من كتاب اللّه إذا قرأتهنّ مساءً لم أبال على ما أمسي، وإذا تلوتهنّ صباحاً لم أبال على ما أصبح: "ما يفتح اللّه للنّاس من رحمةٍ فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده". "وإن يردك بخيرٍ فلا رادّ لفضله يصيب به من يشاء من عباده". "وما من دابةٍ في الأرض إلاّ على اللّه رزقها". "سيجعل اللّه بعد عسرٍ يسراً" لإبراهيم بن أدهم في القناعة حدّثني عبد الرحمن عن بشر بن مصلح قال: قال إبراهيم بن أدهم: لا تجعل بينك وبين اللّه منعماً عليك، وعدّ النعم منه عليك مغرما.
في أبرع بيت قالته العرب حدّثني الرّياشيّ عن الأصمعي قال: أبرع بيت قالته العرب بيت أبي ذؤيبٍ الهذليّ:

والنّفس راغبةٌ إذا رغبّتها

 

وإذا تردّ إلى قليلٍ تقنع

للحجاج بن الأسود قال أبو حاتم عن الأصمعيّ، قال: حدّثنا أبو عمرو الصّفّار عن الحجاج بن الأسود قال: احتاجت عجوزٌ من العجز القدم، قال: فجزعت إلى المسألة ، ولو صبرت لكان خيراً لها ولقد بلغني أن الأنسان يسأل فيمنع، ويسأل فيمنع، والصّبر منتبذٌ ناحيةً يقول: لو صرت إليّ لكفيتك.
وكان يقال: أنت أخو العزّ ما التحفت القناعة، ويقال: اليأس حرّ والرّجاء عبدٌ.
وقال بعض المفسّرين في قول اللّه عزوجلّ: "فلنحيينهّ حياةً طيبةً" قال: بالقناعة وصية سعد بن أبي وقاص لابنه وقال سعد بن أبي وقّاص لابنه عمر: يا بنّي إذا طلبت الغنى فأطلبه بالقناعة، فإن لم تكن لك قناعةٌ فليس يغنيك مالٌ.
شعر لعروة بن أذينة ولأبي العتاهية في القناعة بالرزق وقال عروة بن أذينة:

لقد علمت وما الإسراف في طمع

 

أنّ الذي هو رزقي سوف يأتيني

أسعى له فيعنّينـي تـطـلـبـه

 

ولو قعدت أتاني لا يعـنّـينـي

وقال أبو العتاهية:

إن كان لا يغنيك ما يكفـيكـا

 

فكلّ ما في الأرض لا يغنيكا

في القناعة وقال بعضهم: الغنى والفقر يجولان في طلب القناعة فإذا وجداها قطناها حجّت أعرابيةٌ على ناقةٍ لها، فقيل لها: أين زادك؟ قالت: ما معي إلا ما في ضرعها. وقال الشاعر:

يا روح من حسمت قناعته

 

سبب المطامع من غدٍ وغد

من لم يكن للّه متّـهـمـاً

 

لم يمس محتاجاً إلى أحـد

لأردشير في القناعة والتعلّم وقال أردشير: خير الشّيم القناعة، ونماء العقل بالتعلّم شعر للنمر بن تولب، ولآخرين وقال النّمر بن تولب:

ومتى تصبك خصاصة فارج الغنى

 

وإلى الذي يهب الرغائب فارغب

 

لا تغضبنّ على امرىء في مالـه

 

وعلى كرائم صلب مالك فاغضب

         

وقال أبو الأسود:

ولا تطمعن في مال جارٍ لقربه

 

فكلّ قريبٍ لا ينـال بـعـيد

وقال كعب بن زهير:

قد يعوز الحازم المحمود نـيتّـه

 

بعد الثّراء ويثري العاجز الحمق

فلا تخافي علينا الفقر وانتظـري

 

فضل الذي بالغنى من فضله نثق

وشكا رجلٌ إلى قوم ضيقاً فقال له بعضهم: شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك بين هشام بن عبد الملك وسالم بن عبد اللّه وقال هشام بن عبد الملك لسالم بن عبد اللّه ودخلا الكعبة: سلني حاجتك. قال: أكره أن أسأل في بيت اللّه غير اللّه.
لسالم بن عبد اللّه وقد رأى رجلاً يسأل في الموقف ورأى رجلاً يسأل في الموقف فقال: أفي مثل هذا الموضع تسأل غير اللّه عزوجل! شعر لابن المعذّل في التعفف عن سؤال البشر وقال ابن المعذّل:

تكلفني إذلال نفسـي لـعـزّهـا

 

وهان عليها أن أهان لتكـرمـا

تقول سل المعروف يحيى بن أكثم

 

فقلت سليه ربّ يحيى بن أكثمـا

لابن عباس في سؤال الناس وقال ابن عباس: المساكين لا يعودون مريضاً ولا يشهدون جنازةً وإذا سأل الناس اللّه سألوا الناس.
وكان الحسن يطرد السؤّال يوم الجمعة، ولا يرى لهم جمعة.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

حبٌ الرياسة داءٌ لا دواء له

 

وقلّ ما تجد الراضين بالقسم

شعر لمحمود الورّاق في احتجاب الملوك وقال محمودٌ الورّاق:

شاد الملوك قصورهم وتحصّنوا

 

عن كلّ طالب حاجةً أو راغب

غالوا بأبواب الحديد لـعـزّهـا

 

وتنوقوا في قبح وجه الحاجـب

وإذا تلّطف للـدّخـول إلـيهـم

 

راجٍ تلـقّـوه بـوعـدٍ كـاذب

فارغب إلى ملك الملوك ولا تكن

 

ياذا الضّراعة طالباً من طالـب

وجد على ميلٍ في طريق مكة:

ألا يا طالب الدّنـيا

 

دع الدنيا لشانيكـا

إلى كم تطلب الدنيا

 

وظلّ الميل يكفيكا

بين مطرّف بن عبد اللّه وابن أخيه قال مطرّف بن عبد اللّه لابن أخيه: إذا كانت لك إليّ حاجة فاكتب بها رقعةً فإني أضنّ بوجهك عن ذلّ السؤال.
لأبي الأسود وقال أبو الأسود:

وإن أحق الناس إن كنت مادحـاً

 

بمدحك من أعطاك والوجه وافر

شعر كان معاوية يتمثل به وكان معاوية يتمثّل بهذين البيتين:

وفتىً خلا مـن مـالـه

 

ومن المروءة غير خالي

أعطاك قبـل سـؤالـه

 

فكفاك مكروه السـؤال

وقال آخر:

أبا مالكٍ لا تسأل الناس والتمس

 

بكفّيك سيب اللّه فاللّه أوسـع

فلو تسأل الناس التراب لأوشكو

 

إذا قلت هاتوا أن يميلوا فيمنعوا

والمشهور في هذا قول عبيد:

من يسأل الناس يحرموه

 

وسائل اللّه لا يخـيب

بين سليمان وأبي حازم قال سليمان لأبي حازمٍ: سل حوائجك. فقال: قد رفعتها إلى من لا تخذل الحوائج دونه.
قال بعض المفسّرين في قول اللّه عزّ وجلّ: "وهو خير الرازقين" : أي المخلوق يرزق فإذا سخط قطع رزقه، واللّه عزّ وجل يسخط ولا يقطع.
شعر في كراهة الطلب إلا من اللّه عز وجل وقال الشاعر:

لا تضرعنّ لمخلوقٍ على طمعٍ

 

فإنّ ذلك وهنٌ منك بـالـدّين

واسترزق اللّه رزقاً من خزائنه

 

فإنما هو بين الكاف والـنـون

شعر للخليل بن أحمد في الإستعفاف وقال الخليل بن أحمد:

أبلغ سليمان أنّي عنه فـي سـعةٍ

 

وفي غنىً غير أني لست ذا مال

شحاً بنفسي، إنـي لا أرى أحـداً

 

يموت هزلاً ولا يبقى على حـال

فالرزق عن قدرٍ لا الضعف يمنعه

 

ولا يزيدك فيه حول مـحـتـال

للمعلوط، وغيره وقال المعلوط:

متى ما ير الناس الغنـيّ وجـاره

 

فقيرٌ يقولوا عـاجـزٌ وجـلـيد

وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى

 

ولكن حظوظٌ قسّمـت وجـدود

وقال آخر:

يخيب الفتى من حـيث يرزق غـيره

 

ويعطى الفتى من حيث يحرم صاحبه

وقال أبو الأسود:

ليتك آذنـتـنـي بـواحـدةٍ

 

تجعلها منك سـائر الأبـد

تحلف ألاّ تـبـرّنـي أبـداً

 

فإنّ فيها برداً على كبـدي

إن كان رزقي إليك فارم به

 

في ناظري حيّةٍ على رصد

لعمر بن الخطاب في تفضيل العمل على مسألة الناس وقال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: حرفةٌ يقال فيها خيرٌ من مسألة الناس.
لسعيد بن العاص وقال سعيد بن العاص: موطنان لا أستحي من العيّ فيهما: عند مخاطبتي جاهلاً، وعن مسألتي حاجةً لنفسي.
لشريح وقد جاءه رجل يستقرض منه حدّثن محمد بن عبيد عن أبي عبد اللّه عن محمد بن عبد اللّه بن واصل قال: جاء رجلٌ إلى شريح يستقرض دراهم؛ فقال له شريحٌ: حاجتك عندنا فأت منزلك فإنّها ستأتيك، إنّي لأكره أن يلحقك ذّلها.
وصية أبي عاصم لبنيه حدّثني الرّيلشيّ عن الأصمعيّ عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه أنه أوصى بنيه عند موته فقال: إيّاكم والمسألة، فإنها آخر كسب الرجل.
شعر في القناعة والتعففّ وقال بعض المحدثين:

عوّدت نفسي الضّيق حتى ألـفـتـه

 

وأخرجني حسن العزاء إلى الصّبر

ووسّع قلبي للأذى الأنـس بـالأذى

 

وقد كنت أحياناً يضيق به صـدري

وصيّرني يأسي من النـاس راجـياً

 

لسرعة لطف اللّه من حيث لا أدري

وقال آخر:

حسبي بعلمي لو نفـع

 

ما الذّلّ إلا في الطّمع

من راقب اللّه نـزع

 

عن قبح ما كان صنع

ما طار شيء فارتفع

 

إلا كما طـار وقـع

الحرص والإلحاح

من كتاب لبزر جمهر في الحرص والقدر لما قتل بزر جمهر وجد في منطقته كتاباً: إذا كان القدر حقّاً فالحرص باطلٌ وإذا كان الغدر في الناس طباعاً فالثّقة بكلّ أحدٍ عجزّ وإذا كان الموت لكل أحدٍ راصداً فالطمأنينة إلى الدنيا حمقٌ.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

من عفّ خفّ على الصّديق لقاؤه

 

وأخو الحوائج وجهه ممـلـول

من كتاب الهند في الإلحاح وفي كتاب للهند: لا يكثر الرجل على أخيه الحوائج، فإنّ العجل إذا أفرط في مصّ أمه نطحته ونحّته.
شعر لعدّي بن زيد وقال عديّ بن زيد:

قد يدرك المبطىء من حـظّـه

 

والرزق قد يسبق جهد الحريص

لابن المقفع في الحرص والجبن وقال ابن المقفع: الحرص محرمةٌ، والجبن مقتلةٌ، فانظر فيما رأيت وسمعت أمن قتل في الحرب مقبلاً أكثر أم من قتل مدبراً، وانظر من يطلب إليك بالإجمال والتكرم أحقّ أن تسخو نفسك له بالعطّية أم من يطلب ذلك بالشّره والحرص.
وقال الشاعر:

كم من حريص على شىء ليدركه

 

وعلّ إدراكه يدني إلى عـطـبة

وقال آخر:

وربّ ملحّ على بغيةٍ

 

وفيها منيّته لو شعر

قول العرب في الرجل الملحّ والعرب تقول في الرجل الملحّ في الحوائج الذي لا تنقضي له حاجةٌ إلا سأل أخرى:

لا يرسل الساق إلا ممسكاً ساقاً

وأصل المثل في الحرباء، إذا اشتد عليه حرّ الشمس لجأ إلى شجرة ثم توقىّ في أغصانها فلا يرسل غصناً حتىّ يقبض على آخر.
وقال الشاعر:

أنّى أتيح له حرباء تـنـضـبةٍ

 

لا يرسل السّاق إلاّ ممسكاً ساقاً

من كتاب كليلة ودمنة في الحرص والشره وفي كتاب كليلة: لا فقر ولا بلاء كالحرص والشّره، ولا غنى كالرّضا والقناعة، ولا عقل كالتّدبير، ولا روع كالكفّ، ولا حسب كحسن الخلق.
لابن المقفع في الحرص والحسد قال ابن المقفع: الحرص والحسد بكرا الذنوب وأصل المهالك؛ أمّا الحسد فأهلك إبليس، وأما الحرص فأخرج آدم من الجنة.
أيضاً من كتاب كليلة ودمنة في خمسة حرصاء وفي كتاب كليلة: خمسة حرصاء، المال أحبّ إليهم من أنفسهم: المقاتل بالأجرة، وحفّار القنيّ والأسراب، والتّاجر يركب البحر، والحاوي يلسع يده الحيّة، والمخاطر على شرب السمّ.
بين مالك بن دينار ورجل محبوس كان حريصاً بخيلاً دخل مالك بن دينار على رجل محبوسٍ قد أخذ بمال عليه وقيّد، فقال له: يا أبا يحيى، أما ترى ما نحن فيه من هذه القيود! فرفع مالك رأسه فرأى سلّةً، فقال: لمن هذه؟ قال: لي. قال: فأمر بها أن تنزل، فأنزلت فوضعت بين يديه، فإذا دجاجٌ وأخبصةٌ، فقال مالك: هذه وضعت القيود في رجلك.
لأشعب
كان أشعب يقول: أنا أطمع وأمّي تيقن فقلّ ما يفوتنا.
شعر للنابغة وقال النابغة:

واليأس عما فات يعقب راحةً

 

ولربّ مطعمةٍ تعود ذباحـا

لأبي علي الضرير وقال أبو علي الضرير:

فإنّي قد بلوتـكـم جـمـيعـاً

 

فما منكم على شكري حريص

وأرخصت الثناء فعفـتـمـوه

 

وربّتما غلا الشيء الرّخـيص

فعفت نوالكم ورغبت عـنـه

 

وشرّ الزاد ما عاف الخصيص

لأعرابي يهجو الحريص وقل أعرابيّ:

أيّها الدّائب الحريص المعنّى

 

لك رزقٌ وسوف تستوفـيه

قبّح اللّه نـائلاً تـرتـجـيه

 

من يدي من تريد أن تقتضيه

إنما الجود والسماح لمـن يع

 

طيك عفواً وماء وجهك فيه

لا ينال الحريص شيئاً فيكفي

 

ه وإن كان فوق ما يكفـيه

فسل اللّه وحده ودع الـنـا

 

س وأسخطهم بما يرضـيه

لا ترى معطياً لما منـع ال

 

لّه ولا مانعاً لما يعـطـيه

"وجد بالأصل بآخر هذا الجزء ما يأتي": آخر كتاب الحوائج، وهو الكتاب الثامن من عيون الأخبار لابن قتيبة رحمة اللّه عليه. وكتبه الفقير إلى رحمة اللّه تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن عليّ الواعظ الجزريّ، وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة. والحمد للّه ربّ العالمين، وصلاته وسلامه على سيّدنا محمد النبيّ وآله أجمعين. ويتلوه الكتاب التاسع وهو كتاب الطعام، واللّه الموفّق للصّواب.
"وفيه كذلك-وهو من زيادات النسّاخ-": شعر في الاستعفاف وفي الاستعفاف:

علـيك بـالــيأس مـــن الـــنـــاس

 

إنّ غـنـى نـفـســك فـــي الـــياس

كم صـاحـب قـد كـان لـي وامــقـــاً

 

إذ كـــان فـــي حـــالة إفـــلاس

أقول لو قد نال هذا الغنىصيّرنيمنه على الرّاس

 

 

حتى إذا ما صار فيما اشتهى

 

وعـدّه الـنّــاس مـــن الـــنّـــاس

قطّـع بـالـصـدّ حـبـال الـصّـــفـــا

 

منّـي ولـمّـا يرض بـالــقـــاســـي

آخر وقد أحسن:

إنّ للمـعـروف أهـلاً

 

وقـلـيلٌ فـاعـلـوه

أهنأ المعروف مـالـم

 

تبتذل فـيه الـوجـوه

أنت ما استغنيت عن صا

 

حبك الـدّهـر أخـوه

فإذا احـتـجـت إلـيه

 

ساعةً مـجّـك فـوه

إنما يعـرف الـفـض

 

ل من الـنـاس ذووه

لو رأى النـاس نـبـيّاً

 

سائلاً مـا وصـلـوه

من أبي العيناء إلى أبي القاسم بن عبيد اللّه بن سليمان يسأله وكتب أبو العيناء إلى أبي القاسم بن عبيد اللّه بن سليمان رقعة يقول فيها: أنا-أعزّك اللّه-وولدي وعيالي زرعٌ من زرعك، إن سقيته راع وزكا، وإن جفوته ذبل وذوى. وقد مسّني منك جفاءٌ بعد برٍّ وإغفالٌ بعد تعهّد، فشمت عدوٌّ، وتكلّم حاسد، ولعبت بي ظنونٌ؛ وانتزاع العادة شديدٌ. ثم كتب في آخرها:

لا تهنّي بعد إكرامك لي

 

فشديدٌ عادةٌ منتزعـه

آخر:

مالي معاشٌ سوى ضدّ المعاش فلا

 

أغدو إلى عمـلٍ إلاّ بـلا أمـل

وليس لي شغلٌ يجدي عـلـيّ إذا

 

فكّرت فيه وما أنفكّ من شـغـل

كلّ امرىء رائحٌ غادٍ إلى عمـل

 

وما أروح ولا أغدو إلى عـمـل

ولست في الناس موجوداً كبعضهم

 

وإنما أنا بعض الناس في المثـل

   وآخر:

المرء بعد المـوت أحـدوثةٌ

 

يفنى وتبقى مـنـه آثـاره

يطويه من أيّامه ما طـوى

 

لكنّه تـنـشـر أسـراره

وأحسن الحالات حال امرىءٍ

 

تطيب بعد الموت أخبـاره

يفنى ويبقى ذكـره بـعـده

 

إذا خلت من شخصـه داره

شعر لحبيب الطائي وقال حبيب الطائي:

وما ابن آدم إلاّ ذكر صالـحةٍ

 

أو ذكر سيّئةٍ يسري بها الكلم

أما سمعت بدهرٍ بـاد أمّـتـه

 

جاءت بأخبارها من بعدها أمم

شعر في البخل في البخل:

طرقت أناساً علـى غـرّةٍ

 

فذقت من العيش جهد البلاء

 

فأمّا الـقـديد وأشـبـاهـه

 

فذاك مفاتيحه في السمـاء

 

وأما السّويق فـفـي عـيبةٍ

 

يشمّ ويدعي له بالـبـقـاء

 

ومن حاول الخبز قالوا له

 

أتذكر شيئاً خبي للـدّواء