ابن قتيبة

عيون الأخبار

 

 

 

كتاب الطبائع والأخلاق المذمومة

تشابه الناس في الطبائع وذمهم

لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في تشابه الناس بآبائهم حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا يحيى بن هاشم الغساني عن إسماعيل بن أبي خالد عن مصعب بن سعد قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم.
ولأبي الدرداء قال: وحدّثني حسين بن الحسن المروزي قال: حدّثنا عبد اللّه بن المبارك عن سفيان قال: قال أبو الدرداء: وجدت الناس أخبر تقله.
عمر بن الخطاب وقد مر بقوم يتبعون رجلاً متهماً قال: حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا شريح بن النعمان عن المعافى بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بقوم يتبعون رجلاً قد أخذ في ريبةٍ فقال: لا مرحباً بهذه الوجوه التي لا ترى إلا في الشر.
للنبي صلى الله عليه وسلم في طبائع الناس وأخلاقهم قال: وحدّثني محمد بن داود قال: حدّثنا الصلت بن مسعود قال: حدّثنا عصام بن عليّ عن الأعمش عن أبى إسحاق عن عبيد ة أن الوليد السوائي قال: لغط قومٌ عند رسول صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله لو نهيتهم! فقال: "لو نهيتهم أن يأتوا الحجون لأتاه بعضهم ولو لم تكن له حاجةٌ".
لمطرف وغيره في اختلاف الناس قال: وحدّثنا عن عفان عن مهدي بن ميمون عن غيلان بن جرير قال: قال مطرف: هم الناس وهم النسناس وناسٌ غمسوا في ماء الناس.
قال يونس بن عبيد: لو أمرنا بالجزع لصبرنا.
وكان يقال: لو نهي الناس عن فت البعر لفتوه، وقالوا: ما نهينا عنه إلا وفيه شيءٌ.

لشاعر في بني جوين وقال الشاعر:

ولما أن أتيت بنـي جـوينٍ

جلوساً ليس بينهم جلـيس

يئست من التي أقبلت أبغي

لديهم، أنني رجـلٌ يؤوس

إذا مـا قـلـت أيهـم لأي

تشابهت المناكب والرؤوس

ويقال: لا يزال الناس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا.
لبعض شعراء في اختلاف الناس وقال آخر:

الناس أسواءٌ وشتى في الشيم

وكلهم يجمعهم بـيت الأدم

وقال آخر - يذكر قوماً  :

سواءٌ كأسنان الحمار ولا ترى

لذي شيبةٍ منهم على ناشيءٍ فضلاً

وقال آخر:

سواسيةٌ كأسنان الحمار

وكان يقال: المرء تواقٌ إلى ما لم ينل والعجم تقول: كل عزٍ دخل تحت القدرة فهو ذليل.
وقالوا: كل مقدورٍ عليه مملولٌ محقورٌ.
وقال الشاعر:

وزاده كلفاً بالحب أن منعـت

أحب شيءٍ إلى الإنسان ما منعا

وقال آخر:

ترى الناس أسواء إذا جلسوا مـعـاً                  وفي الناس زيف مثل زيفٌ الدراهم     

 

ويقال: الناس سيلٌ وأسراب طيرٍ يتبع بعضهم بعضاً.
لطرفة بن العبد وغيره وقال طرفة:

كل خليلٍ كنت خاللتـه

لا ترك اللّه له واضحه

كلهم أروغ من ثعلـبٍ

ما أشبه الليلة بالبارحه

وقال آخر:

فإنك لا يضرك بعد حـولٍ

أظبيٌ كان أمك أم حمـار

فقد لحق الأسافل بالأعالـي

وماج اللؤم واختلط النجار

وعاد العبد مثل أبي قبـيسٍ

وسيق مع المعلهجة العشار

يقول: سيقت الإبل الحوامل في مهر اللئيمة.
للحسن قال أبو محمد: بلغني عن إسماعيل بن محمد بن جحادة عن أبيه، قال: كنت عند الحسن فقال: أسمع حسيساً ولا أرى أنيساً، صبيانٌ حيارى ما لهم تفاقدوا عقولهم وفراش نار وذبان طمع.
للأصمعي، وابن الجهم وقال أبو حاتم عن الأصمعيّ: لو قسمت في الناس مائة ألف درهم كان أكثر للائمتي من لو أخذتها منهم.
ونحوه قول محمد بن الجهم: منع الجميع أرضى للجميع.
شعر لابن بشير، وغيره وقال ابن بشير:

سوءةً للناس كـلهـم

أنا في هذا من أولهم

لست تدري حين تنسبهم

أين أدناهم من أفضلهم

وقال نهار بن توسعة:

عتبت على سلم فلما فقدته

وجربت أقواماً بكيت على سلم

وهذا مثل قولهم: ما بكيت من زمان إلا بكيت عليه.
وقال الأحنف بن قيس :

وما مر يومٌ أرتجي فيه راحةً

فأخبره إلا بكيت على أمس

وقال آخر: وفسره بأنه قطعة من الجبل طولاً، وقيل الجبل العظيم. وأبو قبيس جبل بمكة، والمراد به الرجل الشريف كما يراد بالفند الرجل الوضيع.
المعلهجة: المرأة اللئيمة الأصل الفاسدة النسب. ورواه سيبويه في كتابه عن خداش بن زهير وصار مع المعلهجة العشار.

ونعتب أحياناً عليه ولو مضى

لكنا على الباقي من الناس أعتبا

وقال آخر:

سبكناه ونحسبه لجيناً

فأبدى الكبر عن خبث الحديد

لأبي الزناد قال: وحدّثني أبو حاتم، قال: حدّثني الأصمعيّ عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: لا يزال في الناس بقيةٌ ما تعجب من العجب.

رجوع المتخلق إلى طبعه

لأعرابي ربى جرو ذئب ورجع إلى طبعه بلغني أن أعرابياً ربى جرو ذئب حتى شب وظن أنه يكون أغنى عنه من الكلب وأقوى على الذب عن الماشية فلما قوي وثب على شاةٍ فقتلها وأكل منها فقال الأعرابي:

أكلت شويهتي وربيت فينا

فما أدراك أن أباك ذيب

ويروى: ولدت بقفرةٍ ونشأت عندي

إذا كان الطباع طباع سوءٍ

فليس بنافعٍ أدب الأديب

للخريمي في غلبة الطبع وقال الخريمي:

يلام أبو الفضل في جـوده

وهل يملك البحر ألا يفيضا

مثله لأبي الأسد، ولكثير وقال أبو الأسد:

ولائمةٍ لامتك يا فيض في الندى

فقلت لها هل يقدح اللوم في البحر

أرادت لتثني الفيض عن عادة الندى

ومن ذا الذي يثني السحاب عن القطر

موقع جود الفيض في كل بلدةٍ

 مواقع ماء المزن في البلد القفر

وقال كثير:

ومن يبتدع ما ليس من سوس نفسه

يدعه ويغلبه على النفس خيمهـا

لزهير بن أبي سلمى، وغيره وقال زهير:

ومهما تكن عند امرءٍ من خلـيقةٍ

وإن خالها تخفى على الناس تعلم

وأنشدني ابن الأعرابي لذي الإصبع العدواني:

            كل امرء راجعٌ يوماً لشيمته      وإن تخلق أخلاقاً إلى حين

وقال آخر:

ارجع إلى خلقك المعروف ديدنه

إن التخلق يأبى دونه الخـلـق

لكثير في التطبع وترك الأهواء وقال كثير في خلاف هذا:

وفي الحلم والإسلام للمرء وازعٌ

وفي ترك أهواء الفؤاد المتـيم

بصائر رشدٍ للفتى مستبـينةٌ

وأخلاق صد قٍ علمها بالتعلـم

مثله للمتلمس، وللطائي ونحوه للمتلمس:

تجاوز عن الأدنين واستبق ودهم

ولن تستطيع الحلم حتى تحلما

وقال الطائي:

لبس الشجاعة إنها كانت له

قدماً نشوعاً في الصبا ولدودا

بأسا قبيلـيًا وبـأس تكـرمٍ

فينا وبأس قريحةٍ مـولـودا

أبو جعفر الشطرنجي يصف جارية سوداء وقال أبو جعفر الشطرنجي مولى المهدي في سوداء:

أشبهك المسك وأشبهته

قائمةً في لونه قاعده

لا شك إذ لونكما واحدٌ

أنكما من طينةٍ واحده

لأبي نواس، وللرياشي وقال أبو نواس:

تلقى الندى في غير عرضاً

وتراه فيه طبيعةً أصلا

وإذا قرنت بعاقـلٍ أمـلاً

كانت نتيجة قوله فعل

وأنشدنا الرياشي:

لا تصحبن امرءًا على حسب

إني رأيت الأحساب قد دخلت

مالك مـن أن يقـال إن لـه

أباً كريماً في أمةٍ سلـفـت

بل اصحبنه على طـبـائعـه

فكل نفسٍ تجري كماطبعت

للعباس بن مرداس في غلبة الطبع وقال العباس بن مرداس:

إنك لم تك كابن الشريد

ولكن أبوك أبـو سالم

حملت المئين وأثقـالها

على أذني قنـقذٍ رازم

وأشبهت جدك شر الجـدو

د والعرق يسري إلى النائم

مثله لبعض العبديين وقال بعض العبديين:

وما يستوي المرءان هذا ابن حرةٍ

وهذا ابن أخرى ظهرها مشترك

وأدركه خالاتـه فخذلنـه

ألا إن عرق السوء لا بد يدرك

باب الشيء يفرط فينتقل إلى غير طبعه

من كتاب الهند في معنى العنوان قرأت في كتاب للهند: لا ينبغي اللجاج في إسقاط ذي الهمة والرأي وإذالته فإنه إما شرس الطبع كالحية إن وطئت فلم تلسع لم يغتر بها فيعاد لوطئها، وإما سجح الطبع كالصندل البارد إن أفرط في حكه عاد حاراً مؤذياً.
وقال أبو نواس:

قل لزهـير إذا حـدا وشـدا

أقلل وأكثر فأنت مهذار

سخنت من شدة الـبـرودة ح

تى صرت عندي كأنك النار

لا يعجب السامعون من صفتي

كذلك الثلج باردٌ حار

ويقال: إنما ملح القرد عند الناس لإفراط قبحه.
وللطائي قال الطائي:

أخرجتموه بكرهٍ من سـجـيتـه

والنار قد تنتضى من ناضر السلم

أمن عمًى نزل الناس الربى فنجوا

وأنتم نصب سيل الفتنة العـرم

أم ذاك من هممٍ جاشت فكم ضعةٍ

حدا إليها غلو القوم في الهمـم

وكان يقال: من التوقي ترك الإفراط في التوقي.

باب الحسد

للنبي صلى الله عليه وسلم قال: حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يسلم منهن أحدٌ الطيرة والظن والحسد" قيل: فما المخرج منهن يا رسول اللّه؟ قال: "إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ ".
لبكر بن عبد الله وقال بكر بن عبد الله: حصتك من الباغي حسن المكاشرة، وذنبك إلى الحاسد دوام النعم من اللّه عليك.
ولروح بن زنباعٍ وقال روح بن زنباعٍ الجذامي: كنت أرى قوماً دوني في المنزلة عند السلطان يدخلون مداخل لا أدخلها فلما أذهبت عني الحسد دخلت حيث دخلوا.
شعر لابن حمام وقال ابن حمام:

تمنى لي الموت المعجل خـالـدٌ

ولا خير فيمن ليس يعرف حاسده

وللطائي وقال الطائي:

وإذا أراد اللـه نـشـر فـضـيلةٍ

طويت أتاح لها لسـان حـسـود

لولا اشتعال النارفيمـا جـاورت

ما كان يعرف طيب عرف العودا

لولا التخوف للعواقب لـم تـزل

للحاسدالنعمى على المـحـسـود

الحجاج يصف عيوبه بين يدي عبد الملك وقال عبد الملك للحجاج: إنه ليس من أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه فعب نفسك قال: أعفني يا أمير المؤمنين. قال: لتفعلن. قال: أنا لجوجٌ حقودٌ حسود. قال عبد الملك: ما في الشيطان شرٌ مما ذكرت.
لبعض الحكماء في الحسد قال بعض الحكماء: الحسد من تعادي الطبائع واختلاف التركيب وفساد مزاج البنية وضعف عقد العقل والحاسد طويل الحسرات.
لابن المقفع في الحسد والحاسد قال ابن المقفع: أقل ما لتارك الحسد في تركه أن يصرف عن نفسه عذاباً ليس بمدركٍ به حظًا ولا غائظ به عدوًا، فإنا لم نر ظالماً أشبه بظلومٍ من الحاسد، طول اسفٍ ومحالفة كآبةٍ وشدة تحرقٍ، ولا يبرح زارياً على نعمة الله ولا يجد لها مزالاً ويكدر على نفسه ما به من النعمة فلا يجد لها طعماً ولا يزال ساخطا على من لا يترضاه ومتسخطاً لما لن ينال فوقه، فهو منغص المعيشة دائم السخطة محروم الطلبة، لا بما قسم له يقنع ولا على ما لم يقسم له يغلب، والمحسود يتقلب في فضل الله مباشراً للسرور منتفعاً به ممهلاً فيه إلى مدة ولا يقدر الناس لها على قطعٍ وانتقاصٍ للحسن البصري في حسد المؤمن أخاه قيل للحسن البصري: أيحسد المؤمن أخاه؟ قال: لا أبا لك، أنسيت إخوة يوسف. وكان يقال: إذا أردت أن تسلم من الحاسد فعم عليه أمورك.
ويقال: إذا أراد الله أن يسلط على عبد ه عدواً لا يرحمه سلط عليه حاسدا.
العتبي يرثي أولاده وقال العتبي: - وذكر ولده الذين ماتوا -

وحتى بكى لي حسـادهـم

وقد أقرحوا بالدموع العيونا

وحسبك من حاد ثٍ بامـرءٍ

يرى حاسديه له راحمينـا

لسفيان بن معاوية، ولغيره قيل لسفيان بن معاوية: ما أسرع حسد الناس إلى قومك؛ فقال:

إن العرانين تلقاها محسدةً

ولا ترى للئام الناس حسادا

وقال آخر:

وترى اللبيب محسداً لم يجترم

شتم الرجال وعرضه مشتوم

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه

فالقوم أعداءٌ له وخـصـوم

كضرائر الحسناء قلن لوجهها

حسداً وظلماً إنـه لـذمـيم

ليحيى بن خالد في الحاسد وقال يحيى بن خالد: الحاسد عدو مهينٌ لا يدرك وتره إلا بالتمني.
قيل لبعضهم: أي الأعداء لا تحب أن يعود لك صديقا؟ قال: من سبب عداؤته النعمة. للأحنف وقال الأحنف: لا صديق لملولٍ ولا وفاء لكذوبٍ ولا راحة لحسودٍ ولا مروءة لبخيلٍ ولا سؤدد لسييء الخلق.
ولمعاوية في استحالة إرضاء الحاسد وقال معاوية: كل الناس استطيع أن أرضيه إلا حاسد نعمةٍ فإنه لا يرضيه إلا زوالها.
لشاعر في مثل ذلك المعنى وقال الشاعر:

كل العداوة قد ترجى إماتتهـا

إلا عداوة من عاداك من حسد

وفي بعض الكتب يقول الله: الحاسد عدوٌ لنعمتي متسخط لقضائي غير راضٍ بين عبادي.
وكان يقال: قد طلبك من لا يقصر دون الظفر وحسدك من لا ينام دون الشفاء.
للحجاج يتمثل بقول سويد بن أبي كاهل في خطبة له وخطب الحجاج يوماً برستقباذ بقول سويد بن أبي كاهل:

كيف يرجون سقاطي بعـدمـا

جلل الرأس بياضٌ وصـلـع

رب من أنضجت غيظا صدره

قد تمنى لي موتـاً لـم يطـع

ويراني كالشجا في حـلـقـه

عسراً مخرجه مـا ينـتـزع

مزبداً يخطر مـا لـم يرنـي

فإذا أسمعته صوتي إنقـمـع

لم يضرني غير أن يحسـدنـي

فهو يزقو مثل ما يزقو الضوع

ويحـيينـي إذا لاقــيتـــه

وإذا يخلو له لحـمـي رتـع

قد كفاني الله ما في نـفـسـه

وإذا ما تلكف شـيئاً لا يضـع

لشاعر في حسد أهل الفضل وقال آخر:

 

      إن تحسدوني فـإنـي لا ألـومـكـم          قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا

      فدام لي ولكم مـا بـي ومـا بـكـم          ومات أكثرنا غـيظـاً بـمـا يجـد

      أنا الذي تجدوني فـي حـلـوقـكـم          لا أرتقي صـعـداً فـيهـا ولا أرد

 

لبعضم في الحسد وقال بعضهم: الحسد أول ذنبٍ عصي اللّه به في السماء، يعني حسد إبليس آدم، وأول ذنب عصي اللّه به في الأرض، يعني حسد ابن آدم أخاه حتى قتله.
شعر لأبي زيد الأعرابي وأنشدني شيخٌ لنا عن أبي زيد الأعرابي:

لا تقبل الرشد ولا ترعوي

ثاني رأس كابـن عـواء

حسدتني حين أفدت الغنـى

ما كنت إلا كابـن حـواء

وأنت تقليني ولا ذنب لـي

لكنني حـمـال أعـبـاء

من يأخذ النار بأطـرافـه

ينضح على النار من الماء

بين قيس بن زهير والربيع بين زياد في بلاد غطفان مر قيس بن زهير ببلاد غطفان فرأى ثروةً وجماعاتٍ وعدداً فكره ذلك، فقال له الربيع بن زياد: إنه يسوءك ما يسر الناس؛ فقال له: يا أخي إنك لا تدري، إن مع الثروة والنعمة التحاسد والتخاذل، وإن مع القلة التحاشد والتناضر.
بين الأصمعيّ وأعرابي معمر قال الأصمعي: رأيت أعرابياً قد أتت له مائةٌ وعشرون سنةً، فقلت له: ما أطول الله عمرك ! فقال: تركت الحسد فبقيت.
لزيد بن الحكم الثقفي وقال زيد! بن الحكم الثقفي

تملأت من غيظٍ علي فلم يزل

بك الغيظ حتى كدت بالغيظ تنشوي

 لحماد بن سلمة في الغيبة وقال حماد بن سلمة: ما كنت تقوله للرجل وهو حاضرٌ فقلته من خلفه فليس بغيبةٍ.
لبعض الأشراف يرد على رجل اغتاب رجلاً عاب رجلٌ رجلاٌ عند بعض الأشراف فقال له: قد استدللت على كثرة عيوبك بما تكثر من عيب الناس، لأن الطالب للعيوب إنما يطلبها بقدر ما فيه منها .
قال بعض الشعراء:

وأجرأ من رأيت بظهر غيبٍ

على عيب الرجل ذوو العيوب

لابن الأعرابي في النهي عن الغيبة وأنشد ابن الأعرابي:

اسكت ولا تنطق فأنت خياب

كلك ذو عيب وأنت عـياب

وأنشدني أيضاً:

رب غريبٍ ناصح الجيب

وابن أب متهم الـغـيب

وكل عيا بٍ له منـظـرٌ

مشتمل الثوب على العيب

عتبة بن عبد الرحمن وحبه للغيبة وكان عتبة بن عبد الرحمن يغتاب الناس ولا يصبر، ثم ترك ذلك، فقيل له: أتركتها؟ قال: نعم، على أني واللّه أحب أن أسمعها.
بين عمرو بن مرثد وأحد جلسائه أتى رجلٌ عمرو بن مرثدٍ فسأله أن يكلم له أمير المؤمنين، فوعده أن يفعل، فلما قام قال بعض من حضر: إنه ليس مستحقًا لما وعدته. فقال عمرو: إن كنت صدقت في وصفك إياه فقد كذبت في ادعائك مودتنا، لأنه إن كان مستحقاً كانت اليد موضعها، وإن لم يكن مستحقًا فما زدت على أن أعلمتنا أن لنا بمغيبنا عنك مثل الذي حضرت به من غاب من إخواننا.
للنبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث: "إن الغيبة أشد من الزنا" قيل: كيف ذلك؟ قال: لأن الرجل يزني فيتوب، فيتوب الله عليه، وصاحب الغيبة لا يغفر حتى يغفر له صاحبها.
بين الحسن ورجل قال رجل للحسن: يا أبا سعيد إني اغتبت رجلاً وأريد أن أستحله. فقال له: لم يكفك أن اغتبته حتى أرعدت أن تبهته.
بين قتيبة بن مسلم ورجل يغتاب عنده آخر اغتاب رجلٌ رجلاً عند قتيبة بن مسلم فقال له قتيبة: أمسك أيها الرجل، فواللّه لقد تلمظت بمضغةٍ طالما لفظها الكرام.
مر رجلٌ بجارين له ومعه ريبةٌ، فقال أحدهما لصاحبه: أفهمت ما معه من الريبة؟ فقال الآخر: غلامي حر لوجه اللّه شكراً له إذا لم يعرفني من الشر ما عرفك.
بين سعد بن أبي وقاص ورجل وقع عنده في خالد بن الوليد شعبة عن يحيى بن الحصين عن طارق قال: دار بين سعد بن أبي وقاصٍ وبين خالد بن الوليد كلامٌ، فذهب رجلٌ ليقع في خالدٍ عند سعدٍ، فقال سعدٌ: مه إن ما بيننا لم يبلغ ديننا. أي عداوةٌ وشرٌ وقال الشاعر:

ولست بذي نيربٍ في الكرام

ومناع خيرٍ وسـبـابـهـا

ولا من إذا كان في جانـب

أضاع العشيرة وآغتابـهـا

ولكن أطـاوع سـاداتـهـا

ولا أتعـلـم ألـقـابـهـا


وقال آخر:

لا يأمل الجار خيراً من جوارهم

ولا محالة من هزءٍ وألـقـاب

للفرزدق وقال الفرزدق:

تصرم مني ود بكر بن وائلٍ

وما خلت عني ودهم يتصرم

قوارص تأتيني ويحتقرونهـا

وقد يملأ القطر الإناء فيفعم

لبعض الضبيين أنشد أبو سعيد الضرير لبعض الضبيين

ألا رب من يغتابنـي ود أنـنـي

أبوه الذي يدعى إليه وينـسـب

على رشدةٍ من أمـه أو لـغـيةٍ

فيغلبها فحلٌ على النسل منجـب

فبالخير لا بالشر فاطلب مودتـي

وأي امرئٍ ب يغتال منه الترهب

وقال آخر في نحوه:

ولما عصيت العاذلين ولـم أبـل

ملامتهم ألقوا على غاربي حبلي

وهازئةٍ مني تود لـوابـنـهـا

على شيمتي أو أن قيمها مثلـي

لبزرجمهر فيمن ليس فيه عيب قيل لبزرجمهر: هل من أحدٍ ليس فيه عيب؟ قال: لا، إن الذي لا عيب فيه لا ينبغي أن يموت.
مثله لموسى شهوات وقال في مثل هذا موسى شهوات:

ليس فيما بدا لنا منك عـيبٌ

عابه الناس غير أنك فإنـي

أنت خير المتاع لو كنت تبقى

غير أن لا بقاء للإنـسـان

لأبي الأسود الدؤلي وقال أبو الأسود الدؤلي:

وترى الشقي إذا تكامل عيبه

يرمى ويقرف بالذي لم يفعل

بكر بن عبد الله ينصح أخاً له لقي بكر بن عبد اللّه أخاً له فقال: إذا أردت أن تلقى من النعمة عليك أعظم منها عليه وهو أشكر للنعمة لقيته، وإذا شئت أن تلقى من أنت أعظم منه جرماً وهو أخوف لله منك لقيته. أرأيت لو صحبك رجلان: أحدهما مهتوكٌ لك ستره ولا يذنب ذنباً إلا رأيته ولا يقول هجراً إلا سمعته فأنت تحبه على ذلك وتوافقه وتكره أن تفارقه، والآخر مستور عنك أمره غير أنك تظن به السوء فأنت تبغضه، أعدلت بينهما؟ قال: لا؛ قال: فهل مثلي ومثلك ومثل من أنت راءٍ من الناس إلا كذلك؟ إنا نعرف الحق في الغيب من أنفسنا فنحبها على ذلك، وتظن الظنون على غيرنا فنبغضهم على ذلك. ثم قال: أنزل الناس منك ثلاث منازل، فاجعل من هو أكبر منك سنًا بمنزلة أبيك، ومن هو تربك بمنزلة أخيك، ومن هو دونك بمنزلة ولدك، ثم أنظر أي هؤلاء تحب أن تهتك له ستراً وتبدي له عورةً! النبي صلى الله عليه وسلم والعلاء بن الحضرمي وشعر للعلاء بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم في التحبب إلى ذوي الأضغان سعيد بن واقد المزني قال: حدّثنا صالح بن الصقر عن عبد الله بن زهير قال: وفد العلاء ابن الحضرمي على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أتقرأ من القرآن شيئاً"؟ فقرأ عبس وزاد فيها من عنده: وهو الذي أخرج من الحبلى، نسمةً تسعى، من بين شرا سيف وحشًى؛ فصاح به النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: "كف فإن السورة كافيةٌ". ثم قال: "هل تروي من الشعر شيئاً"؟ فأنشده:

            حي ذوي الأضغان تسب قلوبهـم          تحيتك القربى فقد ترفع النعـل

            وإن دحسوا بالكره فاعف تكرمـاً          وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل

            فإن الذي يؤذيك منه سـمـاعـه          وإن الذي قالوا وراءك لم يقـل

 

فقال النبي عليه السلام: "إن من الشعر حكما وإن من البيان سحراً".
وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قال رجل لبكر بن محمد بن علقمة: بلغني أنك تقع في؛ قال: أنت إذاً أكرم عليّ من نفسي! لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

        لا تلتمس من مساوي الناس ما ستروا            فيكشف اللّه ستراً عن مسـاويكـا

         واذكر محاسن ما فيهـم إذا ذكـروا            ولا تعب أحداً منهم بـمـا فـيكـا

 

لأبي الدراء وقال أبو الدرداء: لا يحرز الإنسان من شرار الناس إلا قبره.
عمر بن عبد العزيز لمزاحم مولاه قال عمر بن عبد العزيز لمزاحمٍ مولاه: إن الولاة جعلوا العيون على العوام وأنا أجعلك عيني على نفسي، فإن سمعت مني كلمةً تربأ بي عنها أو فعالاً لا تحبه فعظني عنده وأنهني عنه.
بين عامر بن عبد الله بن الزبير وابن له تنقص علياً كرم الله وجهه العتبي قال: تنقص ابن لعامر بن عبد اللّه بن الزبير علي بن أبي طالب عليه السلام؛ فقال
له أبوه: لا تتنقصه يا بني، فإن بني مروان ما زالوا يشتموه ستين سنةً فلم يزده الله إلا رفعةً، وإن الدين لم يبن شيئاً فهدمته الدنيا، وإن الدنيا لم تبن شيئاً إلا عادت على ما بنت فهدمته.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

ابدأ بنفسك فانهها عن غـيهـا

فإذا انتهت عنه فأنت حكـيم

فهناك تعذر إن وعظت ويقتدى

بالقول منك ويقبل التعـلـيم

لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثـلـه

عارٌ عليك إذا فعلت عظـيم

وقال آخر:

ويأخذ عيب الناس من عيب نفسه

مرادٌ لعمري مـا أراد قـريب

وقال آخر:

              لك الخير، لم نفساً عليك ذنوبـهـا            ودع لوم نفسٍ ما عـلـيك تـلـيم

              وكيف ترى في عين صاحبك القذى            ويخفى قذى عينك وهو عـظـيم

               

كان رجلٌ من المتزمتين لا يزال يعيب النبيذ وشرابه فإذا وجده سرًا شربه؛ فقال فيه بعض جيرانه:

وعيابةٍ للشرب لو أن أمه

تبول نبيذاً لم يزل يستبيلها

وقال رجل لعمرو بن عبيد: إني لأرحمك مما تقول الناس فيك. قال: أفتسمعني أقول فيهم شيئا؟ قال: لا. قال: إياهم فارحم.
قال أعرابي لامرأته:

وإما هلكت فلا تنكحـي

ظلوم العشيرة حسادهـا

يرى مجده ثلب أعراضها

لديه ويبغض من سمادها

باب السعاية

بين عطاء بن السائب والشعبي روى وكيع عن أبيه عن عطاء بن السائب قال: قدمت من مكة فلقيني الشعبي فقال: يا أبا زيدٍ أطرفنا مما سمعت؛ قلت: سمعت عبد الرحمن بن عبد اللّه بن سابط يقول: لا يسكن مكة سافك دمٍ، ولا آكل رباً، ولا مشاءٌ بنميم؛ فعجبت منه حين عدل النميمة بسفك الدماء وأكل الربا؛ فقال الشعبي: وما يعجبك من هذا! وهل تسفك الدماء وتركب العظائم إلا بالنميمة! بين مصعب بن الزبير والأحنف بن قيس عاتب مصعب بن الزبير الأحنف بن قيس على شيءٍ بلغه عنه، فاعتذر إليه الأحنف من ذلك ودفعه؛ فقال مصعبٌ: أخبرني بذلك الثقة؛ فقال الأحنف: كلا أيها الأمير، إن الثقة لا يبلغ.
شعر للأعشى في إطاعة الواشين قال الأعشى:

ومن يطع الواشين لا يتركوا له

صديقاً وإن كان الحبيب المقربا

لرجل في السعاة وذكر السعاة عند المأمون فقال رجلٌ ممن حضر: يا أمير المؤمنين، لو لم يكن من عيبهم إلا أنهم أصدق ما يكونون أبغض ما يكونون إلى اللّه لكفاهم.
بين بلال بن أبي بردة وساعٍ، وحديث للنبي صلى الله عليه وسلم سعى رجلٌ إلى بلال بن أبي بردة برجل؛ فقال له: انصرف حتى أسأل عما ذكرت، وبعث في المسألة عن الساعي فإذا هو لغير أبيه الذي يدعى له، فقال بلالٌ: أخبرنا أبو عمرو قال: حدّثني أبي قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : "الساعي بالناس لغير رشدة".
لبعض الشعراء وقال الشاعر:

إذا الواشي نعى يوماً صديقـاً

فلا تدع الصديق لقول واشي

بين الوليد بن عبد الملك وساعٍ بجاره أتى رجلٌ الوليد بن عبد الملك وهو على دمشق لأبيه، فقال: للأمير عندي نصيحةٌ؛ فقال: إن كانت لنا فأظهرها، وإن كانت لغيرنا فلا حاجة لنا فيها؛ فقال: جارٌ لي عصى وفر من بعثه، قال: أما أنت فتخبر أنك جار سوء، فإن شئت أرسلنا معك، فإن كنت صادقاً أقصيناك، وإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن شئت تاركناك. قال: بل تاركني.
شعر لعبد ة بن الطبيب في الوشاة والنمامين وقال عبد ة بن الطبيب :

 

                وأعصـوا الذي يســدي              متنصحاً وهو السمام المـنـقـع

                يزجي عقاربه ليبعث بينكم              حرباً كما بعث العـروق الأخـدع   

                حران لا يشفي غليل فؤاده              عسلٌ بماءٍ في الإناء مشـعـشـع

                لا تأمنوا قوماً يشب صبيهم             بين القبائل بـالـعـداوة ينـسـع

                إن الذين تـرونهم خلانكـم             يشفي صداع رؤوسهم أن تصرعوا

                فضلت عداوتهم على أحلامهم             وأبت ضباب صدورهم لا تنـزع

                قومٌ إذا دمس الظـلام عليهم              حدجوا قنافذ بالنـمـيمة تـمـرغ

 

 

لأبي دهبل الجمحي في الوشاة وقال أبو دهبلٍ الجمحي:

              

                   وقد قطع الواشون ما كان بينـنـا           ونحن إلى أن يوصل الحبل أحوج

                   رأوا عورةً فاستقبلوها بألبـهـم              فراحوا على ما لا نحب وأدلجوا   

                   وكانوا أناساً كنت آمن غيبـهـم             فلم ينههم حلمٌ ولم يتحـرجـوا

     

 

مثله لبشار وقال بشار:

تشتهي قربك الرباب وتخشى

عين واشٍ وتتقي أسمـاعـه

أنت من قلبها محـل شـرابٍ

تشتهي شربه وتخشى صداعه

ولأبي نواس في هذا المعنى وقال أبو نواس:

كنت من الحب في ذرى نـيق

أرود منـه مـراد مـومـوق

حتى ثناني عنـه تـخـلـق وا

شٍ كذبةً لـفـهـا بـتـزويق

جبت قفا ما نمتـه مـعـتـذراً

منه وقد فزت بعد تـخـريق

كقول كسرى فيما تـمـثـلـه

من فرص اللص ضجة السوق

من كتاب الهند في أن نار الحقد لا تخبو وقرأت في كتاب للهند: قلما يمنع القلب من القول إذا تردد عليه، فإن الماء ألين من القول والحجر أصلب من القلب، وإذا انحدر عليه وطال ذلك أثر فيه، وقد تقطع الشجرة بالفؤوس فتنبت ويقطع اللحم بالسيوف فيندمل واللسان لا يندمل جرحه، والنصول تغيب في الجوف فتنزع والقول إذا وصل إلى القلب لم ينزع، ولكل حريقٍ مطفئٌ: للنار الماء، وللسم الدواء، وللحزن الصبر، وللعشق الفرقة، ونار آلحقد لا تخبو.
لطرفة بن العبد في ضرر النميمة وقال طرفة بن العبد:

وتصد عنك مخيلة الرجل ال

عريض موضحةٌ عن العظم

بحسام سيفك أو لسانـك وال

كلم الأصيل كأوسع الكلـم

وله في نفاذ القول ونحوه قوله: والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبر مثله لامرئ القيس وقال امرؤ القيس: وجرح آللسان كجرح اليد بين عبد الملك بن مروان ورجل أراد الخلوة به سأل رجلٌ عبد الملك بن مروان آلخلوة؛ فقال لأصحابه: إذا شئتم تنحوا؛ فلما تهيأ الرجل للكلام قال له: إياك وأن تمدحني فإني أعرف بنفسي منك، أو تكذبني فإنه لا رأي لكذوبٍ، أو تسعى بأحدٍ إلي، وإن شئت أن أقيلك أقلتك؛ قال: أقلني.
لذي الرياستين في قبول النميمة وقال ذو الرياستين: قبول السعاية شرٌ من السعاية، لأن السعاية دلالةٌ والقبول إجازةٌ، وليس من دل على شيءٍ كمن قبل وأجاز، فامقت الساعي على سعايته وإن كان صادقاً للؤمه في هتك العورة وإضاعة الحرمة، وعاقبه إن كان كاذباً لجمعه بين هتك العورة وإضاعة الحرمة مبارزةً لله بقول البهتان والزور.
لبعض الشعراء وقال بعض المحدّثين لعبد الصمد بن المعذل:

لعمرك ما سب الأمير عدوه

ولكنما سب الأمير المبلـغ

بين الوليد بن عبد الملك ورجل وقال رجلٌ للوليد بن عبد الملك: إن فلاناً شتمك. فأكب ثم قال: أراه شتمك.
وأتى رجلٌ ابن عمر فقال له: إن فلاناً شتمك؛ فقال له: إني وأخي عاصماً لا نساب أحداً.
بين النعمان وحاتم طيء وأوس بن حارثة عوانة قال: كان بين حاتم طيء وبين أوس بن حارثة ألطف ما يكون بين اثنين؛ فقال النعمان بن المنذر لجلسائه: واللّه لأفسدن ما بينهما. قالوا: لا تقدر على ذلك.
قال: بلى فقلما جرت الرجال في شيء إلا بلغته. فدخل عليه أوسٌ، فقال: يا أوس ما الذي يقول حاتم؟ قال: وما يقول؟ قال: يقول إنه أفضل منك وأشرف؛ قال: أبيت اللعن، صدق؛ واللّه لو كنت أنا وأهلي وولدي لحاتم لأنهبنا في مجلسٍ واحدٍ، ثم خرج وهو يقول:

يقول لي النعمان لا من نصيحةٍ

أرى حاتماً في قوله متطـاولا

له فوقنا باعٌ كما قـال حـاتـمٌ

وما النصح فيما بيننا كان حاولا

ثم دخل عليه حاتم فقال له مثل مقالته لأوسٍ؛ قال: صدق، أين عسى أن أقع من أوس! له عشرة ذكورٍ أخسهم أفضل مني. ثم خرج وهو قول:

يسائلني النعمان كي يستزلـنـي

وهيهات لي أن أستضام فأصرعا

كفاني نقصاً أن أضيم عشيرتـي

بقولٍ أرى في غيره متوسـعـا

فقال النعمان: ما سمعت بأكرم من هذين الرجلين.
يعقوب بن داود أيام كان مع المهدي ذكر يعقوب بن داود أيام كان مع المهدي أنه وافاه في يوم واحدٍ ثمانون رقعةً كلها سعايةٌ، منهم ستون لأهل البصرة، وعشرون لسائر البلاد.
بين الاسكندر وبعض الوشاة وشى واشٍ إلى آلإسكندر؛ فقال له: أتحب أن أقبل منك ما قلت فيه على أن نقبل منه ما قال فيك؟ قال: لا. قال: فكف عن الشر يكف عنك الشر.
كتاب رجل سعي به إلى عاملٍ كتب بعض إخواننا من الكتاب إلى عاملٍ وكان سعي به إليه: لست أنفك فيما بيني وبينك من إحدى أربع: إما كنت محسناً وإنك لكذلك فاربب، أو مسيئاً ولست به فأبق، أو أكون ذا ذنبٍ ولم أتعمد فتغمد، أو مقروفاً وقد تلحق به حيل الأشرار فتثبت "ولا تطع كل حلافٍ مهينٍ همازٍ مشاء بنميم ".

؟باب الكذب والقحة

للنبي صلى الله عليه وسلم في المواضع التي يصلح فيها الكذب حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا سليمان بن داود عن مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هندٍ عن شهر بن حوشب عن الزبرقان عن النواس بن سمعان قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : "لا يصلح الكذب إلا في ثلاثة مواضع الحرب فإنها خدعةٌ، والرجل يصلح بين اثنين، والرجل يرضي امرأته".
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا بربر بن هارون قال: أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري عن حميد لن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لم يكذب من قال خيراً وأصلح بين اثنين".
لأبي الأسود الدؤلي قال: حدّثني عبدة بن عبد الله قال: حدّثنا أبو داود عن عمران عن قتادة قال: قال أبو الأسود الدؤلي: إذا سرك أن تكذب صاحبك فلقنه.
للنبي صلى الله عليه وسلم في أن المؤمن لا يكون كذاباً حدّثني محمد بن داود عن سويد بن سعيد عن مالك عن صفوان بن سليم قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جبانا؟ قال: "نعم". قال: أفيكون بخيلا؟ قال: "نعم". قال: أفيكون كذابا؟ قال: " لا".
بين رجل عاتب رجلا على الكذب قال: حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: عاتب إنسا نٌ كذاباً علبر الكذب؛ فقال: يا بن أخي لو تغرغرت به ما صبرت عنه. قال: وقيل لكذوب: أصدقت قط؟ قال: أكره أن أقول لا فأصدق.
لابن عباس وقال ابن عباس: الحدّث حدّثان: حدّثٌ من فيك وحدّ ثٌ من فرجك.
لمديني وقال مديني: من ثقل على صديقه خف على عدوه، ومن أسرع إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون.
لبعض الشعراء ومثله قول الشاعر:

ومن دعا الناس إلى ذمه

ذموه بالحق وبالباطـل

مقالة السوء إلى أهلهـا

أسرع من منحدر سائل

لمجاهد بلغني عن وكيع عن أبيه عن منصور قال: قال مجاهد: كل ما أصاب الصائم شوًى ما خلا الغيبة والكذب.
وقال سليمان بن سعد: لو صحبني رجل فقال: اشترط خصلةً واحدة لا يزيد عليها، لقلت لا تكذبني.
لابن عباس في الكذب والنميمة كان ابن عباس يقول: الكذب فجور، والنميمة سحرٌ، فمن كذب فقد فجر، ومن نم فقد سحر.
وكان يقال: أسرع الاستماع وأبطئ التحقيق.
قال الأحنف: ما خان شريفٌ ولا كذب عاقلٌ ولا اغتاب مؤمنٌ. وكانوا يحلفون فيحنثون ويقولون فلا يكذبون.
لرجل يذم آخر ذم رجل رجلاً فقال: اجتمع فيه ثلاثة: طبيعة العقعق، يعني السرق، وروغان الثعلب، يعني الخب، ولمعان البرق، يعني الكذب.
أصناف الأذلاء ويقال: الأذلاء أربعة: النمام والكذاب والمدين والفقير.
قال ابن المقفع: لا تهاونن بإرسال الكذبة في الهزل فإنها تسرع في إبطال الحق.
للأحنف في أن الكذب والمروءة لا يجتمعان وقال الأحنف: اثنان لا يجتمعان أبداً: الكذب والمروءة.
وقالوا: من شرف الصدق أن صاحبه يصدق على عدوه.
للأحنف يوصي ابنه وقال: الأحنف لابنه: يا بني اتخذ الكذب كنزاً؛ أي لا تخرجه.
وقيل لأعرابي كان يسهب في حديثه: أما لحديثك هذا آخر؟ فقال: إذا انقطع وصلته.
لابن عمر وقال ابن عمر: زعموا زاملة الكذب.
كان يقال: علة الكذوب أقبح علة، وزلة المتوقي أشد زلة.
اشتهار المهلب بالكذب كان المهلب كذاباً وكان يقال له: راح يكذب. وفيه يقول الشاعر:

تبدلت المنابر من قـريش

مزونيًا بفقحته الصلـيب

فأصبح قافلاً كرمٌ وجـودٌ

وأصبح قادماً كذبٌ وحوب

بين أبي حنيفة ورجل قال رجل لأبي حنيفة: ما كذبت كذبةً قط؛ قال: أما هذه فواحدةٌ يشهد بها عليك.
لميمون بن ميمون وقال ميمون بن ميمون: من عرف بالصدق جاز كذبه، ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه.
لأبي حية النميري وكان كذاباً قال أبو حية النميري - وكان كذاباً - : عن لي ظبيٌ فرميته فراغ عن سهمي فعارضه والله السهم، فراغ فراوغه السهم حتى صرعه ببعض الخبارات.


وقال أيضاً: رميت ظبيةً فلما نفذ السهم ذكرت بالطبية حبيبةً لي فشددت وراء السهم حتى قبضت على قذذه.
لأعرابي يذكر مبلغ حبه لامرأة وصف أعرابي امرأة فقيل: ما بلغ من شدة حتك لها؟ قال: إني لأذكرها وبيني وبينها عقبة الطائف فأجد من ذكرها ريح المسك.
بين الفرزدق وسليمان بن عبد الملك في كذب الشعراء أنشد الفرزدق سليمان بن عبد الملك:

ثلاثٌ واثنتان فهـن خـمـسٌ

وسادسةٌ تميل إلـى شـمـام

فبتن بجانبي مـصـرعـا تٍ

وبت أفض أغلاق الخـتـام

كأن مفالـق الـرمـان فـيه

وجمر غضاً قعدن عليه حامي

فقال له سليمان: ويحك يا فرزدق، أحللت بنفسك العقوبة، أقررت عندي بالزنا وأنا إمامٌ ولا بد لي من أحدك. فقال الفرزدق: بأي شيء أوجبت على ذلك؟ قال: بكتاب اللّه. قال: فإن كتاب الله هو الذي يدرأ عني الحد. قال: وأين؟ قال: في قوله: والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون فأنا قلت يا أمير المؤمنين ما لم أفعل.
لبعض الشعراء في ذلك المعنى وقول الشاعر:

وإنما الشاعر مجنونٌ كلب

أكثر ما يأتي على فيه الكذب

وقال الشاعر:

حسب الكذوب من البـل

ية بعض ما يحكى عليه

مهما سمعـت بـكـذبةٍ

من غيره نسبـت إلـيه

وقال بشار:

ورضيت من طول العناء بيأسه

واليأس أيسر من عدات الكاذب

من أقوال العرب في الكذب والعرب تقول: أكذب من سالئةٍ وهي تكذب مخافة العين على سمنها. وأكذب من مجرب لأنه يخاف أن يطلب من هنائه .
وأكذب من يلمعٍ وهو السراب.
لابن سيرين منصور ابن سلمة الخزاعي قال: حدّثنا شبيب بن شيبة أبو معمر الخطيب قال: سمعت ابن سيرين يقول: الكلام أوسع من أن يكذب ظريفٌ.
وقال في قول اللّه عز وجل: " لا تؤاخذني بما نسيت " لم ينس ولكنهما من معاريض الكلام.
للقيني في الصدق وقال القيي: أصدق في صغار ما يضرني لأصدق في كبار ما ينفغني.
وكان يقول: أنا رجل لا أبالي ما استقبلت به الأحرار.
لجرمي في قلة الحياء نافر رجل من جرم رجلاً من الأنصار إلى رجل من قريش، فقال للجرمي: أبا الجاهلية تفاخره أم بالإسلام؟ فقال: بالإسلام؛ فقال: كيف تفاخره وهم آووا رسول الله ونصروه حتى أظهر اللّه الإسلام؟ قال الجرمي: فكيف تكون قلة الحياء.
وقال آخر: إنما قويت على خصومي بأني لم أستتر قط بشيء من القبيح.
لأعرابي يذكر رجلاً وذكر أعرابي رجلاً فقال: لو دق وجهه بالحجارة لرضها، ولو خلا بأستار الكعبة لسرقها .
لأسدي في غلبته للناس قيل لرجل من بني أسد: بأي شيء غلبت الناس؟ قال: أبهت الأحياء وأستشهد الموتى.
شعر لطريح الثقفي يذم قوماً وقال طريحٌ الثقفي يذم قوماً:

إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا

شراً أذيع وإن لم يعلموا كذبـوا

اثنان لا يتفقان واثنان لا يفترقان وكان يقال: اثنان لا يتفقان أبداً: القناعة والحسد، واثنان لا يفترقان أبداً: الحرص والقحة.
وقال الشاعر:

إن يبخلوا أو يغدروا

أو يفخروا لا يحفلوا

يغدوا عليك مرجلي

ن كأنهم لم يفعلـوا

كأبي براقش كل لو

نٍ لونـه يتـخـيل

بين أبي الهول الحميري والفضل بن يحيى هجا أبو الهول الحميري الفضل بن يحيى ثم أتاه راغباً إليه؛ فقال له الفضل: ويلك بأي وجه تلقاني! قال: بالوجه الذي ألقى به ربي وذنوبي إليه أكثر؛ فضحك ووصله.
من أمثال العربي في الوقاح ومن أمثال العرب في الوقاح: رمتني بدائها وانسلت.
لبعض الشعراء وقال الشاعر:

أكولٌ لأرزاق العباد إذا شتا

صبورٌ على سوء الثناء وقاح

الغيبة توجب الوضوء قال رجلٌ لقوم يغتابون ويكذبون: توضؤوا فإن ما تقولون شرٌ من الحدّث.
وبلغني عن حماد بن زيد عن هشام عن محمد قال: قلت لعبيدة: ما يوجب الوضوء؟ قال: الحدّث وأذى المسلم.
لعمر بن الخطاب روى الصلت بن دينار عن عقبة عن أنس بن مالك قال: بعثني أبو موسى الأشعريّ من البصرة إلى عمر؛ فسألني عن أحوال الناس ثم قال: كيف يصلح أهل بلدٍ جل أهله هذان الحيان: بكر بن وائل وبنو تميم، كذب بكرٌ وبخل تميمٌ.
لبعض الحكماء ذكر بعض الحكماء أعاجيب البحر وتزيد البحريين فقال: البحر كثير العجائب، وأهله أصحاب تزيدٍ، فأفسدوا بقليل الكذب كثير الصدق، وأدخلوا ما يكون فيما يكاد لا يكون، وجعلوا تصديق الناس لهم في غريب الأحاديث سلماً إلى ادعاء المحال.
للأصمعي حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: كان يقال: الصدق أحياناً محرمٌ.
لعبد الله بن مسعود في أيام النبي صلى الله عليه وسلم حدّثني شيخٌ لنا عن أبي معاوية قال: حدّثنا أبو حنيفة عن معن بن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال عبد الله بن مسعود: ما كذبت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا كذبةً واحدةً، كنت أرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجلٌ من الطائف فقلت: هذا يغلبني على الرحال؛ فقال: أي الرحال أحب إلى رسول اللّه؟ فقلت: الطائفية المكية. فرحل بها؛ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من رحل لنا هذا؟ فقالوا: الطائفي. فقال: "مروا عبد اللّه فليرحل لنا". فعدت إلى الرحال.

باب سوء الخلق وسوء الجوار والسباب والشر

للنبي صلى الله عليه وسلم في سوء الخلق والبخل حدّثني زياد بن يحيى قال: حدّثنا أبو داود عن صدقة بن موسى عن مالك بن دينار عن عبد الله بن غالب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خصلتان لا تجتمعان في مؤمنٍ سوء الخلق والبخل ".
قال: وحدّثني أحمد بن الخليل عن أزهر بن جميل عن إسماعيل بن حكيم عن الفضل بن عيسى عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قيل: يا رسول الله ما الشؤم؟ قال: "سوء الخلق ".
قال: وحدّثني أبو الخطاب قال: حدّثنا بشر بن المفضل قال: حدّثنا يونس عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم ".
لأيوب قال: وحدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال: حدّثني شيخ بمنًى قال: صحب أيوب رجلٌ في طريق مكة فآذاه الرجل بسوء خلقه؛ فقال أيوب: إني لأرحمه لسوء خلقه.
لأبي الأسود، وله أيضاً يوصي بنيه قال: وحدّثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: قال أبو الأسود: لو أطعنا المساكين في أموالنا كنا أسوأ حالاً منهم. وأوصى بنيه فقال: لا تجاودوا اللّه فإنه أمجد وأجود، ولو شاء أن يوسع على الناس كلهم حتى لا يكون محتاجٌ لفعل، فلا تجهدوا أنفسكم في التوسع فتهلكوا هزلاً.
قال: وسمع رجلاً يقول: من يعشي الجائع؟ فقال: عليّ به. فعشاه ثم ذهب ليخرج، فقال: أين تريد؟ قال: أريد أهلي؛ قال: هيهات، عليّ ألا تؤذي المسلمين الليلة، ووضع في رجله الأدهم حتى أصبح.
بين أعرابي وأبي الأسود قال: وأكل أعرابي معه تمراً فسقطت من يد الأعرابي تمرةٌ فأخذها وقال: لا أدعها للشيطان؛ فقال أبو الأسود: لا والله ولا لجبريل.
ابن الزبير لرجل نظر ابن الزبير يوماً إلى رجل وقد دق في صدور أهل الشأم ثلاثة أرماحٍ فقال: اعتزل حربنا فإن بيت المال لا يقوم لهذا.
ولابن الزبير أيضاً وذكر أبو عبيد ة أنه كان يأكل في كل سبعة أيام أكلةً ويقول في خطبته: إنما بطني شبرٌ في شبر وما عسى أن يكفيني.
شعر لأبي وجزة يمدح ابن الزبير وقال أبو وجزة مولى آل الزبير:

لو كان بطنك شبراً قد شبعت وقد

أفضلت فضلاً كثيراً للمساكـين

فإن تصبـك مـن الأيام جـائحةٌ

لا نبك منك على دنـيا ولا دين

وفيها يقول:

                

               ما زلت في سورة الأعراف تدرسها                حتى فؤادك مثل الخز في الـلـين   

 

وفيها يقول:

إن امرأً كنت مولاه فضيعنـي

يرجو الفلاح لعندي حق مغبون

ولأخر في ابن الزبير وفيه يقول آخر :

أيت أبا بكر وربك غالبٌعلى أمره يبغي الخلافة بالتمر

هذا حين قال: أكلتم تمري وعصيتم أمري.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

من دون سيبك لون ليلٍ مظلـمٍ

وحفيف نافجةٍ وكلب مـوسـد

وأخوك محتملٌ عليك ضـغـينةً

ومسيف قومك لائمٌ لا يحـمـد

والضعيف عندك مثل أسود سالخٍ

لا بل أحبهمـا إلـيك الأسـود

لأعرابي مدح سعيد بن سلم ثم هجاه ومدح أعرابي سعيد بن سلم فقال:

أيا سارياً بالليل لا تخش ضلةً

سعيدبن سلمٍ ضوء كل بلاد

لنا سيدٌ أربى على كل سـيدٍ

جوادٌ حثا في وجه كل جواد

فلم يعطه شيئاً، فقال يهجوه:

لكل أخي مدحٍ ثـوابٌ يعـده

وليس لمدح الباهلي ثـواب

مدحت ابن سلمٍ والمديح مهزةٌ

فكان كصفوانٍ عليه تـراب

الممزق الحضرمي يهجو الباهليين وقال فيهم الممزق الحضرمي :

إذا ولدت حليلة باهـلـيٍ

غلاماً زيد في عدد اللـئام

وعرض الباهلي وإن توقى

عليه مثل منديل الطعـام

ولو كان الخليفة باهـلـيًا

لقصر عن مساماة الكرام

بين قدامة بن جعدة وقتيبة بن مسلم ودخل قدامة بن جعدة على قتيبة بن مسلم فقال: أصلح الله الأمير، بالباب ألأم العرب؛ قال: ومن ذاك؟ قال: سلولي رسول محاربي إلى باهلي، فضحك قتيبة.
وقال آخر :

قومٌ إذا أكلوا أخفوا كـلامـهـم

وأستوثقوا من رتاج الباب والدار

لا يقبس الجار منهم فضل نارهم

ولا تكف يدٌ عن حرمة الجـار

لعمر بن عبد العزيز الطائي الحمصي وقال عمر بن عبد العزيز الطائي من أهل حمص:

سمت المديح رجالاً دون قدرهم

صد قبيحٌ ولفظٌ ليس بالحسـن

فلم أفز منهم إلا بما حمـلـت

رجل البعوضة من فخارة اللبن

وقال آخر:

ألام وأعطي والبخيل مجـاوري

إلى جنب بيتي لا يلام ولا يعطي

ونحو هذا قولهم: منع الجميع أرض للجميع.
وقال بشار:

أعطى البخيل فما انتفعت به

وكذاك من يعطيك من كدره

قيل لخالد بن صفوان: ما لك لا تنفق فإن مالك عريض؟ قال: الدهر أعرض منه؛ قيل له: كأنك تأمل أن تعيش الدهر كله؛ قال: ولا أخاف أن أموت في أوله .
بين الجاحظ والحزامي في البخل والسخاء قال الجاحظ: قلت مرةً للحزامي: قد رضيت بقول الناس: عبد الله بخيل؟ قال: لا أعدمني الله هذا الاسم. قلت: كيف؟ قال: لأنه لا يقال فلانٌ بخيلٌ إلا وهو ذو مال، فسلم لي المال وأدعني بأي اسم شئت؛ قلت: ولا يقال سخي إلا وهو ذو مال، فقد جمع هذا الاسم المال والحمد وجمع هذا الاسم المال والذم؛ قال: بينهما فرقٌ، قلت: هاته؛ قال: في قولهم بخيلٌ تثبيتٌ لإقامة المال في ملكه، وفي قولهم سخي إخبارٌ عن خروج المال عن ملكه، واسم البخل اسم فيه حزم وذم، واسم السخاء اسم فيه تضييعٌ وحمد، والمال راهن نافع ومكرمٌ لأهله معزٌ، والحمد ريحٌ وسخريةٌ واستماعه ضعفٌ وفسولةٌ، وما أقل والله غناء الحمد عنه إذا جاع بطنه وعري جلده وضاع عياله وشمت عدوه! لمحمد بن الجهم وكان محمد بن الجهم يقول: من شأن من استغنى عنك ألا يقيم عليك، ومن احتاج إليك ألا يذهب عنك، فمن ضن بصديقه وأحب الاستكثار منه وأحب التمتع به احتال في دوام رغبته بأن يقيم له ما يقوته ويمنعه ما يغنيه عنه، فإن من الزهد فيه أن تغنيه عنك ومن الرغبة فيه أن تحوجه إليك؛ وإبقاؤك مع الضن به أمر من إغنائك له مع الزهد فيه؛ وقيل في مثلٍ: أجع كلبك يتبعك. فمن أغنى صديقه فقد أعانه على الغدر وقطع أسبابه من الشكر؛ والمعين على الغدر شريك الغادر، كما أن مزين الفجور شريك الفاجر.
وله يوصي قال: وأوصى عند موته، وقال في وصيته: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الثلث، والثلث كثير"؛ وأنا أزعم أن ثلث الثلث كثيرٌ، والمساكين حقوقهم في بيت المال، إن طلبوا طلب الرجال أخذوه، وإن جلسوا جلوس النساء منعوه، فلا يرغم اللّه إلا أنفهم ولا يرحم اللّه من يرحمهم.
بين سوار ورجلين تنازعا أرضاً عنده تقدم رجلان من قريش إلى سوارٍ أحدهما ينازع مولًى له في حد أرض أقطعها أبوه مولاه؛ فقال سوار: أتنازع مولاك في حد أرض أقطعها أبوك إياه !؛ فقال: الشحيح أعذر من الظالم. فرفع سوار يده ثم قال: اللهم اردد على قريش أخطارها.
شعر للخزرجي وقال الخزرجي:

إن جود المكي جودٌ حـجـازيٌ

وجود الحجاز فيه اقـتـصـاد

كيف ترجو النوال من كف معطٍ

قد غذته الأقـراص والأمـداد

لسليمان بن مزاحم وقد نظر إلى درهم نظر سليمان بن مزاحم إلى درهم فقال: في شقٍ "لا إله إلا الله محمدٌ رسول اللّه " وفي
وجه آخر "الله لا إله إلا هو الحي القيوم "، ما ينبغي أن يكون هذا إلا معاذةً وقذفه في ا لصندوق.
شعر للخليل في بخيل أنشدنا عبد الرحمن بن هانئ صاحب الأخفش عن الأخفش للخليل :

كفـاه لـم تـخـلـقـا

ولم يك بخلهما بـدعـه

فكفٌ عن الخير مقبوضةٌ

كما نقصت مائةٌ تسعـه

وكفٌ ثـلاثة آلافـهـا

وتسعمئيها لها شرعـه

أبو عليّ الضرير يهجو المعلى وينسبه للبخل قال أبو عليّ الضرير:

لعمر أبيك ما نسب المعلى

إلى كرم وفي الدنيا كـريم

ولكن البلاد إذا آقشـعـرت

وصوح نبتهما رعي الهشيم

ولآخر في بخيل وقال آخر:

أمن خوف فقرٍ، تعجلـتـه

وأخرت إنفاق ما تجـمـع

فصرت الفقير وأنت الغني

وهل كنت تعدو الذي تصنع

رد رجل كريم على رجلٍ خوفه الفقر خوف رجلٌ رجلاً جواداً الفقر وأمره بالإبقاء على نفسه ؛ فكتب إليه: إني أكره أن أترك أمراً قد وقع، لأمر لعله لا يقع.
لأبي الشمقمق يعرض ببخيل وقال أبي الشمقمق:

رأيت الخبز عز لديك حتـى

حسبت الخبز في جو السحاب

وما روحتنا لـتـذب عـنـا

ولكن خفت مرزئة الذبـاب

مثله لدعبل وقال دعبلٌ:

صدق أليته إذ قال مـجـتـهـداً

لا والرغيف، فذاك البر من قسمه

قد كان يعجبني لـو أن غـيرتـه

على جراذقه كانت على حرمـه

فإن هممت به فآفتك بخـبـزتـه

فإن موقعها من لحـمـه ودمـه

ولبعض الشعراء في مثل ذلك المعنى وقال الشاعر:

ارفق بحفـصٍ حـين تـأ

كل يا معاوي من طعامه

المـوت إيسـر عـنـده

من مضغ ضيفٍ والتقامه

وتراه من خوف الـنـزي

ل به يروع في منـامـه

سيان كـسـر رغـيفـه

أو كسر عظمٍ من عظامه

لا تـكـسـرن رغـيفـه

إن كنت ترغب في كلامه

وإذا مـررت بـبـابــه

فاحفظ رغيفك من غلامه

ومثله لأبي نواس وقال أبو نواس:

خبز إسماعيل كالوش

ي إذا ما انشق يرفـا

عجباً من أثر الصـن

عة فيه كيف يخفـى

إن رفـاءك هـــذا

أحـذق الأمة كـفـا

فإذا قابل بـالـنـص

ف من الجرذق نصفا

أحكم الصنعة حـتـى

لا ترى موضع إشفى

مثل ماجاء من التـن

ور ما غادر حرفـا

وله في الماء أيضـاً

عمل أبدع ظـرفـا

مزجه العذب بماء ال

بئر كي يزداد ضعفا

فهو لا يشرب مـنـه

مثل ما يشرب صرفا

باب الحمق

الشعبي لرجل استجهله قال الشعبي لرجل استجهله: ما أحوجك إلى مدرجٍ شديد الفتل جيد الجلاز عظيم الثمرة لدن المهزة يأخذ منك فيما بين عجب الذنب ومغرز العنق فتكثر له رقصاتك من غير جذل. فقال: وما هذا؟ فقال: بعض الأمر.
في إثابة كل إنسان على قدر عقله قال: حدّثني القومسي عن محمد بن الصلت الأسدي عن أحمد بن بشير عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن عطاء عن جابر قال: كان في بني إسرائيل رجل له حمارٌ، فقال: يا رب لو كان لك حمارٌ لعلفته مع حماري هذا. فهم به نبيٌ، فأوحى اللّه إليه: إنما أثيب كل إنسان على قدر عقله.
لابن سيرين عن رجل أحمق رأى مناماً حدّثني محمد بن خالد بن خداش عن أبيه عن حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين أن رجلاً رأى في المنام أن له غنماً وكأنه يعطى بها ثمانيةً ثمانيةً، ففتح عينه فلم ير شيئاً، فغمض عينه ومد يده وقال: هاتوا أربعةً أربعةً.
بين أحد العباد، وكان أحمق، ورجل مر رجل من العباد وعلى عنقه عصا في طرفيها زبيلان قد كادا يحطمانه، في أحدهما بر وفي الآخر ترابٌ، فقيل له: ما هذا؟ قال: عدلت البر بهذا التراب، لأنه كان قد أمالني في أحد جانبي. فأخذ رجلٌ زبيل التراب فقلبه وجعل البر نصفين في الزبيلين وقال له: احمل الآن؛ فحمله، فلما رآه خفيفاً قال: ما أعقلك من شيخ!
حفر أعرابي لقوم قبراً في أيام الطاعون بدرهمين، فلما أعطوه الدرهمين قال: بأبي دعوهما عندكم حتى يجتمع لي ثمن ثوب.
لأم عمرو بنت جندب كانت أم عمرو بنت جندب بن عمرو بن جمعة السدوسي عند عثمان بن عفان، وكانت حمقاء تجعل الخنفساء في فيها ثم تقول: حاجيتك ما في فمي؟ وهي أم عمرو وأبان ابني عثمان.
لبعض ولاة بني أمية على المدينة إبراهيم بن المنذر قال: حدّثنا زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: رأيت طارقاً وهو والٍ الخلفاء من بني أمية على المدينة يدعو بالغداء فيتغدى على منبر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ويكون فيه العظم المخ فينكته على رمانة المنبر فيأكله.
أم غزوان الرقاشي لابنها قالت أم غزوان الرقاشي لابنها - ورأته يقرأ في المصحف - : يا غزوان، أما تجد فيه بعيراً لنا ضل في الجاهلية؟ فما كهرها وقال: يا أمه، أجد والله فيه وعداً حسناً ووعيداً شديداً.
بين ابن أبي عتيق ورجل سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى قال: قال ابن أبي عتيق لرجل: ما اسمك؟ قال: وثابٌ. قال: فما كان اسم كلبك؟ قال: عمرو. قال: واخلافاه! لأبي الدرداء في علامات الجاهل قال أبو الدرداء: علامة الجاهل ثلاثٌ: العجب، وكثرة المنطق فيما لا يعنيه، وأن ينهى عن شيء ويأتيه.
أغمي على رجل من الأزد فصاح النساء واجتمع الجيران وبعث أخوه إلى غاسل الموتى فجاء فوجده حياً بعد؛ فقال أخوه: اغسله فإنك لا تفرغ من غسله حتى يقضي.
لأردشير في عيب الجهل وقال أردشير: بحسبكم دلالةً على عيب الجهل أن كل إنسان ينتفي منه ويغضب إذا نسب !ليه.
وكان يقال: لا يغرنك من الجاهل قرابةٌ ولا أخوة ولا إلفٌ فإن أحق الناس بتحريق النار أقربهم منها.
لعمر بن عبد العزيز في خصال الجاهل قال عمر بن عبد العزيز: خصلتان لا تعدمانك من الجاهل: كثرة الالتفات وسرعة الجواب.
عمر بن الخطاب ينهي عن مؤاخاة الأحمق وقال عمر بن الخطاب: إياك ومؤاخاة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك.
وقال بعضهم: لأن أزاول أحمق أحب إلي من أن أزاول نصف أحمق؛ يعني الأحمق المتعاقل.
لهشام بن عبد الملك فيما يعرف به الأحمق وقال هشام بن عبد الملك يعرف حمق الرجل بأربعةٍ: بطول لحيته، وبشناعة كنيته، ونقش خاتمه، وإفراط شهوته ؛ فدخل عليه ذات يوم شيخٌ طويل العثنون، فقال هشام: أما هذا فقد جاء بواحدة، فانظروا أين هو من الثلاث؛ فقيل له: ما كنيتك؟ فقال: أبو الياقوت ؛ وقالوا: ما نقش خاتمك؟ قال: وجاءوا على قميصه بدمٍ كذبٍ وفي حكاية أخرى وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد؛ فقيل له: أي الطعام تشتهي؟ فقال: جلنجبين، وفي حكاية أخرى: مصاصة لعمر بن عبد العزيز سمع عمر بن عبد العزيز رجلاً ينادي رجلاً: يا أبا العمرين، فقال: لو كان له عقلٌ كفاه أحدهما.
لأبي العاج والي واسط وقال أبو العاج يوماً لجلسائه - وكان يلي واسط - : إن الطويل لا يخلو من أن يكون فيه إحدى ثلاث: أن يفرق الكلاب، أو يكون في رجله قرحةٌ، أو يكون أحمق، وما زلت وأنا صغيرٌ في رجلي قرحةٌ، وما فرق الكلاب أحدٌ فرقي، وأما الحمق فأنتم أعلم بواليكم.
ويقال: الأحمق أعلم بشأنه من العاقل بشأن غيره.
شعر لبشار وقال بشار:

خليلي إن العسر سـوف يفـيق

لأن يساراً في غد لـخـلـيق

وما كنت إلا كالزمان إذا صحـا

صحوت لأن ماق الزمان أموق

ذريني أشب همي براحٍ فإننـي

أرى الدهر فيه كربةٌ ومضيق

وقال رجل: فلان إلى من يداوي عقله أحوج منه إلى من يداوي بدنه.
لبعض الحكماء قيل لبعض الحكماء: متى يكون الأدب شراً من عدمه؟ قال: إذا كثر الأدب ونقص العقل.
من كتاب الهند في الحمق والحمقاء وقرأت في كتاب للهند: من الحمق التماس الرجل الإخوان بغير وفاءٍ، والأجر بالرياء، ومودة النساء بالغلظة، ونفع نفسه بضر غيره، والعلم والفضل بالدعة والخفض. وفيه: ثلاثة يهزأ بهم: مدعي الحرب ولقاء الزحوف وشدة النكاية في الأعداء وبدنه سليمٌ لا أثر به، ومنتحل علم الدين والإجتهاد في العبادة وهو غليظ الرقبة أسمن من الأثمة، والمرأة الخلية تعيب ذات الزوج. أيضاً من كتاب الهند في خمسةٍ يعملون بجهل
وفيه: من يعمل بجهلٍ خمسةٌ: مستعمل الرماد في جنته بدلاً من الزبل، ومظهر مستور عورته، والرجل يتزيا بزي المرأة والمرأة تتزيا بزي الرجل، والمتملك في بيت مضيفه، والمتكلم بما لا يعنيه ولا يسأل عنه.
وفيه: الأدب يذهب عن العاقل السكر ويزيد الأحمق سكراً، كما أن النهار يزيد كل ذي بصر بصراً ويزيد الخفافيش سوء بصر.
وكانوا يكرهون م ن يزيد منطق الرجل على عقله.
لبعض الشعراء في جاهل قال الشاعر في جاهل :

ما لي أرى الناس يأخذون ويع

طون ويستمتعون بالنـشـب

وأنت مثل الحمار أبـهـم لا

تشكو جراحات ألسن العرب

بين الأحنف ورجل سمع الأحنف رجلاً يقول: ما أبالي أمدحت أم هجيت. فقال الأحنف: استرحت من حيث تعب الكرام.
لعامر بن كريز، وهو من حمقى قريش، وقد سمع ابنه عبد الله وهو يخطب كان عامر بن كريز أبو عبد الله بن عامر من حمقى قريش، نظر إلى ابنه عبد الله وهو يخطب فأقبل على رجل إلى جانبه وقال: إنه واللّه خرج من هذا، وأشار إلى ذكره.
العاص بن هشام، من حمقى قريش ومن حمقى قريش العاص بن هاشم أخو أبي جهل وكان أبو لهب قامره فقمره ماله ثم داره ثم قليله وكثيره وأهله ونفسه فاتخذه عبداً وأسلمه قيناً، فلما كان يوم بدر بعث به عن نفسه فقتل ببدر كافراً، قتله عمر بن الخطاب، وكان خال عمر.
من حمقى قريش أيضاً: الأحوص بن جعفر ومن حمقى قريش الأحوص بن جعفر بن عمرو بن حريث، قال له يوماً مجالسوه: ما بال وجهك أصفر! أتشتكي شيئا؟ وأعادوا عليه ذلك، فرجع إلى أهله يلومهم ويقول لهم: أنا شاكٍ ولا تعلمونني! ألقوا عليّ الثياب وابعثوا إلى الطبيب.
وتمارض مرةً فعاده أصحابه وجعل لا يتكلم، فدخل شراعة بن عبيد اللّه بن الزندبوذ وكان أملح أهل الكوفة، فعرف أنه متمارضٌ فقال: يا فلان كنا أمس بالحيرة فأخذنا الخمر ثلاثين قنينة بدرهم. والخمر يومئذ ثلاث قناني بدرهم، فرفع الأحوص رأسه وقال: كذا مني في كذا من أم الكاذب. واستوى جالساً، فنثر أهله على شراعة السكر؛ فقال له شراعة: أجلس لا جلست وهات شرابك. فشربا يومهما.
من حمق بكار بن عبد الملك بن مروان ومن حمقى قريش بكار بن عبد الملك بن مروان، وكان أبوه ينهاه أن يجالس خالد بن يزيد بن معاوية لما يعرف من حمق ابنه، فجلس يوماً إلى خالد، فقال بكار: أنا والله كما قال الأول: مرددٌ في بني اللخناء ترديدا وكان له بازٍ فقال لصاحب الشرطة: أغلق أبواب المدينة لئلا يخرج البازي.
أيضاً لمعاوية بن مروان من حمقى قريش، بينه وبين طحان ومن حمقى قريش معاوية بن مروان أخو عبد الملك بن مروان. بينا هو واقف بباب دمشق ينتظر عبد الملك على باب طحان نظر إلى حمار الطحان يدور الرحا وفي عنقه جلجلٌ، فقال للطحان: لم جعلت في عنق الحمار جلجلا؟ فقال: ربما أدركتني سآمةٌ أو نعسةٌ فإذا لم أسمع صوت الجلجل علمت أنه قام فصحت به؛ فقال معاوية: أرأيت إن قام وحرك رأسه ما علمك أنه قائم؟ قال الطحان: ومن لحماري بمثل عقل الأمير!.
بين معاوية بن مروان وأبي امرأته وقال معاوية هذا لأبي آمرأته: ملأتنا أبنتك البارحة بالدم؛ فقال: إنها من نسوة يخبأن ذلك لأزواجهن.
وقال له أيضاً يوماً آخر: لقد نكحت ابنتك بعصبة ما رأت مثلها قط. فقال له: لو كنت عنيناً ما زوجناك.
سليمان بن يزيد بن عبد الملك ومن حمقى قريش سليمان بن يزيد بن عبد الملك، قال يوماً: لعن اللّه الوليد أخي فإنه كان فاجراً، واللّه لقد أرادني على أن يفعل بي. فقال له قائل: أسكت فوالله لئن كان هم لقد فعل.
لعائشة بنت عثمان في أخي سعيد بن العاص خطب سعيد بن العاص عائشة بنت عثمان على أخيه، فقالت: هو أحمق لا أتزوجه أبداً، له برذونان أشهبان فهو يحتمل مؤونة اثنين وهما عند الناس واحدٌ.
وأخبرني رجل أنه كان له صديق له برذونان في شيةٍ واحدة فكنا لا نظن إلا أن له برذوناً واحداً، وغلامان يسميان جميعاً بفتح، وكان إذا دعا واحداً قال: يا فتح الكبير، وإذا دعا لآخر قال: يا فتح الصغير.
لعجيل بن لجيم وقد سأله ابنه عن اسم لفرسه قال أبو عبيدة: أرسل ابن لعجل بن لجيم فرساً له في حلبة فجاء سابقاً، فقال لأبيه: يا أبت، بأي شيء أسميه؟ فقال: افقأ إحدى عينيه وسمه الأعور.
لبعض الشعراء يهجو بني عجل وقال الشاعر:

رمتني بنـو عـجـلٍ بـداء أبـيهـم           وأي عباد الله أنـوك مـن عـجـل!

أليس أبـوهـم عـار عـين جـواده            فأضحت به الأمثال تضرب في الجهل      

 

 

ومن عجل "دغة" التي يضرب بها المثل في الجهل، فيقال: هي دغة بنت مغنج؛ ويقال: دغة لقبٌ، واسمها مارية بنت زمعة.
لحيان بن غضبان قال أبو اليقظان: ومن عجل حيان بن غضبان ورث نصف دار أبيه فقال: أريد أن أبيع حصتي من الدار وأشتري النصف الباقي فتصير كلها لي.
ومن القبائل المشهور فيها الحمق الأزد شعر لأزدي في المهلب بن أبي صفرة قال رجلٌ منهم في المهلب بن أبي صفرة:

نعم أمير الرفقة المهـلـب

أبيض وضاحٌ كتيس الحلب

ينقص بالقوم انقضاض الكوكب فلما أنشده المهلب، قال: حسبك رحمك الله! من أشعار الأزديين ومن أشعارهم:

يا رب جاريةٍ في الحي حالية

كأنها عومةٌ في جوف راقود

وقال آخر منهم :

زياد بن عمرٍو عينه تحت حاجبه

وأسنانه بيضٌ وقد طر شاربـه

شعر لعمر بن لجا يصف إبلاً وقال عمر بن لجأٍ يصف إبلاً:

تصطك ألحيها على دلائها

تلاطم الأزد على عطائها

لأبي دحية النميري وقال أبو حية النميري:

وكأن غلي دنانهم في دورهم

لغط العتيك على خوان زياد

بين أزدي ويزيد بن المهلب كتب مسلمة بن عبد الملك إلى يزيد بن المهلب: والله ما أنت بصاحب هذا الأمر، صاحب هذا الأمر مغمورٌ موتورٌ وأنت مشهورٌ غير موتورٍ، فقام إليه رجل من الأزد فقال: قدم ابنك مخلداً حتى يقتل فتصير موتوراً.
أيضاً بين أزدي وعبيد اللّه بن زياد قام رجل من الأزد إلى عبيد الله بن زياد فقال: أصلح الله الأمير، إن امرأتي هلكت وأردت أن أتزوج أمها وأزوج ابني ابنتها وهذا عريفي، فأعني في الصداق ؛ فقال: في كم أنت من العطاء؟ قال: في سبعمائةٍ ؛ قال: حطا عنه أربعمائةٍ، يكفيك ثلاثمائةٍ.
لقبيصة بن المهلب ومن حمقى الأزد قبيصة بن المهلب، رأى جراداً يطير فقال: لا يهولنكم ما ترون فإن عامتها موتى.
وقال يوما: رأيت غرفةً فوق بيت.
وقال لغلامه: اذهب إلى بياض الملاء.
بين كلاب بن صعصة وأخوته ومن حمقى العرب كلاب بن صعصعة، خرج أخوته يشترون خيلاً وخرج معهم كلا بٌ فجاء بعجل يقوده؛ فقال له أخوته: ما هذا؟ قال: فرسٌ اشتريته، قالوا: يا مائق، هذه بقرةٌ أما ترى قرنيها! فرجع إلى بيته فقطع قرنيها، فأولاده يدعون بني فارس البقرة شعر للكميت قال الكميت:

              ولولا أمير المؤمـنـين وذبـه             بخيل عن العجل المبرقع ما صهل

 

شذرة بن الزبرقان وكان شذرة بن الزبرقان من الحمقى، دخل يوم الجمعة المسجد فأخذ بعضادتي الباب ثم قال: السلام عليكم، أيلج شذرة؟ فقالوا له: هذا يومٌ لا يستأذن فيه. قال: أفيلج مثلي على جماعة مثل هؤلاء ولا يعرف مكانه! لرجل من كلب استعمله معاوية ثم عزله عوانة قال: استعمل معاوية رجلاً من كلب؛ فذكر المجوس يوماً فقال: لعن الله المجوس ينكحون أمهاتهم، والله لو أعطيت عشرة آلاف ما نكحت أمي. فبلغ ذلك معاوية، فقال: قبحه الله! أترونه لو زادوه فعل؛ وعزله.
للحارث بن جران وقد سأله قوم إعانتهم في بناء مسجد حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: سأل القوم الحارث بن جران أن يعينهم في تأسيس مسجد؛ فقال: قيروه وعليّ الودع.
لوالي اليمامة وسبب تسميته بمقوم الناقة خطب والي اليمامة فقال: إن اللّه لا يقار على المعاصي عباده، وقد أهلك أمةً عظيمةً في ناقة ما كانت تساوي مائتي درهم. فسمي مقوم الناقة.
ليزيد بن ثروان وقد شرد له بعير شرد بعيرٌ لهبنقة، واسمه يزيد بن ثروان، فقال: من وجد بعيري فهو له. فقيل له: وما ينفعك من هذا؟ قال: إنكم لا تدرون ما حلاوة الوجدان.
بين المنصور والربيع والقاسم بن محمد الطلحي وقال المنصور للربيع: كيف تعرف الريح؟ قال: أنظر إلى خاتمي فإن كان سلساً فهي شمالٌ وإلا فهي جنوبٌ. فسأل القاسم بن محمد الطلحي عن ذلك؛ فقال: أضرب بيدي إلى خصيتي فإن كانتا قد قلصتا فهي شمالٌ وإن كانتا متدليتين فهي جنوبٌ.
من أخبار أبي كعب القاص
قال أبو كعب القاص في قصصه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في كبد حمزة ما قد علمتم، فادعوا الله أن يطعمنا من كبد حمزة.
وكان يقول في قصصه: ليس في خيرٌ ولا فيكم، فتبلغوا بي حتى تجدوا خيراً مني.
وقال هو أو غيره في قصصه: كان اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا وكذا؛ قالوا: فإن يوسف لم يأكله الذئب؛ قال: فهذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف.
لقاص يضرب مثلاً في الكافر والمؤمن.
حدّثني عبد الرحمن بن عبد الله عن عمه قال: كان قاصٌ يقص في المسجد فيقول: مثل الكافر مثل قصر الإسكاف خارجه حسن وداخله مخرأةٌ، ومثل المؤمن مثل قصر زربي جداره كالحٌ وداخله زهرةٌ.
ويقول: وما الدنيا! أخزى الله الدنيا! إنما مثلها مثل أير حمارٍ، بينا هو قد أنعظ إذ طفيء.
وقال: المؤمن غذاؤه فلقةٌ وسمكته شلقةٌ ودواؤه علقةٌ ومرقته سلقةٌ.
بين داود المصاب وصاحب له أصابت داود المصاب مصيبةٌ فاغتم؛ فقال له صاحبٌ له: لا تتهم اللّه في قضائه. فقال داود: أقول لك شيئاً وتكتمه؟ قال: نعم. قال: والله ما صاحبي غيره.
وبينه وبين رجل استشاره في حمل أمه إلى البصرة واستشاره رجل في حمل أمه إلى البصرة، وقال: إن حملتها في البر خفت عليها اللصوص، وإن حملتها في الماء خفت عليها الغرق؛ فقال: خذ بهم سفتجةً.
بين بعض السلاطين ومجنونين دعا بعض السلاطين مجنونين ليضحك منهما، فأسمعاه فغضب فدعا بالسيف؛ فقال أحدهما للآخر: كنا اثنين وقد صرنا ثلاثةً.
بين ابن سيابة ورجل اتهمه بعدم معرفة الله قال رجل لابن سيابة مولى بني أسد: ما أراك تعرف الله. قال: أتراني لا أعرف من أجاعني وأعراني وأخزاني.
لأعرابي وسئل عن بره بأمه قيل لأعرابي: كيف برك بأمك؟ قال: ما قرعتها سوطاً قط.
أيضاً لأعرابي ضرب أمه وقيل لآخر وهو يضرب أمه: ويحك؛ تضرب أمك! فقال: أحب أن تنشأ على أدبي.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

جنونك مجنون ولست بواجدٍ

طبيباً يداوي من جنون جنون

وقال آخر:

وكيف يفيق الدهر كعب بن ناشبٍ

وشيطانه بين الأهـلة يصـرع

شعر لأعرابي وذكر الله عز وجل وقال أعرابي وذكر اللّه عز وجل:

خلق السماء وأهلها في جمعةٍ

وأبوك يمدر حوضه في عام

بين أبو العاج وصاحب شرطته كان أبو العاج والي واسط، وأتاه صاحب شرطته بقوادةٍ فقال: أصلح اللّه الأمير، هذه قوادةٌ. قال: وأي شيء تصنع؟ قال: تجمع بين الرجال والنساء. قال: لماذا؟ قال: للزنا؛ قال: وإنما أتيتني بها لتعرفها منزلي! خل عنهم لعنك الله.
وأتاه يوماً بمخنثٍ، فقال له: ما هذا؟ قال: مخنثٌ؛ قال: وما يصنع؟ قال: ينكح كما تنكح المرأة؛ قال: يبذل هذا آسته وأحظر أنا عليه! اذهب يابن أخي فارتد لها.
لوكيع بن أبي أسود خطب وكيع بن أبي أسودٍ بخراسان فقال: إن اللّه خلق السموات والأرض في ستة أشهرٍ؛ فقيل له: إنها ستة أيام ؛ فقال: واللّه لقد قلتها وأنا أستقلها.
بين سليمان بن عبد الملك ورجل تغدى رجلٌ عند سليمان بن عبد الملك وهو يومئذ ولي عهدٍ وقدامه جدي، فقال له سليمان: كل من كليته فإنها تزيد في الدماغ؛ فقال: لو كان هذا هكذا كان رأس الأمير مثل رأس البغل.
صاحب اللجام أبو عبيد ة: أجريت الخيل فطلع منهم فرسٌ سابقٌ فجعل رجل من النظارة يكبر ويثب من الفرح؛ فقال له رجل إلى جانبه: يا فتى، هذا الفرس فرسك؟ قال: لا ولكن اللجمام لي.
بين أبو عتاب وعمرو بن هداب دخل أبو عتاب على عمرو بن هداب وقد كف بصره والناس يعزونه، فقال: يا أبا زيدٍ، لا يسوءنك ذهابهما، فإنك لو رأيت ثوابهما في ميزانك تمنيت أن الله قطع يديك ورجليك ودق ظهرك.
بين أعمى وقائده كان رجل يقود أعمى بكراءٍ، فكان الأعمى ربما عثر فيقول: اللهم أبدلني به قائداً خيراً منه. ويقول القائد: اللهم أبدلني أعمى خيراً منه.
لأبي بكر الشيباني ادعى أبو بكر الشيباني إلى العرب ذات ليلة فأصبح من الغد على الشمس فقعد فيها فثارت به مرةٌ، فجعل يحك جسده بأظفاره خمشاً ويقول: إنما نحن إبل؛ فقال له قائل: والله إنك تشبه العرب، فغضب وقال: أيقال لي هذا! أنا واللّه حرباء تنضبةٍ، يشهد لي سواد لوني وغؤور عيني وحبي للشمس.
أبو السفاح يوصي عند موته
قيل لأبي السفاح عند موته: أوصه؛ فقال: إنا لكرام قوم طخفة. قالوا: قل خيراً يا أبا السفاح؛ فقال: إن أحبت امرأتي فأعطوها بعيراً؛ قالوا: قل خيرا؟ قال: إذا مات غلامي فهو حر.
ولرجل عند موته وقيل لرجل عند موته: قل لا إله إلى الله، فأعرض، فأعادوا عليه مرارا، فقال: أخبروني عن أبي طالب أقالها عند موته؟ قالوا: وما أنت وأبو طالب! قال: لا أرغب بنفسي عنه.
أيضا لعجير السلولي عند موته ولما احتضر العجير السلولي قال لقوم عنده: أنا في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة، واللّه لئن وجدت لي عند الله موضعاً لأكلمنه فيكم.
مثله لأوس بن حارثة، وغيره وقيل لأوس بن حارثة عند موته: قل لا إله إلا اللّه. فقال: لم يأن لهم بعد.
وقيل لآخر عند موته: ألا توصي؟ قال: أنا مغفور لي؛ قالوا: قل إن شاء الله، قال: قد شاء الله ذلك. قالوا: لا تدع الوصية، فقال لبني أخيه:

          بني حريث ارفعا وسادي           واحتفظا بالجلة الجـلاد

          فإنما حوليهما الأعادي

         

لسهل بن هم هارون قال سهل بن هارون: ثلاثة من المجانين وإن كانوا عقلاء. الغضبان والغيران والسكران؟ قالوا: فما تقول في المنعظ؟ فضحك وقال:

وما شر الثلاثة أم عمرو

بصاحبك الذي لا تصبحينا

للوليد قال الوليد: إلا إن أمير المؤمنين عبد الملك كان يقول: إن الحجاج جلدة ما بين عيني، لا وإن الحجاج جلدة وجهي كله.
العتاب بن ورقاء يحث على الجهاد خطب عتاب بن ورقاء فحث على الجهاد وقال: هذا كما قال الله تعالى:

كتب القتل والقتال

عليّنا وعلى الغانيات جر الذيول

شعر في الربيع والي اليمامة وقال آخر في الربيع وإلى اليمامة:

شهدت بأن الله حق لـقـاؤه

وأن الربيع العامري رقيع

أقاد لنا كلباً بكلب ولـم يدع

دماء كلاب المسلمين تضيع

بين شاب دخل على المنصور والربيع دخل شاب على المنصور فسأله عن وفاة أبيه، فقال: مات رحمه اللّه يوم كذا وكذا، وكان مرضه رضي الله عنه كذا وكذا، وترك عفا اللّه عنه من المال كذا وكذا؟ فانتهزه الربيع وقال: أبين يدي أمير المؤمنين توالي الدعاء لأبيك! فقال الشاب: لا ألومك، إنك لم تعرف حلاوة الآباء؛ فما علم أن المنصور ضحك مثل ضحكه يومئذ. وكان الربيع لقيطاً.
هاشمي دخل على المنصور والربيع دخل رجل من بني هاشم على المنصور فاستجلسه ودعا بغدائه فقال للفتى: ادن! فقال. قد تغذيت؛ فلما خرج استخف به الربيع ودفع في قفاه، وقال: هذا كان يسلم من بعيد وينصرف، فلما استدناه أمير المؤمنين وأمره بالجلوس ودعاه إلى طعامه تبذل بين يديه فبلغ من جهله بفضيلة المنزلة التي صيره فيهم أن قال: قد تغذيت، وإذاً ليس عنده لمن تغدى مع أمير المؤمنين إلا سد خلة الجوع.
للحجاج على قبر رجل من جند أهل الشام يونس الهجري قال: مات رجل من جند أهل الشام فحضر الحجاج جنازته، وكان عظيم القدر، فصلى وجلس على قبره وقال: لينزل قبره بعض إخوانه! فنزل نفر منهم، فقال أحدهم وهو يسوي عليه: رحمك اللّه أبا فلان! إن كنت ما علمتك لتجيد الغناء وتسرع رب الكأس، ولقد وقعت في موقع سوء لا تخرج نه إلى الدكة؛ فما تمالك الحجاج أن ضحك فأكثر، وكان لا يكثر الضحك في جد ولا هزل، ثم قال له: لا أم لك! هذا موضع هذا! قال: أصلح الله الأمير، فرسي حبيس لو سمعه يتغنى:

يا لبينى أوقدي النارا

لانتشر الأمير على سنعة. وكان الميت يلقب سعنة، وكان من أوحش خلق اللّه صورة وأدمهم؛ فقال الحجاج: إنا الله! أخرجوه عن القبرة؛ ثم قال: ما أبين حجة أهل العراق في جهلكم يا أهل الشأم. ولم يبق أحد حضر القبر إلا استفرغ ضحكاً.
بين داود بن المعتمر وامرأة تبع داود بن المعتمر امرأة ظن أنهم من الفواسد، فقال لهم: لولا ما رأيت عليك من سيما الخير لم اتبعك؛ فضحكت المرأة وأسندت ظهرهم إلى الحائط ثم قالت: إنما يعتصم مثلي من مثلك بسيما الخير، فإذا صار سيما الخير هو الدال لمثلك على مثلي فاللّه المستعان.
كان بهلول المجنون يتغنى بقيراط ولا يسكت إلا بدانقٍ.
وكان رجل يهوى جارية تختلف في حوائج أهلها، وكانت إذا خرجت إلي السوق ولم يعلم بخروجهم ثم رجعت فرآهم قال وهو يسمعهم: "لو كنت أعلم بالغيب لاستكثرن من الخير" إن وعدته شيئاً فأخلفت قال: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون" فإن تغضبت لشيء بلغها عنه قال: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا".
بين امرأة تبكي على قبر وأحمق مر بعض الحمقى بامرأة قاعدة على قبر وهي تبكي، فرق لهم وقال: من هذا الميت؟ قالت: زوجي؛ قال: فما كان عمله؟ قالت. يحفر القبور؛ قال: أبعده الله أما علم أن من حفر حفرة وقع فيها! لأحمق أحدّث على باب رجل أحدّث رجل من الحمقى ليلة على باب رجل، فلما خرج الرجل زلق ووقع على ذراعه فانكسرت، واجتمع الجيران وجعلوا يختصمون ويوقعون الظنون وهو ناحية يسمع كلامهم، فلما أكثروا قال:

رأيت الحرب يجنيهم رجال

ويصلى حرها قوم بـراء

فأخذوه وقالوا: أنت صاحبنا.
لداود المصاب وقد رأى رؤيا قال داود المصاب: رأيت رؤيا نصفها حق ونصفهم باطل، رأيت كأن على عنقي بدرة فمن ثقلهما أحدّثت فاستيقظت فرأيت الحدّث ولم أر البدرة.
الأعرابي رئي أعرابي يبكي بكاء شديداً، فسئل عن سبب بكائه فقال. بلغني أن جالوت قتل مظلوماً.
بين أحمق وشيخ رأى رجل أحمق شيخاً في الحمام أعكن البطن، فقال له: يا عم إني أشتهي أن أضع هذا - يعني ذكره - في سرتك؛ فقال له الشيخ: يا بن أخي فأين يكون استك حينئذ.
لأعرابي وقد نزل عليه يهودي ومات عنده نزل يهودي على أعرابي فمات عنده، فقام الأعرابي يصلي عليه فقال: اللهم إنه ضيف وحق الضيف ما قد علمت، فأمهلنا إلى أن نقضي ذمامه ثم شأنك والكلب.
بين اثنين شركاء في عبد وحدّثني عبد الرحمن عن الأصمعيّ قال: كان بين اثنين عبد فقام أحدهما فجعل يضربه؛ فقال له الآخر شريكه: ما تصنع؟ قال: إنما أضرب حصتي.
بين أعرابي ورجل قال أعرابي لرجل: ما اسمك؟ قال: عبد الله. قال: ابن من؟ قال: ابن عبيد اللّه. قال: أبو من؟ قال: أبو عبد الرحمن. قال: أشهد إنك لتلوذ بالله لواذ يتيم جبان.
لبعضهم عن رجلين بالبصرة يتنازعان قال بعضهم: رأيت رجلين بالبصرة على باب مويس يتنازعان في العنب النيروزي والرازقي: أيهما أطيب، فجرى بينهما كلام إلى أن تواثبا، فقطع الكوفي إصبع البصري وفقأ البصري عين الكوفي، ثم لم ألبث إلا يسيراً حتى رأيتهما متصافيين متنادمين.
بين ثمامة وشيخ يحتجيم قال: وقال ثمامة: مررت في غب سماء والأرض ندية والسماء متغيمة والريح شمال وإذا شيخ أصفر كأنه جرادة، وقد قعد على قارعة الطريق وحجام يحجمه على كاهله وأخدعيه بمحاجم كأنها قعاب وقد مص دمه حتى كاد يستفرغه؛ فوقفت وقلت: يا شيخ لم تحتجم؟ قال: لمكان الصفار الذي بي.
الطمحان يعود مريضاً أتى الطمحان قوماً يعود عليّلاً لهم عزاهم به؛ قالوا: إنه لم يمت! فرجع وهو يقول. يموت إن شاء الله، يموت إن شاء الله.
لنافع عن حمق الناضري أبو حاتم عن الأصمعيّ عن نافع قال: كان الغاضري من أحمق الناس! فقيل له: ما حمقه؟ فجعل يتربث، فلما أكثر عليه قال. قال لي مرة: البحر من حفره؟ وها حفر فأين نبيثته؟ أترى أمير المؤمنين يقدر على أن يحفر مثله في ثلاثة أيام؟ لشاعر أحمق وشريف دخل رجل من الحمقى من الشعراء على رجل من الأشراف يقال في نسبه، فقال: إني قد امتدحتك بشعر لم تمدح قط بأنفع لك منه؛ قال: ما أحوجني إلى المنفعة فهاته فقال:

سألت عن أصلك فيما مضى

ابناء سبعين وقد نيفوا

فكلهـم يخـبـرنـي أنـه

مهذب جوهره يعرف

فقال له: قم في لعنة الله وفي سخطه! لعنك الله ولعن من سألت ومن أجابك.
بين أعرابي وعمه وحدّثنى أبو حاتم عن الأصمعي قال: جاء رجل من الأعراب إلى عمه فقال: يا عم، إن ولد جارية آل فلان مني فافتده. ففعل! ثم جاءه مرة أخرى فقال له مثل ذلك؛ فقال له عمه: لو عزلت! قال: بلغني أن العزل مكروه.
قال: وحدّثنا الأصمعيّ قال: بلغني عن شيخ جزع على ميت جزعاً شديداً؛ فقيل له في ذلك: فقال: نحن قوم لم نتعود الموت.
أبو الحسن الجعفري قال: قيل لكردم السدوسي: كل؛ قال: ما أريد؛ قيل: ولم؟ قال: أكلت قليل أرز فأكثرت منه.
لأعرابي أفعل بعيره
ضل بعير لأعرابي فجعل ينشده إلى أن دخل الإمارة فأخذ منها بعيراً؛ فقيل له. إن بعيرك كان أعرابياً قال: إنه لما أكل من مال الإمارة تبخت.
لحبيش بن دلجة وأهل المدينة الهيثم عن ابن عباس قال: لما ولي مروان وجه حبيش ابن دلجة القيني إلى المدينة وكان يصعد المنبر ومعه الكتلة من التمر فيأكلهم ثم يلقي النوى على وجوه أهل المدينة يميناً وشمالاً، ثم يقول: يا أهل المدينة، إني لأعلم أن هذا المكان في حرمته وموضعه ليس موضع أكل شرب، ولكني أحب أن أريكم هوانكم على اللّه.
قيل لمعلم بن معلم: ما لك أحمق؟ قال: لو لم أكن أحمق كنت ولد زناً.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:

فإن كنت قد بايعت مروان طائعاً

فصرت إذاً بعد المشيب معلماً

وقال آخر:

وكيف ترجي العقل والرأي عند من             يروح على أنثى ويغدو على طفل

 

لأبي عبد الله الكرخي وقد ادعى أنه فقيه ابن المدائني قال: تحول أبو عبد الله الكرخي إلى الخريبة فادعى الفقه وظن أن ذلك يجوز لمكان لحيته وسمته، فألقى على باب داره البواري وجلس فجلس إليه قوم فقال له رجل منهم: يا أبا عبد الله، رجل في الصلاة أدخل إصبعه في أنفه فخرج عليها دم، أي شيء يصنع؟ قال: يحتجم رحمك الله؛ فقال له السائل: ظننت أنك فقية ولم أدر أنك طبيب.
بين الشعبي ورجل قال رجل للشعبي: إني أجد في قفاي حكة فترى لي أن أحتجم؟ فقال الشعبي: الحمد لله الذي نقلنا من الفقه إلى الحجامة.
وقال له آخر: رجل استمنى في يوم من شهر رمضان هل يؤجر؟ قال: أو ما يرضى أن يفلت رأساً برأس.
بين التيمي وقوم نازع التيمي رجل من بني عمه في حائط بينهما فبعث إلى قوم يشهدهم، فأتاه جماعة من القبائل، فوقف بهم على ذلك الحائط وقال: أشهدكم جميعاً أن نصف هذا الحائط لي.
وقدم آخر رجلاً إلى القاضي في شيء يدعيه عليه، فأنكر الرجل، فقال: أيها القاضي أكتب إنكاره؛ فقال القاضي: الإنكار في يدك متى شئت.
لمسعدة بن طارق الذراع وسيد بني تميم قال مسعدة بن طارق الذراع: إنا لوقوف على حدود دار لنقسمهم ونحن في خصومة، إذ أقبل سيد بني تميم وموسرهم والمصلي على جنائزهم، فأمسكنا عن الكلام، فقال: حدّثوني عن هذه الدار هل ضم منهم بعضنا إلى بعض أحداً؛ قال مسعدة: فأنا منذ ستين سنة أفكر في كلامه فما أدري ما عنى.
بين أبي ضمضم وجارية أتت جارية أبا ضمضم فقالت: إن هذا قبلني؛ فقال: يا فتى، أذعن لها بحقها، قبليه عافاك الله كما قبلك، فإن الله يقول: "والجروح قصاص".
للأصمعي حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: ألقيت على رجل فريضة فاشتدت عليه فجعل يحسب غيرها؛ فقالوا له في ذلك؛ فقال: عسى أن يكون ترك غير ما ذكروا.
بين بعض الطالبيين وأشعب حدّثني محمد بن عمر عن ابن كناسة قال: قال بعض الطالبيين لأشعب. لو رويت الحديث وتركت النوادر كان أنبل لك؛ قال: والله قد سمعت الحديث ورويته؛ قال: فحدّثنا؛ قال: حدّثني نافع عن ابن عمر أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: خلتان من كانتا فيه كان من خالصة الله؛ قال: هذا حديث حسن فما هما؟ قال: نسي نافع واحدة ونسيت أنا الأخرى.
لثلاثة بصريين أخوة وكان بالبصرة ثلاثة أخوة من ولد عتاب بن أسيد كان أحدهم يحج عن حمزة ويقول: استشهد قبل أن يحج، وكان الآخر يضحي عن أبي بكر وعمرو يقول: اخطأا السنة في ترك الأضحية، وكان الآخر يفطر عن عائشة أيام التشريق ويقول: غلطت في صومها أيام العيد، فمن صام عن أبيه وأمه فأنا أفطر عن أمي عائشة.
لثمامة وشيخ من الدهاقين قال ثمامة: كنا في منزل رجل من الدهاقين وفينا شيخ منهم، فأتى رب البيت بدهن طيب فدهن بعضنا رأسه وبعضنا لحيته ومسح بعضنا شاربه وبعضنا يديه، فقال أحدهم: ادهنوا أستاهكم تأمنوا الحزاز، وأمروها على وجوهكم؛ فأخذ شيخ منهم بطرف إصبعه فادخله في أنفه ومسح حاجبيه، فعمد الشيخ إلى بقية الدهن فصبه في أذنه؛ فقلنا له: ويحك؛ هل رأيت أحداً أتي بدهن طيب فصبه في أذنه؟ قال: إنه مع هذا يضرني.
لابن المبارك عن أبي خارجة قال عبد الله بن المبارك: كان عندنا رجل يكنى أبا خارجة، فقلت له: لم كنوك أبا خارجة؟ قال: لأني ولدت يوم دخل سليمان بن عليّ البصرة.
لشيخ إباضي
قال عمرو بن بحر: ذكر لي ذاكر عن شيخ من الإباضية أنه جرى ذكر الشيعة عنده فأنكر ذلك واشتد غضبه؛ فقلت له: ما أنكرت؟ قال: أنكر مكان الشين في أول الكلمة لأني لم أجدها قط إلا في مسخوط عليه مثل شؤم وشر وشيطان وشح وشغب وشيب وشك وشرك وشتك وشيعة وشطرنج وشاكي وشانيء وشحج وشوصة وشابشتي وشكوى؛ فقلت: ما تقوم بهؤلاء قائمة أبداً.
قال: وسمعت رجلاً يقول: عجبت لمن يأخذه النوم هو لا يزعم أن الاستطاعة مع الفعل؛ فقلت له. ما الدليل على ذلك؟ فقال. سبحان اللّه! الأشعار الصحاح؛ قلت: مثل ماذا؟ قال. مثل قول رؤبة:

 

              ما إن يقعن الأرض إلا وفقا

وقوله:

             يهوين شتى ويقعن وفقا          

 

 

وقوله:

                      مكر مفر مقبل مدبر معاً

 

 

وقولهم في المثل: "وقعا كعكمي عير" ثم قال: هل في هذا مقنع؟ قلت: بلى وفي دون هذا.
لأحمق وقد وعد بنعل وعد رجل رجلاً من الحمقى أن يهدي له من مكة نعلاً، فطال عليه الانتظار، فأخذ قارورة فبال فيهم ثم أتى بها الطبيب ثم قال: انظر في هذا الماء هل يهدي لي بعض إخواني نعلا حضرمية؟ لأشعب وقال الزيادي: مر أشعب برجل طبقاً وقال له: زد فيه طوقاً؛ قال: وبم؟ قال: لعله يهدى لي فيه شيء.
أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدّثنا إبراهيم بن القعقاع قال: رأيت أشعب بسوق المدينة معه قطيفة قد ذهب خملها وهو يقول: من يشتري مني الرمدة؟ فأتاه رجل فساومه؛ قال: أبرأ إليك من عيب فيها؛ قال: وما هو؟ قال: تحترق إن أنت لبستها.
بين أعرابي كسر أضلاعه والجابر سقط أعرابي من بعير له، فانكسرت ضلع من أضلاعه فأتى الجابر يستوصفه؛ فقال: خذ تمراً جيداً فانزع أقماعه ونواه واعجنه بسمنٍ ثم أضمده عليه؛ قال: أي بأبي أنت من داخل أم من خارج؟ قال: من خارج؛ قال: لا أبا لشانئك هو من داخل أنفع لي؛ قال: ضعه حيث تعلم أنه أنفع.
لأعرابي وقد مات ابن صغير له مات ابن صغير لأعرابي، فقيل له. نرجو أن يكون لك شفيعاً؛ ففال: لا وكلنا الله إلى شفاعته، حسبه المسكين أن يقوم بأمر نفسه.
لأعرابي وقد سمع الإمام يخطب في المسجد جاء أعرأبي إلى المسجد والإمام يخطب، فقال لبعض القوم. ما هذا؟ قال: يدعون الناس إلى الطعام؛ قال: فما يقول صاحب المنبر؟ قال. يقول ما يرضى الأعراب أن يأكلوا حتى يحملوا معهم، فتخطى الأعرابي الناس حتى دنا من الوالي فقال: يا هذا، إن الذين يفعلون ما تقول سفهاؤنا.
بين الحجاج وأعرابي أخذ الحجاج لصاً أعرابياً فضربه سبعمائة سوط فكلما قرعه بسوط قال: اللهم شكراً؛ فأتاه ابن عم له فقال: والله ما دعا الحجاج إلى التمادي في ضربك إلا كثرة شكرك، لأن اللّه يقول: "ولئن شكرتم لأزيدنكم" فقال: إن هذا في كتاب الله؛ فقال: اللهم نعم؛ فانشأ الأعرابي يقول:

 

            يا رب لا شكر فـلا تـزدنـي              أسرفت في شكرك فاعف عني

 

            باعد ثواب الشاكرين مـنـي

 

فبلغ الحجاج فخلى سبيله.
بين أعرابي وصيرفي جاء أعرابي إلى صيرفي بدرهم؛ قال: هذا ستوق؛ فقال الأعرابي: وما هو الستوق بأبي أنت؟ قال: داخله نحاس وخارجه فضة؟ قال: ليس كذلك؛ قال: أكسره فإن كان كذلك فأنا منه برىء؟ قال. نعم؛ فكسره فلما رأى النحاس قال: بأبي أنت، متى أموت؟ فأنا أشهد أنك تعلم الغيب.
للحطيئة عند وفاته وشعر له لما حضرت الحطيئة الوفاة قال: احملوني على حمار فإنه لم يمت عليه كريم قط فلعليّ أن أبقى، ثم تمثل:

لكل جديد لذة غير أنـنـي

رأيت جديد الموت غير لذيذ

لرجل يدعو لأمه بمكة المدائني قال: دعا رجل بمكة لأمه؛ فقال له قائل: فما بال أبيك؟ قال: هو رجل يحتال لنفسه.
لأشعب في شخص أطمع منه قيل لأشعب: أرأيت أحداً قط أطمع منك؟ قال: نعم خرجت إلى الشأم فنزلت أنا ورفيق لي بدير فيه راهب، فتلاحينا في أمر فقلت: الكاذب منا كذا من الراهب في كذا من أمه، فأتى الراهب وقد أنعظ وهو يقول: بأبي من الكاذب منكما؟ إسحاق بن سليمان بن عليّ وقد مر على قاص مر إسحاق ببن سليمان بن عليّ الهاشمي بقاص وهو يقرأ: "يتجرعة ولا يكاد يسيغه"، فتنفس ثم قال: اللهم اجعلنا ممن يتجرعه ويسيغه.
الأصمعيّ عن أبيه: قلت لأعرابي: أفيكم زنا؟ قال: بالحرائر؟ ذاك عند الله عظيم، ولكن مساعاة بهذه الإماء.
بين عليّ بن أبي طالب وطائفة شباب قريش
موسى بن طلحة قال: جاءنا عليّ بن أبي طالب رحمه الله ونحن في المسجد شباب من شباب قريش. فنحينا له عن الأسطوانة وقلنا: هاهنا يا عم، فقال: يا بني أخي، أنتم لشيوخكم خير من مهرة فإنه إذا كبر الشيخ فيهم شدوه عقالاً ثم يقال له. ثب فيه، فإن وثب خلوا سبيله وقالوا. فيه بقية من علالة، وإن لم يثب قدموه فضربوا علاوته وقالوا: لا يصيبك عندنا بلاء.
لبحر بن الأحنف قيل لبحر بن الأحنف: ما يمنعك أن تكون مثل أبيك؟ قال: الكسل.
وقال يوماً لزبراء جارية أبيه: يا زانية؛ فقالت: لو كنت كذلك جئت أباك بمثلك.
لرجل من الوجوه طلب منه كفن أبو الحسن قال: جاء قوم إلى رجل من الوجوه فقالوا له: مات جارك فلان فمر لنا بكفن؛ فقال: ما عندنا اليوم شيء ولكن تعودون؛ قالوا: أفنملي إلى أن يتيسر عندك شيء! وأتى رجل رجلاً فقال له: أصلحك الله، تعيرنا ثوباً نكفن فيه ميتا؟ قال قاسم التمار في كلام له: بينهما كما بين السماء إلى قريب من الأرض.
وقال أيضاً: رأيت إيوان كسرى فإذا هو كأنما رفعت اليد عنه أول من أمس.
لعبد الملك بن هلال الهينابي كان عبد الملك بن هلال الهينابي له زبيل مملوء حصاً للتسبيح، فكان يسبح بواحدة واحدة، فإذا مل طرح ثنتين ثنتين ثم ثلاثاً ثلاثاً، فإذا زاد ملاله طرحه قبضة قبضة وقال: سبحان اللّه عددك، فإذا ضجر أخذ بعرى الزبيل وقال: الحمد لله بعدد هذا كله.
للرستمي وقوم نزلوا عنده دخل قوم منزل الرستمي لأمر وقع، فحضر وقت صلاة الظهر فقالوا: كيف القبلة في دارك هذه؟ فقال: إنما نزلناها منذ شهر.
بين الشعبي وشيخ من جهينة المدائني عن عليّ بن مجاهد عن حميد بن أبي البختري أن الشعبي قال: مرضت فلقيت ابن الحر فأمرني أن أمشي كل يوم إلى الثوية؛ فكنت أغدو كل يوم إليهم، فانصرفت ذات يوم فلما كنت في جهينة الظاهرة إذا شيخ منهم قاعد على طنفسة متكيء على وسادة، فسلمت ثم ألقيت نفسي على الرمل؛ فقال: لقد جلست جلسة عاجز أو ضعيف؛ قلت: قد جمعتهما؟ قال: أدام الله لك ذلك. ثم قال: إن أهلي كانوا يتخوفون عليّ ثلاثاً: نقصان البصر وترك النساء والقطاف في المشي، فوالله إنهبم ليرون الشخص واحداً وأراه اثنين، ولقد تركت النساء فما لي فيهن من حاجة، وإني لأمشي فاهملج، قلت: أدام الله لك ذلك.
ليزيد بن نهشل قال المدائني: ركب يزيد بن نهشل النهشلي بعيراً وقال. اللهم إنك قلت "وما كنا له مقرنين" وإني لبعيري هذا لمقرن؛ فنفر به فطرحه وبقيت رجله في الغرز، فجعل يضرب برأسه كل حجر ومدر حتى مات.
لابن عرباض يحكم في رجل يدعيه فريقان: طفاوة وبنو راسب حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: اختصمت الطفاوة وبنو راسب في رجل يدعيه الفريقان إلى ابن عرباض، فقال: الحكم بينكم أبين من ذلك، يلقى في النهر فإن طفا فهو لطفاوة، وإن رسب فهو لبني راسب.
للحطيئة عند وفاته المدائني قال: لما حضرت الحطيئة الوفاة قيل له: أوص؛ قال: بم أوصي؛ مالي للذكور دون الإناث؛ فقالوا: إن اللّه لم يأمر بهذا! فقال. لكني آمر به؛ ثم قال. ويل للشعر من راوية الشعر؛ فقيل له. أوص يا أبا مليكة للمساكين بشيء؛ قال. أوصيهم بالمسألة ما عاشوا فإنها تجارة لن تبور. قيل: أعتق عبد ك يساراً؛ قال: اشهدوا أنه عبد ما بقي. قيل. فلان اليتيم ما توصي فيه؟ قال: اوصي أن تأكلوا ماله وتنيكوا أمه؛ قالوا: ليس إلا هذا! قال: احملوني على حمار فإنه لم يمت عليه كريم لعليّ أنجو؛ ومات مكانه.
سعد بن زيد يوصي لما حضرت سعد بن زيد الوفاة جمع ولده قال: يا بني أوصيكم بالناس شراً، كلموهم نزراً، وانظروا اليهم شزراً، ولا تقبلوا لهم عذراً؛ قصروا الأعنة، واشحذوا الأسنة، تأكلوا القريب، ويرهبكم البعيد.
لوكيع يوصي بنيه ولما حضرت وكيعاً الوفاة دعا بنيه فقال: يا بني إني لأعلم أن قوماً سيأتونكم قد أقرحوا جباههم وعرضوا لحاهم يدعون أن لهم على أبيكم ديناً فلا تقضوهم، فإن أباكم قد حمل من الذنوب ما إن غفر الله له لم تضرره، وإلا فهي مع ما تقدم.
بين سوار القاضي وأعرابي من بني العنبر  
تقدم رجل من بني العنبر إلى سوار فقال: إن أبي وتركني وأخاً لي، وخط خطين ناحية، ثم قال: وهجيناً لنا، ثم خط خطاً آخر ناحية، ثم قال: كيف ينقسم المال بيننا؟ فقال: المال بينكم أثلاثاً إن لم يكن وارث غير كم فقال له: لا أحسبك فهمت، إنه تركني وأخي وهجيناً لنا؛ فقال سوار: المال بينكم سواء؛ فقال الأعرابي: أيأخذ الهجين كما آخذ ويأخذ أخي؟ قال: أجل؛ فغضب الأعرابي وقال: تعلم واللة أنك قليل الخالات بالدهناء؛ فقال سوار: إذا لا يضرني ذلك عند الله شيئاً.
بين أعرابي وبعض العمال قال بعض العمال لأعرابي: ما أحسبك تدري كم تصلي في كل يوم وليلة؟ فقال: أرأيت إن أنبأنك بذلك تجعل لي عليك مسألة؟ قال: نعم؛ قال الأعرابي:

             إن الصلاة أربعة وأربـع                  ثم ثلاث بعدهـن أربـع

             ثم صلاة الفجر لا تضيع

 

قال: قد صدقت، فسل؛ قال: كم فقار ظهرك؟ قال: لا أدري؛ قال. أفتحكم بين الناس وأنت تجهل هذا من نفسك! لمحمد بن الجهم البرمكي أخبرني رجل حضر مجلس محمد بن الجهم البرمكي أنه دخل عليه رجل يكتب في حوائج له؛ فقرأها ووعده قضاءها؛ فنهض وهو يدعو له وقال: أبقاك اللّه وحفظك وأتم نعمته عليك؛ فقال له محمد بن الجهم: كتابي إليك وأنا في عافية.

طبائع الإنسان

طبائع الإنسان من التوراة حدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه أنه وجد في التوراة: إني حين خلقت آدم ركبت جسده من أربعة أشياء ثم جعلتهم وراثة في ولده تنمي في أجسادهم وينمون عليهم إلى يوم القيامة: رطب ويابس وسخن وبارد، وذلك لأني خلقته من تراب وماء ثم جعلت فيه نفساً وروحاً، فيبوسة كل جسد من قبل التراب، ورطوبته من قبل الماء، وحرارته من قبل النفس، وبرودته من قبل الروح، ثم خلقت الجسد بعد هذا الخلق الأول أربعة أنواع الخلق الآخر وهي ملاك الجسد بإذني وقوامه، لا يقوم الجسد إلا بهن ولا تقوم واحدة إلا بهن، المرة الصفراء والمرة السوداء والدم والبلغم، ثم أسكنت بعض هذه الخلق في بعض فجعلت مسكن اليبوسة في المرة السوداء ومسكن الرطوبة في الدم ومسكن البرودة في البلغم ومسكن الحرارة في المرة الصفراء، فأيما جسد اعتدلت فيه هذه الفطر الأربع فكانت كل واحدة منهن ربعاً لا يزيد ولا ينقص كملت صحته واعتدل بنيانه، وإن زادت واحدة منهن غلبتهن وقهرنهن ومالت بهن ودخل على أخواتها السقم من ناحيتهم بقدر ما زادت، وإذا كانت ناقصة تقل عنهن ملن بها وعلونها وأدخلن عليها السقم من نواحيهن لقلتها عنهن حتى تضعف عن طاقتهم وتعجز عن مقاومتهن.
لوهب في مثل ذلك المعنى قال وهب: وجعل عقله في دماغه وشرهه في كليته، وغضبه في كبده، وصرامته في قلبه، ورعبه في رئته، وضحكه في طحاله، وحزنه وفرحه في وجهه، وجعل فيه ثلاثمائة وستين مفصلاً.
للنبي صلى الله عليه وسلم قال: حدّثني زيد بن أخزم قال: حدّثنا بشر بن عمر عن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل ابن آدم تأكل الأرض إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب".
لبعض الحكماء في التخنث وقالت الحكماء: الخنث يعتري الأعراب والأكراد والزنج والمجانين وكل صنف إلا الخصيان فإنه لا يكون خصي مخنث.
وقالوا. كل ذي ريح منتنة وذفر كالتيس وما أشبهه، إذا خصي نقص نتنه وذهب صنانه غير الإنسان فإن نتنه يشتد وصنانه يحد وعرقه يخبث وريحه. وكل شيء من الحيوان يخص فإن عظمه يدق، فإذا دق عظمه استرخى لحمه وتبرأ من لحمه خلا الإنسان فإنه إذا خصي طال عظمه وعرض.
وقالوا. الخصي والمرأة لا يصلعان، والخصي تطول قدمه وتعظم.
وبلغني أنه كان لمحمد بن الجهم برذون رقيق الحافر فخصاه فجاد حافره، اعتبر ذلك بالإنسان إذا خصي عظمت رجله.
في طبائع الخصي قالوا: والخصي يشتد وقع رجله لأن معاقد عصبه تسترخي، ويعتريه الاعوجاج والفدع في أصابعه، وتسرع دمعته، ويتخدد جلده، ويسرع غضبه ورضاه، ويضيق صدره عن كتمان السر. ويزعم قوم أن أعمارهم تطول لترك الجماع، قالوا: وتلك علة طول عمر البغل.
وقالوا: علة قصر عمر العصفور كثرة سفاده.
قالوا: وشأن الغريق إذا كان رجلاً ثم ظهر على الماء أن يظهر على قفاه، وإن كان امرأة أن تظهر على وجهها. والرجل إذا ضربت عنقه سقط على وجهه ثم يقلبه ذكره إذا انتفخ.
قالوا: وفي الغلمان من لا يحتلم أبداً، وفي النساء من لا تحيض أبداً، وذلك عيب. وفي الناس من لا يسقط ثغره ولا يستبدل منه، منهم عبد الصمد بن عليّ ذكروا أنه دخل قبره برواضعه. والضب لا تسقط له سن. وكذلك الخنزير لا يلقي شيئاً من أسنانه. ولذلك تقول العرب في مثل لهم: "لا آتيك سن الحسل " يريدون لا آتيك أبداً.
وتقول الأطباء: إنه ليس شيء من الحيوان يستطيع أن ينظر إلى أديم السماء إلا الإنسان، وذلك لكرامته على الله.
ويقول بعضهم: إن الجنين يغتذي دم الحيض يسيل إليه من السرة بغذائه؛ وقالوا. لذلك لا تحيض الحوامل. وقد رأينا من الحوامل من تحيض. والعرب تقول. حملت فلانة سهواً، إذا حاضت على الحمل.
للهذلي يمدح رجلاً قال الهذلي يمدح رجلاً:

ومبرئ من كل غير حيضة

ورضاع مغيلة وداء معضل

فأعلمك أنها لم تر عليه دم حيض في حملهم، ودل على أنه قد يكون.
قالوا: فإذا خرج الجنين من الرحم دفعت الطبيعة ذلك الدم الذي كان يغتذيه إلى الثديين، وهما عضوان ناهدان، عصبيان، فغيراه وجعلاه لبناً. يقول الله عز وجل: "وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم خالصاً سائغاً للشاربين".
قالوا: والإنسان يعيش حيث تحيا النار ويتلف حيث لا تبقى النار. وأصحاب المعادن والحفائر إذا هاجموا على نفق في بطن الأرض أو مغارة قدموا شمعة في طرف قناة فإن ثبتت النار وعاشت دخلوا في طلب ما يريدون وإلا أمسكوا.
تشاؤم العرب ببكر ولد الرجل إذا كان ذكراً والعرب تتشاءم ببكر ولد الرجل إذا كان ذكراً. وكان قيس بن زهير أزرق بكراً بين بكرين.
لعبد الله بن الحارث عن بكر البكرين حدّثني محمد بن عائشة عن حماد عن قتادة عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: بكر البكرين شيطان مخلد لا يموت إلى يوم القيامة؛ يعني من الشياطين.
قالوا: وابن المذكرة من النساء والمؤنث من الرجال أخبث ما يكون، لأنه يأخذ بأخبث خصال أبيه وخصال أمه.
شعر لعمرو بن معد يكرب قال عمرو بن معد يكرب:

ألست تصير إذا ما نسب

ت بين المغارة والأحمق

لبعض الحكماء وقال بعض الحكماء. كل امرأة أو دابة تبطئ عن الحبل، إذا واقعها الفحل في الأيام التي يجري الماء في العود فإنهم تحمل بإذن الله.
لعبيد الله بن الحسن قال عبيد الله بن الحسن: إذا أردت أن تذكر المرأة فأغضبها ثم قع عليهم.
للحارث بن كلدة وقال الحارث بن كلدة: إذا أردت أن تحبل المرأة فمشها في عرصة الدار عشرة أشواط فإن رحمها ينزل فلا تكاد تخلف.
والعرب تقول: إن المرأة إذا لقحت في قبل الظهر في أول الشهر عند تبلج الفجر ثم أذكرت جاءت به لا يطاق.
قال الشاعر وجمع هذه المعاني .

لقحت في الهلال عن قبل الظه

ر وقد لاح للصباح بـشـير

ويقولون. إذا أكره الرجل المرأة وهي مذعورة ثم أذكرت أنجبت.
لأبي كبير الهذلي قال أبو كبير الهذلي:

حملت به في إليك مـزودةٍ

كرهاً وعقد نطاقها لم يحلل

فأتت به حوش الجنان مبطناً

سهداً إذا ما نام ليل الهوجل

ومبرئ من كل غبر حيضة

ورضاع مغيلة وداء معضل

يقول: لم تر عليه في حملهم دماً باقياً من حيضة ولا حملته وهي ترضع ولا أرضعته وهي حامل؛ فكانت العرب تكره ذلك وتسب به.
للنبي صلى الله عليه وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ثم ذكرت أن فارس والروم يفعلونه فلا يضرهم" وفي حديث آخر: "إنه ليدرك الفارس فيدعثره" أي يطرحه.
حدّثني إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا يحيى بن آدم عن الحسن قال: رأيت جدة ابنة إحدى وعشرين سنة.
قال: وأول أوقات حمل المرأة تسع سنين، وهو أول وقت الوطء.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة وهي بنت تسع.
فيمن حملت أكثر من سنة وقال عبد الله بن صالح. حدّثني الليث عن ابن عجلان أن امرأته حملت له مرة وأقامت خمس سنين حاملاً ثم ولدت له، وحملت له مرة أخرى ثلاث سنين ثم ولدت.
قال الليث: وحملت مولاة لعمر بن عبد العزيز ثلاث سنين حتى خافت أن يكون في جوفهم داء ثم ولدت غلاماً. قال الليث: ورأيت أنا ذلك الغلام وكانت أمه تأتي أهلنا.
وفي بعض الحديث أن عيسى بن مريم عليه السلام ولدته أمه لثمانية أشهر، ولذلك لا يولد مولود لثمانية أشهر فيعيش.
وروى زيد بن الحباب عن ابن سنان قال: حدّثني ثابت بن جابان العجلي أن الضحاك بن مزاحم ولد وهو ابن ستة عشر شهراً. فأما يزيد بن هم رون فإنه روى عن جويبر أن الضحاك ولد لسنتين. وولد شعبة لسنتين.
لعمر بن الخطاب في تزويج المرأة في غير عشيرتها حدّثنا الرياشيّ أو رجل عنه قال: حدّثنا أبو عاصم عن عبد اللّه بن مؤمل عن ابن أبي مليكة أن عمر رحمه الله قال: يا بني السائب، إنكم قد أضويتم فانكحوا في النزائع.
قال: وقال الأصمعيّ قال رجل: بنات العم أصبر، والغرائب أنجب، وما ضرب رؤوس الأبطال كابن عجمية.
للعرب في الزواج من الغرائب والعرب تقول: اغتربوا لا تضووا، أي انكحوا في الغرائب فإن القرائب يضوين الأولاد.
لبعض الشعراء قال الشاعر:

إن بلالاً لم تشنه أمـه

لم يتناسب خاله وعمه

وقال آخر:

تنجبتها للنسل وهي غريبة

فجاءت به كالبدر خرقاً معمما

فلو شاتم الفتيان في الحي ظالماً

لما وجدوا غير التكذب مسلما

وكان يقال: أنجب النساء الفروك، لأن الرجل يغلبها على الشبه لزهدها في الرجال.
للأصمعي وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ أن المنجبة التي تنزع بولدها إلى أكرم الجدين.
لحرب بن قطن أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثنا حرب بن قطن قال: يقال. إن الرجل يستفرغ ولد امرأتين، يولد له وهو ابن تسعين سنة.
لعائشة وقالت عائشة: لا تلد امرأة بعد خمسين سنة.
لبعض الحكماء في الزنج قالت الحكماء: الزنج شرار الخلق وأردؤهم تركيباً لأن بلادهم سخنت فأحرقتهم الأرحام، وكذلك من بردت بلاده فلم تطبخه الأرحام، وإنما فضل أهل بابل لعلة الاعتدال.
قالوا: والشمس شيطت شعورهم فقبضتها، والشعر إذا أدنيته إلى النار تجعد، فإن زدته تفلفل، فإن زدته احترق.
وقالوا. أطيب الأمم أفواهاً لزنج وإن لم تستن، وكل إنسان رطب الفم كثير الريق فهو طيب الفم؛ وخلوف فم الصائم يكون لخثورة الريق؛ وكذلك الخلوف في آخر الليل.
ولبعض الحكماء أيضاً في وقوع الحيوان والإنسان في الماء وقالت الحكماء: كل الحيوان إذا ألقي في الماء سبح إلا الإنسان والقرد والفرس الأعسر، فإن هذه تغرق ولا تسبح إلا أن يتعلم الإنسان السباحة.
إذا ضربت عنق الرجل قالوا: والرجل إذا ضربت عنقه فألقي في الماء قام في وسط الماء وانتصب ولم يلزم القعر جارياً كان الماء أو ساكناً، حتى إذا جيف انقلب وظهر بدنه كله مستلقياً إلا المرأة فإنها تظهر منكبة على وجهها.
من قطعت يداه وقالوا: كل من قطعت يداه لم يجد العدو، وكذلك الطائر إذا قطعت رجلاه لم يجد الطيران.
قالوا: وليس في الأرض هارب من حرب أو غيرهم يستعمل الحضر إلا أخذ عن يساره !لا أن يترك عزمه أو سوم طبيعته. ولذلك قالوا: فجاءك على وحشيه، وأنحى على شؤمى يديه.
وقالوا: كل ذي عين من ذوات الأربع من السباع والبهائم الوحشية والإنسية فإنما الأشفار لجفنه الأعلى إلا الإنسان فإن الأشفار - نعني الهدب - لجفنيه: الأعلى والأسفل.
قالوا: ليس في الأرض إنسان إلا وهو يطرب من صوت نفسه ويعتريه الغلط في شعره وولده.
قال الطائي:

ويسيء بالإحسان ظناً لا كمن

هو بابنه وبشعره مفتود

في جلد الإنسان والأنعام وقالوا: كل ذي جلد فإن جلده ينسلخ إلا جلد الإنسان؛ فإنه لا ينسلخ كما تنسلخ جلود الأنعام ولكن اللحم يتبعه.
لجندب بن شعيب في أن ألبان النساء تغير وجه المولود حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن ابن أبي طرفة الهذلي عن جندب بن شعيب قال. إذا رأيت المولود قبل أن يغتذي من لبن أمه فعلى وجهه مصباح من البيان؛ يريد أن ألبان النساء تغيره؛ ولذلك قولهم: اللبن يشتبه عليه؛ يراد أنه ينزع بالمولود في شبه الظئر.
لبعض الشعراء قال الشاعر:

لم أرضع الدهر إلا ثدي واحـدة

لواضح الوجه يحمي ساحة الدار

بين عمر بن الخطاب وعليّ رضي الله عنهما في امرأة ولدت لستة أشهر
وحدّثني الزيادي قال. حدّثنا عبد الوارث عن يونس عن الحسن أن عمر أتي بامرأة ولدت لستة أشهر فهم بها؛ فقال له عليّ: قد يكون هذا، قال اللّه عز وجل. "وحمله وفصالة ثلاثون شهراً"، وقال. "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين".
بين عمر وقائفين سألهما عن غلام أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: اختصم رجلان في غلام هما يدعيه؛ فسأل عمر أمه؛ فقالت: غشيني أحدهما ثم هرقت دماً، ثم غشيني الآخر، فدعا عمر قائفين فسألهما؛ فقال أحدهما: أعلن أم أسر؟ قال: أسر. قال: اشتركا فيه. فضربه عمر حتى اضطجع ثم سأل الآخر؛ فقال مثل قوله؛ فقال. ما كنت أرى أن مثل هذا يكون. وقد علمت أن الكلبة يسفدهم الكلاب فتؤدي إلى كل فحل نجله. وركب الناس في أرجلهم وركب ذوات الأربع في أيديها، وكل طائر كفه في رجليه.

ما نقص خلقه من الحيران

لأبي عبيدة في معنى هذا العنوان حدّثني أبو حاتم عن أبي عبيد ة قال: الفرس لا طحال له، والبعير لا مرارة له، والظليم لا مخ لعظمه. قال زهير:

كأن الرحل منهم فوق صعلٍ

من الظلمان جؤجؤه هواء

وكذلك طير الماء وحيتان البحر لا ألسنة لها ولا أدمغة. وصفن البعير لا بيضة فيه. والسمكة لا رئة لها ولذلك لا تتنفس، وكل ذي رئة يتنفس.

المشتركات من الحيوان

الراعي بين الورشان والحمامة والبخاتي من الإبل بين العراب والفوالج والحمير الأخدرية من الأخدر وهو فرس كان لأردشير توحش فحمى عاناتٍ من الحمير فضرب فيها، وأعمارها كأعمار الخيل. والزرافة بين الناقة من نوق الوحوش وبين البقرة الوحشية وبين الضبعان واسمها اشتركاوبلنك أي بين الجمل والكركند؛ وذلك أن الضبعان ببلاد الحبشة يسفد الناقة فتجيء بولد خلقه بين الناقة والضبع، فإن كان ولد الناقة ذكراً عرض للمهاة فألقحها زرافة. وسميت زرافة لأنها جماعة وهي واحدة كأنهم جمل وبقرة وضبع؛ والزرافة في كلام العرب الجماعة.
وقال صاحب المنطق. الكلاب تسفدهم الذئاب في أرض سلوقية فيكون منها الكلاب السلوقية.

المتعاديات

بين البوم والغراب عداوة. وبين الفأرة والعقرب عداوة. وبين الغراب وابن عرس عداوة. وبين الحدأة والغداف عداوة. وبين العنكبوت وبين العظاءة عداوة. وبين الحية وبين ابن عرس عداوة. وبين ابن آوى والدجاج عداوة. وبين السنور والحمام عداوة. وبين البوم وبين جميع الطير عداوة، لأن البومة ردية البصر ذليلة بالنهار فإذا كان الليل لم يقو عليها شيء، والطير تعرف ذلك من حالها فهي بالنهار تضربها وتنتف ريشها، ولحرصهم على ذلك صار الصائد ينصبهم للطير. وبين الحمار وبين عصفور الشوك عداوة، ومتى نهق الحمار سقط بيض عصفور الشوك. وبين الحمار وبين الغراب عداوة. وبين الحية والخنزير عداوة. والغراب مصادق للثعلب. والثعلب مصادق للحية. والجمل يكره قرب الفرس أبداً ويقاتله. وبين الأسد وبين الفيل عداوة. ويقال: إن الأسد والنمر مختلفان، والأسد والببر متفقان.

الأمثال المضروبة بالطبائع

يقال: فلان "أسمع من قراد"؛ والقردان تكون عند الماء فإن قربت الإبل منهم تحركت وانتعشت، فيستدلون بذلك على إقبال الإبل. و"أسمع من فرس و"أحزم من فرخ العقاب"، وذلك أنه يكون في عرض الجبل فلا يتحرك فيسقط. و"أحلم من حية و"أهدى من قطاة وحمامة و"أخف رأساً من الذئب و"أنوم من فهد و"أظلم من حية وذلك لأنهم تدخل حجرة الحشرات وتخرجها. و"أحذر من غراب" و"أصنع من تنوط" وهو طائر يصنع عشاً مدلى من الشجر. و"أصنع من سرفة" وهي دويبة تعمل بيتاً من قطع العيدان. و"أسرق من زبابة" وهي فأرة برية. و"أسرق من كندش" وهو العقعق؛ ويقال أيضاً: "أحمق من عقعق" لأنه من الطير الذي يضيع فراخه. و"أخرق من حمامة" وذلك لأنها لا تجيد عمل العش فربما وقع البيض فانكسر.
شعر لعبيد بن الأبرص قال عبيد بن الأبرص:

عيوا بأمرهم كـمـا

عيت بيضتها الحمامه

جعلت لهم عودين من

نشمٍ وآخر من ثمامه

يقول: قرنت النشم بالثمام وهو ضعيف فتكسر ووقع البيض فانكسر.
نصيحة عيسى عليه السلام للحواريين
وفي الإنجيل أن المسيح عليه السلام قال للحواريين: كونوا حلماء كالحيات وبلهاً كالحمام. و"أعق من ضب"، لأنه يأكل ولده من الجوع و"أبر من هرة" وهي تأكل ولدها من شدة محبته. و"أروغ من ثعلب"، و"أموق من رخمة" و"أزهى من ذباب" لأنه يقع على أنف الملك وتاجه. و"أصنع من الذبر"، وهي النحل. و"أسمح من لافظة"، ويقال: هي العنز تسمح بالحلب، ويقال: الرحا، لأنهم تلفظ ما تطحنه لا تحبس منه شيئاً. و"أصرد من عين حرباء" و"ألح من الخنفساء و"أخيل من مذالة"، وهي الأمة تهان وهي تتبختر. و"أحلم من فرخ الطائر و"أكيس من قشة"، وهي القردة. و"أجبن من صافر"، وهو ما صفر من الطير، ويقال هو: الصافر بالمرأة للريبة. و"أنم من صبح و"أبعد من بيض الأنوق"، والأنوق: الرخمة تبيض، في أعالي الجبال والشواهق حيث لا يبلغه سبع ولا طائر. و"أشجع من ليث عفرين"، قال بعضهم: هو الأسد، كأنه قال: أشجع من ليث ليوث تعفر من نازعهم وتصره، وقال الأصمعيّ. هو دابة مثل الخرباء يتحدى الراكب ويضربه بذنبه. و"أحن من شارف"، وهي الناقة المسنة. و"أسرع من عدوى الثؤباء و"أروى من النقاقة"، وهي الضفادع. و"أزنى من قرد"، ويقول بعضهم: إنه رجل من هذيل كان كثير الزنا. و"أخدع من ضب و"أشأم من الزرقاء" وهي ناقة

الأنعام

للنبي صلى الله عليه وسلم حدّثني يزيد بن عمرو عن عبد العزيز الباهلي عن الأسود بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما خلق الله دابة أكرم عليه من النعجة" وذلك أنه ستر عورتهم ولم يستر عورة غيرهم .
لإهاب بن عمير وقال. حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن إهاب بن عمير قال. كان لنا جمل يعرف كشح الحامل من غير أن يشمها.
لابنة الخس قيل لابنة الخس: ما تقولين في مائة من المعز؟ قالت: قنى؛ قيل: فمائة من الضأن؟ قالت: غنى؛ قيل: فمائة من الإبل؟ قالت: منى. والعرب تضرب المثل في الصرد بالمعزى فتقول: "أصرد من عنز جرباء" وسأل دغغل عن بني مخزوم، فقال: معزى مطيرة، عليها قشعريرة، إلا بني المغيرة؛ فإن فيهم تشادق الكلام، ومصاهرة الكرام.
للعرب فيما تقول على ألسنة البهائم وقالت العرب فيما تقول على ألسنة البهائم: قالت المعزى: الاست جهوى، والذنب ألوى؛ والجلد رقاق، والشعر دقاق. قالوا: والضأن تضع مرة في السنة وتفرد ولا تلتئم، والماعز قد تلد مرتين في السنة، تضع الثلاثة وأكثر وأقل، والنماء والبركة والعدد في الضأن، وكذلك الخنازير تضع الأنثى منهم عشرين خنوصاً ولا نماء فيهم. ويقال: الجواميس ضأن البقر، والبخت ضأن الإبل، والبراذين ضأن الخيل، والجرذان ضأن الفأر، والدلدل ضأن القنافذ، والنمل ضأن الذر. يقول الأطباء في لحم الماعز: إنه يورث الهم ويحرك السوداء ويورث النسيان ويخبل الأولاد ويفسد الدم، ولحم الضأن يضر بمن يصرع من المرة إضراراً شديدا حتى يصرعهم في غير أوان الصرع. وأوان الصرع الأهلة وأنصاف الشهور؛ وهذان الوقتان هما وقت معد البحر وزيادة الماء والدم. ولزيادة القمر إلى أن يصير بدراً أثر في زيادة الدم والدماغ وجميع الرطوبات قال الشاعر:

كأن القوم عشوا لحم ضـأن

فهم نعجون قد مالت طلاهم

وفي الماعزة: إنهم ترتضع من لخفها، وهي محفلة حتى تأتي على كل ما فيه؛ قال ابن أحمر:

إني وجدت بني أعيا وجاملهـم

كالعنز تعطف روقيها فترتضع

وإذا رعت الضائنة والماعزة في قصير نبت لم ينبت ما تأكله الماعزة لأن الضائنة تقرضه بأسنانهم والماعزة تقتلعه وتجذبه فتنثره من أصله. وإذا حمل على الماعزة فحملت أنزلت التبن في أول الحمل إلى الضرع، والضائنة لا تنزل اللبن إلا عند الولاد، ولذلك تقول العرب "رمدت المعزى فرنق رنق" و"رمدت الضأن فربق ربق" وذكور كل شيء أحسن من إناثه إلا التيوس فإنهم أقبح من الصفايا. وأصوات الذكور من كل شيء أجهر وأغلظ إلا إناث البقر فإنهم أجهر أصواتاً من ذكورهم.
لأعرابي في صفة الشاة الحامل قيل لأعرابي: بأي شيء تعرف حمل شاتك؟ قال: إذا ورم حياؤها ورجت شعرتها واستفاضت خاصرتها.
قال الأصمعيّ: لبني عقيل ماعزة لا ترد، تجتزئ بالرطب.
معرفة لون جنين النعجة في كتب الروم وقرأت في كتاب من كتب الروم: إن أردت أن تعرف ما لون جنين النعجة فانظر إلى لسانها فإن الجنين يكون على لونه.
وقرأت فيه أن الإبل تتحامى أمهاتها وأخواتها فلا تسفدها.
قالوا: وكل ثور أفطس، وكل بعير أعلم وكل ذباب أقرح.
في إذلال البعير وقالوا: البعير إذا صعب وخافه الناس استعانوا عليه حتى يبرك ويعقل ثم يركبه فحل أخر فيذل.
والعرب تعرف البعير المغد بسقوط الذباب عليه. ويقولون: بعير مذبوب إذا عرض له داء يدعو الذباب إلى المسقوط عليه.
لبعض القصاص في فضل الله على البعير وسخطه على التيس وقال بعض القصاص: مما فضل الله به الكبش أن جعله مستور العورة من قبل ومن دبر، ومما أهان به التيس أن جعله مهتوك الستر مكشوف القبل والدبر.
من مناجاة عزير حدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أمية عن وهب بن منبه أنه قال: كان في مناجاة عزير: اللهم إنك اخترت من الأنعام الضائنة، ومن الطير الحمامة، ومن النبات الحبلة، ومن البيوت بكة، وإيلياء، ومن إيلياء بيت المقدس.
للنبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث أن امرأة أتت النبي عليه السلام فقال: يا رسول الله، صلى الله عليك، إني اتخذت غنماً أبتغي نسلهم ورسلهم وإنهم لا تنمو. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ألوانهم؟"، قالت: سود، فقال: "عفري"، وبعث إلى الرعيان "من كانت له غنم سود فليخلطهم بغفر فإن دم عفراء أزكى من دم سوداوين".
وقال: "الغنم إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أقبلت. والأبل إذا أدبرت أدبرت وإذا أقبلت أدبرت ولا يأتي نفعهم إلا من جانبهم الأشأم".
والأقط قد يكون من المعزى؟ قال امرؤ القيس:

لنا غنم نسوقهم غـزاز

كأن قرون جلتها عـصـي

فتملأ بيتنا أقطاً وسمناً

وحسبك من غنى شبع وري

وقالوا: شقشقة البعير: لهاته يخرجها.
شعر مخارق بن شهاب في الغنم ومن أحسن ما قيل في الغنم قول مخارق بن شهاب في تيس غنمه:

 

وراحت أصيلانا كـأن ضـروعـهـم          دلاء وفيهم واتـد الـقـرن لـبـلـب

له رعثـات كـالـشـنـوف وغـرة           شديخ ولـون كـالـوذيلة مـذهــب

وعينا أحم المـقـلـتـين وعـصـمة           يواصلها دان من الظلـف مـكـنـب

إذا دوحة من مخرف الضال أذبـلـت           عطاها كمما يعطو ذرى الضال قرهب

أبو الحور والغر اللـواتـي كـأنـهـا          من الحسن في الأعناق جزع مثـقـب

ترى ضيفها فيهـا يبـيت بـغـبـطة          وضيف ابن قـيس جـائع يتـحـوب

 

 

فوفد ابن قيس هذا على الثعبان فقال: كيف المخارق فيكم؟ قال: سيد كريم من رجل يمدح تيسه ويهجو ابن عمه.
للعجاج يصف شاة قال العجاج في وصف شاة: حمراء المقدم شعراء المؤخر إذا أقبلت حسبتها نافراً، وإذا أدبرت حسبتها ناثراً. أي كأنهم تعطس، يريد من أي أقطارهم رأيتهم وجدتهم مشرقة.
لأعرابي يهزأ بصاحبه قال الأصمعي: قال أعرابي يهزأ بصاحبه: اشتر لي شاة فقماء كأنها تضحك، مندلقة خاصرتاها، لها ضرع أرقط كأنه جيب؛ قال: فكيف العطل؟ قال: أنى لهذه عطل؛ العطل: العنق. يقول. من سمنها يحسب أنه لا عنق لها.
مما تقوله العرب على ألسنة البهائم ومما تقوله العرب على ألسنة البهائم. قالت الضائنة: أوتد رخالاً وأجز جفالاً وأحلب كثباً ثقالا ولم تر مثلي مالاً حفالاً. تقول: أجز مرة وذلك أن الضائنة إذا جزت لم يسقط من صوفهم شيء إلى الأرض حتى يؤتى عليه؛ والكثب جمع كغبة وهي الدفعة من اللبن، تقول: أحلب دفعاً ثقالا من اللبن، وذلك لأن لبنهم أدسم وأخثر من لبن المعز فهو أثقل.

السباع وما شاكلها

في طيب الأفواه يقال. إنه ليس شيء من السباع أطيب أفواهم من الكلاب، ولا في الوحوش أطيب أفواهاً من الظباء.
ويقال. ليس شيء أشد بخراً من أسد وصقر، ولا في السباع أسبح من كلب. وليس في الأرض فحل من جميع أجناس الحيوان لذكره حجم ظاهر إلا الإنسان والكلب. والأسد لا يأكل الحار ولا يدنو من النار ولا يأكل الحامض وكذلك أكثر السباع.
للروم وتقول الروم: إن الأسد يذعر بصوت الديك ولا يدنو من المرأة الطامث. والأسد إذا بال شغر كما يشغر الكلب؛ وهو قليل الشرب للماء، ونجوه يشبه نجو الكلب، ودواء عضته دواء عضة الكلب الكلب.
الحيوانات التي تضيء عيونهم في الليل وقالوا: العيون التي تضيء بالليل عيون الأسد والنمور والسنانير والأفاعي.
والعرب تقو ل هو "أحمق من جهيزة"، وهي الذئبة لأنها تدع ولدها وترضع ولد الضبع.
ويقولون: الضبع إذا صيدت أو قتلت عال الذئب أولادهم وأتاهم باللحم؛ قال الكميت:

كما خامرت في بيتها أم عامر

لدى الحبل حتى عال أوس عيالها

أوس: الذئب.
وقالوا. ثلاثة من الحيوان ترجع في قيئها: الأسد والكلب والسنور، ويقال: الضب أيضاً. أمراض الكلاب وأمراض الكلاب ثلاثة: الكلب وهو جنون، والذبحة والنقرس.
فوائد دماء الملوك وشعر للفرزدق والعرب تقول: دماء الملوك شفاء من عضة الكلب الكلب والجنون والخبل؛ قال الفرزدق:

من الدارميين الذين دماؤهم

شفاء من الداء المجنة والخبل

للخيل بن أحمد في دواء عضة الكلب وبلغني عن الخليل بن أحمد أنه قال: دواء عضة الكلب الكلب الذراريح والعدس والشراب العتيق يصنع؛ وقد ذكر كيف صنعته وكم يشرب منه وكيف تتعالج به، والكلب الكلب إذا عض إنساناً فربما أحاله نباحاً مثله ثم أحبله وألقحه بأجر صغار تراهم علقاً في صور ا لكلاب.
مداواة المحل بن الأسود عتيبة بن مرداس من داء الكلب وشعر لابن فسوة في ذلك قال أبو اليقظان: كان الأسود بن أوس بن الحمرة أتى النجاشي فعلمه دواء الكلب، فهو في ولده إلى اليوم. فمن ولده المحل، وقد داوى المحل عتيبة بن مرداس فأخرج منه مثل جراء الكلاب علقاً، قال ابن فسوة حين برأ:

ولولا دواء لابن المحل وعلمه

هررت إذا ما الناس هر كليبها

وأخرج بعد اللّه أولاد زارع

مولعة أكتافهم وجـنـوبـهـا

الكليب: جمع كلب على غير قياس مثل عبد وعبيد.
شعر لامرأة رجل من بني العنبر عضه كلب كلب وعض رجلاً من بني العنبر كلب كلب فبال علقاً في صور الكلاب، فقالت امرأته:

أبالك أدراصاً وأولاد زارع

لعمري نهية المتعجب

ويزعمون أنه يطلب الماء أشد طالب، فإذا أتوه به صاح عند معاينته: لا أريد لا أريد، أو شيئاً في معنى ذلك.
قالوا. وتمام حمل الكلبة ستون يوماً، فإن وضعت في أقل من ذلك لم تكد أولادها تعيش. وإناث الكلاب تحيض في كل سبعة أيام وعلامة ذلك أن يرم ثفر" الكلبة ولا تريد السفاد في ذلك الوقت. وذكور السلوقية تعيش عشرين سنة، والإناث تعيش اثنتي عشرة سنة. وليس يلقي الكلب شيئاً من أسنانه سوى النابين.
علامة سرعة الكلب قالوا. وعلامة سرعة الكلب أن يطول ما بين يديه ورجليه ويكون قصير الظهر.
وصف الكلب ويوصف الكلب بصغر الرأس وطول العنق وغلظها وإفراط الغضف وزرق العينين وعظم المقلتين وطول الخطم مع اللطافة وسعة الشدقين ونتوء الحدقة ونتوء الجبهة وعرضها، وأن يكون الشعر الذي تحت حنكه طاقة ويكون غليظاً، وكذلك شعر خديه، ويكون قصير اليدين طويل الرجلين عريض الظهر طويل الصدر، في ركبته انحناء. ويكره للذكور طول الأذناب قالوا: وإذا هرم الكلب أطعم السمن مراراً فإنه يعود كالشاب، وإذا حفى دهنت أسته وأجم ومسح على يديه ورجليه القطران. وإذا بلغ أن يشغر فقد بلغ الإلقاح. والكلب من الحيوان إلذي يحتلم.
قالوا في الكلبة: إنه يسفدهم كلب أسود وكلب أبيض وكلب أصفر فتؤدي إلى كل سافد شكله وشبهه.
ما جاء في الكلب من الأمثال قعد جماعة من أصحابنا يعدون ما جاء في الكلب من الأمثال فحفظت منه: "ألأم من كلب على عرق"، و"أجع كلبك يتبعك"، و"نعيم كلب في بؤس أهله"، و"أسمن كلبك يأكلك" و"أحرص من كلب على عقي صبي"، و"أجوع من كلبة حومل" و"أبول من كلب"، و"جلس فلان مزجر الكلب" و"الكلاب على الجقح "، و"الكلب م حب أهله إليه الظاعن "، و"هو كالكلب في الأذى لا يعتلف ولا يدع الدابة تعتكن".

الذئب

الذئب إذا سفد الذئبة فالتحم الفرجان وهجم عليهما هاجم قتلهما كيف شاء، إلا أنهما لا يكادان يوجدان كذلك، لأن الذئب إذا أراد السفاد توخى موضعاً لا يطؤه أنيس خوفاً على نفسه. وتقول الروم: إن الذئب إذا رأى إنساناً قبل أن يراه الإنسان أبح الذئب صوت ذلك الإنسان.
وقالوا: في طبع الذئب محبة الدم، ويبلغ به طبعه أنه يرى الذئب مثله قد دمي فيثب عليه فيمزقه؛ قال الشاعر:

وكنت كذئب السوء لما رأى دماً

بصاحبه يوماً أحال على الدم

قالوا: والفرس إذا وطئ أثر الذئب ثقلت قائمته التي وطئ بها.
من كتاب عليّ رضي الله عنه إلى ابن عباس رضي الله عنهما وفي كتاب عليّ رضي الله عنه إلى ابن عباس: لقد رأيت العدو على ابن عمك قد حرب، والزمان قد كلب، قلبت لابن عمك ظهر المجن بفراقه مع المفارقين، وخذلانه مع الخاذلين، واختطفت ما قدرت عليه من الأموال اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى.
في نوم الذئب وشعر لحميد بن ثور ويقولون. إن الذئب ربما نام بإحدى عينيه وفتح الأخرى؛ وقال حميد بن ثور:

ينام بإحدى مقلتيه ويتقي

بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع

والذئب أشد السباع مطالبة، وإذا عجز عوى عواء استغاثة فتسامعت الذئاب فأقبلت حتى تجتمع على الإنسان فتأكله؛ وليس شيء من السباع يفعل ذلك.

الفيل

قالوا: لسان الفيل مقلوب طرفه إلى داخل.
من أقوال الهند في لسان الفيل والهند تقول: لولا أن لسانه مقلوي لتكلم.
والفيل إذا ساء خلقه وصعب عصبوا رجليه فسكن. وليس في جميع الحيوان شيء لذكوره ثدي في صدره إلا الإنسان والفيل. والفيل المغتلم إن سمع صوت خنوص من الخنازير ارتاع ونفر. والفيل يفزع من السنور.
وتزعم الهند أن نابي الفيل هما قرناه يخرجان مستبطنين حتى يخرقا الحنك ويخرجا أعقفين. وقال صاحب المنطق: ظهر فيل عاش أربعمائة سنة.
وقال حدّثني شيخ لنا قال: رأيت فيلاً أيام أبي جعفر قيل. إنه سجد لسابور ذي الأكتاف ولأبي جعفر، والفيلة تضع في سبع سنين.

الفهد

قالوا: السباع تشتهى رائحة الفهد، فإذا سمن الفهد عرف أنه مطلوب وأن حركته قد ثقلت فأخفى نفسه حتى ينقضي الزمان الذي تسمن فيه الفهود. ويعتري الفهد داء يقالع له خانقة الفهود، فإذا اعتراه أكل العذرة فبرأ. والوحشي المسن منها في الصيد أنفع من الجرو المربب.

الأرنب

قالوا: الأرنب تحيض ولاتسمن إلا بزيادة اللحم. وقضيب الذكر من الأرانب ربما كاد من عضم، وكذلك قضيب الثعلب. والأرنب تنام مفتوحة العين. وإنفحة الأرنب إذا شربتهم المرأة من بعد أن تطهر من المحيض منعت من الحبل. والكلف إن طلي بدم الأرنب أذهبه.

القرد والدب

لعمرو بن ميمون في قردة زنت قال: حدّثني محمد بن خالد بن خداش قال: حدّثني سلم بن قتيبة عن هشام عن حصين وأبي بلج عن عمرو بن ميمون قال. زنت قردة في الجاهلية فرجمهم القرود ورجمتهم معهم.
قالوا: وليس شيء يجتمع فيه الزواج والغيرة إلا الإنسان والقرد.
قالوا: والديسم جرو الدب تضعه أمه وهو كفدرة لحم فتهرب به في المواضع العالية من الذر والنمل حتى تثغد أعضاؤه.

مصايد السباع العادية

السباع العادية: تصطاد بالزبى والمغويات، وهي آبار تحفر في أنشاز الأرض، فلذلك يقال: قد "بلغ السيل الزبى".
في مصائد السباع العادية قال صاحب الفلاحة: ومما تصاد به السباع العادية أن يؤخذ سمك من سمك البحر الكبار السمان فتقطع قطعاً ثم تشرح ثم تكتل كتلاً ثم تؤجج نار في غائط من الأرض يقرب فيه السباع ثم تقذف تلك الكتل في النار واحدة بعد واحدة حتى ينتشر دخان تلك النار وقتار تلك الكتل في تلك الأرض ثم تطرح حول تلك النار قطع من لحم قد جعل فيها الخربق الأسود والأفيون وتكون تلك النار في موضع لا ترى فيه حتى تقبل السباع لريح القتار وهي آمنة فتأكل من قطع اللحم ويغشى عليها فيصيدها الكامنون لهم كيف شاءوا.

النعام

قالوا في الظليم: إن الصيف إذا أقبل وابتدأ البسر في الحمرة ابتدأ لون وظيفيه بالحمرة ولا يزالان يتلونان ويزدادان حمرة إلى أن تنتهي حمرة البسر، ولذلك قيل له: خاضب.
وفي الظليم: إن كل ذي رجلين إذا انكسرت إحدى رجليه قام على الأخرى وتحامل على ظلع غيره فإنه إذا انكسرت إحدى رجليه جثم، ولذلك قال الشاعر في نفسه وأخيه:

فإني وإياه كرجلي نعامةٍ

على ما بنا من ذي غنى وفقير

يقول: لا غنى بواحد منا عن الآخر.
وقال آخر:

إذا انكسرت رجل النعامة لم تجد

على أختهم نهضا ولا باستها حبوا

قالوا: وعلة ذلك أنه لا مخ له في ساقيه، وكل عظم فهو ينجبر إلا عظماً لا مخ فيه؛ وزماخر الشاء لا تنجبر؛ قال الشاعر:

أجدك لم تظلع برجل نعامة

ولست بنهاض وعظمك زمخر

أي أجوف لا مخ فيه.

شعر لذي الرمة يذكر الظليم


والظليم يغتذي المرو والضخر فتذيبه قانصته بطبعهم حتى يصير كالماء؟ قال ذو الرمة يذكره:

 

          ألهـاه آء وتـنـوم وعـقـبـتـه         من لائح المرو والمرعى له عقب

 

ولأبي النجم قال أبو النجم:

والمرو يلقيه إلى أمعائه

في سرطم هاد على التوائه

والظليم يبتلع الجمرة وربما ألقي الحجر في النار حتى إذا صار كأنه جمرة قذف به بين يديه فيبتلعه وربما ابتلع أوزان الحديد.
في النعامة وفي النعامة إنهم أخذت من البعير المنسم والوظيف والعنق والخزامة، ومن الطائر الريش والجناحين والمنقار فهو لا بعير ولا طائر؛ وقال أوس بن حجر:

وتنهى ذوي الأحلام عني حلومهم

وأرفع صوتي للتعام المـخـزم

جعله مخزماً للخرقين؟ اللذين في عرض أنفه في موضع الخزامة من البعير.
شعر ليحيى بن نوفل قال يحيى بن نوفل:

ومثل نعمامة تدعى بـعـيراً

تعاصينا إذا ما قيل طـيري

فإن قيل احملي قالت فـإنـي

من الطير المربة في الوكور

شعر لابن هرمة في النعامة وتقول العرب في المثل: هذا "أموق من نعامة" وذلك أنهم ربما خرجت لطلب الطعم فمرت ببيض نعامة أخرى فحضنته وتركت بيضها؛ ولذلك قال الشاعر وهو ابن هرمة:

وإني وتركي ندى الأكرمين

وقدحي بكفي زندا شحاحا

كتاركة بيضها بالـعـراء

وملبسةٍ بيض أخرى جناحا

ولسهم بن حنظلة وقال سهم بن حنظلة:

إذا ما لقيت بني عامـر

رأيت جفاء ونوكاً كبيرا

نعمام تمد بأعناقهـا

ويمنعا نوكهما أن تطيرا

في نفور النعامة، وشعر لبشر بن أبي خازم يهجو بنو عامر ويضرب بهم المثل في الشراد والنفار؟ قال بشر بن أبي خازم:

وأما بنو عامر بالنسار

فكانوا غداة لقونا نعاما

ير يد مروا منهزمين.
وربما حضنت النعامة أربعين بيضة أو نحوهم وأخرجت ثلاثين رألا، قال ذو الرمة:

كأنه خاضب بالسي مرتعه

أبو ثلاثين أمسى وهو منقلب

والبواقي من بيضها الذي لا تنقفه يقال لهم: الترائك.
في عدو الظليم وأشد ما يكون الظليم عدواً إذا استقبل الريح لأنه يضع عنقه على ظهره ثم يخرق الريح وإذا استدبرها كبته من خلفه.
والنعامة تضع بيضها طولاً ثم تغطيها كل بيضة بما يصيبها من الحضن؛ قال ابن أحمر:

وضعن وكلهن على غرار

وقال آخر:

على غرار كاستواء المطمر

والمطمر خيط البناء، إلا أن ثعلبة بن صعير خالف ذلك فقال يذكر الظليم والنعامة:

فتذكرا ثقلاً رثيداً بعـدمـا

ألقت ذكاء يمينها في كافر

والرثيد: المنضود بعضه على بعض.
قالوا: الوحش في الفلوات ما لم تعرف الإنسان ولم تره لا تنفر منه إذا رأته خلا النعام فإنه شارد أبداً؛ قال ذو الرمة:

 

وكل أحم الـمـقـلـتـين كـأنـه          أخو الإنس من طول الخلاء المغفل

 

يريد: أنه لا ينفر من الناس لأنه في خلاء ولم ير أحداً قبل طلك.
للأحيمر السعدي وقال الأحيمر السعدي: كنت حين خلعني قومي وأطل السلطان دمي وهربت وترددت في البوادي ظننت أني قد جزت نخل وبار أو قريب منهم، وذلك أني كنت أرى النوى في رجع الذئاب وكنت أغشى الظباء وغيرهم من بهائم الوحش فلا تنفر مني، لأنها لم تر أحداً قبلي وكنت أمشي إلى الظبي السمين فآخذه، وعلى ذلك رأيت جميع تلك الوحوش إلا النعام فإنه لم أره قط إلا نافراً فزعاً.

الطير

إعجاب للنبي صلى الله عليه وسلم النظر إلى الحمام الأحمر قان: حدّثني زياد بن يحيى قال. حدّثنا أبو عتاب قال: حدّثنا طلحة بن يزيد الشامي عن بقية بن الوليد عن عبد اللّه بن أبي كبشة عن أبيه قال: كان النبي عليه السلام يعجبه أن ينظر إلى الأترج وإلى الحمام الأحمر.
للرياشي عن عليّ بن أبي طالب حدّثني الرياشيّ قال: ليس شيء يغيب أذناه إلا وهو يبيض، وليس شيء يظهر أذناه إلا وهو يلد؛ وروي ذلك عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
للنبي صلى الله عليه وسلم حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن ابن جريج قال ابن شهاب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أربع لا يقتلن النملة والنحلة والهدهد والصرد".
دعاء داود عليه السلام
بلغني عن مكحول قال: كان من دعاء داود النبي عليه السلام: "يا رازق النعاب في عشه".
وذلك أن الغراب إذا فقص عن فراخه خرجت بيضاً فإذا رآها كذلك نفر عنها فتفتح أفواهها ويرسل الله لهم ذباباً فيدخل في أجوافها فيكون غذاءها حتى تسود، وإذا اسودت عاد الغراب فغذاها ويرفع الله عنهم الذباب.
للنبي صلى الله عليه وسلم قال: حدّثني أحمد بن الخليل عن محمد بن عباد عن الوليد بن كثير عن عبد الملك بن يحيى قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لا تطرقوا الطير في أوكارها فإن الليل أمان الله" وله صلى الله عليه وسلم في الديك الأبيض حدّثني أبو سفيان الغنوي عن معاوية بن عمرو عن طلحة بن زيد عن الأحوص بن حكيم عن خالد بن معدان عن رجل من الأنصار قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الديك الأبيض صديقي وصديق صديقي وعدو عدو الله يحرس دار صاحبه وسبع أدور". وكان النبي عليه السلام يبيته معه في البيت.
في أصناف الطير قالوا: الطير ثلاثة أضرب، بهائم الطير وهو ما لقط الحبوب والبزور، وسباع الطير وهي التي تغتدي اللحم، والمشترك وهو مثل العصفور يشارك بهائم الطير في أنه ليس بذي مخلب ولا منسر وإذا سقط على عود قدم أصابعه الثلاث وأخر الدابرة. وسباع الطير تقدم إصبعين وتؤخر إصبعين ويشارك سباع الطير بأنه يلقم فراخه ولا يزق وأنه يأكل اللحم ويصطاد الجراد والنمل.
قالوا: والعصفور شديد الوطء، والفيل خفيف الوطء، والورشان يصرغ في كل شهر مرة.
قالوا: وأسوأ الطير هداية الأسود، والأبيض لا يجيء من الغاية لضعف قوته وأجودهم هداية الغبر والنمر.
لصاحب الفلاحة في طبائع الحمام قال صاحب الفلاحة: الحمام يعجب بالكمون ويألف الموضع الذي يكون فيه الكمون، وكذلك العدس ولا سيما إذا أنقعا في عصير حلو. ومما يصلحن عليه ويكثرن أن تدخن بيوتهن بالعلك؛ وأسلم مواضعها وأصلحها أن يبنى لها بيت على أساطين خشب ويجعل فيه ثلاث كوى: كوة في سمك البيت وكوة من قبل المشرق وكوة من قبل المغرب، وبابان من قبل مهب الجنوب.
قال: والسذاب إذا ألقي في البرج تحامته السنانير البرية.
للكلبي في فضل أسماء كنائن نوح عليه السلام حدّثني ابن أبي سعد عن عليّ بن الصباح عن أبي المنذر هشام بن محمد قال: حدّثني أن أسماء كنائن نوح إذا كتبن في زوايا بيت حمام نمت الفروخ وسلمت من الآفات. قال هشام. قد جربته أنا وغيري فوجدته كما قال أبي.
قال: واسم امرأة سام بن نوح "محلث محو"، واسم امرأة حام "أذنف نشا" واسم امرأة يافت "زذقت نبث".
في أمراض الحمام قالوا: وأمراض الحمام أربعة: الكباد والخنان والسل والقمل، فدواء الكباد الزعفران والسكر الطبرزذ وماء الهندباء يجعل في سكرجة ثم يمج في حلقه قبل أن يلتقط شيئاً. ودواء الخنان أن يلين لسانه يوماً أو اثنين بدهن البنفسج ثم بالرماد والملح ويدلك بهما حتى تنسلخ الجلدة العليّا التي غشيت لسانه ثم يطلى بعسل ودهن ورد حتى يبرأ. ودواء السل أن يطعم الماش المقشور ويمج في حلقه لبن حليب ويقطع من وظيفيه عرقان ظاهران في أسفل ذلك مما يلي المفصل. ودواء القمل أن تطلى أصول ريشه بالزنبق المخلوط بدهن البنفسج، يفعل به ذلك مراراً حتى يسقط قمله، ويكنس مكانه الذي يكون فيه كنساً نظيفاً.
في الطير الذي يخرج في الليل قالوا: والطير الذي يخرج من وكره بالليل البومة والصدى والهامة والضوع والوطواط والخفاش وغراب الليل.
قالوا: إذا خرج فرخ الحمامة نفخ أبواه في حلقه الريح لتتسع الحوصلة من بعد التحامها وتنبثق، فإذا اتسعت زقاه عند ذلك اللعاب ثم زقاه سورج أصول الحيطان ليدبغا به الحوصلة، ثم زقاه بعد الحب.
للمثنى بن زهير قال المثنى بن زهير: لم أر شيئا قط في رجل وامرأة إلا وقد رأيته في الحمام، رأيت حمامة لا تريد إلا ذكرها، ورأيت حمامة لا تمنع شيئاً من الذكور، ورأيت حمامة لا تزيف إلا بعد شدة طلب، ورأيت حمامة تزيف للذكر ساعة يطلبها، ورأيت حمامة وهي تمكن آخر ما تعدوه، ورأيت حمامة تقمط حمامة، ورأيت حمامة تقمط الذكر، ورأيت ذكرا يقمط الذكر، ورأيت الذكر يقمط ما لقي ولا يزواج، ورأيت ذكراً له أنثيان يحضن مع هذه وهذه ويزق مع هذه وهذه.

البيض

في أصناف البيض
قالوا: والبيض يكون من أربعة أشياء: منه ما يكون من السفاد؛ ومنه ما يكون من التراب، ومنه ما يكون من نسيم الريح يصل إلى أرحامها؛ ومنه شيء يعتري الحجل وما شاكله في الطبيعة، فإن الأنثى منه ربما كانت على سفالة الريح التي تهمت من شق الذكر في بعض الزمان فتحتشي من ذلك بيضاً، وكذلك النخلة تكون بجنب الفحال وتحت ريحه فتلقح بتلك الريحة وتكتفي بذلك، والدجاجة إذا هرمت لم يكن لبيضهم مح، وإذا لم يكن للبيضة مح لم يخلق فيهم فرخ، لأنه لا يكون له طعم يغذوه؛ والفرخ والفروج يخلقان من البياض وغذاؤهما الصفرة، وإذا باضت الدجاجة بيضتين في اليوم كان ذلك من علامات موتهم؟ والطائر إذا نتف ريشه احتبس بيضه وإذا سمع صوت الرعد الشديد.

الخفاش

خصائص الخفاش قالوا. عجائب الخفاش أنه لا يبصر في الضوء الشديد ولا في الظلمة الشديدة ونحبل وتلد وتحيض وترضع وتطير بلا ريش، وتحمل الأنثى ولدهم تحت جناحهم وربما قبضت عليه بفيها خوفاً عليه، وربما ولدت وهي تطير. ولهم أذنان وأسنان وجناحان متصلان برجليها، وأبصارها تصح على طول العمر، وإنما يظهر في القمر منهم المسنات.
لبعض الحكماء وقال بعض الحكماء: الخفاش فأر يطير.

الخطاف والزرزور

قالوا: الخطاف والرزور يتبع الربيع حيث كان.
قالوا: وتقلع إحدى عينيه فترجع. والزرزور لا يمشي ومتى وقع بالأرض لم يستقل وأخذ، وإنما يعشش في الأماكن المرتفعة فإذا أراد الطيران رمى بنفسه في الهواء فطار، وإذا أراد أن يشرب الماء انقض عليه فشرب منه اختلاسا من غير أن يسقط بالأرض.

العقاب والحدأة

قالوا: العقاب تبيض ثلاث بيضات في أكثر حالاتهم فإذا فرخت غذت اثنين وباعدت عنها واحداً فيتعهد فرخها طائر يقال له: كاسر العظام، ويغذوه حتى يكبر ويقوى.
لصاحب الفلاحة في العقاب والحدأة وقال صاحب الفلاحة: العقاب والحدأة يتبدلان فتصير العقافي حدأة والحدأة عقاباً.
قال: وكذلك الأرانب تتبدل فيصير الذكر منها أنثى وتصير الأنثى ذكراً.
لصاحب المنطق في العقاب قال صاحب المنطق: العقاب إذا اشتكت كبدهم من رفعهم الثعلب والأرنب في الهواء وحظهم لذلك وأشباهه تعالجت بأكل الأكباد حتى تبرأ.

الغراب

الغربان لا تقرب النخل المواقير وإنما تسقط على النخل المصرومة فتلقط ما يسقط من التمر في القلبة وأصول الكرب وعلى إناث الغربان الحضن وعلى الذكور أن تأتي الإناث بالطعم، والإوزة دون الذكر.
والغربان أكتم شيء للسفاد.

القطا

قالوا: والقطا لا تضع بيضهما أبداً إلا أفراداً؛ قال أبو وجزة:

وهن ينسبن وهناً كل صادقة

باتت تباشر عرماً غير أزواج

الحيوان الذي لا يصلح شأنه إلا برئيس أو رقيب الحيوان الذي لا يصلح شأنه إلا برئيس أو رقيب: الناس، والغرانيق، والكراكي والنحل؛ فأما الإبل والبقر والحمير فتتخذ رئيساً من غير رقيب.

باب مصايد الطير

لصاحب الفلاحة في طرق صيد الطير قال صاحب الفلاحة: من أراد أن يحتال للطير والدجاج حتى يتحيرن ويغشى عليهن حتى يصيدهن عمد إلى الحلتيت فدافه بالماء ثم جعل في ذلك الماء شيئاً من عسل ثم أنقع فيه براً يوماً وليلة ثم ألقى ذلك البر للطير فإنهم إذا التقطته تحيرت وغشي عليهم فلم تقدر على الطيران إلا أن تسقى لبناً خالطه سمن.
قال: وإن عمد إلى طحين بر غير منخول فعجن بخمر ثم طرح للطير والحجل فأكلن منه تحيرن. وإن جعل خمر في إناء وجعل فيه بنبيذ فشربن منه غشي عليهن.
قال: ومما يصاد به الكراكي وغيرها من الطير أن يوضع لهن في مواقعهن إناء فيه خمر وقد جعل فيه خربق أسود والنقع فيه شعير فإذا أكلن منه أخذهن الصائد كيف شاء.
من طرق مصائد الطير قال غيره: ومما تصاد به العصافير بأسهل حيلة أن تؤخذ شبكة في صورة المحبرة اليهودية المنكوسة ويجعل في جوفهم عصفور فتنقض عليه العصافير ويدخلن عليه وما دخل منهم لم يقدر على الخروج فيصيد الرجل في اليوم الواحد مائتين وهو وادع.
قال: ويصاد طير الماء بالقرعة وذلك أن تؤخذ قرعة يابسة صحيحة فيرمى بهم في الماء فإنهم تتحرك فإذا أبصرهم الطير تتحرك فزع فإذا كثر ذلك عليه أنس حتى لربما سقط عليهم، ثم تؤخذ قرعة فيقطع رأسها ويخرق فيها موضع عينين ثم يدخل الصائد رأسه فيهم ويدخل الماء فيمشي إليهم مشياً رويداً فكلما دنا من طائر أدخل يده في الماء فقبض على رجليه ثم غمسه في الماء ثم دق جناحه وخلاه فبقي طافياً فوق الماء يسبح برجله ولا يطيق الطيران، وسائر الطير لا يمكن انغماسه فإذا فزع من صيد ما يريد رمى بالقرعة ثم يلتقطهم ويحملهم.

الحشرات

لعبد الله بن عمر عن أصناف الفار حدّثني يزيد بن عمرو قال. حدّثنا عبد الله بن الربيع قال: أخبرنا هشام بن عبد الله عن قتادة عن عبد الله بن عمرو أنه قال: الفأرة يهودية ولو سقيتهم ألبان الإبل ما شربتهم، والفار أصناف: منهن الزباب وهو أصم.
شعر للحارث بن حلزة قال الحارث بن حلزة:

وهم زبـاب حائر

لا تسمح الآذان رعدا

والخلد وهو أعمى؛ وتقول العرب: هو "أسرق من زبابة" وفأرة البيش، والبيش سم قاتل؛ ويقال: هو قرون السنبل، وله فأرة تغتذيه لا تأكل غيره، ومن غير هذا فأرة المسك وفارة الإبل أفاحت أرواحهم إذا عرقت.
قالوا: ومن الحيات ما يقتل ولا يخطئ: الثعبان والأفعى والهندية؛ فأما سوى هذه فإنما يقتل بما يمده من الفزع، لأنه إذا فزع تفتحت منافسه فوغل السم إلى مواضع الصميم وعمق البدن، فإن نهشت النائم والمغمى عليه والطفل الصغير والمجنون الذي لا يعقل لم تقتل.
وأذناب الأفاعي تقطع فتهبت ونابهم يقطع بالعكاز فينبت حتى يعود في ثلاث ليال؛ والحية إن ننفث في فيهم حماض الأترج وأطبق لحيها الأعلى على الأسفل لم تقتل بعضتها أياماً صالحة." ومن الناس من يبصق في فم الحية فيقتلها بريقه.
والحيات تكره ريح السذاب والشيح، وتعجب باللفاح؛ والبطيخ والحرف والخردل الموخف واللبن والخمر، وليس في الأرض حيوان أصبر على جوع من حية؛ ثم الضب بعدها فإذا هرمت صغرت في بدنها وأقنعها النسيم ولم تشته الطعام، ولذلك قال الراجز

حارية قد صغرت من الكبر

لصاحب الفلاحة في الحية وقال صاحب الفلاحة. إن الحية إن ضربتهم بقصبة مرة أوهنتهم القصبة في تلك الضربة وحيرتهم، فإن ألحت عليهم بالضرب انسابت ولم تكترث.
ما يعالج بن الملسوع قال. ومن جيد ما يعالج به الملسوع أن يشق بطن الضفددع ثم يرفد به موضع لسعة العقرب.
في الضفاع والضفدع لا يصيح حتى يدخل حنكه الأسفل في الماء، فإذا صار في فيه بعض الماء صاح، ولذلك لا تسمع للضفادع نقيقاً إذا خرجن من الماء، قال الراجز:

يدخل في الأشداق ماءً ينصفه

حتى ينق والنقيق يتلفه

 يريد أن النقيق يدل عليه حية البحر، كما قال الآخر:

ضفاع في ظلماء ليلٍ تجاوبت

فدل عليهما صوتها حية البحر

وقال في السبخ: إنه إن انخرق فيه خرق بمقدار منخر الثور حتى تدخله الريح استحال ذلك السبخ ضفادع. والضفادع لا عظام لها، ويضرب بها المثل في الرسح؛ فيقال: "أرسح من ضفدع" و"أجحظ عينا من ضفدع".
قالوا: وكل شيء يأكل فهو يحرك فكه الأسفل إلا التمساح فإنه يحرك فكه الأعلى.
سمك الرعاد في مصر من صاد منه سمكة لم تزل يده ترعد وتنتفض ما دام في شبكته أو شصه. والجعل ،إذا دفنته في الورد سكنت حركته حتى يتوهم من رآه قد مات، فإذا أعدته إلى الروث تحرك ورجع في حسه. والعير إذا ابتلع في علفه خنفساء قتلته إن وصلت إلى جوفه حية. وأطول شيء ذماء الخنفساء فإنها يسرج على ظهرها فتصبر وتمشي.
والضب يذبح فيمكث ليلة ثم يقرب من النار فيتحرك.
والأفعى إذا ذبحت تبقى أياماً تتحرك وإن وطئها واطئ نهشته، ويقطع ثلثها الأسفل فتعيش وينبت ذلك المقطوع.
والكلب والخنزير يجرحان الجرح القاتل فيعيشان.
قالوا: وللضب ذكران وللضبة حران، خبرني بذلك سهل عن الأصمعي أو غيره. قال: ويقال لذكره نزك وأنشد:

سبحل له نزكان كانا فـضـيلة

على كل حافٍ في البلاد وناعل

وكذلك الحردون. والذبان لا تقرب قدراً فيهم كمأة.
وسام أبرص لا يدخل بيتاً فيه زعفران.
ومن عضه الكلب الكلب احتاج إلى أن يستر وجهه من الذباب لئلا يسقط عليه.
وخرطوم الذباب يده، ومنه يغني، وفيه يجري الصوت كما يجري الزافر الصوت في القصبة بالنفخ.
قالوا: ليس شيء يذخر إلا الإنسان والنملة والفأرة. والذرة اتذخر في الصيف للشتاء فإذا خافت العَفَن على الحبوب أخرجتها إلى ظاهِر الأرض فشَرًرَتْها، وأكثرُ ما تَفعلُ ذلك ليلاً في القمر. فإن خافت أن ينبتَ الحب نقرت وسط الحبة لئلا تنبتَ.
والسلَحْفَاة إذا أكلت أفْعى أكلت سَعْتَرا جَبَلياً.
وابنُ عِرْسٍ إذا قاتل الحيةَ أكل السذَابَ.
والكلاب إذا كان في أجوافها عود أكلت سُنبلَ القَمح.
والأيِّلُ إذا نهشته الحيةُ أكل السراطين.
لابن ماسويه قال ابن ماسويه: فلذلك يُظنّ أن السراطينَ صالحة لمن نُهِشَ من الناس.
والوَزَع، يُزاقُّ الحياتِ ويُقارِبُها، ويَكرع في اللبن والمَرَق ثم يَمُخع في الإناء، وأهلُ السجن يعملون من الوزع سمّاً أنفذَ من سم البِيش ومن ريق الأفاعي، وذلك أنهم يُدخلون الوزعَة قارورةً ثم يَصبون فيها من الزيت ما يغمُرها ويضعونها في الشمس أربعين يوماً حتى تتهرّأ في الزيت، فإن مُسِحَتْ على اللُّقمةِ منه مَسحةٌ وأكله آكل مات من يومه.
والجرادُ إذا طَلع فعُمِدَ إلى التُرْمُس والحَنظَل فطبِخا بماء ثم نُضحَ ذلك الماءُ على زرع تنكّبه الجرادُ.
وإذا زُرع خَرْدَل في نواحي زرع نجا من الدَبَى.
وإذا أخذ المُرْدَاسَنْجً فعُجِن بعجين ثم طُرح للفأر فأكلته مُوّتن عنه، وكذلك بُرايةُ الحديد.
وإذا أخِذ الأفْيون والشُّونِيز والبارد وقرنُ الأيل وبَابُونَج وظِلفٌ من أظلاف المعز فَخُلِط لك جميعاً ثم دقّ وعُجِن بخل عتيق ثم قُطِعَ قطعاً فدُخن بقطعة منه نفرت لذلك الحيّاتُ الهوامُّ والنملُ والعقاربُ، وإن أحرِقَ منه شيء ودُخَن به هرب ما وجَدَ منها تلك الريحَ.
والنملُ تهرُبُ من دُخَان أصول الحَنْظَل.
في ما يقتل النمل وإن عُمِدَ إلى كبريت وسَذَابٍ وخَرْبقٍ فَحُق ذلك جميعاً وطُرِحَ في قرية النمل قتلها ومنعها ظهورهن من ذلك الموضع ذهبن.
في طرد البعوض والبعوضُ تهرُب من دخان القَلْقَدِيس إذا دُخن به ومعه حبُّ السوس، وتهرُب من دخان الكبريت والعِلْك.
منافع لحم الحيوان وقالت الأطباء: لحمُ ابنِ عرس نافعٌ من الصرْع. ولحمُ القُنفذ نافع من الجُذام والسل والتشنُج ووجع الكُلَى، يُجففُ وُيشرب ويُطعَمُه العليلُ مطبوخاً ومشو ويُضمدُ به المتشنج. والعقرب إذا شُقَّ بطنُها ثم شُد على موضع اللسعة نفعت. وقد تجعل في جوف فَخار مشدود الرأس مُطَين الجوانب ثم يوضع الفخّارُ في تَنُّور، فإذا صارت العقربُ رَماداً سُقيَ منْ ذلك الرمادِ مَن به الحصاة مقدارَ نصف دانق وأكثر فيُفَتَت الحصاةَ من غير أن يضر بشيء مم سائر الأعضاء والأخلاط وقد تَلسعُ العقربُ مَنْ به حُمَّى عتيقة فتقلعُ؛ وتلسعُ المفلوجَ فيذهبُ عنه الفالِجِ، وتلقى في الدهن وتُترك فيه حتى يأخذَ الدُهنُ منها ويَجتذبَ قُواها فيكون ذلك الدُّهْنُ مُفرقاً للأورام الغليظة.
من طبع العقرب ومن طبع العقرب أنك إن ألقيتها في ماء غَمْرٍ بقيت في وسط الماء لا تَطفو ولا تَرسُبُ؛ وهي من الحيوان الذي لا يَسبَحُ.
وعينُ الجرادة وعينُ الأفعى لا تَدورانِ. وإنما تَنْسُجُ من العناكب الأنثى، والذكر هو الخدْرَنُق. وولد العنكبوت يَنسُجُ ساعةَ يولدُ. والقَمْلُ يُخلق في الرؤوس على لون الشعر إن كان أسودَ أو أبيضَ أو مخضوباً بالحِنّاء.
الحُلْكاءُ دُوَيبَّة تغوص في الرمل كما يغوص طائرُ الماء في الماء.
وبناتُ النّقا كذلك، وهي التي يُقال لها: شحمةُ الأرض.
وأم حُبَيْنٍ لا تُقيمُ بمكان تكون فيه السرْفَةُ، والسّرفةُ دويَبَة يُضربُ بها المثلُ في الصّنعة فيقال: "أصْنَعُ مِنْ سُرْفَةٍ ".
شعر لأعرابية في أفعى ومن أحسنِ ما قيل في الأفعى قول امرأة من الأعراب:

خُلِقَتْ لَهَازِمُه عِـزِينَ وراسـهُ

كالقُرْص فُرْطِحَ من دقيقِ شعيرِ

وكأن مَلْـقـاهُ بكـلّ تَـنُـوفَةٍ

مَلقاكَ كفَّةَ مِنْجَـلٍِ مـأطـور

وُيدير عيناً للـوِقـاع كـأنـهـا

سمراءُ طاحت من نفِيض بَريرِ

لماسرجويه وقد سُئل عن السموم وعلاجها
قيل لماسرجويه: نَجدُ ملسوعَ العقرب يُعالجَ بالاسفيوش فينفعه، وآخر يُعالج بالبندق فينفعه، وآخر يَشربُ الأنقاس فتنفعه، وآخر يأكلُ التفاحَ الحامضَ فينفعًه، وآخر يَطليه بالقِلْي والخل فيحمَدُه، وآخر يَعْصِبُ عليه الثومَ الحارَّ المطبوخَ، وآخر يُدخِلُ يده في مِرْجَلٍ حار لا ماء يه فيحَمدُه، وآخر يعالج بالنُّخَالة الحارّة فيحمدَها، وآخر يَحجِمُ ذلك الموضعَ فيحمَده، ثم رأيناه يتعالج بعدُ بذلك الشيءِ للسعة أخرى فلا يحمده! فقال: لما اختلفت السّمومُ في أنفسها بالجنس والقدر والزمان، وباختلاف ما لاقاه اختلفَ الذي يوافقه على حسب اختلافه.
قالوا: وأشدّ ما تكون لسعتُها إذا خرج الإنسانُ من الحمّام، لتفتّح المنافس وسَعَةِ المجاري وسُخُونة البدن.
لأي بكر البحري وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيَ قال: قال أبو بكر البحريّ: ما من شيء يضرّ إلا يحمل منفعة.
لبعض الأطباء وقيل لبعض الأطباء: إن قائلاً قال: أنا مثلُ العقرب أضُر ولا أنفعُ. فقال: ما أقلّ علمه بها، "إنها لتنفع إذا شُقّ بطنُها ثم شُئت على موضع اللّسعة؛ وقد تجعل في جوف فخار مشدود الرأس مُطيّن الجوانب ثم يُوضع الفخار في تَنُور فإذا صارت العقربُ رَماداً سُقِيَ من الرمادِ مقدارَ نصف دانق أو أكثر قليلاً مَنْ به الحصاةُ ففتّها من غير أن يضر بشيء من سائر الأعضاء والأخلاط. وقد تَلسعُ العقربُ مَن به الحمَى العتيقةُ فتُقلِعُ عنه. ولَسعتِ العقرب رجلاً مفلوجاً فذهب عنه الفالج. وقد تُلقَى العقربُ في الدهن وتترك فيه حتى يأخذَ الدهنُ منها ويَجتذبَ قواها فيكون ذلك الدهنُ مُفرقاً للأورام الغليظة.
بين أعرابي لسعته عقرب وبعض الناس قال أبو عبيدة: ولَسعت أعرابياً عقرب بالبصرة، وخِيفَ عليه فاشتد جزعُه، فقال بعض الناس له: ليس شي خيراً مِنْ أن تُغْسَلَ له خُصِيةُ زِنجي عَرِقَ ففعلوا، وكان ذاك في ليلَةٍ ومدة، فلما سَقَوْه قَطَب؛ فقيل له: طعمَ ماذا تَجِد؟ قال: أجدُ طعمَ قِرْبَةٍ جديدةٍ.
بين المأمون وسلمويه وبختيشوع وابن ماسويه قال المأمون: قال لي بَخْتِيَشُوع وسلمويه وابن ماسويه: إن الذباب إذا دلِكَ على موضع لسعة الزُّنبور هَدَأ وسكن الألمُ، فلسعني زُنبور فحككتُ على موضعه أكثر من عشرين ذبابة سكن الألمُ إلا في قدر الزمان الني كان يسكن فيه من غير علاج، فلم يبقَ في يدي منهم إلا أن يقولوا: كان هذا الزنبورُ حنقاً غاضباً، ولولا ذلك العلاجُ قتلَك.
قالوا: ومما ينفع من اللسعة أن يُصيروا على موضعها قطعةَ رَصاصٍ رقيقةً وتُشد عليه أياماً. وقد يُمَوهُ بهذا قوم فيجعلونه خاتَماً فيدفعونه إلى الملسوع إذا نُهِشَ في إصبعه.
لمحمد بن الجَهْم قال محمد بن الجَهْم: لا تتهاونوا بكثير مما تَرَوْن من علاج العجائز، فإن كثيراً منه وقع إليهن من قدماء الأطباء، كالذبان يلقَى في الإثمدِ فيسحقُ معه، فيزيدُ ذلك في نور البصر، النظر وتشديدِ مراكز الشعر في حافات الجفون.
قال: وفي أمة من الأمم قومٌ يأكلون الذَبانَ فلا يرمَدون، وليس لذلك يأكلونه، ولكن كما يأكل غيرهم فراخ الزنانير.
لابن ماسويه في علاج لسع العقرب وقال ابن ماسوِيه: المجرًبُ للسع العقرب أن يُسقَى من الزًراوَند المدحرج ويُشربَ عليه ماء بارد، ويُمضغ ويوضعَ على اللسعة.
قال: وللسع الأفاعي والحيّات ورقُ الاس الرطب يُعْصَرُ ويُسقَى من مائه قدرَ نصف رطل، وكذلك ماء المَرْزَنْجُوش وماء ورق التفاح المدقوق والمعصور مع المطبوخ، ويُضمد الموضعُ بورق التفاح المدقوق. وللأدوية والسموم القاتلة البندق والتين والسذابُ يُطعم ذلك العليلُ.
قال: والثُّوم والملح وبَعْر الغنم نافع جدّاً إذا وُضِعَ على موضع لسعة الحية إلا أن تكون اصَلةً، فإن الأصَلَةَ تُوضعُ على لسعها الكُلْيتان جميعاً بالزيت والعسل.
والخِطمي إذا أخِذَ ورقُه فلُق ثم وُضع على لسع قَملة النّسر كان دواء له. وإن طَلَى أحد به يديه أو جسده لم يَلدغْ ذلك الموضعَ منه زُنْبور. وإن لَدغَ أحداً زنبورٌ فآذاه فشرب من مائه نفعه.
والبشكول وهو الطرشَقوقُ إن دُق فضُمد به لسعةُ العقرب نفع إذا أغلي أو شُرِب من عصيره.
قالوا: وإن أخَذَ مَنْ حذَر على نفسه السمومَ التينَ مع الشُّونِيز على الريق وَقاه.

النبات

لكُليب أبي وائل
حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: حدثنا قريشُ بن أنس عن كُلَيْب ابن وائل رجل من المُطَّوٌعة قال: رأيت ببلاد الهند شجراً له ورد أحمر مكتوب فيه ببياض "محمد رسول الله". والعرب تقول في مثل هذا هو "أشكرَ من البَرْوَقَة"، وهو نبت ضعيف ينبت بالغيم.
ويزعم قوم أن النارَجيلَ هو نخل المُقْل قَلبه طِباعُ البلد.
لصاحب الفلاحة في الكرنب والكَرْم وقال صاحب الفلاحة: بين الكُرْنب وبين الكَرْم عداوة، فإذا زُرعَ الكرنب بحضرة الكَرم ذَبَلَ أحدهما وتشنج، ولذلك يُبطىء السُّكْرُ عمن أكل منه ورقاتٍ على ريق النفس ثم شرب. وقُضبان الرمان إذا ضُرِبَ بها ظهرُ رجل اشتد عليه الألم.
وقالوا: وكل زَهر ونَوْرٍ فإنه ينحرفُ مع الشمس وُيحوَل إليها وجهَه؛ ولذلك يقال: يُضاحِكُ الشمسَ.
للأعشى قال الأعشى:

            ما روضَةٌ من رياض الحَزْنِ مُعشِبة       خضراءُ جَادَ عليها مُسْبِلٌ هَـطِـل

            يُضاحكُ الشمسَ منها كوكبٌ شَـرِقٌ       مُؤَزَز بِعَميم النَبـتِ مُـكْـتَـهِـلُ

               

وقال آخر:

فَنُوَّارُه مِيلٌ إلى الشمس زَاهِرُه

والخُبًازَي يَنضمُّ ورقُهً بالليل ويَنفتِحُ بالنهار.
والنًيلُوفَرُ يَنبتُ في الماء فيغيب الليلَ كلّه ويظهرُ إذا طلعتِ الشمسُ.
في الطحلب وقالوا في الطحلُب: إن اخذ فجُفِّفَ في الظل ثم سقطَ في النار لم يَحترِق.
وذكروا أن قَسّاً راهنَ على صليب في عنقه من خشب أنه لا يَحترق، وقال: هو من العود، الذي صًلِبَ عليه المسيحُ، فكاد يَفتِنُ بذلك خَلْقاً حتى فَطِنَ له بعضُ أهل النظر فأتاهم بقطعة، تكون بكرِمانَ فكان أبقى على النار منِ صليبه. والطلَقُ كذلك لا يصير جمراً.
وطِلاءُ النفاطين طَلَقٌ وخِطْمِي ومَغرَةٌ.
وقالوا: إذا أخِذَ بِزرُ السذاب البريّ وزُرع وطال به ذلك تَحوّل حرملاً، والنّمامُ إذا أعتَقَ تحول حبقاً.
قالوا: والقُسْطُ إنما هو جَزَر بحريّ.
قالوا: بالسند نبتٌ من الحشيش يُسمّى تِرِيَّةً، إذا أخذ فطُبخ ثم صُفِّي ماؤه فجُعِلَ في وِعاء لم يلبَث إلا يسيراً حتى يشتد ويسكِر شاربَه إسكارَ الخمر.
لصاحب الفلاحة في إفساد البقل والرمان قال صاحب الفلاحة: من أراد أن يضرّ بمَبْقَلَةٍ عَمَد إلى شيء من خُرء البَط فخلط به كل من ملح ثم طُرِحَا في ماءٍ فدِيفَا فيه فيُنضَحُ ذلك الماءُ على البقل فإنه يَفْسُدُ.
قال: ومن أراد إفسادَ الرمان الكثير ألقى في أضعافه نوَىَ التمر والملح والجرِيش. ومن أراد قتلَ السمك في الماء القائم عَمَد إلى نبت يسمى "ما هِي زهره" فدُقّ وطُرِحَ في الماء فإنه يموت سمكُ ذلك الماءَ؛ والمازريون يفعل ذلك.
قال: ومما يَجِص له الشجر أن يُعمَد إلى مِسمار من حديد فيُحمَى بالنار حتى تشتدّ حُمرته ثم يدَقّ في أصل الشجرة، وأن يُعْمَد إلى وتد من طَرْفاءَ فيُثقَبَ أصل الشجرة بِمثقَب حديد يُجَعلَ ذلك العودُ على قدر الثقب في المِثقَب فتجفّ الشجرةُ إن كان غِلظُ العودُ على قدر الثقب.
لماسرجويه في أن النظر إلى الخضرة فضائل قيل لماسرجويه: ما بالُ الأكَرَةِ وسُكَانِ البساتينِ مع أكلهم الكُراثَ والتمرَ وشُربِهم الحار على السّمكِ المالح أقل عُمياناً وعُورَاناً وعُمشَانا؟ قال: فكَّرتُ في ذلك فلم أجهدْ عِلّةً طولَ وُقوع أبصارهم على الخضرة.

الحجارة

لأرسطاطاليس قال أرسطاطاليس: حَجرُ سنقيلا إذا رُبط على بطن صاحب الاستسقاء نَشَفَ منه الماءَ والدليل على ذلك أنه يوزن بعد أن كان على بطنه فيوجدُ قد زاد في وزنه؛ وذاكرتُ بهذا رجلاً من علماء الأطبّاء فعرفه، وقال: هذا الحجر مذكور في التوراة. وحجر المغناطيس يَجذِبُ الحديدَ من بُعْدٍ وإذا وُضِعَ عليه عَلقَه، فإن دُلِكَ بالثُوم بطلَ عملُه.
قالوا: والرّمادُ ؤالقِلْيُ يُدبران فيستحِيلان حجارةً سُوداً تَصلحُ للأرجاء. ومِن الحجارة حصاةٌ في صورة النواة تَسبَحُ في الخل كأنها سمكة. ومنها خَرَزَة العُقْر إن كانت في حَقْو المرأة فلا تَحْبَلُ. وحجر يُوضع على حرف التنور فيتساقط خبزُ التنور كله.
وبمصر حجر مَنْ قَبضَ عليه بِجمبع كَفيهِ فأكل شيئاً في جوفه فإن هو لم يَنْبُذْه من كفه خِيفَ عليه. ومن الحجارة النَشفُ، ليس شيء من الحجارة يَطْفُو على الماء غيره وفيه حُفَر صِغَارٌ.
قالوا: الرصاص قد يدبرُ فيستحيلُ مُرْدَاسَنْجاً.
وإقليمياء النحاس يدبر فيصيرُ تُوتِياء. وحجر البازَهْر يُفرًقُ الأورام.
الشب اليماني وباليمن جبل يقطر منه ماء، فإذا صار إلى الأرض ويَبِسَ استحال وصار شباً، وهو هذا الشب اليماني.
للأصمعي في أشياء لا تكون إلا باليمن حدّثنا الرياشي عن الأصمعي قال: أربعةُ أشياءَ قد ملأتِ الدنيا لا تكون إلا باليمن: الوَرْسُ والكُنْدُرُ والخِطْرُ والعَصْب.
وبمصرحجر تُحركه فسمعُ في جوفه شيئاً يَتقلقلُ كالنواة.
بين شريح ورجلين اختصما إليه حدثني شيخ لنا عن علي بن عاصم عن خالد الحَذَّاء عن محمد بن سيرين قال: اختصم رجلان إلى شُرَيْح، فقال أحدُهما: إني استودعتُ هذا وديعةً فأبى أن يدردها عليّ. فقال له شريح: رُدَ على هذا الرجل وديعَته. قال: يا أبا أميةَ، إنه حجر إذا رأته الحُبْلَى ألقتْ ولدَها وإذا وَقَع في الخل غَلَى، وإذا وُضِع في التنُور بَرَدَ فسكتَ شرَيحٌ ولم يَقُلْ شيئاً حتى قاما.

الجنّ

قالوا: الشياطينُ مَرَدةُ الجن، والجان ضَعَفةُ الجن.
لمجاهد عن إبليس وبلغني عن يحيى بن آدم عن شَرِيكٍ عن لَيْث عنِ مُجاهد قال: قال - يعني إبليس عليه لعنة الله - : أعطِينَا أنا نَرَى ولا نُرَى، وأنا ندخُل تحت الثَرَى، وأن شيخنا يُرَدّ فَتىً.
بين عبدالله بن الزبير ورجل من الجن حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال: حدّثني يَعْلَى بن عُقْبة - شيِخ من أهل المدينة مولًى لآل الزُّبَير - : أن عبد الله بن الزبير باتَ بالقَفْر، فقام ليَرْحَلَ فوجدَ رجلاً طُوله شِبرانِ عظيمَ اللحية على الوَلِيّة، فنفَضَها فوقع ثم وضَعَها على الراحلة، وجاء وهو بين الشَرْخَينِ، فنفضَ الرحلَ ثم شده، وأخذ السوطَ ثم أتاه، فقال: مَنْ أنت؟ قال: أنا أزَبُ. قال: وما أزَت؟ قال: رجلٌ من الجن. قال: افتح فاك أنظر. ففتح فاه، قال: أهكذا حُلوقُكُم! لقد شُوًه حُلوقُكمُ! ثم قَلَبَ السوطَ فوضعه في رأس أزَب حتى شقه.
بين بنت عوف بن عفراء ورجل من الجن ثم بينها وبين عائشة رضي الله عنها حدثني خالد بن محمد الأزدي قال: حدثنا عمر بن يونس قال: حدثنا عِكرِمة بن عفار قال: حدثنا إسحاق بن أبي طلحة الأنصاري قال: حدثني أنس بن مالك قال: كانت بنتُ عوف ابن عفراء مُضطجِعَةً في بيتها قائلة إذا استيقظَتْ وزنجي على صدرها آخذاً بحلقها، قالت: فأمسكَني ما شاء الله وأنا حينثذ قد حَرُمَتْ علي الصلاةُ، فبينا أنا كذلك نظرتُ إلى سقف البيت يَنْفَرِج، حتى نظرتُ إلى السماء فإذا صحيفة صفراء تَهِوي بين السماء والأرض حتى وقَعتْ على صدري، فنشرها وأرسل حَلقي فقرأها، فإذا فيها: من رَبّ لُكَيزٍ إلى لُكيزٍ، اجتنب ابنةَ العبد الصالح إنه لا سبيل لك عليها. ثم ضرب بيده على ركبتي وقال: لولا هذه الصحيفةُ لكان دم، أي لذبحتُكِ؛ فاسودتْ ركبتي حتى صارت مثلَ رأس الشاة، فأتيت عائشة. فذكرت لها ذلك؛ فقالت لي: يا بنة أخي، إذا حِضتِ فألزِمي عليك ثيابكِ فإنه لا سبيل له عليكِ إن شاء الله. فحفظها اللّه بأبيها وكان استُشهِدَ يوم بدر.
بين عجوز وجني أبو يعقوب الثقفيّ عن عبد الملك بن عُمير عن الشّعْبيّ عن زياد بن النضر أن عجوزاً سألت جِنّيّاً فقالت: إن بنتي عَروسٌ وقد تمرط شَعَرُها من حمَى رِبْع بها، فهل عندكَ دواء؟ فقال: اعْمدِي إلى ذُباب الماء الطويل القوائم الذي يكون بأفواه الأنهار فاجعليه في سبعة ألوان من العِهْنِ: أصفرَ وأحمرَ وأخضرَ وأزرقَ وأبيضَ وأسودَ وأغبرَ، ثم اجعليه في وسطه وافتِلِيه بأصبعك هكذا ثم اعقِديه على عَضُدها اليسرى، ففعلَتْ فكأنّها النشِطَتْ من عِقَالٍ.
لمحمد بن مسلم الطائفي حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: أخبرني محمد بن مسلم الطائفيّ في حديث ذكره أن الشياطين لا تستطيعُ أن تغيَرَ خَلْقَها ولكنها تُسَخرُ.
وللنهاس بن قهم، ولغيره وقال الأصمعي: حدّثنا أبو عمرو بن العلاء قال: حدثنا النفاسُ بن قَهْم قال: دخلتُ مِرْبَداً لنا فإذا فيه شيء كالعَجوْل له قرنان وله رِيشٌ ينظرُ إليٌ كأنه شيطان.
حدثنا عبد الرحمن بن عبدالله عن عمه قال: سَمِع رجلٌ بأرض ليس بها أحدٌ قائلاً من تحته يقول: مَنْ يُحرك شُعَيراتِي؟ ذاك مَقِيلي، وظِل مَظَفي، حاشا الغزيل وعبد الملك وجمعهِ الأدْم، وكانوا يَرَوْن أن الأصمعي سمع هذا، وذاك أنه كان في آخر عمره وقد أصابه مَسٌ ثم ذهب عنه.
بين عُمير بن ضبيعة وصاحب له وجني حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: أخبرنا عمر بن الهيثم عن عُمَير بن ضبَيْعة قال: بينا أنا أسيرُ في فلاةٍ أنا وابن ظبيانَ - أو رفيق له آخر ذكره - عَرَضتْ لنا عجوز - كذا سمعته يقول، إن شاء الله - أو شيخ - ورأيتُ في كتاب محمدٍ ابنه - وصبي يبكي؛ فقال: إني مُنْقَطَعٌ بي في هذه الفلاة فلو تحمّلتماني! فقال صاحبُ عمير: لو أردفتَه! فحمله خلفَه، فمكثنا ساعة فنظم في وجه عمير وتنفّس فخرج مِنْ فِيهِ نارٌ مثلُ نار الأتون فأخذَ له عميرٌ السيف؟ فبكى وقال: ما تُرِيدُ منّي؟ فكفّ عنه ولم يُعْلِم صاحبَه بما رأى؛ فمكث هنيهةً ثم عاد، فأخذ له السيفَ؛ فبكى وقال: ما تريد مني؟ وبكى؛ فتركه ولم يعْلِم صاحبه؛ ثم عاد الثالثةَ ففغر في وجهه؛ فحمل عليه بالسيف؛ فلما رأى الجدَ وثبَ وقال: قاتَلكَ اللُه ما أشد قلبَك! ما فَعلتُه قطّ في وجه رجل إلا ذهب عقلُه.
بين النبي صلى الله عليه وسلم وأبو أيوب الأنصاري والغول بلغني عن محمد بن عبد الله الأسديّ عن سفيان عن ابن أبي ليلى عن أخيه عن عبد الرحمن عن أبي أيوب الأنصاري أنه كان في سَفْرَة له وكانت الغولُ تجيء، فشكاها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إذا رأيتَها فقُل باسم اللِه أجيبي رسولَ الله" فجاءت فقال لها ذلك، فأخذها فقالت: لا أعودة فأرسلها فقال له النبي عليه السلام: "ما فَعل أسيرك" فأخبره؛ فقال: "إنها عائدة" ففعلتْ ذلك مرتين أو ثلاثاً، وقالت في آخرها: أرسِلْني وأعلَمك شيئاً تقوله فلا يضرّك شيء: آيةَ الكرسيّ. فأتى النبي عليه السلام فأخبره؛ فقال: "صَدَقَتْ وهي كذُوبٌ".
بين عمر بن عبد العزيز وعامل عمان في شأن ساحرة حدّثني زيدُ بن أخزَمَ قال: حدثنا عبد الصمد عن همام عن يحيى بن أبي كثير أن عامل عُمَانَ كتب إلى عمرَ بن عبد العزيز: إنا أتِينَا بساحرة فألقيناها في الماء فطَفَتْ؛ فكتب إليه عمرُ لَسْنَا من الماءِ في شيء، إن قامتِ البينةُ وإلا فَخَل عنها.
للنيي صلى الله عليه وسلم حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا ابن جُريج عن ابن أبي الحسين المكي قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "نعِمَتِ الذخْنةُ اللبانُ واللُبانً دُخنةً الأنبياءِ ولن يَدخُلَ بيتاً خن فيه بِلُبَانٍ ساحِر ولا كاهِن".
بين سفيان بن عيينة وأعرابية حدثني عبدالله بن أبي سعيد قال: حدثني عبدالله بن مروان بن معاوية من ولد أسماء بن خارجةَ قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سمعتُ أعرابيةً تقول: من يشتري مني الحَزَأ؟ فقلتُ: وما الحزأ؟ قالت: يشتريه أكايسُ النساء للطَّشة والخافية والإقلاتِ. قال عبد الله: سألتُ ابن مُنَاذِرٍ فقال: الطَّشةُ: شيء يُصيبُ الصبيانَ كالزُّكام. والخافيةُ: الجن. والإقلاتُ: قِلةُ الولد. يريد أن المرأةَ إذا ولدت يموتُ أولادُها فلا يبقى لها ولد؛ يقال: امرأة مِقْلاَت.
بين شيخ من بني نمير وقوم من الجن المسلمين  
بلغني عن شيخ منِ بني نُمير أنه قال: أضْللْت أباعر لي بالشُرَيفِ فخرجتُ في بُغَائِها فذأبْتُ أياماً فأمسيتُ عشيَّةَ بواب مُوحِش وقد كدَدْتُ راحلتي فاختليتُ لها من الشجر وأصبتُ لها من الماء ثم قيَدتُها واضجعتُ مغموماً، فلما جَرى وسَنُ النوم في عيني إذ هَمس قَدمٌ قريباً مني، فانتبهتُ فزِعاً وإذا شيخ يتنحنح وهو يقول: لا رَيْعَة عليك! ثم سلّم وجلس؛ ثم جاء آخر وآخر حتى تألّفوا أربعة فقالوا: ما بك أيها المسلم. فقلت: أضللتُ أباعِرَ لي وأنا في طلبها؛ منذ أيام. فقال لي الأول منهم: كُنّ لك ما كنّ، وقد ودعنَ فبِنّ، وصِرنَ حيث صِرنَ، فلا تتعَنّيَن. فاجترأت على المسألة فقلت: أمِن الخافيةِ أنتم نشدتكم بإلهكم؟. قالوا: نعم وإلهنا إلهكم واحدة فقلت: علموني مما علمكم الله شيئاً أنتفع به. قالوا: إذا أردتَ حِفظَ مالِكَ فاقرأ عليه: "إن رَبكُمُ اللُّه الذِي خَلَقَ السموَاتِ والأرضَ في سِتَةِ أيامٍ ثم اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش" إلى آخر ثلاث الآيات، وآية الكرسي، وإذا أمسيتَ في خَلاءٍ وحمَك فاقرأ المعوَذتين، وإن حببتَ ألا يعبَثَ بك ولا بأهلك وولدك عابثٌ منا فعليك بالديكِ الأبيض؛ واجعل في حجور صبيانك بَرِيماً، يعني خيطاً من صوف أبيض وأسود، واحتَشُوا بالإذخر يُنشر في الصوف. فحدثوني كحديثنا تلك الليلة، فلما أصبحت رجعتُ.
قال المدائنيّ: كانت وفاةُ زِياد بالعَرْفَةِ ظهرتْ في إصبعه، واشتد عليه الوجع فجمع الأطباء فشاورهم في قطع إصبعه، فأشار عليه بعضهم بذلك، وقال له رجل منهم: أتجد الوجعَ، الإصبع أم تجده في قلبك والإصبع؟ قال: في قلبي وفي إصبعي. قال: عِش سليماً ومُتْ سليماً. وأمره أن يَغمِسها في الخّل، فكان ذلك يُخفف عنه بعضَ الوجع، فمكث بذلك سبعة عشر يوماً ثم مات؛ وسَمِع أهل الحبس ليلةَ مات قائلاً يقول: أنا النقادُ فوق الرقْيَة قد كفيتُكم الرجلَ. والعرب تدعو الطاعونَ رماحَ الجن.
للنبي صلى الله عليه وسلم في الطاعون وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم "إنه وَخْزٌ من الجنّ" يعني الطاعونَ. واللهّ أعلم.
صورة ما جاء بخاتمة الجزء الرابع من النسخة الخطية التي نقل عنها الأصل الفتوغرافي تم كتاب الطبائع وهو الكتاب الرابع من عيون الأخبار لابن قتيبة ويتلوه في الكتاب الخامس كتاب العلم.
جاء بعد خاتمة الجزء الرابع من النسخة الخطية التي نقل عنها الأصل الفتوغرافيّ ما يأتي: لسديف مولى بني هاشم يناجي ربه كان سُدَيف مولى بني هاشم يقول: اللهم إنه قد صار فينا دولةً بعد القِسْمة، و"إمارتنا غلبةً بعد المشورة؛ وعهدُنا ميراثاً بعد الاختيار للأمة، واشْتُرِيت الملاهي والمعازف بسهم اليتم والأْرْمَلَة؛ وحَكَمَ في أبشار المسلمين أهلُ الذمة وتولى القيام بأمورهم فاسقُ كل محلة. اللهم وقد استحْصَدَ زرعُ الباطل، وبلغ نُهْيتَه، واستجمعَ طريدهُ، اللهم فافتح له من الحق يداً حاصدة تُبدَد شملَه، وتُفرق نامَته، ليظهر الحق في أحسن صوره، وأتم نُوره. والسلام.
دعاء في التوقي من ظلم السلطان وقيل: كانوا يتوقَون ظُلمَ السلطان إذا دخلوا عليه بأن يقولوا هذا الدعاء: "باسم اللّه، "إني أعوذُ بالرحمنِ منكَ إن كُنْتَ تَقِيًّا"، "اخْسَئُوا فيها ولا تُكَمون"، أخذت سمعك وبَصرَك بسمع الله وبصره، وأخذتُ قوّتكَ بقوة اللهّ، بيني وبينك ستْرُ النبوة الذي كانت الأنبياء تَستتر به من سَطَوات الفراعنة؛ جبريلُ عن يمينك، وميكائيلُ عن شِمالك، ومحمد أمامك، والله مطل عليك يَحجزك مني ويمنعني منك. والسلام".
كتاب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله يعظه وكتب عُمر بنُ عبد العزيز إلى بعض عَمَاله: "أما بعد، فإذا دعتك قدرتُك على الناس إلى ظلمهم، فاذكُرْ قدرةَ اللّه عليك ونَفَادَ ما تأتي إليهم، وبقاءَ ما يأتون إليك. والسلام ".
 
وقَدِم رجلٌ من بعض النواحي فقيل له: كيف تركتَ الناس؟ قال: مظلوماً لا يَنْتَصِر، وظالماً لا ينْتَهَر. والسلام.
شعر في الحبس في الحبس:

ما يدخُلُ السجنَ إنسانٌ فتسألُه

ما بالُ سجنِك إلا قال مظلومُ

وقال بعض المُحَدِثين:

إن الليالي التي شُغِفتُ بهـا

غيبها الدهرُ في تقـلُـبـه

 

شيء بقَلْبِي إلا فُجِعتُ بـه

عرفتُ حظي من الزمان فلا

ألوم خَلْقاً علـى تـجـبـه

وكل سَهْم أعمدتُه وقَـفـتْ

به الليالي حتى رُمِيتُ بـه

بين عبد الملك بن مروان ورجل من الخوارج وحُكي أن عبد الملك بن مروان أتَوْهُ برجل من الخوارج فأراد قتله، فأدخل على عبد الملك ابن له صغير وهو يبكي؛ فقال الخارجي: دعه يا عبدَ الملك، فإن ذلك أرحب لشدقه، وأصح لدماغه، وأذهب لصوته، وأحرى ألاَ تأبى عليه عينه إذا حَفَزَتْهُ طاعةُ الله فاستدعى عَبْرتها. فأعجب عبدُ الملك بقوله وقال له متعجباً: أمَا يشغلك ما أنت فيه عن هذا؟ فقال: ما ينبغي أن يَشغَل المؤمنَ عن قول الحق شيءٌ. فأمر عبدُ الملك بحبسه، وصَفَحَ عن قتله.

    تم كتاب الأخلاق ويليه كتاب العلم والبيان.