ابن قتيبة

عيون الأخبار

 

 

1.    كتاب السلطان

 

محل السلطان وسيرته وسياسته

للنبي صلى الله عليه وسلم في الإمارة

حدّثنا محمد بن خالد بن خداش قال: حدّثنا سلابن قتيبة عن ابن أبي ذئب عن المقبريّ عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ستحرصون على الإمارة ثم تكون حسرةً وندامةً يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة".
حدّثني محمد بن زياد الزيادي قال:حدّثنا عبد العزيز الدّاروردي قال: حدّثنا شريك عن عطاء بن يسار أن رجلاً قال عند النبي: بئس الشيء الإمارة. فقال النبي: "نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقّها وحلها ".
حدّثني زيد بن أخزم الطائي قال: حدّثنا ابن قتيبة قال: حدّثنا أبو المنهال عن عبد العزيز ابن أبي بكرة عن أبيه قال: لما مات كسرى قيل ذلك للنبيّ فقال: "من استخلفوا؟" فقالوا: ابنته بوران، قال: "لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة".

لابن عباس رضي اللّه عنهما

حدّثني زيد بن أخزم قال: حدّثنا وهب بن جرير قال: حدّثنا أبي قال: سمعت أيّوب يحدّث عن عكرمة عن ابن عباس أنه قدم المدينة زمن الحرّة فقال: من استعمل القوم؟ قالوا: على قريش عبد اللّه بن مطيع، وعلى الأنصار عبد اللّه بن حنظلة بن الراهب. فقال: أميران! هلك واللّه القوم.

للحسن عليه السلام

حدّثنا محمد بن عبيد قال: حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن هشام بن حسّان قال: كان الحسن يقول: "أربعة من الإسلام إلى السلطان الحكم والفيء والجمعة والجهاد".

لكعب الأحبار

وحدّثني محمد قال: حدّثنا أبو سلمة عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة قال: قال كعب: "مثل الإسلام والسلطان والناس مثل الفسطاط والعمود والأطناب والأوتاد، فالفسطاط الإسلام، والعمود السلطان، والأطناب والأوتاد الناس، لا يصلح بعضه إلا ببعض".

كلمة لأبي حازم في السلطان

حدّثني سهل بن محمد قال: حدّثني الأصمعيّ قال: قال أبو حازم لسليمان بن عبد الملك: "السلطان سوقٌ فما نفق عنده أتي به".

لابن المقفع

وقرأت في كتاب لابن المقفّع: "الناس على دين السلطان إلا القليل فليكن للبرّ والمروءة عنده نفاقٌ فسيكسد بذلك الفجور والدناءة في آفاق الأرض قرأت فيه أيضاً: "الملك ثلاثة ملك دين وملك حزم وملك هوى، فأما ملك الدين فإنه إذا أقام لأهله دينهم فكان دينهم هو الذي يعطيهم ما لهم ويلحق بهم ما عليهم، أرضاهم ذلك وأنزل الساخط منهم منزلة الراضي في الإقرار والتسليم. وأما ملك الحزم فإنه تقوم به الأمور ولا يسلم من الطعن والتسخّط ولن يضرّه طعن الضعيف مع حزم القوي. وأما ملك الهوى فلعب ساعة ودمار دهر".

للرسول

حدّثني يزيد بن عمرو عن عصمة بن صقير الباهلي قال: حدّثنا إسحاق بن نجيح عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال: قال رسول اللّه: "إن اللّه حرّاساً فحرّاسه في السماء الملائكة وحراسه في الأرض الذين يأخذون الدّيوان".
حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثني سعيد بن سلم الباهلي قال: أخبرني شعبة عن شرقيٍّ عن عكرمة في قول الله عز وجل: "له معقباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه" قال:"الجلاوزة يحفظون الأمراء".
"وقال الشاعر:

ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةً

خليًّا من اسم اللّه والبركات

يعني باسم اللّه، وفيه قول اللّه: "يحفظونه من أمر اللّه" أي بأمر اللّه.
وقرأت في كتاب من كتب الهند: "شرّ المال لا ينفق منه، وشر الأخوان الخاذل، وشر السلطان من خافه البرىء، وشر البلاد ما ليس فيه خصب ولا أمن".
وقرأت فيه: "خير السلطان من أشبه النّسر حول الجيف لا من أشبه الجيفة حولها النسور".
وهذا معنى لطيف وأشبه الأشياء به قول بعضهم: "سلطان تخافه الرعية خير للرعية من سلطان يخافها ".

كلمة في عدل الإمام وجوره

حدّثني شيخ لنا عن أبي الأحوص عن ابن عمّ لأبي وائل عن أبي وائل قال: قال عبد اللّه بن مسعود: "إذا كان الإمام عادلاً فله الأجر وعليك الشكر، وإذا كان جائراً فعليه الوزر وعليك الصبر".

قول عمر بن الخطاب في الفواقر

وأخبرني أيضاً عن أبي قدامة عن عليّ بن زيد قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: "ثلاثٌ من الفواقر: جار مقامةٍ إن رأى حسنة سترهم وإن رأى سيئة أذاعهم، وامرأة إن دخلت عليهم لسنتك وإن غبت عنها لم تأمنها، وسلطان إن أحسنت لم يحمدك وإن أسأت قتلك".

من اليتيمة في منافع السلطان ومضارّه

وقرأت في اليتيمة "مثل قليل مضارٌ السلطان في جنب منافعه مثل الغيث الذي هو سقيا اللّه وبركات السماء وحياة الأرض ومن عليها، وقد يتأذى به السّفر ويتداعى له البنيان وتكون فيه الصواعق وتدرّ سيوله فيهلك الناس والدواب وتموج له البحار فتشتدّ البليّة منه على أهله فلا يمنع الناس، إذا نظروا إلى آثار رحمة اللّه في الأرض التي أحيا والنبات الذي أخرج والرزق الذي بسط والرحمة التي نشر، أن يعظموا نعمة ربهم ويشكروها وبلغوا ذكر خواصّ البلايا التي دخلت على خواصّ الخلق. ومثل الرياح التي يرسلهم اللّه نشرا بين يديّ رحمته فيسوق بهم السحاب ويجعلهم لقاحاً للثمرات و أرواحاً للعباد يتنسمون منها ويتقلبون فيهم، وتجري بهم مياههم، وتقد بها نيرانهم وتسير بهم أفلاكهم. وقد تضرّ بكثير من الناس في برّهم وبحرهم ويخلص ذلك إلى أنفسهم وأموالهم فيشكوها منهم الشاكون ويتأذّى بها المتأذّون ولا يزيلها ذلك عن منزلتها التي جعلها اللّه بهم وأمرها الذي سخرها له من قوام عباده وتمام نعمته. ومثل الشتاء والصيف اللذين جعل اللّه حرّهما وبردهما صلاحاً للحرث والنسل ونتاجاً للحب والثمر، يجمعهم البرد بإذن الّله ويحملها ويخرجها الحرّ باذن اللّه وينضجها مع سائر ما يعرف من منافعها، وقد يكون الأذى والضرّ في حرّهما وبردهما وسمائمهما وزمهريرهما وهما مع ذلك لا ينسبان إلا إلى الخير والصلاح. ومن ذلك الليل الذي جعله اللّه سكناً ولباساً وقد يستوحش له أخو القفر، وينازع فيه ذو البليّة والرّيبة وتعدو فيه السّباع وتنساب فيه الهوامّ ويغتنمه أهل الّسرق والسّلّة، ولا يزري صغير ضرره بكثير نفعه، ولا يلحق به ذمّا ولا يضع عن الناس الحقّ في الشكر اللّه على ما منّ به عليهم منه. ومثل النهار الذي جعله اللّه ضياء ونشوراً وقد يكون على الناس أذى الحرّ في قيظهم وتصبّحهم فيه الحروب والغارات ويكون فيه النّصب والشّخوص وكثير مما يشكوه الناس ويستريحون فيه إلى الليل وسكونه. ولو أن الدنيا كان شيءٌ من سرّائهم يعم عامة أهلهم بغير ضرر على بعضهم وكانت نعماؤهم بغير كدر وميسورها من غير معسور كانت الدنيا إذاً هي الجنة التي لا يشوب مسرتها مكروه ولا فرحها ترحٌ والتي ليس فيهم نصب ولا لغوب، فكل جسيم من أمر الدنيا يكون ضرّه خاصةً فهو نعمةٌ عامة، وكل شيء منه يكون نفعه خاصاً فهو بلاءٌ عام".
وكان يقال: "السلطان والدين أخوان لا يقوم أحدهما إلا بالآخر".

لبعض الملوك

وقرأت في التاج لبعض الملوك: "هموم الناس صغار وهموم الملوك كبار وألباب الملوك مشغولة بكل شيء يجلّ وألباب السّوق مشغولة بأيسرالشيء، فالجاهل منهم يعذر نفسه بدعة ما هو عليه من الرّسلة ولا يعذر سلطانه مع شدّة ما هو فيه من المؤونة، ومن هناك يعزّر اللّه سلطانه ويرشده وينصره".
سمع زياد رجلاً يسب الزمان فقال: "لو كان يدري ما الزمان لعاقبته، إنما الزمان هو السلطان كانت الحكماء تقول: "عدل السلطان أنفع للرعية من خصب الزمان"
وروىالهيثم عن ابن عيّاش عن الشّعبي قال: "أقبل معاوية ذات يوم على بني هاشم فقال: يا بني هاشم، ألاتحدّثوني عن ادعائكم الخلافة دون قريش بم تكون لكم أبالرضا بكم أم بالإجتماع عليكم دون القرابة أم بالقرابة دون الجماعة أم بهما جميعاً؟ فإن كان هذا الأمر بالرضا والجماعة دون القرابة فلا أرى القرابة أثبتت حقاً ولا أسّست ملكاً، وإن كان بالقرابة دون الجماعة والرضا فما منع العباس عمّ النبي ووارثه وساقي الحجيج وضامن الأيتام أن يطلبها وقد ضمن له أبو سفيان بني عبد مناف، وإن كانت الخلافة بالرضا والجماعة والقرابة جميعاً فإن القرابة خصلة من خصال الإمامة لا تكون الإمامة بها وحدها وأنتم تدّعونها بهم وحدها، ولكنا نقول: أحق قريش بهم من بسط الناس أيديهم إليه بالبيعة عليهم ونقلوا أقدامهم إليه الرغبة وطارت إليه أهواؤهم للثقة وقاتل عنها بحقها فأدركها من وجههم. إن أمركم لأمرٌ تضيق به الصدور، إذا سئلتم عمّن اجتمع عليه من غيركم قلتم حقٌّ. فإن كانوا اجتمعوا على حقّ فقد أخرجكم الحقّ من دعواكم. انظروا: فإن كان القوم أخذوا حقكم فاطلبوهم، وإن كانوا أخذوا حقّهم فسّلموا إليهم فإنه لا ينفعكم أن تروا لأنفسكم ما لا يراه الناس لكم. فقال ابن عباس: ندّعي هذا الأمر بحقّ من لولا حقّه لم تقعد مقعدك هذا، ونقول كان ترك الناس أن يرضوا بنا ويجتمعوا عليّنا حقًّا ضيعوه وحظًّا حرموه، وقد اجتمعوا على ذي فضل لم يخطىء الورد والصّدر، ولا ينقص فضل ذي فضلٍ فضل غيره عليه. قال اللّه عز وجل: "ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله"، فأما الذي منعنا من طلب هذا الأمر بعد رسول الله فعهدٌ منه إلينا قبلنا فيه قوله ودنّا بتأويله، ولو أمرنا أن نأخذه على الوجه الذي نهم نا عنه لأخذناه أو أعذرنا فيه، ولا يعاب أحد على ترك حقه إنما المعيب من يطلب ما ليس له، وكل صواب نافع وليس كل خطأ ضارّاً، انتهت القضية إلى داود وسليمان فلم يفهّمهم داود وفهّمهم سليمان ولم يضرّ داود. فأما القرابة فقد نفعت المشرك وهي للمؤمن أنفع، قال رسول اللّه: "أنت عمّي وصنو أبي ومن أبغض العباس فقد أبغضني، وهجرتك آخر الهجرة كما أن نبوّتي آخر النبوّة وقال لأبي طالب عند موته: "يا عم قل لا إله إلا اللّه أشفع لك بهم غداً وليس ذاك لأحد من الناس. قال اللّه تعالى: "وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً".

لكسرى

حدّثنا الرياشيّ عن أحمد بن سلاّم مولى ذفيف عن مولى يزيد بن حاتم عن شيخ له قال: قال كسرى: "لا تنزل ببلد ليس فيه خمسة أشياء: سلطان قاهر، وقاض عادل، وسوق قائمة، وطبيب عالم، ونهرٌ جارٍ".
وحدّثنا الرياشيّ قال: حدّثنا مسلم ابن ابراهيم قال: حدّثنا القاسم بن الفضل قال: حدّثنا ابن اخت العجاج عن العجاج قال: "قال لي أبو هريرة: ممن أنت؟ قال: قلت من أهل العراق. قال: يوشك أن يأتيك بقعان الشأم فيأخذوا صدقتك فإذا أتوك فتلقّهم بهم فإذا دخلوهم فكن في أقاصيهم وخلّ عنهم وعنهم. وإيّاك أن تسبّهم فإنك إن سببتهم ذهب أجرك وأخذوا صدقتك وإن صبرت جاءتك في ميزانك يوم القيامة"، وفي رواية أخرى أنه قال: "إذا أتاك المصدّق فقل: خذ الحق ودع الباطل، فإن أبى فلا تمنعه إذا أقبل فلا تلعنه إذا أدبر فتكون عاصياً خفّف عن ظالم".
وكان يقال: "طاعة السلطان على أربعة أوجه: على الرغبة، والرهبة، والمحبة، والديانة".

كتاب من أردشير إلى جميع الطوائف من رعيته

وقرأت في بعض كتب العجم كتباً لأردشير بن بابك إلى الرعية، نسخته: "من أردشير الموبذ ذي البهاء ملك الملوك ووارث العظماء، إلى الفقهاء الذين هم حملة الدين، والأساورة الذين هم حفظة البيضة، والكتاب الذين هم زينة المملكة، وذوي الحرث الذين هم عمرة البلاد. السلام عليكم، فإنا بحمد اللّه صالحون وقد وضعنا على رعيتنا بفضل رأفتنا إتاوتها الموظّفة عليهم. ونحن مع ذلك كاتبون إليكم بوصية: لا تستشعروا الحقد فيدهمكم العدوّ، ولا تحتكروا فيشملكم القحط، وتزوّجوا في القرابين فإنه أمسّ للرحم وأثبت للنسب، ولا تعدّوا هذه الدنيا شيئاً فإنها لا تبقى على أحد ولا ترفضوها مع ذلك فإن الآخرة لا تنال إلا بها".

نصيحة أرسطاطاليس إلى الاسكندر


وقرأت كتاباً من أرسطاطاليس إلى الاسكندر وفيه: "املك الرعية بالإحسان إليها تظفر بالمحبة منها، فإن طلبك ذلك منهم باحسانك هو أدوم بقاءً منه باعتسافك، واعلم أنك إنما تملك الأبدان فتخطّهم إلى القلوب بالمعروف، واعلم أن الرعية إذا قدرت على أن تقول، قدرت على أن تفعل، فاجهد ألا تقول تسلم من أن تفعل".

كلمة لملك العجم

وقرأت في كتاب الآيين أن بعض ملوك العجم قال في خطبة له: "إني إنما أملك الأجساد لا النيات وأحكم بالعدل لا بالرضا وأفحص عن الاعمال لا عن السرائر".
ونحوه قول العجم: "أسوس الملوك من قاد أبدان الرعية إلى طاعته بقلوبها".
وقالوا: " لا ينبغي للوالي أن يرغب في الكرامة التي ينالهم من العامة كرهاً ولكن في التي يستحقهم بحسن الأثر وصواب الرأي والتدبير".
حدّثنا الرياشيّ عن أحمد بن سلام عن شيخه له قال: "كان أنوشروان إذا ولّى رجلاً أمر الكاتب أن يدع في العهد موضع أربعة أسطر ليوقّع فيه بخطه فإذا أتي بالعهد وقّع فيه: سس خيار الناس بالمحبة وامزج للعامة الرغبة بالرهبة وسس سفلة الناس بالإخافة".
قال المدائني: "قدم قادم على معاوية بن أبي سفيان فقال له معاوية: هل من مغرّبة خبر؟ قال: نعم، نزلت بماء من مياه الأعراب فبينا أنا عليه إذ أورد أعرابي إبله فلما شربت ضرب على جنوبهم وقال عليك زياداً. فقلت له: ما أردت بهذا؟ قال: هي سدًى، ما قام لي بهم راعٍ مذ ولي زياد. فسرّ ذلك معاوية وكتب به إلى زياد".

كلمة لعبد الملك بن مروان

قال عبد الملك بن مروان: "أنصفونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر! ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرة رعية أبي بكر وعمر! نسأل اللّه أن يعين كلاً على كل".

لعمر بن الخطاب ولابن عبد العزيز

قال عمر بن الخطاب: "إن هذا الأمر لا يصلح له إلا اللّين في غير ضعف والقويّ في غير عنف".
وقال عمر بن عبد العزيز: "إني لأجمع أن أخرج للمسلمين أمراً من العدل فأخاف أن لا تحتمله قلوبهم فأخرج معه طمعاً من طمع الدنيا، فإن فرت القلوب من هذا سكنت إلى هذا".

لمعاوية في سياسة الرغبة

قال معاوية: "لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرةً ما انقطعت. قيل: وكيف ذاك؟ قال: كنت إذا مدّوها خلّيتها وإذا خلّوها مددتهم".

للشعبي وعمر في معاوية

ونحو هذا قول الشّعبي فيه: "كان معاوية كالجمل الطّبّ، إذا سكت عنه تقدّم وإذا ردّ تأخروقول عمر فيه: "احذروا آدم قريش وابن كريمهم ، من لا ينام إلا على الرضا ويضحك في الغضب ويأخذ ما فوقه من تحته".
وأغلظ له رجل فحلم عنه فقيل له: أتحلم عن هذا؟ فقال: "إني لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا".
كان يقال: "لا سلطان إلا برجال ولا رجال إلا بمال ولا مال إلا بعمارة ولا عمارة إلا بعدل وحسن سياسة".
قال زياد: "أحسنوا إلى المزارعين فإنكم لا تزالون سماناً ما سمنوا".

كتاب الحجاج إلى الوليد بن عبد الملك يشرح له سيرته

وكتب الوليد إلى الحجاج يأمره أن يكتب إليه بسيرته فكتب إليه: "إني أيقظت رأيي وأنمت هواي، فأدنيت السيد المطاع في قومه، ووليت الحرب الحازم في أمره، وقلّدت الخراج الموفرّ لأمانته، وقسمت لكل خصم من نفسي قسماً يعطيه حظّاً من نظري ولطيف عنايتي، وصرفت السيف إلى النّطف المسيء، والثواب إلى المحسن البريء فخاف المريب صولة العقاب، وتمسك المحسن بحظه من الثواب".
وكان يقول لأهل الشام: "إنما أنا لكم كالظّليم الرائح عن فرخه: ينفي عنها القذر ويباعد عنها الحجر ويكنّها من المطر ويحميها من الضّباب ويحرسها من الذئاب. يا أهل الشأم أنتم الجنّة والرداء وأنتم العدّة والحذاء".

رد معاوية على سليم مولى زياد

فخر سليم مولى زياد بزياد عند معاوية فقال معاوية: "اسكت ما أدرك صاحبك شيئاً قطّ بسيفه إلا وقد أدركت أكثر منه بلساني".

تعريف عبد الملك للسياسة

وقال الوليد لعبد الملك: يا أبت ما السياسة؟ قال: "هيبة الخاصّة مع صدق مودّتها واقتياد قلوب العامة بالإنصاف لها واحتمال هفوات الصّنائع".
وفي كتب العجم: "قلوب الرعية خزائن ملوكهم فما أودعتهم من شيء فلتعلم أنه فيها".
ووصف بعض الملوك سياسته فقال: "لم أهزل في وعد ولا وعيد ولا أمر ولا نهي ولا عاقبت للغضب واستكفيت على الجزاء وأثبت على العناء لا الهوى، وأودعت القول هيبة لم يشبهم مقت وودّا لم تشبه جرأة وعمّمت بالقوت ومنعت الفضول".

وصية أبرويز لابنه شيرويه

وقرأت في كتاب التاج: قال أبرويز لابنه شيرويه وهو في حبسه: "لا توسعنّ على جندك فيستغنوا عنك ولا تضيقنّ عليهم فيضجّوا منك، أعطهم عطاء قصداً وامنعهم منعاً جميلاً ووسّع عليهم في الرجاء ولا توسّع عليهم في العطاء".
ونحوه قول المنصور في مجلسه لقوّاده: صدق الأعرابي حيث يقول: أجع كلبك يتبعك. فقام أبو العباس الطّوسي فقال: يا أمير المؤمنين أخشى أن يلوّح له غيرك برغيف فيتبعه ويدعك.

وصية عمر للأشعري

وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعريّ: "أما بعد، فإن للناس نفرة عن سلطانهم فأعوذ باللّه أن تدركني وإياك عمياء مجهولة وضغائن محمولة، أقم الحدود ولو ساعة من نهار، وإذا عرض لك أمران: أحدهما اللّه، والآخر للدينا فآثر نصيبك من اللّه فإن الدنيا تنفد والآخرة تبقى، وأخيفوا الفسّاق وأجعلوهم يداً يداً ورجلاً رجلاً، وعد مرضى المسلمين واشهد جنائزهم وافتح لهم بابك وباشر أمورهم بنفسك فإنما أنت رجل منهم غير أن اللّه جعلك أثقلهم حملاً، وقد بلغني أنه قد فشا لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك ليس للمسلمين مثلهم ، فإياك يا عبد اللّه أن تكون بمنزلة البهيمة مرّت بوادٍ خصيب فلم يكن لهم همٌّ إلا السّمن وإنما حتفهم في السمن، واعلم أن العامل إذا زاغ زاغت رعيّته، وأشقى الناس من شقي الناس به، والسلام".

لعبد اللّه بن زبير في معاوية

هشام بن عروة قال: "صلى يوماً عبد اللّه بن الزبير فوجم بعد الصلاة ساعة فقال الناس: لقد حدّث نفسه. ثم التفت إلينا فقال: لا يبعدنّ ابن هند! إن كانت فيه لمخارج لا نجدهم في أحد بعده أبدا. واللّه إن كنا لنفرّقه وما الليث الحرب على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا. وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلةٍ من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا، واللّه لوددت أنّا متّعنا به ما دام في هذا حجر - وأشار إلى قبيس - لا يتخوّن له عقل ولا تنتقص له قوّة. قلنا: أوحش واللّه الرجل. قال: وكان يصل بهذا الحديث: وكان واللّه كما كان العذري:

ركوب المنابر وثّابهـم

معنٌّ بخطبته مجهـر

نريع إليه هوادي الكلام

إذا خطل النثر المهمر

حدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: حدّثنا جد سران، وسران عمّ الأصمعيّ قال: "كلم الناس عبد الرحمن بن عوف أن يكلم عمر بن الخطاب في أن يلين لهم فإنه قد أخافهم حتى إنه قد أخاف الأبكار في خدورهنّ. فقال عمر: إني لا أجد لهم إلا ذلك، إنهم لو يعلمون ما لهم عندي لأخذوا ثوبي من عاتقي".
قال: وتقدمت إليه امرأة فقالت: "يا أبا عقر حفص، اللّه لك. فقال: ما لك أعقرت؟ أي دهشت، فقالت: صلعت فرقتك.
قال أشجع السلميّ في إبراهيم بن عثمان:

لا يصلح السـلـطـان إلا شـدّةٌ

تغشى البريء بفضل ذنب المجرم

ومن الولاة مـقـحّـمٌ لا يتّـقـى

والسيف تقطر شفرتاه من الـدم

منعت مهم بتكن النفوس حديثهـم

بالأمر تكرهه وإن لـم تـعـلـم

كان يقال: "شر الأمراء أبعدهم من القرّاء، وشر القرّاء أقربهم من الأمراء".
كتب عامل لعمر بن عبد العزيز على حمص إلى عمر: "إن مدينة حمص قد تهدّم حصنهم ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في إصلاحهفكتب إليه عمر: "أمّا بعد، فحصّنهم بالعدل، والسلام".

لأعرابي في أميرٍ عادل

ذكر أعرابي أميراً فقال: "كان إذا ولي لم يطابق بين جفونه وأرسل العيون على عيونه، فهو غائب عنهم شاهد معهم، فالمحسن راج والمسيء خائف".

كلمة لجعفر بن يحيى

كان جعفر بن يحيى يقول: "الخراج عمود الملك وما استغزر بمثل العدل ولا استنزر بمثل الظلم".

وصية أردشير لابنه


وفي كتاب من كتب العجم أن أردشير قال لابنه: "يا بني، إن الملك والدين أخوان لا غنى بأحدهما عن الآخر، فالدين أسٌّ والملك حارس، وما لم يكن له أسّ فمهدوم وما لم يكن له حارس فضائع. يا بني، اجعل حديثك مع أهل المراتب وعطيتك لأهل الجهاد وبشرك لأهل الدين وسرّك لمن عناه ما عناك من أرباب العقول".
وكان يقال: "مهما كان في الملك فلا ينبغي أن تكون فيه خصال خمس: لا ينبغي أن يكون كذاباً فإنه إذا كان كذاباً فوعد خيراً لم يرج أو أوعد بشرٍّ لم يخف، ولا ينبغي أن يكون بخيلاً فإنه إن كان بخيلاً لم يناصحه أحد ولا تصلح الولاية إلا بالمناصحة، ولا ينبغي أن يكون حديداً فإنه إذا كان حديداً مع القدرة هلكت الرعية، ولا ينبغي أن يكون حسوداً فإنه إذا كان حسوداً لم يشرّف أحداً ولا يصلح الناس إلا على أشرافهم، ولا ينبغي أن يكون جباناً فإنه إذا كان جباناً ضاعت ثغوره واجترأ عليه عدوه".

كلمة معاوية لابنة عثمان

وقدم معاوية المدينة فدخل دار عثمان فقالت عائشة بنت عثمان: واأبتاه، وبكت. فقال معاوية: "يا ابنة أخي إنّ الناس أعطونا طاعة وأعطيناهم أماناً، وأظهرنا لهم حلماً تحته غضب وأظهروا لنا طاعة تحتهم حقد ومع كل إنسان سيفه وهو يرى مكان أنصاره، فإن نكثنا بهم نكثوا بنا ولا ندري أعليّنا تكون أم لنا،ولأن تكوني بنت عمّ أمير المؤمنين خيرٌ من أن تكوني آمرأة من عرض المسلمين

من عبد اللّه بن عباس إلى الحسن بن عليّ

كتب عبد اللّه بن عباس إلى الحسن بن عليّ:" إنّ المسلمين ولّوك أمرهم بعد عليّ فشمّر للحرب وجاهد عدوك ودار أصحابك وآشتر من الظّنين دينه بما لا يثلم دينك، وولّ أهل البيوتات والشرف تستصلح بهم عشائرهم حتى تكون الجماعة، فإن بعض ما يكره الناس، ما لم يتعدّ الحق وكانت عواقبه تؤدي إلى ظهور العدل وعز الدين، خيرٌ من كثير مما يحبون إذا كانت عواقبه تدعو إلى ظهور الجور ووهن الدين".
حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأعمش عن إبراهيم قال:"كان عمر إذا قدم عليه الوفد سألهم عن حالهم وأسعارهم وعمن يعرف من أهل البلاد وعن أميرهم هل يدخل عليه الضعيف؟ وهل يعود المريض؟ فإن قالوا نعم، حمد اللّه تعالى، وإن قالوا لا، كتب إليه أقبل".

اختيار العمال

وصية أبو بكر الصديق عند وفاته

روي أن بكر الصديق رضي اللّه عنه لمّا حضرته الوفاة كتب عهداً فيه: "بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الّله عند آخر عهده بالدنيا وأوّل عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيهم الكافر ويتّقي فيهم الفاجر: إني استعملت عمر بن الخطاب فإن برّ وعدل فذلك علمي به، وإن جار وبدّل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت، ولكل امرىء ما اكتسب "وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون".

من وصايا أبرويز إلى ابنه شيرويه

وفي التاج أن أبرويز كتب إلى ابنه شيرويه من الحبس: "ليكن من تختاره لولايتك آمرأ كان في ضعة فرفعته، أوذا شرف وجدته مهتضماً فأصطنعته، ولاتجعله آمرأ أصبته بعقوبة فآتّضع عنهم ولا أطاعك بعد ما اذللته ولا أحداً ممن يقع في خلدك أن إزالة سلطانك أحبّ له من ثبوته،وإياك أن تستعمله ضرعاً غمراً كثر إعجابه بنفسه وقلت تجاربه في غيره، ولا كبيراً مدبراً قد أخذ الدهر من عقله كما اخذت السنّ من جسمه

شعر للقيط

وقال لقيط في هذا المعنى:

فقّـلـدوا أمـركـم الـلّـه درّكـم

رحب الذراع بامر الحرب مضطلعاً

لا مترفا إن رخاء العيش سـاعـده

ولا إذا عضّ مكروهٌ به خـشـعـا

ما زال يحلب درّالدهـر أشـطـره

يكون متّبعـاً يومـاً ومـتّـبـعـا

حتى آستمرّت على شزرٍ مريريتـه

مستحكم السنّ لا فخماً ولا ضرعـاً

من الأمثال في الرجل المجرّب

و يقال في مثل: "رأي الشيخ خير من مشهد الغلام ومن أمثال العرب أيضاًفي المجرّب: "العوان لا تعلّم الخمرة

لبعض الخلفاء في الربيع بن زياد

قال بعض الخلفاء: دلوني على رجل أستعمله على أمر قد أهمّني. قالوا: كيف تريده؟ قال: "إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم قالوا: لا نعلمه إلا الربيع بن زياد الحارثي. قال: صدقتكم، هو لها. عبد الرحمن بن عبيد التميمي صاحب شرطة الحجاج

و روى الهيثم عن مجالد عن الشّعبي قال: قال الحجاج: دلوني على رجل للشّرط. فقيل: أيّ الرجال تريد؟ فقال: "أريده دائم العبوس طويل الجلوس سمين الأمانة أعجف الخيانة لا يخفق في الحق على جرّةٍ يهون عليه سبال الإشراف في الشفاعة فقيل له: عليك بعبد الرحمن بن عبيد التميمي. فأرسل إليه يستعمله، فقال له: لست أقبلهم إلا أن تكنفيني عيالك وولدك وحاشيتك. قال: يا غلام، ناد في الناس: من طلب إليه منهم حاجة فقد برئت منه الذمة. قال الشعبي: فواللّه ما رأيت صاحب شرطة قطّ مثله، كان لا يحبس إلا في دين، وكان إذا أتي برجل قد نقب على قوم وضع منقبته في بطنه حتى تخرج من ظهره، وإذا أتي بنبّاش حفر له قبراً فدفنه فيه، وإذا أتي برجل قاتل بحديدة اوشهر سلاحاً قطع يده، وإذا اتي برجل قدأحرق على قوم منزلهم أحرقه، وإذا أتي برجل يشكّ فيه وقد قيل إنه لص ولم يكن منه شيء ضربه ثلاثمائة سوط. قال: فكان ربما أقام أربعين ليلة لا يؤتى بأحد فضم إليه الحجاج شرطة البصرة مع شرطة الكوفة.

نصيحة أبرويز إلى ابنه شيرويه

وقرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه: "انتخب لخراجك أحد ثلاثة: إما رجلاً يظهر زهداً في المال ويدّعي ورعاً في الدين فإنّ من كان كذلك عدل على الضعيف وأنصف من الشريف ووفّر الخراج وأجتهد في العمارة، فإن هو لم يرع ولم يعفّ إبقاء على دينه ونظراً لأمانته كان حريّاً أن يخون قليلاً ويوفّر كثيراً آستسراراً بالرياء واكتتاماً بالخيانة، فإن ظهرت على ذلك منه عاقبته على ماخان ولم تحمده على ما وفّر، وإن هو جلّح في الخيانة وبارز بالرياء نكّلت به في العذاب واستنظفت ماله مع الحبس. أو رجلاً عالماً بالخراج غنياً في المال مأموناً في العقل فيدعوه علمه بالخراج إلى الاقتصاد في الحلب والعمارة للأرضين والرفق بالرعية، ويدعوه غناه إلى العفة ويدعوه عقله إلى الرغبة فيما ينفعه والرهبة مما يضره. أو رجلاً عالماً بالخراج مأموناً بالأمانة مقتراً من المال فتوسّع عليه في الرزق فيغتنم لحاجته الرزق ويستكنثر لفاقته اليسير، ويزجي بعلمه الخراج، ويعفّ بأمانته عن الخيانة".

عمر بن عبد العزيز وأهل العذر

استشار عمر بن عبد العزيز في قوم يستعملهم، فقال له بعض أصحابه: عليك بأهل العذر. قال: ومن هم؟ قال: الذين إن عدلوا فهو ما رجوت منهم، وإن قصّروا قال الناس: قد اجتهد عمر.

حديث عدي بن ارطأة مع إياس بن معاوية

فيمن يصلح للولاية من القراء

قال عدي بت أرطاة لإياس بن معاوية: دلّني على قوم من القراء أولّهم. فقال له: القرّاء ضربان: فضرب يعملون للآخرة ولا يعملون لك، وضرب يعملون للدّنيا فما ظنّك بهم إذا أنت ولّيتهم فمكّنتهم منهم ؟ قال: فما أصنع؟ قال: عليك بأهل البيوتات الذين يستحيون لأحسابهم فولّهم.

بين الرشيد ورجل أراد توليته القضاء

أحضر الرشيد رجلاً ليولّيه القضاء فقال له: إني لا أحسن القضاء ولا أنا فقيه.قال الرشيد: فيك ثلاث خلال: لك شرف والشرف يمنع صاحبه من الدناءة. ولك حلم يمنعك من العجلة، ومن لم يعجل قلّ خطؤه. وأنت رجل تشاور في أمرك ومن شاور كثر صوابه، وأما الفقه فسينضم إليك من تتفقّه به. فولي ماوجدوا فيه مطعناً.

حديث عمر بن هبيرة مع إياس بن معاوية

حين أراد ابن هبيرة توليته

حدّثني سهل بن محمد قال:حدّثنا الأصمعيّ قال: حدّثني صالح بن رستم أبو عامر الخزّار قال: قال لي إياس بن معاوية المزنيّ: أرسل إليّ عمر بن هبيرة فأتيته فساكتني فسكتّ، فلما أطلت قال: إيهٍ. قلت: سل عما بدا لك. قال: أتقرأ القرآن؟ قلت نعم. قال: هل تفرض الفرائض؟ قلت نعم. قال:فهل تعرف من أيام العرب شيئاً؟ قلت نعم. قال: فهل تعرف من أيام العجم شيئاً؟ قلت: أنا بهم أعلم. قال: إني أريد أن أستعين بك. قلت: إن فيّ ثلاثاً لا أصلح معهن للعمل. قال: ماهن؟ قلت: أنا دميم كما ترى، وأنا حديد، وأنا عيٌّ. قال: أما الدمامة فإني لا اريد أن أحاسن بك الناس، وأمّا العيّ فإني أراك تعبر عن نفسك، وأمّا سوء الخلق فيقوّمك السوط. قم، قد وليتك. قال: فولاني وأعطاني ألفي درهم فهما أول مال تموّلته.

من كتاب للهند في السلطان الحازم


قرأت في كتاب للهند: "السلطان الحازم ربما أحب الرجل فأقصاه وآطّرحه مخافة ضره، فعل الذي تلسع الحية إصبعه فيقطعهم لئلا ينتشر سمّها في جسده، وربما أبغض الرجل فأكره نفسه على توليته وتقريبه لغناء يجده عنده كنكاره المرء على الدواء البشع لنفعه".

كلمة للمأمون في مدح الرجال

حدّثني المعلّى بن أيوب قال: سمعت المأمون يقول: "من مدح لنا رجلاً فقد تضمّن عيبه".

باب صحبة السلطان وآدابهم وتغير السلطان وتلوّنه

وصية العباس لابنه عبد اللّه

حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا أبو أسامة عن مجالد الشّعبي عن عبد اللّه بن عباس قال: قال لي أبي: "يا بنيّ إني أرى أمير المؤمنين يستخليك ويستشيرك ويقدّمك على الأكابر من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وإني أوصيك بخلال أربع: لا تفشينّ له سرّاً، ولا يجرّبنّ عليك كذباً، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا تطو عنه نصيحةقال الشّعبي: قلت لابن عباس: كل واحد خير من الف. إي واللّه ومن عشرة آلاف.
كان يقال: "إذا جعلك السلطان أخا فاجعله أبا، وإن زادك فزده".

نصيحة زياد لابنه

قال زياد لابنه: "إذا دخلت على أمير المؤمنين فادع له ثم اصفح صفحاً جميلاً، ولا يرينّ منك تهلكاً عليه ولا انقباضاً عنه".

كلمة لمسلم بن عمرو في خدمة السلطان

قال مسلم بن عمرو: "ينبغي لمن خدم السلطان ألا يغترّ بهم إذا رضوا عنه ولا يتغير لهم إذا سخطوا عليه ولا يستثقل ما حمّلوه ولا يلحف في مسالتّهم".

من كتاب للهند في صحبة السلطان ولزوم بابه

وقرأت في كتاب للهند: "صحبة السلطان على ما فيهم من العز والثروة عظيمة الخطار، وإنما تشبّه بالجبل الوعر فيه الثمار الطيبة والسباع العادية، فالارتقاء إليه شديد والمقام فيه أشدّ، وليس يتكافأ خير السلطان وشره لأنّ خير السلطان لا يعدو مزيد الحال، وشر السلطان قد يزيل الحال ويتلف النفوس التي لها طلب المزيد، ولا خير في الشيء الذي سلامته مال وجاه وفي نكبته الجائحة والتلف".
وقرأت فيه: "من لزم باب السلطان بصبر جميل وكظم للغيظ واطّرح للأنفة، وصل إلى حاجته".
وقرأت فيه: "السلطان لا يتوخى بكرامته الأفضل فالأفضل ولكن الأدنى فالأدنى كالكرم لا يتعلق بأكرم الشجر ولكن بأدناهم منه".

كلام العرب

وكانت العرب تقول: "إذا لم تكن من قربان الأمير فكن من بعدانه".

لابن المقفع في صحبة السلطان

وقرأت في آداب ابن المقفع: "لا تكوننّ صحبتك للسلطان إلا بعد رياضة منك لنفسك عن طاعتهم في المكروه عندك وموافقتهم فيما خالفك وتقدير الأمور على أهوائهم دون هواك، فإن كنت حافظاً إذا ولّوك، حذراً إذا قرّبوك، أميناً إذا ائتمنوك، تعلمهم وكأنك تتعلم منهم، وتؤدبهم وكأنك تتأدب بهم، وتشكر لهم ولا تكلفهم الشكر، ذليلاً إن صرموك، راضياً إن أسخطوك، وإلا فالبعد منهم كلّ البعد والحذر منهم كلّ الحذر. وإن وجدت عن السلطان وصحبته غنًى فاستغن به فإنه من يخدم السلطان بحقّه يحل بينه وبين لذة الدنيا وعمل الآخرة، ومن يخدمه بغير حقه يحتمل الفضيحة في الدنيا والوزر في الآخرة".
وقال: "إذا صبحت السلطان فعليك بطول الملازمة في غير طول المعاتبة، وإذا نزلت منه منزلة الثقة فاعزل عنه كلام الملق ولا تكنثرن له في الدعاء إلا أن تكنلمه على رؤوس الناس ولا يكوننّ طلبك ما عنده بالمسألة ولا تستبطئنّه إن أبطأ. اطلبه بالاستحقاق ولا تخبرنه أن لك عليه حقاً وأنك تعتدّ عليه ببلاء. وإن استطعت ألا ينسى حقّك وبلاءك بتجديد النصح والاجتهم فافعل. ولا تعطينه المجهود كله في أوّل صحبتك له فلا تجد موضعاً للمزيد ولكن دع للمزيد موضعاً. وإذا سأل غيرك فلا تكن المجيب. واعلم أن استلابك للكلام خفةٌ بك واستخفاف منك بالسائل والمسؤول، فما أنت قائل إن قال لك السائل: ما إياك سألت، وقال لك المسؤول: اجب أيهم المعجب بنفسه المستخفّ بسلطانه؟ وقال: "مثل صاحب السلطان مثل راكب الأسد يهم به الناس وهو لمركبه أهيب".

نصيحة عبد الملك بن صالح المؤدب ولده


وقال عبد الملك بن صالح لمؤدّب ولده بعد أن اختصه لمجالسته وحادثته: "كن على التماس الحظ بالسكوت أحرص منك على التماسه بالكلام فإنهم قالوا: إذا أعجبك الكلام فاصمت وإذا اعجبك الصمت فتكنلم. يا عبد الرحمن لا تساعدني على ما يقبح بي ولا تردّنّ عليّ الخطأ في مجلسي، ولا تكلّفني جواب التشميت والتّهنئة ولا جواب السؤال والتعزية، ودع عنك كيف أصبح الأمير وأمسى. وكلّمني بقدر ما استنطقتك واجعل بدل التقريظ لي حسن الاستماع مني، واعلم أن صواب الاستماع أقل من صواب القول، وإذا سمعتني أتحدّث فأرني فهمك في طرفك وتوقّفك ولا تجهد نفسك في تطرية صوابي، ولا تستدع الزيادة من كلامي بما تظهر من استحسان ما يكون مني، فمن أسوأ حالاً ممن يستكدّ الملوك بالباطل فيدلّ على تهاونه، وما ظنك بالملك وقد أحلّك محلّ المعجب بما تسمع منه وقد أحللته محل من لا يسمع منه؟ وأقل من هذا يحبط إحسانك ويسقط حقّ حرمةٍ إن كانت لك. إني جعلتك مؤدّباً بعد أن كنت معلّماً وجعلتك جليساً مقرّباً بعد أن كنت مع الصبيان مباعداً ومتى لم تعرف نقصان ما خرجت منه لم تعرف رجحان ما دخلت فيه، ومن لم يعرف سوء ما يولّى لم يعرف حسن ما يبلى".

بين أبي مسلم الخراساني والسفاح

دخل أبو مسلم على أبي العباس وعنده أبو جعفر فسلّم على أبي العباس فقال له: يا أبا مسلم، هذا أبو جعفر! فقال: يا أمير المؤمنين، هذا موضع لا يقضى فيه إلا حقك.

للفضل بن الربيع في مسألة الملوك

قال الفضل بن الربيع: "مسألة الملوك عن أحوالهم من تحيات النّوكى، فإذا أردت أن تقول: كيف أصبح الأمير، فقل: صبّح اللّه الأمير بالكرامة. وإذا أردت أن تقول: كيف يجد الأمير نفسه، فقل: أنزل اللّه على الأمير الشفاء والرحمة، فإن المسألة توجب الجواب، فإن لم يجبك اشتدّ عليك وإن اجابك اشتدّ عليه".

لابن المقفع في ما يجب سلوكه مع السلطان

وقرأت في آداب ابن المقفع: "جانب المسخوط عليه والظّنين عند السلطان ولا يجمعنك وإياه مجلس ولا منزل ولا تظهران له عذراً ولا تثن عليه عند أحد، فإذا رأيته قد بلغ في الانتقام ما ترجو أن يلين بعده فاعمل في رضاه عنك برفق وتلطّف، ولا تسارّ في مجلس السلطان أحداً، ولا تومىء إليه بجفنك وعينك فإن السّرار يخيّل إلى كل من رآه من ذي سلطان وغيره أنه المراد به، وإذا كلّمك فاصغ إلى كلامه ولا تشغل طرفك عنه بنظر ولا قلبك بحديث نفس".

من كتاب الهند في آداب الوزير مع السلطان

وقرأت في كتاب للهند أنه أهدي لملك الهند ثياب وحلي، فدعا بامرأتين له وخيّر أحظاهما عنده بين اللباس والحلية، وكان وزيره حاضراً، فنظرت المرأة إليه كالمستشيرة له فغمزها باللباس تغضيناً بعينه، ولحظه الملك، فاختارت الحلية لئلا يفطن للغمزة، ومكث الوزير أربعين سنة كاسراً عينه لئلا تقرّ تلك في نفس الملك وليظنّ أنه عادة أو خلقة، وصار اللباس للأخرى فلما حضرت الملك الوفاة قال لولده: توصّ بالوزير خيراً فإنه اعتذر من شيء يسير أربعين سنة.

لشبيب بن شيبة فيمن يخدم السلطان

قال شبيب بن شيبة: "ينبغي لمن ساير خليفة أن يكون بالموضع الذي إذا أراد الخليفة أن يسأله عن شيء لم يحتج إلى أن يلتفت، ويكون من ناحية إن التفت لم تستقبله الشمس. وإن سار بين يديه أن يحيد عن سنن الريح التي تؤدّي الغبار إلى وجهه".

نصيحة ناسك لآخر

قال رجل من النساك لآخر: "إن ابتليت بأن تدخل إلى السلطان مع الناس فأخذوا في الثناء فعليك بالدعاء".

بين المأمون ويحيى بن أكثم

قال ثمامة: كان يحيى بن أكثم يماشي المأمون يوماً في بستان موسى والشمس عن يسار يحيى والمأمون في الظل وقد وضع يده على عاتق يحيى وهما يتحادثان حتى بلغ حيث أراد ثم كرّ راجعاً في الطريق التي بدأ فيهم فقال ليحيى: كانت الشمس عليك لأنك كنت على يساري وقد نالت منك فكن الآن حيث كنت وأتحوّل أنا حيث كنت. فقال يحيى: واللّه يا أمير المؤمنين لو أمكنني أن أقيك هول المطلع بنفسي لفعلت. فقال المأمون: لا واللّه لابدٌّ من أن تأخذ الشمس مني مثل ما أخذت منك. فتحوّل يحيى وأخذ من الظل مثل الذي أخذ منه المأمون.
وقال المأمون: "أوّل العدل أن يعدل الرجل على بطانته ثم على الذين يلونهم حتى يبلغ العدل الطبقة السفلى".للأحنف في الانقباض على السلطان

المدئني قال: قال الأحنف: "لا تنقبضوا عن السلطان ولا تهالكوا عليه فإنه من أشرف للسلطان أذراه، ومن تضرّع له أحظاه".

لحذيفة بن اليمان في التعرض لسلطان اللّه في الأرض

حدّثني يزيد بن عمرو وقال: حدّثني محمد بن عمرو الرومي قال: حدّثنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع، قال: قال حذيفة بن اليمان: "ما مشى قوم قطّ إلى سلطان اللّه في الأرض ليذلّوه إلا أذلّهم اللّه قبل أن يموتوا".

لهشام بن عبد الملك في صحبة السلطان

؟؟؟وفي أخبار خالد بن صفوان أنه قال: دخلت على هشام بن عبد الملك فاستدناني حتى كنت أقرب الناس منه فتنفّس ثم قال: يا خالد، لربّ خالدٍ قعد مقعدك هذا أشهى إليّ حديثاً منك. فعلمت أنه يعني خالد بن عبد اللّه. فقلت: يا أمير المؤمنين، أفلا تعيده؟ فقال: إن خالداً أدلّ فأملّ وأوجف فأعجف ولم يدع لراجع مرجعاً، على أنه ما سألني حاجة. فقلت: يا أمير المؤمنين، ذاك أحرى. فقال: هيهات.

إذا لنصرفت نفسي عن الشيء لم تكن

إليه بوجهٍ آخر الـدهـر تـقـبـل

بين منكة الهندي ويحيى بن خالد البرمكي

حدّثنا الفضل بن محمد بن منصور بمعنى هذا الحديث، وببعضه نهيك: اعتل يحيى بن خالد فبعث إلى منكة الهندي فقال له: ما ترى في هذه العلة؟ فقال منكة: داؤك كبير ودواؤه يسير وأيسر منه الشكر. وكان متفنناً. فقال له يحيى: ربما ثقل على السمع خطرة الحقّ به، فإذا كان ذلك كانت الهجرة له ألزم من المفاوضة فيه. قال منكة: صدقت ولكني أرى في الطوالع أثراً والأمد فيه قريب وأنت قسيم في المعرفة وقد نبهت، وربما تكون صورة الحركة للكوكب عقيمة ليست بذات نتاج ولكن الأخذ بالحزم أوفر حظ الطالبين. قال يحيى: للأمور منصرف إلى العواقب وما حتم لا بد من أن يقع، والمنعة بمسالمة الأيام نهزة فاقصد لما دعوتك له من هذا الأثر الموجود بالمزاج. قال منكة: هي الصفراء مازجتهم مائيةٌ من البلغم فحدّث لهم بذلك ما يحدّث اللّهب عند مماسّته رطوبة المادة من الاشتعال فخذ ماء رمّانتين فدقّهما بإهليلجة سوداء تنهضك مجلساً أو مجلسين وتسكّن ذلك التوقد الذي تجد إن شاء اللّه.
فلما كان من حديثهم الذي كان، تلّطف منكة حتى دخل على يحيى في الحبس فوجده جالساً على لبد ووجد الفضل بين يديه يمهن أي يخدم، فاستعبر منكة وقال: قد كنت ناديت لو أعرت الإجابة. قال له يحيى: أتراك علمت من ذلك شيئاً جهلته؟ كلا ولكنه كان الرجاء للسلامة بالبراءة من الذنب أغلب من الشّفق وكان مزايلة القدر الخطير عبئاً قلّما تنهض به الهمة. وبعد فقد كانت نعمٌ أرجو أن يكون أوّلهم شكراً وآخرهم أجراً. فما تقول في هذا الداء؟ قال له منكة: ما أرى له دواء أنجع من الصبر، ولو كان يفدي بمال أو مفارقة عضو كان ذلك مما يجب لك. قال يحيى: قد شكرت لك ما ذكرت فإن أمكنك تعهدنا فافعل. قال منكة: لو أمكنني تخليف الروح عندك ما بخلت بذلك، فإنما كانت الأيام تحسن لي بسلامتك. قال الفضل كان يحيى يقول: دخلنا في الدنيا دخولاً أخرجنا منهم .

من كتاب الهند في قلة وفاء السلطان لأصحابه

وقرأت في كتاب للهند: "إنما مثل السلطان في قلة وفائه للأصحاب وسخاء نفسه عمن فقد منهم مثل البغيّ والمكتّب، كلما ذهب واحد جاء بآخر".

للعرب في وصف السلطان

والعرب تقول: "السلطان ذو عدوانٍ وذو بدوانٍ وذو تدرٍأ"، يريدون أنه سريع الإنصراف كثير البدوات هجومٌ على الأمور".

لأبي مسلم الخرساني في أن المعرفة لا تقدر

على دفع المقدّر المحتوم


قال معاذ بن مسلم: رأيت أبا جعفر وأبا مسلم دخلا الكعبة فنزع أبو جعفر نعله فلما أراد الخروج قال: يا عبد الرحمن، هم ت نعليّ. فجاء بهم ، فقال: يا معاذ ضعهم في رجلي. فألبسته إياهم فحقد ذلك أبو مسلم. ووجّه أبو جعفر يقطين بن موسى إلى أبي مسلم لإحصاء الأموال فقال أبو مسلم: أفعلهم ابن سلامة الفاعلة؟ لا يكّني. فقال يقطين: عجّلت أيهم الأمير، قال: وكيف؟ قال: أمرني أن أحصي الأموال ثم أسلّمهم إليك لتعمل فيهم برأيك. ثم قدم يقطين على المنصور فأخبره. فلما قدم أبو مسلم المدائن في اليوم الذي قتل فيه جعل يضرب بالسوط معرفة برذونه ويقول بالفارسية كلاماً معناه: ما تغني المعرفة إذا لم يقدر على دفع المحتوم. ثم قال: جارّة ذيلهم. تدعو يا ويلهم ، بدجلة أو حولهم ، كأنا بعد ساعة،قد صرنا في دجلة.

من كلام أبي جعفر المنصور

قال المنصور: "ثلاث كنّ في صدري شفى الله منهم: كتاب أبي مسلم إليّ وأنا خليفة: عافانا اللّه وإياك من السوء. ودخول رسوله عليّنا وقوله: أيكم ابن الحارثيّة؟ وضرب سليمان بن حبيب ظهري بالسياط".

بين المنصور وسلم بن قتيبة في قتل أبي مسلم الخراساني

قال المنصور لسلم بن قتيبة: ما ترى في قتل أبي مسلم؟ فقال سلم: "لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتافقال: حسبك يابا أميّة.

شعر لأبي دلامة

قال أبو دلامة:

أبا مجرم ماغيّر اللّه نـعـمة

على عبد ه حتى يغيّرهم العبد

أفي دولة المهديّ حاولت غدرة

ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد

أبا مجرم خوفتني القتل فانتحى

عليك بما خوفتني الأسد الورد

بين مروان بن محمد و عبد الحميد الكاتب

قال مروان بن محمد لعبد الحميد حين أيقن بزوال ملكه: "قد احتجت إلى أن تصير مع عدوّي وتظهر الغدر بي، فإن إعجابهم بأدبك وحاجتهم إلى كتابك تدعوهم إلى حسن الظن بك، فإن استطعت أن تنفعني في حياتي وإلا لم تعجز عن حفظ حرمتي بعد وفاتيفقال عبد الحميد: إن الذي أمرتني به أنفع الأمرين لك وأقبحهما بي وما عندي إلا الصبر معك حتى يفتح الله لك أو أقتل معك. وقال:

أسرّ وفـاء ثـم اظـهـر غـدرة

فمن لي بعذرٍ يوسع الناس ظاهره

المشاورة والرأي

عن الحسن في مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم النساء

حدّثنا الزّياديّ قال: حدّثنا حماد بن زيد عن هشان عن الحسن قال: "كان النبيّ يستشير حتى المرأة فتشير عليه بالشيء فيأخذ به

من كتاب التاج في استشارة الملك

وقرأت في التاج أن بعض ملوك العجم استشار وزراءه، فقال أحدهم: "لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحداً إلا خالياً به، فإن أموت للسر وأحزم للرأي وأجدر بالسلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض. فإن إفشاء السر إلى رجل واحد أوثق من إفشائه إلى اثنين، وإفشاءه إلى ثلاث كإفشائه إلى العامّة لأن الواحد رهن بما أفشي إليه، والثاني يطلق عنه ذلك الرهن والثالث علاوة فيه، وإذا كان سر الرجل عند واحد كان أحرى ألا يظهره رهبةً منه ورغبة إليه، وإذا كان عند اثنين دخلت على الملك الشبهة واتسعت على الرجلين المعاريض، فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن آتهمهما اتهم بريئاً بجناية مجرم، وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له وعن الآخر ولا حجة معه

أيضاً من كتاب الهند في الاستشارة

وقرأت في كتاب للهند أن ملكاً استشار وزراء له، فقال أحدهم: "الملك الحازم يزداد برأي الوزراء الحزمة كما يزداد البحر بموادّه من الأنهم ر، وينال بالحزم والرأي مالايناله بالقوّة و الجنود، وللأسرار منازل: منهم ما يدخل الرهط فيه، ومنهم ما يستعان فيه بقوم، ومنهم ما يستغنى فيه بواحد. وفي تحصين السر الظّفر بالحاجة والسلامة من الخلل. والمستشير وإن كان أفضل رأياً من المشير، فإنه يزداد برأيه رأياً كما تزداد النار بالسّليط ضوءاً. وإذا كان الملك محصّناً لسره بعيداً من أن يعرف ما في نفسه متخيّراً للوزراء مهيباً في أنفس العامة كافياً بحسن البلاء لا يخافه البريء ولا يأمنه المريب مقدّراً لما يفيد وينفق، كان خليقاً لبقاء ملكه. ولا يصلح لسرّنا هذا إلا لسانان وأربع آذان. ثم خلا به

من كتاب إلى بعض السلاطين


قال أبو محمد: كتبن إلى بعض السلاطين كتاباً وفي فصل منه: "لم يزل حزمة الرجال يستحلون مرارة قول النصحاء ويستشهدون العيوب ويستثيرون صواب الرأي من كلٍّ حتى الأمة الوكعاء، ومن احتاج إلى إقامة دليل على ما يدّعيه من مودّته ونقاء طويّته فقد أغناني اللّه عن ذلك بما أوجبه الاضطرار إذ كنت أرجو بدوام نعمتكن وارتفاع درجتكن وانبساط جاهك ويدك زيادة الحال وفي فصل آخر: "وقد تحملت في هذا الكتاب بعض العتب وخالفت ما أعلم إذ عرضت بالرأي ولم أستشر وأحللت نفسي محل الخواصّ ولم أحل ونزعت بي النفس، حين جاشت وضاقت بما تسمع، عن طريق الصواب لهم إلى طريق الصواب لك، وحين رأيت لسان عدوّك منبسطاً بما يدّعيه عليك وسهامه نافذة، ورأيت وليّك معكوماً عن الاحتجاج إذ لا يجد العذر ورأيت عوامّ الناس يخوضون بضروب الأقاويل في أمرك، ولا شيء أضرّ على السلطان في حال ولا أنفع في حال منهم. وبما يجريه اللّه على ألسنتهم تسير الركبان وتبقى الأخبار ويخلد الذكر على الدهر وتشرف الأعقاب، وظاهر الخبر عندهم أعدل من شهم دة العدول الثقات وفي فصل منه: "وسائس الناس ومدبر أمورهم يحتاج إلى سعة الصدر واستشعار الصبر واحتمال سوء أدب العامّة وإفهام الجاهل وإرضاء المحكوم عليه والممنوع مما يسأل بتعريفه من أين منع، والناس لا يجمعون على الرضا إذا جمع لهم كل أسباب الرضا فكيف إذا منعوا بعضهم ، ولايعذرون بالعذر الواضح فكيف بالعذر الملتبس، وأخوك من صدقك وآرتمض لك، لا من تابعك على هواك ثم غاب عنك بغير ما أحضرك

لزياد يشاور رجلاً

قال زياد لرجل يشاوره: "لكل مستشير ثقة ولكل سر مستودع، وإن الناس قد ابدعت بهم خصلتان: إضاعة السر، وإحراج النصيحة. وليس موضع السر إلا أحد رجلين: رجل آخرة يرجو ثواب اللّه، أو رجل دنيا له شرف في نفسه وعقل يصون به حسبه، وقد عجمتهما لك".

لبعض الكتّاب في النّصح والغشّ

وكتب بعض الكتّاب: "اعلم أن الناصح لك المشفق عليك من طالع لك وراء العواقب برؤيته ونظره، ومثّل لك الأحوال المخوفة عليك، وخلط لك الوعر بالسهل من كلامه ومشورته ليكون خوفك كفئاً لرجائك وشكرك إزاء النعمة عليك. وأن الغاشّ لك الحاطب عليك من مدّ لك في الاغترار ووطّأ لك مهاد الظلم وجرى معك في عنانك منقاداً لهواك".
وفي فصل: "إني وإن كنت ظنيناً عندك في هذا الحال ففي تدبرك صفحات هذه المشورة ما دلك على أن مخرجهم عن صدق وإخلاص".

لعبيد اللّه بن عمر في المشورة، ثم لنصر بن مالك

إبراهيم بن المنذر قال: استشار زياد بن عبيد اللّه الحارثي عبيد اللّه بن عمر في أخيه أبي بكر أن يوليه القضاء، فأشار عليه به، فبعث إلى أبي بكر فامتنع عليه، فبعث زياد إلى عبيد اللّه يستعين به على أبي بكر، فقال أبو بكر لعبيد اللّه: أنشدك باللّه أترى لي أن آلي القضاء؟ قال: اللهم لا. قال زياد: سبحان اللّه! استشرتك فأشرت عليّ به ثم أسمعك تنهاه! قال: أيها الأمير استشرتني فاجتهدت لك رأيي ونصحتك، واستشارني فاجتهدت له رأيي ونصحته.
كان نصر بن مالك على شرط أبي مسلم، فلما جاءه إذن أبي جعفر في القدوم عليه استشاره فنهاه عن ذلك وقال: لا آمنه عليك. قال له أبو جعفر لما صار إليه: استشارك أبو مسلم في القدوم عليّ فنهيته؟ قال: نعم. قال: وكيف ذلك؟ قال: سمعت أخاك ابراهيم الإمام يحدّث عن أبيه محمد بن عليّ قال: "لايزال الرجل يزاد في رأيه ما نصح لمن استشاره" وكنت له كذلك وأنا اليوم لك كم كنت له.

لمعاوية في الحلم

قال معاوية: "لقد كنت ألقى الرجل من العرب أعلم أن في قلبه عليّ ضغنا فأستشيره، فيثير إليّ منه بقدر ما يجده في نفسه فلا يزال يوسعني شتماً وأوسعه حلماً حتى يرجع صديقاً أستعين به فيعينني وأستنجده فينجدني

نصيحة ابرويز لابنه في المشورة


وقرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه وهو في حبسه: "عليك بالمشورة فإنك واحد في الرجال من ينضج لك الكيّ ويحسم عنك الداء ويخرج لك المستكن ولا يدع لك في عدوّك فرصة إلا انتهزهم ولا لعدوّك فيك فرصة إلا حصّنها، ولا يمنعك شدّة رأيك في ظنك ولا علوّ مكانك في نفسك من أن تجمع إلى رأيك رأي غيرك فإن أحمدت اجتنيت وإن ذممت نفيت، فإن في ذلك خصالاً: منهم أنه إن وافق رأيك ازداد رأسك شدّة عندك، وإن خالف رأيك عرضته على نظرك، فإن رأيته معتلياً لما رأيت قبلت، وإن رأيته متّضعاً عنه استغنيت، ومنهم أنه يجدّد لك النصيحة ممن شاورت وإن أخطأ ويمحض لك مودّته وإن قصّر".

من كتاب الهند في المشورة

وفي كتاب للهند: "من التمس من الأخوان الرخصة عند المشورة ومن الأطباء عند المرض ومن الفقهاء عند الشبهة، أخطأ الرأي وازداد مرضاً وحمل الوزر".

من كلام ابن المقفع

وفي آداب ابن المقفع: "لا يقذفن في روعك أنك إن استشرت الرجال ظهر للناس منك الحاجة إلى رأي غيرك، فيقطعك ذاك عن المشاورة، فإنك لا تريد الرأي للفخر به ولكن للانتفاع به. ولو أنك أردت الذكرى كان أحسن الذكر عند الألبّاء أن يقال: لا ينفرد برأيه دون ذوي الرأي من إخوانه.

قول لعمر بن الخطاب في الرأي

قال عمر بن الخطاب: "الرأي الفرد كالخيط السّحيل، والرأيان كالخيطان المبرمين، والثلاثة مرار لا يكاد ينتقض" وقال أشجع:

رأيٌ سرى وعيون الناس هاجعةٌ

ما أخر الحزم رأيٌ قدّم الحذرا

قول المهلب للحجاج في الرأي

كتب الحجاج إلى المهلّب يستعجله في حرب الأزارقة، فكتب إليه المهلب: "إن من البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره".

من كلام عبد اللّه بن وهب يوم عقدت له الخوارج

وقيل لعبد اللّه بن وهب الراسبيّ يوم عقدت له الخوارج: تكلم. فقال: ما أنا والرأي الفطير والكلام القضيب. وقال أيضاً: خمير الرأي خير من فطيره، ورب شيء غابّه خير من طريّه، وتأخيره خير من تقديمه. وقيل لآخر: تكلّم. فقال: ما أشتهي الخبز إلا بائتاً.

لابن هبيرة في الصحبة

كان ابن هبيرة يقول: "اللهم إني أعوذ بك من صحبة من غايته خاصة نفسه والإنحطاط في هوى مستشيره، وممن لا يلتمس خالص مودّتك إلا بالتأتّي لموافقة شهوتكن، ومن يساعدك على سرور ساعتك ولا يفكر في حوادث غدك".
وكان يقال: "من أعطي أربعاً لم يمنع أربعاً:من أعطي الشكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة".

فيمن يستشار من أصناف الناس

وكان يقال: لا تستشر معلّماًولا راعي الغنم ولا كثير القعود مع النساء.
وكان يقال: لاتشاور صاحب حاجة يريد قضاءها ولا جائعاً ولا حاقن بول. وقالوا: "لا رأي لحاقن ولا لحازق" وهو الذي ضغطه الخف "ولا لحاقب" وهو الذي يجد رزّا في بطنه.
وقالوا أيضاً: لا تشاور من لا دقيق عنده.

لبعض ملوك العجم في خطأ الرأي

وكان بعض ملوك العجم إذا شاور مرازبته فقصّروا في الرأي دعا الموكّلين لأرزاقهم فعاقبهم، فيقولون: تخطىء مرازبتك وتعاقبنا! فيقول: نعم، إنهم لم يخطئوا إلا لتعلّق قلوبهم بأرزاقهم وإذا اهتموا أخطأوا.
وكان يقال: إنّ النفس إذا أحرزت "قوتهم " ورزقهم اطمأنت.

لكعب فيمن يستشار

وقال كعب: لا تستشيروا الحاكة فإن اللّه سلبهم عقولهم ونزع البركة من كسبهم.

شعر في المشاورة

قال الشاعر:

وأنفع من شاروت من كان ناصحـاً

شفيقاً فأبصر بعدهم من تـشـاور

وليس بشافـيك الـشـفـيق ورأيه

عزيب ولا ذو الرأي والصدر واغر

ويقال: علامة الرشد أن تكون النفس مشتاقة وقال آخر:

إذا بلغ الرأي النصيحة فاستـعـن

برأي نصيح أو نصـيحة حـازم

ولا تحسب الشّورى عليك غضاضة

فإن الخوافي رافـدات الـقـوادم

وخلّ الهوينا للضعيف ولا تـكـن

نؤوماً فإن الحـزم لـيس بـنـائم

وأدن من القربى المقرّب نفـسـه

ولا تشهد الشورى أمرأ غير كاتم

وما خير كفّ أمسك الغلّ أختـهـا

وما خير سيفٍ لـم يؤيّد بـقـائم

فإنك لم تصطرد الهمّ بالمنى

ولن تبلغ العليّا بغير المكارم

لأعرابي في المشاورة

قال أعرابي: ما غبنت قط حتى يغبن قومي. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا أفعل شيئاً حتى أشاورهم.

قول لعبسيّ في الحزم والطاعة

قيل لرجل من بني عبس: ما أكثر صوابكم! فقال: نحن ألف رجل وفينا حازم واحد ونحن نطيعه، فكأنا ألف حازم. ويقال: "ليس بين الملك وبين أن يملك رعيته أو تملكه إلا حزم أو توانٍ".

شعر للقطامي، ثم للرياشي، في معصية الناصح

وقال القطامي في معصية الناصح:

ومعصية الشفيق عليك ممـا

يزيدك مرّة منه استمـاعـاً

وخير الأمر ما استقبلت منـه

وليس بأن تتبّعه اتّـبـاعـاً

كذلك وما رأيت الـنـاس إلا

إلى ما جرّ غاويهم سراعـاً

تراهم يغمزون من استركّـوا

ويجتنبون من صدق المصاعا

وقال آخر: أنشدنيه الرياشيّ:

ومولًى عصاني واستبدّ بـرأيه

كما لم يطع بالبقّتين قـصـير

فلمّا رأى أن غبّ أمري وأمره

وولّت بأعجاز الأمور صدور

تمنّى بئيساً أن يكون أطاعنـي

وقد حدّثت بعد الأمور أمـور

كلام سبيع لأهل اليمامة

وقال سبيع لأهل اليمامة: "يا بني حنيفة بعدا كما بعدت عاد وثمود، أما واللّه لقد أنبأتكم بالأمر قبل وقوعه كأني أسمع جرسه وأبصر غيبه ولكنّكم أبيتم النصيحة فاجتنيتم الندم، وأصبحتم وفي أيديكم من تكذيبي التصديق ومن تهمتي الندامة، وأصبح في يدي من هلاككم البكاء ومن ذلّكم الجزع، وأصبح ما فات غير مردود وما بقي غير مأمون. وإني لمّا رأيتكم تتّهمون النصيحة وتسفّهون الحليم استشعرت منكم اليأس وخفت عليكم البلاء. واللّه ما منعكم اللّه التوبة ولا أخذكم على غرّة ولقد أمهلكم حتى ملّ الواعظ وهن الموعوظ وكنتم كأنما يعنى بما أنتم فيه غيركم".

قول صديق لآخر نصحه

وأشار رجل على صديق له برأي، فقال له: "قد قلت ما يقول الناصح الشفيق الذي يخلط حلو كلامه بمرّه وحزنه بسهله ويحرّك الاشفاق منه ما هو ساكن من غيره، وقد وعيت النصح فيه وقبلته إذ كان مصدره من عند من لا يشكّ في مودته وصافي غيبه، وما زلت بحمد اللّه إلى كل خير طريقاً منهجاً ومهيعاً واضحاً".

كتاب الخليفة عثمان حين أحيط به إلى عليّ رضي اللّه عنهما

وكتب عثمان إلى عليّ حين أحيط به: "أما بعد فإنه قد جاوز الماء الزّبى وبلغ الحزام الطّبيين وقد تجاوز الأمر بي قدره.

فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل

وإلا فأدركني ولمّـا أمـزق"

شعر لأوس بن حجر في المشورة

وقال أوس بن حجر:

وقد أعتب ابن العم إن كنت ظالماً

وأغفرعنه الجهل إن كان أجهلا

وإن قال لي ماذا ترى؟ يستشيرني

يجدني ابن عمّ مخلط الأمر مزيلا

أقيم بدار الحزم ما دام حزمـهـم

وأحر إذا حالت بـأن أتـحـوّلا

وأستبدل الأمر القـويّ بـغـيره

إذا عقد مأفون الرجال تحـلّـلا

قول في الأناة

وكان يقال: "أناة في عواقبهم درك، خير من معاجلة في عواقبهم فوت".
وأنشدني الرياشيّ:

وعاجز الرأي مضياع لفرصته

 

حتى إذا فات أمرٌ عاتب القدر

وكان يقال: "روّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم".

الإصابة بالظن والرأي

لابن الزبير في الاستدلال بالرأي

كان ابن الزبير يقول: "لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه".

لبعض الحكماء في العقل

وسئل بعض الحكماء: ما العقل؟ فقال: "الإصابة بالظن ومعرفة ما لم يكن بما كان وكان يقال: "كفى مخبراً عما مضى ما بقي، وكفى عبراً لأولي الألباب ما جرّبوا".
وكان يقال: "كل شيء محتاج إلى العقل، والعقل محتاج إلى التجارب".
ويقال: "ما لم ينفعك ظنه لم ينفعك يقينه".

لأوس بن حجر، وغيره

وقال أوس بن حجر:

الألمعي الذي يظن بـك ال

ظن كأن قد رأى وقد سمعا

وقال آخر:

وأبغي صواب الظنّ أعـلـم أنـه

إذا طاش ظنّ المرء طاشت مقادره

للإمام عليّ بن أبي طالب في عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما


وقال عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه في عبد اللّه بن عباس: "إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق".

قول في الظن

ويقال: "ظن الرجل قطعةٌ من عقلهويقال: "الظنون مفاتيح اليقين".
وقال بعض الكتاب:

أصونك أن أظنّ عليك ظناً

لأن الظن مفتاح اليقـين

شعر للكميت ولغيره في التدبّر

وقال الكميت:

مثل التدبر في الأمر ائتنـافـكـه

والمرء يعجز في الأقوام لا الحيل

وقال آخر:

وكنت متى تهزز لخطب تـغـشـه

ضرائب أمضى من رقاق المضارب

تجلّلتـه بـالـرأي حـتـى أريتـه

به ملء عينيه مكـان الـعـواقـب

ولآخر يصف عاقلاً

وقال آخر يصف عاقلاً:

بصير بأعقاب الأمور كـأنـمـا

يرى بصواب الرأي ما هو واقع

وقال آخر في مثله:

عليّم بأعقـاب الأمـور بـرأيه

كأنّ له في اليوم عيناً على الغد

وقال آخر يصف عاقلاً:

عليّم بأعقاب الأمور كأنّمـا

يخاطبه من كل أمر عواقبه

لجثامة بن قيس يهجو قوماً

وقال جثامة بن قيس يهجو قوماً:

أنتم أناس عظام لا قلوب لكـم

لا تعلمون أجاء الرشد أم غاب

وتبصرون رؤوس الأمورمقبلةً

ولا ترون وقد ولّين أذنـابـا

وقلّما يفجأ المكروه صاحـبـه

إذا رأى لوجوه الشر أسبابـاً

وقال آخر:

فلا يحذرون الشرّ حتى يصيبهم

ولا يعرفون الأمر إلا تدبّـرا

ويقال: "ظن العاقل كهانة".

من كتاب الهند في طبائع الناس

وفي كتاب للهند: "الناس حازمان وعاجز، فأحد الحازمين الذي إذا نزل به البلاء لم يبطر وتلقّاه بحيلته و رأيه حتى يخرج منه، وأحزم منه العارف بالأمر إذا أقبل فيدفعه قبل وقوعه، والعاجز في تردّد وتثنٍّ حائرٌ بائرٌ لا يأتمر رشداً ولا يطيع مرشداً".

لشاعر في الظن الجميل

وقال الشاعر:

وإني لأرجو اللّه حتى كأنّـنـي

أرى بجميل الظن ما اللّه صانع

وقال آخر:

وغرّة مرّةٍ من فعـل غـرّ

وغرّة مرّتين فعـال مـوق

فلا تفرح بأمر قـد تـدنّـى

ولا تأيس من الأمر السّحيق

فإن القرب يبعد بعد قـرب

ويدنو البعد بالقدر المسـوق

ومن لم يتق الضّحضاح زلّت

به قدماه في البحر العمـيق

وما اكتسب المحامد طالبوهم

بمثل البشر والوجه الطّليق

بين مروان بن الحكم وحبيش بن دلجة

وقال مروان بن الحكم لحبيش بن دلجة: أظنك أحمق. قال: "أحمق ما يكون الشيخ إذا عمل بظنّه".
ونقش رجل على خاتمه: "الخاتم خير من الظن ومثله: "طينةٌ خير من ظنّة".

اتباع الهوى

لعامر بن الظّرب في غلبة الرأي الهوى

كان يقال: الهوى شريك العمى.
و قال عامر بن الظّرب: الرأي نائم والهوى يقظان، ولذلك يغلب الرأي الهوى.
وقال ابن عباس: "الهوى إله معبود" وقرأ "أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه".

شعر لهشام بن عبد الملك

وقال هشام بن عبد الملك، ولم يقل غيره:

إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى

إلى بعض ما فيه علـيك مـقـال

لبزرجمهر في النهي عن اتباع الهوى

وقال بزرجمهر: "إذا اشتبه عليك أمران فلم تدر في أيهما الصواب، فانظر أقربهما إلى هواك فاجتنبه".

ولعمرو بن العاص

كان عمرو بن العاص صاحب عمارة بن الوليد إلى بلاد الحبشة ومع عمرو امرأته فوقعت في نفس عمارة فدفع عمراً في البحر فتعلق بالسفينة وخرج، فلما ورد بلاد الحبشة سعى عمرو بعمارة إلى النّجاشيّ وأخبره أنه يخالف إلى بعض نسائه فدعا النّجاشي بالسواحر فنفخن في إحليله فهام مع الوحش، وقال عمرو في ذلك:

تعلّم عمارا أن من شـرّ شـيمة

لمثلك أن يدعى ابن عم له ابنما

وإن كنت ذا بردين أحوى مرجّلا

فلست براءٍ لابن عمك محرمـا

إذا المرء لم يترك طعاماً يحبّـه

ولم يعص قلباً غاوياً حيث يمّمـا

قضى وطراً منه يسيراً وأصبحت

إذا ذكرت أمثاله تملأ الـفـمـا

؟ومثله لحاتم طيّء ولآخر وقال حاتم طيّء في مثله:

وإنك إن أعطيت بطنك سؤلـه

وفرجك نالا منتهى الذمّ أجمعا

وقال آخر:

جار الجنيد عليّ محتـكـمـاً

جهلا ولست بموضع الظلـم

أكل الهوى حججي وربّ هوى

مما سيأكل حجّة الـخـصـم

؟لأعرابي في الهوى قال أعرابي: "الهوى هوان، ولكن غلظ باسمه".

؟للزبير بن عبد المطلب وللبريق الهذلي

وقال الزبير بن عبد المطّلب:

وأجتنب المقاذع حيث كانت

وأترك ما هويت لما خشيت

وقال البريق الهذلي:

ابن لي ما ترى والمرء تأبى

عزيمته ويغلـبـه هـواه

فيعمى ما يرى فيه عـلـيه

ويحسب مـا يراه لا يراه

؟قول في الأخوة

وكان يقال: "أخوك من صدقك وأتاك من جهة عقلك لا من جهة هواك؟

؟السر وكتمانه وإعلانه

للرسول صلى الله عليه وسلم في الكتمان

حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا محمد بن الحصيب قال: حدّثني أوس بن عبد اللّه بن بريدة عن أخيه سهل عن بريدة قال: قال رسول اللّه: "استعينوا على الحرائج بالكتمان فإنّ كلّ ذي نعمة محسود"..
للحكماء والعرب في السرّ وكانت الحكماء تقول: "سرّك من دمك والعرب تقول: "من ارتاد لسره موضعاً فقد أذاعه".

بين ابن أبي محجن ومعاوية

حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب عن عمه الأصمعيّ قال: أخبرني بعض أصحابنا قال: دخل ابن أبي محجن الثقفي على معاوية، فقال له معاوية: أبوك الذي يقول:

إذا متّ فادفنّي إلى أصل كـرمة

تروّي عظامي بعد موتي عروقهم

ولا تدفننّي في الفـلاة فـإنّـنـي

أخاف وراء الموت أن لاأذوقهـم

فقال ابن أبي محجن: لو شئت ذكرت أحسن من هذا من شعره. فقال معاوية: وما ذاك؟ قال قوله:

لا تسألي القوم ما مالي وما حسبي

وسائلي القوم ما حزمي وما خلقي

القوم أعلم أني مـن سـراتـهـم

إذا تطيش يد الرّعديدة الـفـرق

أعطي السّنان غداة الرّوع حصّتـه

وعامل الرّمح أرويه من العلـق

قد أركب الهول مسدولاً عساكـره

وأكتم السر فيه ضربة العـنـق

؟؟شعر للصّلتان العبدي

وأنشدني للصّلتان العبدي:

وسرّك ما كان عند امرىء

وسرّ الثلاثة غير الخفي ؟

الإمام عليّ رضي اللّه عنه وافشاء السر

وكان عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يتمثّل بهذين البيتين:

ولا تفش سـرّك إلّا إلـيك

فإن لكلّ نصيح نصـيحـا

فإني رأيت غواة الـرجـا

ل لا يتركون أديما صحيحا

شعر في كتمان الهوى

وقال الشاعر:

ومراقبين تكاتما بهواهـمـا

جعلا القلوب لما تجنّ قبورا

يتلاحظان تلاحظا فكأنّـمـا

يتناسخان من الجفون سطورا

وقال مسكين الدّارمي:

أواخي رجلا لست أطلع بعضهـم

على سر بعض غير أني جماعهم

يظلّون شتّى في البلاد وسـرّهـم

إلى صخرة أعيا الرّجال انصداعهم

مما قيل في كتمان السر

وقال:

ولو قدرت على نسيان ما اشتملـت

مني الضّلوع من الأسرار والخبـر

لكنت أوّل مـن ينـسـى سـرائره

إذ كنت من نشرهم يوماً على خطر

أسرّ رجلٌ إلى صديق له حديثاً فلما استقصاه قال له: أفهمت؟ قال: لا، بل نسيت.
قيل لأعرابي: كيف كتمانك للسر؟ قال: "ما قلبي له إلا قبر".
وقيل لمزبد: أيّ شيء تحت حضنك؟ فقال: يا أحمق لم خبّأته. وقال الشاعر:

إذا ما ضاق صدرك عن حديث

فأفشته الرجال فمـن تـلـوم

إذا عاتبت من أفشى حـديثـي

وسرّي عنده فأنا الـظّـلـوم

وإني حين أسأم حمـل سـرّي

وقد ضمّنته صـدري سـؤوم

قيل لرجل: كيف كتمانك للسر؟ قال: "أجحد المخبر وأحلف للمستخبر".
وكان يقال: "من وهي الأمر إعلانه قبل إحكامهوقال الشاعر:

إذا أنت حمّلت الخؤون أمانة

فإنك قد أسندتهم شرّ مسند

لعمرو بن العاص

وقال عمرو بن العاص: "ما استودعت رجلاً سرّاً فأفشاه فلمته، لأني كنت أضيق صدراً حين أستودعته وقال:

إذا أنت لم تحفظ لنفسك سرّهـم

فسرّك عند الناس أفشى وأضيع

وكان يقال: "من ضاق قلبه اتسع لسانه".

بين الوليد بن عتبة وأبيه

وقال الوليد بن عتبة لأبيه: إن أمير المؤمنين أسرّ إلي حديثاً ولا أراه يطوي عنك ما يبسطه لغيرك، أفلا أحدّثك به؟ قال: لا يا بني "إنه من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه، فلا تكون مملوكاً بعد أن كنت مالكاً قال: قلت: وإن هذا ليجري بين الرجل وأبيه؟ قال: لا، ولكني أكره أن تذلل لسانك بأحاديث السر. فحدّثت به معاوية فقال: يا وليد؟ أعتقك أخي من رقّ الخطأ.

؟لبعض ملوك فارس

وفي كتب العجم أن بعض ملوك فارس قال: "صونوا أسراركم فإنه لا سر لكم إلا في ثلاثة مواضع: مكيدة تحاول أو منزلة تزاول أو سريرة مدخولة تكتم، ولا حاجة لأحد منكم في ظهور شيء منهم عنه".
وكان يقال: "ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك".

لجميل بن معمر ثم لابن أبي ربيعة

وقال جميل بن أبي معمر:

أموت و ألقى اللّه يا بثن لم أبح

بسرّك والمستخبرون كثيرون

وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:

ولما تلاقينا عرفت الـذي بـهـم

كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعل

فقالت وأرخت جانب السّتر إنمـا

معي فتكلّم غير ذي رقبة أهلـي

فقلت لهم ما بي لهم من تـرقّـب

ولكنّ سرّي ليس يحمله مثـلـي

يريد أنه ليس يحمله أحد مثلي في صيانته وستره، أي فلا أبديه لأحد.

لزهير بن أبي سلمى

وقال زهير:

السّتر دون الفاحشات ولا

يلقاك دون الخير من ستر

وقال آخر:

فسرّي كإعلاني وتلك خليقتـي

وظلمة ليلي مثل ضوء نهم ريا

وقال آخر لأخٍ له وحدّثه بحديث: اجعل هذا في وعاء غير سرب. والسّرب السائل.
وكان يقال: "للقائل على السامع جمع البال والكتمان وبسط العذر".
وكان يقال: "الرّعاية خير من الاسترعاء".

بين عبيد اللّه بن زياد وابن همام السلولي

أتى رجل عبيد اللّه بن زياد فأخبره: أن عبد اللّه بن همّام السلّولي سبّه. فأرسل إليه فأتاه فقال: يا بن همام إن هذا يزعم أنك قلت: كذا وكذا. فقال ابن همّام:

فأنت امرؤ إمّا ائتمنتك خالـياً

فخنت، وإمّا قلت قولاً بلا علم

وإنك في الأمر الذي قد أتيتـه

لفي منزل بين الخيانة والإثـم

وقال آخر:

اخفض الصّوت إن نطقت بليل

والتفت بالنهار قبل الـكـلام

لبعض الأعراب في كتم السر، ولأبي الشيص

وقال بعض الأعراب:

ولا أكتم الأسرار لكن أنـمّـهـا

ولا أدع الأسرار تغلي على قلبي

وإن قليل العقل من بات لـيلـه

تقلّبه الأسرار جنباً إلى جـنـب

وقال أبو الشيص:

لا تأمنن على سـرّي وسـرّكـم

غيري وغيرك أو طيّ القراطيس

أو طائرٍ سأحـلّـيه وأنـعـتـه

ما زال صاحب تنقير وتأسـيس

سودٌ بـراثـنـه مـيلٌ ذوائبــه

صفرٌ حمالقه في الحسن مغموس

قد كان همّ سليمـان لـيذبـحـه

لولا سعايته يومـاً بـبـلـقـيس

وقال أيضاً:

أفضى إليك بسرّه قـلـمٌ

لو كان يعرفه بكى قلمه

لمسلم بن الوليد

وقال مسلم بن الوليد: في الكتاب يأتيك فيه السر.

الحزم تخريقه إن كنت ذا حـذر

وإنما الحزم سوء الظنّ بالناس

إذا أتاك وقـد أدّى أمـانـتـه

فاجعل صيانته في بطن أرماس

وقال آخر:

سأكتمه سرّي وأحفظ سرّه

ولا غرّني أني عليه كريم

حليمٌ فينسى أو جهولٌ يشيعه

ومن الناس إلا جاهل وحليم

الكّتاب والكتابة

للرسول عليه الصلاة والسلام

حدّثنا إسحاق بن راهويه عن وهب بن جرير عن أبيه عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عمرو بن ثعلب عن النبيّ قال: "من أشراط الساعة أن يفيض المال ويظهر القلم وتفشو التجارقال عمرو: إن كنا لنلتمس في الحواء العظيم الكاتب، ويبيع الرجل البيع فيقول: حتى استأمن تاجر بني فلان.
حدّثنا أحمد بن الخليل عن اسماعيل بن آبان عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشيّ عن محمد بن زاذان عن أمّ سعد عن زيد بن ثابت قال: دخلت على رسول اللّه وهو يملي في بعض حوائجه فقال: "ضع القلم على أذنك فإنه أذكر للمملى به".

عن وهب قال ادريس عليه السلام أول من خط بالقلم

وحدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: "كان إدريس النبيّ عليه السلام أوّل من خطّ بالقلم وأوّل من خاط الثياب ولبسهم وكان من قبله يلبسون الجلود".

بين عمر بن الخطاب وأبي موسى الأشعريّ

حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عياض بن أبي موسى أن عمر بن الخطّاب قال لأبي موسى: ادع لي كاتبك ليقرأ لنا صحفاً جاءت من الشأم.
فقال أبو موسى: إنه لا يدخل المسجد. قال عمر: أبه جنابة؟ قال: لا، ولكنّه نصراني. قال: فرفع يده فضرب فخذه حتى كاد يكسرهم ثم قال: ما لك! قاتلّك اللّه! أما سمعت قول اللّه عز وجل "ياأيّها الّذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنّصارى أولياء"! ألا اتخذت رجلاً حنيفياً! فقال أبو موسى: له دينه ولي كتابته. فقال عمر: "لا أكرمهم إذ أهانهم اللّه ولا أعزّهم إذ أذلّهم اللّه ولا أدنيهم إذ أقصاهم اللّه".

لعمر بن الخطاب في عدم اتخاذ بطانة من دون المؤمنين

حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا عيسى بين يونس قال: حدّثنا أبو حيّان التّيمي عن أبي زنباع عن أبي الدّهقانة قال: ذكر لعمر بن الخطّاب غلام كاتب حافظ من أهل الحيرة وكان نصرانياً، فقيل له: لو اتخذته كاتباً. فقال "لقد اتخذت إذاً بطانةً من دون المؤمنين".

أول من وضع كتابة العربية

حدّثني أبو حاتم قال: مرامر بن مروة من أهل الأنبار وهو الذي وضع كتابة العربيّة، ومن الأنبار انتشرت في الناس.

بين الرسول صلى الله عليه وسلم والزبير بن العوام

حدّثني أبو سهل عن الطّنفاسي عن المنكدر بن محمد عن أبيه محمد بن المنكدر قال: جاء الزّبير بن العوّام إلى النبيّ فقال: كيف أصبحت؟ جعلني اللّه فداك! قال: "ما تركت أعرابيّتك بعد".

وصية عبد الملك بن مروان لأخيه عبد العزيز

قال عبد الملك بن مروان لأخيه عبد العزيز حين وجّهه إلى مصر: "تفقّد كاتبك وحاجبك وجليسك، فإن الغائب يخبّره عنك كاتبك، والمتوسّم يعرفك بحاجبك، والداخل عليك يعرفك بجليسك".

بين عمر بن عبد العزيز وعبد الحميد بن الخطاب

ابن أبي الزّناد عن أبيه قال: كنت كاتباً لعمر بن عبد العزيز فكان يكتب إلى عبد الحميد ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب في المظالم فيراجعه، فكتب إليه: "إنه ليخيّل إلي أني لو كتبت إليك أن تعطي رجلاً شاة لكتبت إليّ: أضأن أم ماعز، ولو كتبت إليك بأحدهما لكتبت: أذكر أم أنثى، ولو كتبت إليك بأحدهما لكتبت: أصغير أم كبير. فإذا أتاك كتابي هذا فلا تراجعني في مظلمة".

بين أبي جعفر المنصور

وسلم بن قتيبة في صفات الكاتب

وكتب أبو جعفر إلى سلم بن قتيبة يأمره بهدم دور من خرج مع إبراهيم وعقر نخلهم. فكتب إليه: بأي ذلك نبدأ بالنخل أم بالدّور؟ فكتب إليه أبو جعفر: "أما بعد، فإني لو أمرتك بإفساد ثمرهم لكتبت إليّ تستأذن في أيّه تبدأ أبالبرنيّ أم بالشّهريز؟" وعزله، وولى محمد بن سليمان. وكان يقول: "للكاتب على الملك ثلاثة، رفع الحجاب عنه، واتّهم م الوشاة عليه، وإفشاء السرّ إليه".

للعجم في صفات الكاتب

كانت العجم تقول:"من لم يكن عالماً بإجراء المياه وبحفر فرض الماء والمسارب وردم المهاوي ومجاري الأيام في الزيادة والنقصان واستهلال القمر وأفعاله ووزن الموازين وذرع المثلّث والمربّع والمختلف الزّوايا ونصب القناطر والجسور والدّوالي والنواعير على المياه وحال أدوات الصنّاع ودقائق الحساب كان ناقصاً في حال كتابته".

لميمون بن ميمون

قال ميمون بن ميمون: "إذا كانت لك إلى كاتب حاجةٌ فليكن رسولك إليه الطمع وقال: "إذا آخيت الوزير فلا تخش الأمير".

من كتاب الهند في الوزير

وفي كتاب للهند: "إذا كان الوزير يساوي الملك في المال والهيبة والطاعة من الناس فليصرعه الملك، وإن لم يفعل فليعلم أنه هو المصروع".

بين عبيد اللّه بن زياد وكاتب أبيه

 
المدائني قال: خلا زياد يوماً في أمر ينظر فيه وعنده كاتب له يكتب وابنه عبيد اللّه، فنعس زياد فقال لعبيد اللّه: تعهّد هذا لا يكتب شيئاً. ونام، فوجد عبيد اللّه مسّا من البول فكره أن يوقظ أباه وكره أن يخلّي الكاتب فشدّ إبهاميه بخيط وختمه وقام لحاجته.
قال أبو عبّاد الكاتب: ما جلس أحد قط بين يدي إلا تخيّل إليّ أني جالس بين يديه.

نصيحة أبرويز لكاتبه

وقرأت في التاج أن أبرويز قال لكاتبه: "أكتم السرّ واصدق الحديث واجتهد في النصيحة واحترس بالحذر، فإن لك عليّ أن ألا أعجل بك حتى أستأني لك ولا أقبل عليك قولاً حتى أستقين ولا أطمع فيك أحداً فيغتالك. واعلم أنك بمنجاة رفعة فلا تحطّنهم وفي ظل مملكة فلا تستزيلنه، وقارب الناس مجاملة عن نفسك وباعد الناس مشايحةً من عدوّك واقصد إلى الجميل ادّراعاً لغدك وتحصّن بالعفاف صوناً لمروءتك وتحسّن عندي بما قدرت عليه من حسن ولا تشرعنّ الألسنة فيك ولا تقبّحنّ الأحدوثة عنك. وصن نفسك صون الدّرّة الصافية وأخلصهم إخلاص الفضّة البيضاء وعاتبهم معاتبة الحذر المشفق وحصّنهم تحصين المدينة المنيعة. لا تدعنّ أن ترفع إليّ الصغير، فإنه يدل على الكبير، ولا تكتمنّ الكبير فإنه ليس شاغلي عن الصغير. هذّب أمورك ثم القني بهم وأحكم لسانك ثم راجعني به ولا تجترئنّ عليّ فأمتعض ولا تنقبض مني فأتّهم ولا تمرّضنّ ما تلقاني به ولا تخدجنّه. وإذا فكرت فلا تعجل وإذا كتبت فلا تعذر، ولا تستعينن بالفضول فإنهم علاوة على الكفاية ولا تقصرن عن التحقيق فإنهم هجنة بالمقالة ولا تلبسنّ كلاماً بكلام ولا تباعدنّ معنى عن معنى. أكرم كتابك عن ثلاث: خضوع يستخفّه، وانتشار يثبّجه، ومعانٍ تقعد به، واجمع الكثير مما تريد في القليل مما تقول، وليكن بسطة كتابك على السّوقة كبسطة ملك الملوك على الملوك، ولا يكن ما تملك عظيماً وما تقول صغيراً فإنما كلام الكاتب على مقدار الملك فاجعله عالياً كعلوّه وفائقاً كفوقه. واعلم أن جمّاع الكلام كله خصال أربع: سؤالك الشيء، وسؤالك عن الشيء، وأمرك بالشيء، وخبرك عن الشيء. فهذه الخلال دعائم المقالات إن التمس لهم خماس لم يوجد وإن نقص منهم رابع لم تتم، فإذا أمرت فأحكم وإذا سألت فأوضح وإذا طلبت فأسجح وإذا أخبرت فحقّق فإنك إذا فعلت ذلك أخذت بحزامير القول كله فلم يشتبه عليك وارده ولم يعجزك منه صادره. أثبت في دواوينك ما أدخلت وأحص فيهم ما أخرجت وتيقّظ لما تأخذ وتجرّد لما تعطي، لا يغلبنك النسيان عن الإحصاء ولا الأناة عن التقدّم ولا تخرجنّ وزن قيراط في غير حقّ، ولا تعظّمن إخراج الكثير في الحق، وليكن ذلك كله عن مؤامرتي".

لرجل في زيّ الكتّاب

قال رجل لبنيه: "يا بني تزيّوا بزي الكتاب فإن فيهم أدب الملوك وتواضع السّوقة".

بين أعرابي والكسائي

قال الكسائي: "لقيت أعرابياً فجعلت أسأله عن الحرف بعد الحرف وعن الشيء بعد الشيء أقرنه بغيره فقال: يا اللّه! ما رأيت رجلاً أقدر، على كلمة إلى جنب كلمة أشبه شيء بهم وأبعد شيء منهم ، منك!".

لابن الأعرابي

وقال ابن الأعرابي: "رآني أعرابي وأنا أكتب الكلمة بعد الكلمة من ألفاظه فقال إنك لحتف الكلمة الشرود".

ولرجل من أهل المدينة في بغداديين

وقال رجل من أهل المدينة: "جلست إلى قوم ببغداد فما رأيت أوزن من أحلامهم ولا أطيش من أقلامهم".

من كاتب إلى صديق له

وكتب بعض الكتاب إلى صديق له: "وصل إليّ كتابك فما رأيت كتاباً أسهل فنوناً ولا أملس متوناً ولا أكثر عيوناً ولا أحسن مقاطع ومطالع ولا أشّد على كل مفصل حزًّا منه. أنجزت فيه عدة الرأي وبشرى الفراسة وعاد الظن بك يقيناً والأمل فيك مبلوغاً".
ويقال: "عقول الرجال في أطراف أقلامهم ".
ويقال: "القلم أحد اللسانين وخفة العيال أحد اليسارين وتعجيل اليأس أحد الظّفرين وإملاك العجين أحد الريّعين وحسن التقدير أحد الكاسبين واللّبن أحد اللحمين وقد يقال: المرق أحد اللحمين.

في الكتابة، وفي وصف الكتّاب

قيل لبعضهم: إن فلاناً لا يكتب، فقال: تلك الزّمانة الخفية.
وقرأت في بعض كتب العجم أن موبذان موبذ وصف الكتّاب فقال: "كتّاب الملوك عيبتهم المصونة عندهم وآذانهم الواعية وألسنتهم الشاهدة، لأنه ليس أحد أعظم سعادة من وزراء الملوك إذا سعدت الملوك، ولا أقرب هلكة من وزراء الملوك إذا هلكت الملوك، فترفع التّهمة عن الوزراء إذا صارت نصائحهم للملوك نصائحهم لأنفسهم، وتعظم الثقة بهم حين صار اجتهادهم لأنفسهم فلا يتّهم روح على جسده ويتهم جسد على روحه لأن زوال ألفتهما زوال نعمتهما، وأن التئام ألفتهما صلاح خاصّتهما".
وقال:

لئن ذهبت إلى الحجّاج يقتلنـي

إني لأحمق من تخدي به العير

مستحقباً صحفاً تدمى طوابعهم

وفي الصحائف حيّات مناكير

لبعض الشعراء في القلم

وقال بعض الشعراء في القلم:

عجبت لذي سنّين في الماء نبته

له أثر في كل مصرٍ ومعمر

وقال بعض المحدّثين في القلم:

ضئيل الرّواء كثـير الـغـنـاء

من البحر في المنصب الأخضر

كمثل أخي العشق في شخصـه

وفي لونه من بني الأصـفـر

يمر كـهـيئة مـرّ الـشـجـا

ع في دعص محنـيةٍ أعـفـر

إذا رأسه صحّ لـم ينـبـعـث

وجاز السبـيل ولـم يبـصـر

وإن مـديةٌ صـدعـت رأسـه

جرى جري لا هم ئب مقصـر

يقـضّـي مـآربـه مـقـبـلاً

ويحسمهـم هـيئة الـمـدبـر

تجود بـكـفّ فـتـى كـفّـه

تسوق الثّراء إلى المـعـسـر

لأبي تمام يصف القلم

وقال حبيب الطائي يصف القلم:

لك القلم الأعلى الـذي بـشـبـاتـه

يصاب من الأمر الكلى والمفـاصـل

لعاب الأفاعي القـاتـلات لـعـابـه

وأري الجنى اشتارتـه أيدٍ عـواسـل

له ريقه طـلٌّ ولـكـنّ وقـعـهـم

بآثاره في الشرق والـغـرب وابـل

فصيح إذا استنطقتـه وهـو راكـبٌ

وأعجم إن خاطبـتـه وهـو راجـل

إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت

عليه شعاب الفكر وهـي حـوافـل

أطاعته أطراف القنـا وتـقـوّضـت

لنجواه تقويض الخيام الـجـحـافـل

تراه جليلاً شـأنـه وهـو مـرهـفٌ

ضنًى وسمينا خطبه وهـو نـاحـل

أيضاً لمحمد عبد الملك في وصف القلم

وقال محمد عبد الملك بن صالح الهاشمي يصف القلم:

وأسمر طاوي الكشح أخرس ناطقٍ

له ذملانٌ في بطون المـهـارق

إذا استعجلته الكفّ أمطر خـالـه

بلا صوت إرعادٍ ولا ضوء بارق

كأنّ اللآلي والزبرجد نـطـفـه

ونور الخزامى في بطون الحدائق

في مدح كاتب

وقال بعض المحدّثين يمدح كاتباً:

وإذا تألق في النديّ كلامـه ال

منظوم خلت لسانه من عضبه

وإذا دجت أقلامه ثم انتـجـت

برقت مصابيح الدّجى في كتبه

باللفظ يقرب فهمه في بـعـده

منا ويبعد نيلـه فـي قـربـه

حكم فسائحهم خلال بـنـانـه

متدفق وقليبهم فـي قـلـبـه

كالروض مؤتلف بحمرة نوره

وبياض زهرته وخضرة عشبه

لسعيد بن حميد يصف العود، وللطائي في دواة

وقال سعيد بن حميد يصف العود:

وناطق بلسان لا ضـمـير لـه

كأنه فخذ نيطـت إلـى قـدم

يبدي ضمير سواه في الكلام كما

يبدي ضمير سواه منطق القلـم

بعث الطائي إلى الحسن بن وهب بدواة ابنوس وكتب إليه:

قد بعثـنـا إلـيك أمّ الـمـنـايا

والعطايا زنـجـيّة الأحـسـاب

في حشاهم من غير حرب حرابٌ

هي أمضى من مرهفات الحراب

في وصف الدواة والقلم

وقال ابن أبي كريمة يصف الدواة والقلم:

ومسودّة الأرجاء قد خضت ماءهـم

وروّيت من قعر لهم غير منـبـط

خميص الحشا يروى على كل مشرب

أميناً على سر الأمير الـمـسـلّـط

في تسمية الديوان

وقال بعض أهل الأدب: إنما قيل "ديوان" لموضع الكتبة والحسّاب لأنه يقال: للكتّاب بالفارسية "ديوان" أي شياطين، لحذقهم بالأمور ولطفهم، فسمّي موضعهم باسمهم. في معنى الوزير

وقال آخر: إنما قيل لمدير الأمور عن الملك "وزير" من الوزر وهو الحمل، يراد أن يحمل عنه من الأمور مثل الأوزار وهي الأحمال، قال اللّه عز وجل: "ولكنّا حمّلنا أوزاراً من زينة القوم" أي أحمالاً من حليهم، ولهذا قيل للأثم: وزر، شبّه بالحمل على الظهر، قال اللّه تبارك وتعالى: "ووضعنا عنك وزرك الذّي أنقض ظهرك".

شعر لأبي نواس وغيره في كاتب

وكان الناس يستحسنون لأبي النواس قوله:

يا كاتباً كتب الغداة يسـبـنّـي

من ذا يطيق براعة الكـتّـاب

لم ترض بالاعجام حين سببتني

حتى شكلت عليه بالإعـراب

وأردت إفهامي فقد أفهمتنـي

وصدقت فيما قلت غير محابي

وقال آخر:

يا كاتباً تـنـثـر أقـلامـه

من كفّه درجاً على الأسطر

وقال عديّ بن الرّقاع:

صلى الاله على امرىء ودعته

وأتم نعمته عـلـيه وزادهـم

ومنه أخذ الكتّاب: وأتم نعمته عليك وزاد فيهم عندك.

للطائيّ، ثم لجرير

وقال حاتم طيء في معنى قولهم متّ قبلك:

إذا ما أتى يوم يفرّق بينـنـا

بموت فكنت أنت الذي تتأخر

وقال جرير في معناه:

ردّي فؤادي وكوني لي بمنزلتي

يا قبل نفسك لاقى نفسي التف

لبعض الكتاب إلى ملكٍ رداً على كتابه

كتب بعض الملوك إلى بعض الكتّاب كتاباً دعا له فيه بأمتع اللّه بك، فكتب إليه ذلك الكاتب:

أحلت عما عهدت مـن أدبـك

أم نلت ملكاً فتهت في كتبـك

أم هل ترى أن في التواضع لل

أخوان نقصاً عليك في حسبك

أم كان ما كان منك عن غضب

فأيّ شيء أدناك من غضبـك

إنّ جفـاء كـتـاب ذي مـقة

يكتب في صدره: وأمتع بـك

للأصمعي في البرامكة

وقال الأصمعيّ في البرامكة:

إذا ذكر الشرك في مجلس

أنارت وجوه بني برمـك

وإن تليت عـنـدهـم آية

لأتوا بالأحاديث عن مروك

وقال آخر:

إن الفراغ دعـانـي

إلى ابتناء المساجـد

وإن رأيي فـيهــم

كرأي يحيى بن خالد

لابن المقفع في بيت النار

مرّ عبد اللّه بن المقفع ببيت النار، فقال:

يا بيت عاتكة الذي أتعـزّل

حذر العدا وبه الفؤاد موكّل

لدعبل في أبي عبّاد

وقال دعبل في أبي عبّاد:

أولى الأمور بضيعة وفساد

أمر يدبّره أبـو عـبّـاد

حنق على جلسائه بدواتـه

فمرمّل ومضمّخ بـمـداد

وكأنه من دير هرقل مفلتٌ

حردٌ يجرّ سلاسل الأقـياد

خيانات العمال

لعمربن الخطاب في النهي عن الهدايا

حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: ذكر لنا أن امرأة من قريش كان بينها وبين رجل خصومة فأراد أن يخاصمها إلى عمر فأهدت المرأة إلى عمر فخذ جزور ثم خاصمته إليه فوجّه القضاء عليهم ، فقالت: ياأمير المؤمنين، افصل القضاء بيننا كما يفصل فخذ الجزور. فقضى عليهم عمر وقال: إياكم والهدايا. وذكر القصة.

للمغيرة بن عبد اللّه الثقفي

قال إسحاق: كان الحجاج استعمل المغيرة بن عبد اللّه الثقفي على الكوفة فكان يقضي بين الناس، فأهدى إليه رجل سراجاً من شبهٍ،وبلغ ذلك خصمه فبعث إليه ببغلة. فلما اجتمعا عند المغيرة جعل يحمل على صاحب السراج وجعل صاحب السراج يقول: إن أمري أضوأ من السراج. فلما أكثر عليه قال: ويحك إن البغلة رمحت السراج فكسرته.

بين الربيع بن زياد الحارثي وعمر

حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا روح بن عبادة قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة عن الجريري عن أبي بصرة عن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد إلى عمر فأعجبته هيئته ونحوه، فشكا عمر طعاماً غليظاً يأكله. فقال الربيع: يا أمير المؤمنين، إن أحق الناس بمطعم طيّب وملبس ليّن ومركب وطيء لأنت. فضرب رأسه بجريدة وقال: واللّه ما أردت بهذا إلا مقاربتي، وإن كنت لأحسب أن فيك خيراً. ألا أخبرك بمثلي ومثل هؤلاء، إنما مثلنا كمثل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم وقالوا أنفقهم عليّنا. فهل له يستأثر عليهم بِشيء؟ قال الربيع:لا.

لأمير المؤمنين عمر في الأمانة


حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح قال: لما أتي عمر بتاج كسرى وسواريه جعل يقلبه بعود في يده ويقول: واللّه إن الذي أدى إلينا هذا لأمين. فقال رجل: يا أمير المؤمنين أنت أمين اللّه يؤدّون إليك ماأدّيت إلى اللّه فإذا رتعت رتعوا. قال: صدقت.

لعليّ رضي اللّه عنه في القناعة

حدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: لما أتي عليّ عليه السلام بالمال أقعد بين يديه الوزّان والنّقاد فكوّم كومةً من ذهب وكومة من فضة وقال: يا حمراء ويا بيضاء احمرّي وابيضّي وغرّي غيري. وأنشد:

هذا جناي وخياره فـيه

إذ كل جانٍ يده إلى فيه

لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه

حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن إسماعيل بن أبي خالد عن عاصم قال: كان عمر بن الخطاب إذا بعث عاملاً يشترط عليه أربعاً: ألّا يركب البراذين، ولا يلبس الرقيق، ولا يأكل النقي، ولا يتخذ بوّاباً. ومر ببناء يبني بحجارة وجصٍّ فقال: لمن هذا؟ فذكروا عاملاً له على البحرين فقال: "أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقهم " وشاطره ماله. وكان يقول: "لي على كل خائن أمينان الماء والطين

؟كتاب عمر بن عبد العزيز إلى واليه

حدّثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: حدّثنا قريش بن أنس عن سعيد عن قتادة قال: جاء كتاب عمر بن عبد العزيز إلى واليه: أن دع لأهل الخراج من أهل الفرات ما يتختمون به الذهب ويلبسون الطيالسة ويركبون البراذين وخذ الفضل؟؟.

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟بين عمر وأبي هريرة في الأمانة

حدّثنا محمد بن عبيد عن هوذة عن عوف عن ابن سيرين وإسحاق عن النضر بن شميل عن ابن عون عن ابن سيرين بمعناه قال: لما قدم أبو هريرة من البحرين قال له عمر: يا عدوّ اللّه وعدوّ كتابه، أسرقت مال اللّه؟ قال أبو هريرة: لست بعدوّ اللّه ولاعدوّ كتابه ولكني عدوّ من عاداهما ولم أسرق مال اللّه. قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف درهم؟ قال: خيلي تناسلت وعطائي تلاحق وسهامي تتابعت فقبضتها منه. قال أبو هريرة: فلما صليت الصبح استغفرت لأمير المؤمنين ثم قال لي عمر بعد ذلك: ألا تعمل؟ فقلت: لا. قال: قد عمل من هو خير منك يوسف. فقلت: يوسف نبيّ ابن نبيّ وأنا ابن أميمة أخشى ثلاثاً واثنتين. قال: فهلا قلت خمساً؟ قلت: أخشى أن أقول بغير علم، وأحكم بغير حلم، وأخشى أن يضرب ظهري، ويشتم عرضي، وينزع مالي.

؟قول مالك بن دينار لبلال بن أبي بردة

حدّثنا محمد بن داود عن نصر بن قديد عن إبراهيم بن المبارك عن مالك بن دينار أنه دخل على بلال بن أبي بردة وهو أمير البصرة فقال: أيها الأمير، إني قرأت في بعض الكتب: "من أحمق من السلطان ومن أجهل ممن عصاني ومن أعزّ ممن أعزّني. أيا راعي السوء دفعت إليك غنماً سماناً سحاحاً فأكلت اللحم وشربت اللبن وائتدمت بالسمن ولبست الصوف وتركتها عظاماً تتقعقع

موعظة لعمر بن الخطاب

حدّثني محمد بن شبابة عن القاسم بن الحكم العرني القاضي قال: حدّثني إسماعيل بن عيّاش عن أبي محمد القرشي عن رجاء بن حيوة عن ابن مخرمة قال: إني لتحت منبر عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه بالجابية حين قام في الناس فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: "أيهم الناس، اقرأوا القرآن تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله. إنه لن يبلغ ذو حق في حقه أن يطاع في معصية اللّه. ألا إنه لن يبعّد من رزق اللّه ولن يقرّب من أجلٍ أن يقول المرء حقاً وأن يذكّر بعظيم. ألا وإني ما وجدت صلاح ما ولاني اللّه إلا بثلاث: أداء الأمانة، والأخذ بالقوة، والحكم بما أنزل اللّه. ألا وإني ما وجدت صلاح هذا المال إلا بثلاث: أن يؤخذ من حق، ويعطى في حق، ويمنع من باطل. ألا وإنما أنا في مالكم هذا كوالي اليتيم إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرّم البهمة".

لزياد في الولاية


بلغني عن محمد بن صالح عن بكر بن خنيس عن عبد اللّه بن عبيد عن أبيه قال: "كان زياد إذا ولى رجلاً قال له: خذ عهدك وسر إلى عملك واعلم أنك مصروفٌ رأس سنتك وأنك تصير إلى أربع خلال فاختر لنفسك: إنا إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلنا بك لضعفك وسلّمتك من معرّتنا أمانتك، وإن وجدناك خائناً قوياً استهنّا بقوّتك وأحسنّا على خيانتك أدبك فأوجعنا ظهرك وأثقلنا غرمك، وإن جمعت عليّنا الجرمين جمعنا عليك المضرّتين، وإن وجدناك أميناً قوياً زدناك في عملك ورفعنا لك ذكرك وكثرنا مالك وأوطأنا عقبك".

أيضاً لعمر في الأمانة

قال العتبي: بعث إلى عمر بحلل فقسمها فأصاب كل رجل ثوب فصعد المنبر وعليه حلة، والحلة ثوبان، فقال: أيهم الناس ألا تسمعون. فقال سليمان: لا نسمع. قال: ولم يا أبا عبد اللّه؟ قال: لأنك قسمت عليّنا ثوباً ثوباً وعليك حلة. قال: لا تعجل يا أباعبد اللّه. ثم نادى: يا عبد اللّه. فلم يجبه أحد، فقال: يا عبد اللّه بن عمر. قال: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: نشدتكن باللّه، الثوب الذي اتّزرت به هو ثوبك؟ قال: اللهم نعم. فقال سليمان رضي اللّه عنه: أما الآن فقل نسمع.

نصيحة شداد بن عمرو بن أوس لمعاوية

بلغني عن حفص بن عمران الرازي عن الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمرو قال: قال معاوية لشداد بن عمرو بن أوس: قم فاذكر عليّاً فتنقّصه. فقام شدّاد فقال: "الحمد اللّه الذي افترض طاعته على عباده وجعل رضاه عند أهل التقوى أثر من رضا غيره. على ذلك مضى أوّلهم وعليه يمضي آخرهم. أيهم الناس إن الآخرة وعد صادق يحكم فيهم ملك قادر، وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منهم البرّ والفاجر، وإن السامع المطيع لا حجة عليه وإن السامع العاصي لا حجة له. وإن اللّه جل وعز إذا أراد بالناس صلاحاً عمّل عليهم صلحاءهم وقضّى بينهم فقهاءهم وجعل المال في سمحائهم، وإذا أراد بالعباد شراً عمّل عليهم سفهاءهم وقضّى بينهم جهلاءهم وجعل المال عند بخلائهم. وإن من صلاح الولاة أن يصلح قرناؤهم. نصحك يا معاوية من أسخطك بالحق وغشّك من أرضاك بالباطل فقال له معاوية: اجلس. وأمر له بمال، وقال: ألست من السمحاء؟ فقال: إن كان مالك دون مال المسلمين تعمّدت جمعه مخافة تبعته فأصبته حلالاً وأنفقته إفضالاً، فنعم. وإن مما شاركك فيه المسلمون فاحتجنته دونهم، أصبته اقترافاً وأنفقته إسرافاً، فإن اللّه عز وجل يقول: "إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشّياطين وكان الشّيطان لرّبه كفوراً

؟لعمرو بن عبيد في سارق

مرّ عمرو بن عبيد بجماعة عكوفٍ، فقال: ما هذا؟ قالوا: سارق يقطع. فقال: لا إله إلا اللّه، سارق السر يقطعه سارق العلانية.

لابن شبرمة في الاتصال السلطان

ومر طارقٌ صاحب شرطةٌ خالد القسري بابن شبرمة، وطارق في موكبه فقال ابن شبرمة:

أراهم وإن كانت تحبّ كأنهـم

سحابة صيف عن قريب تقشّع

اللهم لي ديني ولهم دنياهم. فاستعمل ابن شبرمة بعد ذلك على القضاء، فقال له ابنه: أتذكر يوم مرّ بك طارق في موكبه وقلت ما قلت؟ فقال: يا بني، إنهم يجدون مثل أبيك ولا يجد مثلهم أبوك. إن أباك أكل من حلوائهم وحط في أهوائهم.

ولعبد الرحمن بن قيس

ولي عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس المدينة سنتين فأحسن السيرة وعفّ عن أموال الناس ثم عزل فاجتمعوا إليه فأنشد لدرّاج الضّبابي:

فلا السجن أبكاني ولا القيد شفّني

ولا أنني من خشية الموت أجزع

؟ولكن أقواماً أخاف عليهم=إذا متّ أن يعطوا الذي كنت أمنع ثم قال: واللّه ما أسفت على هذه الولاية ولكني أخشى أن يلي هذه الوجوه من لا يرعى لهم حقهم .

من كتاب لعليّ بن أبي طالب إلى ابن عباس

ووجدت في كتاب لعليّ بن أبي طالب كرم اللّه وجهه إلى ابن عباس حين أخذ من مال البصرة ما أخذ: "إني أشركتك في أمانتي ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدوّ قد حرب قلبت لابن عمك ظهر المجنّ بفراقه مع المفارقين وخذلانه مع الخاذلين واختطفت ما قدرت عليه من أموال الأمة اختطاف الذئب الأزل دامية المعزىوفي الكتاب: "ضحّ رويداً فكأن قد بلغت المدى وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي به ينادي المغترّ بالحسرة ويتمنى المضيّع التوبة والظالم الرجعة".من كتاب عمر بن عبد العزيز لعديّ بن أرطأة

وفي كتاب لعمر بن عبد العزيز إلى عديّ بن أرطأة: "غرّني منك مجالستك القرّاء وعمامتك السوداء فلما بلوناك وجدناك على خلاف ما أمّلناك، قاتلكم اللّه! أما تمشون بين القبور".

لابن أحمد يذكر عمال الصدقة

قال ابن أحمد يذكر عمال الصدقة:

إن العياب التي يخفون مـشـرجة

فيهم البيان ويلوي عندك الخـبـر

فابعث اليهم فحاسبهم مـحـاسـبة

لا تخف عين على عين ولا أثـر

هل في الثماني من السبعين مظلمة

وربّهم بكتاب الله مـصـطـبـر

وقال عبد اللّه بن همّام السلّولي:

أقلّي عليّ الـلـوم يا أم مـالـك

وذمّي زماناً ساد فيه الفـلاقـس

وساعٍ مع السلطان ليس بنـاصـح

و" محترس من مثله وهو حارس"

قدم بعض عمال السلطان من عمل فدعا قوماً فأطعمهم وجعل يحدّثهم بالكذب، فقال بعضهم: نحن كما قال اللّه عزو جل: "سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت" قال بعض الشعراء:

ما ظنّكم بأناس خير كسـبـهـم

مصرّح السحت سمّوه الإصابات

لأبي نواس في إسماعيل بن صبيح

وقال أبو نواس في إسماعيل بن صبيح:

بنيت بما خـنـت الإمـام سـقـاية

فلا شربوا إلا أمرّ من الـصـبـر

فما كنت إلا مثل بـائعة اسـتـهـم

تعود على المرضى به طلب الأجر

وله أيضاً

وقال فيه أيضاً لمحمد الأمين:

ألست أمين اللّه سيفك نـقـمة

إذا ماق يوماً في خلافك مائق

فكيف بإسماعيل يسلم مثـلـه

عليك ولم يسلم عليك منافـق

أعيذك بالرحمن من شرّ كاتب

له قلم زان وآخـر سـارق

وقال فبه أيضاً:

ألا قل لإسماعيل إنـك شـارب

بكأس بني ما هم ن ضربة لازم

أتسمن أولاد الطريد ورهـطـه

بإهزال آل اللّه من نسل هاشـم

وتخبر من لاقيت أنـك صـائم

وتغدو بفرج مفطر غير صائم

فإن يسر إسماعيل في فجراتـه

فليس أمير المؤمنـين بـنـائم

لأنس الدؤلي في حارثة بن بدر

ولي حارثة بن بدر "سرّق " فكتب إليه أنس الدؤلي:

أحار بن بدر قـد ولـيت ولاية

فكن جرذاً فيهم تخون وتسـرق

وبار تميماً بالغنى إن للـغـنـى

لساناً به المرء الهيوبة ينـطـق

فإن جميع الناس إمـا مـكـذّب

يقول بما يهوى وإما مـصـدّق

يقولون أقوالاً ولا يعلمـونـهـم

وإن قيل هم توا حقّقوا لم يحقّقوا

ولا تحقرن يا حار شيئاً أصبتـه

فحظّك من ملك العراقين سرّق

فلما بلغت حارثة قال: لا يعمى عليك الرشد.

في الأمانة والخيانة

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن جويرية بن أسماء قال: قال فلان: "إن الرجل ليكون أميناً فإذا رأى الضّياع خان".

نصيحة أبرويز لابنه

قرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه: "اجعل عقوبتك على اليسير من الخيانة كعقوبتك على الكثير منهم، فإذا لم يطمع منك في الصغير لم يجترأ عليك في الكبير. وأبرد البريد في الدرهم ينقص من الخراج، ولا تعاقبن على شيء كعقوبتك على كسره ولا ترزقنّ على شيء كرزقك على إزجائه، واجعل أعظم رزقك فيه وأحسن ثوابك عليه حقن دم المزجي وتوفير ماله من غير أن يعلم أنك أحمدت أمره حين عفّ واعتصم من أن يهلك".

قول ابرويز لصاحب بيت المال

وقرأت في "التاج" أن أبرويز قال لصاحب بيت المال: "إني لا أحتملك على خيانة درهم ولا أحمدك على حفظ ألف ألف درهم، لأنك إنما تحقن بذلك دمك وتعمر به أمانتك فإنك إن خنت قليلاً خنت كثيراً. واحترس من خصلتين: النقصان فيما تأخذ، والزيادة فيما تعطي. واعلم أني لم أجعل أحداً على ذخائر الملك وعمارة المملكة والعدّة على العدوّ إلا وأنت آمن عندي من موضعه الذي هو فيه وخواتيمه التي هي عليها، فحقّق ظني في اختياري إيّاك أحقق ظنك في رجائك لي، ولا تتعوّض بخير شراً ولا برفعة ضعة ولا بسلامة ولا بأمانة خيانة".
وكان يقال: "كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة".

قول معاذ بن جبل لأبي بكر


قدم معاذ من اليمن بعد وفاة رسول اللّه على أبي بكر رضي اللّه عنه فقال له: ارفع حسابك. فقال: أحسابان، حساب من اللّه وحساب منكم؟ لاو اللّه لا ألي لكم عملاً أبداً.

قول أعرابي في الخونة

ذكر أعرابي رجلاً خائناً فقال: إن الناس يأكلون أماناتهم لقما، وإن فلاناً يحسوها حسواً.

نصيحة سلطان لعامل له

قال بعض السلاطين لعامل له: "كل قليلاً تعمل طويلاً والزم العفاف يلزمك العمل، وإياك والرّشا يشتد ظهرك عند الخصام

القضاء

صفات القاضي

حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا بشر المفضّل بن لاحق قال: حدّثنا المغيرة بن محمد عن عمر بن عبد العزيز قال: "لا ينبغي للرجل أن يكون قاضياً حتى تكون فيه خمس خصال: يكون عالماً قيل أن يستعمل، مستشيراً لأهل العلم، ملقياً للرّثع، منصفاً للخصم، محتملاً للائمة".
حدّثني عليّ بن محمد قال: حدّثنا إسماعيل بن إسحاق الأنصاري عن عبد اللّه بن لهيعة عن عبد اللّه بن هبيرة عن عليّ عليه السلام أنه قال: "ذمتي رهينة وأنا به زعيم لمن صرحت له العبر ألّا يهلك على التقوى زرع قوم ولا يظمأ على التقوى سنخ أصل. ألا وإن أبغض خلق اللّه إلى اللّه رجل قمش جهلاً، غارًّا بأغباش الفتنة، عمياً بما في عقد الهدنة، سمّاه أشباهه من الناس عالماً ولم يغن في العلم يوماً سالماً. بكّر فاستكثر، ما قلّ منه فهو خير مما كثر حتى إذا ما ارتوى من آجن واكتنز من غير طائل قعد بين الناس قاضياً لتخليص ما التبس على غيره، إن نزلت به إحدى المبهمات هيأ حشوا رثّاً من رأيه، فهو من قطع الشبهات في مثل غزل العنكبوت. لا يعلم إذا أخطأ، لأنه لا يعلم أأخطأ أم أصاب. خبّاط عشوات ركّاب جهم لات، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم ولا يعضّ في العلم بضرس قاطع. يذرو الرواية ذرو الريح الهشيم، تبكي منه الدماء وتصرخ منه المواريث ويستحلّ بقضائه الفرج الحرام. لا ملىءٌ واللّه بإصدار ما ورد عليه ولا أهلٌ لما قرّظ به".

لابن شبرمة في القضاء

قال ابن شبرمة:

ما في القضاء شفعة لمخاصم

عند اللبيب ولا الفقيه الحاكم

أهون عليّ إذا قضيت بسـنة

أو بالكتاب برغم أنف الراغم

وقضيت فيما لم أجد أثراً بـه

بنظائر معروفة ومعـالـم

بين شريح والحجاج في توليه القضاء

الهيثم عن ابن عيّاش عن الشّعبي قال: كان أوّل قاضي قضى لعمر بن الخطاب بالعراق سلمان بن ربيعة الباهلي، ثم شهد القادسية وكان قاضياً بهم ، ثم قضى بالمدائن، ثم عزله عمر واستقضى شرحبيل على المدائن، ثم عزله واستقضى أبا قرّة الكندي، وهو اسمه، فاختط الناس الكوفة وقاضيهم أبو قرّة. ثم استقضى شريح بن الحارث الكندي فقضى خمساً وسبعين سنة إلا أن زياداً أخرجه مرة إلى البصرة واستقضى مكانه مسروق بن الأجدع سنة حتى قدم شريح فأعاده ولم يزل قاضياً حتى أدرك الفتنة في زمن ابن الزبير فقعد ولم يقض في الفتنة. فاستقضى عبد اللّه ابن الزبير رجلاً مكانه ثلاث سنين فلما قتل ابن الزبير أعيد شريح على القضاء فلقي رجل شريحاً في الطريق فقال: يا أبا أميةقضيت واللّه بجور. قال: وكيف ذاك؟ ويحك! قال: كبرت سنّك واختلط عقلك وارتشى ابنك. فقال شريح: لاجرم لا يقولهم أحد بعدك. فأتى الحجاج فقال: واللّه لا أقضي بين اثنين. قال: واللّه لا أعفيك أو تبغيني رجلاً.فقال شريح: عليك بالعفيف الشريف أبي بردة بن أبي موسى. فاستقضاه الحجاج وألزمه سعيد بن جبير كاتباً و وزيراً.

بين علقمة بن مرثد ومحارب بن دثار

وروى الثوري عن علقمة بن مرثد أنه لقي محارب بن دثار وكان على القضاء فقال له: يا محارب، إلى كم تردّد الخصوم؟ فقال له: إني والخصوم كما قال الأعشى:

أرقت وما هذا السّهاد الـمـؤرّق

وما بي من سقم وما بي معشـق

ولكن أرانـي لا أزل بـحـادث

أغادي بما لم يمس عندي وأطرق

رد إياس بن معاوية على رجل سأله عن مسألة فطوّل فيهم


حدّثني إسحق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن قريش بن أنس عن حبيب ابن الشهيد قال: كنت جالساً عند إياس بن معاوية فأتاه رجل فسأله عن مسألة فطوّل فيهم ، فقال إياس: إن كنت تريد الفتيا فعليك بالحسن معلمي ومعلم أبي، وإن كنت تريد القضاء فعليك بعبد الملك ابن يعلى - وكان على قضاء البصرة يومئذ - وإن كنت تريد الصلح فعليك بحميد الطويل، وتدري ما يقول لك؟ يقول لك: حطّ شيئاً، ويقول لصاحبك: زده شيئاً حتى نصلح بينكما.، وإن كنت تريد الشغب فغليك بصالح السّدوسي، وتدري ما يقول لك؟ يقول لك: اجحد ما عليك. ويقول لصاحبك: ادّع ما ليس لك وادع بيّنةً غيّباً.

من صفات الحاكم وخصائص القضاء الحق

قرأت في الآيين: "ينبغي للحاكم أن يعرف القضاء الحقّ العدل والقضاء العدل غير الحق والقضاء الحق غير العدل ويقايس بتثبّت وروية ويتحفّظ من الشبهةوالقضاء الحق العدل عندهم قتل النفس بالنفس، والقضاء العدل غير الحق قتل الحرب بالعبد ، والقضاء الحق غير العدل الدية على العاقلة.

قول أعرابي في الحق

حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أخي الأصمعيّ قال: قال أعرابي لقوم يتنازعون: هل لكم في الحق أو فيما هو خير من الحق؟ فقيل: وما يكون خيراً من الحق؟ قال: التحاطّ والهضم فإن أخذ الحق كله مرٌّ.

حكم الهوى

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: اختلف رجلان في شيء فحكّما رجلاً له في المخطىء همى، فقال للمخطىء: من يقول بقولك أكثر.
الهيثم بن عدي قال: تقدّمت كلثم بنت سريع مولى عمرو بن حريث وأخوها الوليد إلى عبد الملك بن عمير وهو قاضي الكوفة، وكان ابنه عمرو بن عبد الملك يرمى بهما فقضى لهم ، فقال هذيل الأشجعي:

أتاه رفيق بـالـشـهـود يسـوقـهـم

على ما ادّعت من صامت المال والخول

فأدلـى ولـيدٌ عـنـد ذاك بـحـقــه

وكـان ولـيد ذا مـراء وذا جـــدل

ففتّنت القبطيّ حتى قـضـى لـهـمـا

بغير قضاء اللّه في السّـور الـطّـول

فلو كان من في القصر يعلم عـلـمـه

لما استعمل القبطيّ فينا علـى عـمـل

له حين يقضي للـنـسـاء تـخـاوصٌ

وكان ما منه التـخـاوص والـحـول

إذا ذات دلٍّ كـلـمـتـه لـحـــاجة

فهمّ بأن يقضي تنـحـنـح أو سـعـل

وبـرّق عـينـيه ولاك لـسـانـــه

يرى كل شيء ما خلا شخصهم جلـل"

فكان عبد الملك بن عمير يقول: واللّه لربما جاءتني السعلة أو التنحنح وأنافي المتوضّأ فأكفّ عن ذلك.

؟لابن مناذر في خالد بن طلق القاضي

وقال ابن مناذر قي خالد بن طليق وكان قد ولي قضاء البصرة:

قل لأمير المؤمنـين الـذي

من هاشم في سرّها واللباب

إن كنت للسّخطة عاقبتـنـا

بخالد فهو أشدّ الـعـقـاب

كان قضاة الناس فيما مضى

من رحمة اللّه وهذا عذاب

يا عجباً من خالـد كـيف لا

يخطىء فتيا مرةً بالصواب

وقال فيه:

جعل الحاكم يا لـلـنّ

اس من آل طـلـيق

ضحكةٌ يحكم في النـا

س برأي الجاثـلـيق

أي قاض أنت في النق

ص وتعطيل الحقوق

يا أبا الهـيثـم مـا أن

ت لهـذا بـخـلـيق

لا ولا أنت لمـا حـمّ

لت منه بـمـطـيق

؟رد بكر بن عبد اللّه المزني

على عدي ابن أرطاة لما أراد توليته القضاء

أراد عديّ بن أرطاة بكر بن عبد اللّه المزني على القضاء فقال له بكر: واللّه ما أحسن القضاء، فإن كنت كاذباً أو صادقاً فما يحلّ لك أن توليني.

؟؟؟؟؟من قضاء ابن شبرمة


وروى عبد الرزاق عن معمر قال: لما عزل ابن شبرمة عن القضاء قال له والي اليمن: اختر لنا رجلاً نوليه القضاء. فقال له ابن شبرمة: ما أعرفه. فذكر له رجل من أهل صنعاء فأرسل إليه فجاء، فقال له ابن شبرمة: هل تدري لم دعيت؟ قال: لا. قال: إنك قد دعيت لأمر عظيم، للقضاء. قال: ما أيسر القضاء! فقال له ابن شبرمة: فنسئلك عن شيء يسير منه. قال: سل. قال له ابن شبرمة: ما تقول في رجل ضرب بطن شاة حامل فألقت ما في بطنهم؟ فسكت الرجل، فقال له ابن شبرمة: أنا بلونك فما وجدنا عندك شيئاً. فقيل له ما القضاء فيهم؟ قال ابن شبرمة: تقوّم حاملاً وتقوّم حائلاً ويغرم قدر ما بينها.

امتحان يحيى بن أكثم لمن يريد القضاء

حدّثني عبد اللّه بن محمد؟ الخلنجي قال: كان يحيى بن أكثم يمتحن من يريدهم للقضاء، فقال الرجل: ما تقول في رجلين زوّج كل واحد منهما الآخر أمّه فولد لكل واحد من امرأته ولد، ما قرابة ما بين الولدين؟ فلم يعرفهم ، فقال له يحيى: كل واحد من الولدين عمّ الآخر لأمه.

بين عبد الملك بن مروان وحميد بن بحدل

ودخل رجل من أهل الشأم على عبد الملك بن مروان فقال: إني تزوجت امرأة وزوجت ابني أمّهم ولا غنى بنا عن رفدك. فقال له عبد الملك: إن أخبرتني ما قرابة ما بين أولادكما إذا أولدتما، فعلت. قال: يا أمير المؤمنين، هذا حميد بن بحدل قد قلدته سيفك ووليته ما وراء بابك فسله عنهم ، فإن أصاب لزمني الحرمان، وإن أخطأ اتسع لي العذر. فدعا بالبحدلي فسأله، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك ما قدمتني على العلم بالأنساب ولكن على الطعن بالرّماح، أحدهما عمّ الآخر والآخر خاله.

رفض ابن أبي حذيفة تولي القضاء

قال ابن سيرين: كنا عند أبي عبيد ة بن أبي حذيفة في قبّة له وبين يديه كانون له فيه نار فجاءه رجل فجلس معه على فراشه فسارّه بشيء لا ندري ما هو، فقال له أبو عبيد ة: ضع لي إصبعك في هذه النار. فقال له الرجلك سبحان اللّه! تأمرني أن أضع لك أصبعي في هذه النار! فقال له أبو عبيد ة: أتبخل عليّ بأصبع من أصابعك في نار الدنيا وتسألني أن أضع لك جسدي كله في نار جهنم! قال: فظننا أنه دعاه إلى القضاء.

صفات القاضي الكامل وغير الكامل

كان يقال: "ثلاث إذا كنّ في القاضي فليس بكامل: إذا كره اللوائم، وأحبّ المحامد، وكره العزل. وثلاث إذا لم تكن فيه غليس بكامل: يشاور وإن كان عالماً، ولا يسمع شكيّة من أحد حتى يكون معه خصمه، ويقضي إذا علم".
قالوا: "ويحتاج القاضي إلى العدل في لحظه ولفظه وقعود الخصوم بين يديه وألا يقضي وهو غضبان ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الآخر".

بين الشعبي وشريح في ترك الأخذ بالظواهر

قال الشعبي: حضرت شريحاً ذات يوم وجاءته امرأة تخاصم زوجهم فأرسلت عينيهم فبكت فقلت: يا أبا أمية ما أظنهم إلا مظلومة. فقال: يا شعبي، إن أخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون.

كتاب عمر بن الخطاب

إلى أبي موسى الأشعريّ في القضاء


بلغني عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إلى أبي موسى الأشعريّ كتاباً فيه: "بسم اللّه الرحمن الرحيم، من عبد اللّه عمر أمير المؤمنين إلى عبد اللّه بن قيس. سلام عليك، أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فأفهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكنلّم بحق لا نفاذ له. آس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك. البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين الناس إلا صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً، ولا يمنعنّك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت لرشدك أن ترجع إلى الحق فإن الحق لا يبطله شيء. واعلم أن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك مما ليس فيه قرآن ولا سنة، واعرف الأشباه والأمثال ثم قس الأمور عند ذلك ثم اعمد لأحبّهم إلى اللّه وأشبههم بالحق فيما ترى. اجعل لمن ادّعى حقاً غائباً أمداً ينتهي إليه فإن أحضر بينة أخذ بحقه وإلا استحللت عليه القضاء. والمسلمون عدول في الشهم دة إلامجلوداً في حدّ أو مجرّباً عيه شهم دة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة. إن اللّه عزّ وجل تولّى منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات والإيمان. وإياك والقلق والضجر والتإذي بالخصوم في مواطن الحق التي يوجب اللّه بهم الأجر ويحسن الذخر، فإنه من صلحت سريرته فيما بينه وبين اللّه أصلح اللّه ما بينه وبين الناس، ومن تزيّن للدنيا بغير ما يعلم اللّه منه شانه اللّه، والسلام".

لشعر لسلمة بن الخرشب بشأن الرهن التي وضعت

على يدي سبيع التغلبي في قتلى عبس وذبيان

وقال سلمة بن الخرشب لسبيع التغلبي في شأن الرّهن التي وضعت على يديه في قتلى عبس وذبيان:

أبلغ سـبـيعـا وأنـت سـيدنـا

قدما وأوفى رجالـنـا ذمـمـا

أن بـغـيضـاً وأن أخـوتـهـم

ذبيان قد ضرّموا الذي اضطرما

نبّئت أن حـكّـمـوك بـينـهـم

فلا تقولـنّ بـئس مـا حـمـك

إن كنت ذا عـرفة بـشـأنـهـم

تعرف ذا حقّهم ومن ظـلـمـا

وتنزل الأمـر فـي مـنـازلـه

حكما وعلما وتحضر الفـهـمـا

فاحكم فأنت الحـكـيم بـينـهـم

لن يعدموا الحقّ بارداً صمـتـا

واصدع أديم الـسـواء بـينـهـم

على رضى من رضا ومن رغما

إن كان مالا فـمـثـل عـدّتـه

مالٌ بـمـال وإن دمـاً فـدمـا

هذا وإن لم تطق حكـومـتـهـم

فانبذ إليهم أمـورهـم سـلـمـا

إعجاب عمر بن الخطاب من علم زهير بن أبي سلمى

وأنشد عمر بن الخطاب شعر زهير بن أبي سلمى، فلما بلغ قوله:

فإن الحق مقطعه ثلاث

 

يمينٌ أو نفارٌ أو جلاء

جعل عمر يتعجب من علمه بالحقوق وتفصيله بينهم ويقول كلا يخرج الحق من إحدى ثلاث إما يمين أو محاكمةٌ أو حجةٌ.

شعر لابن أبي ليلى الفقيه في القاضي ابن شبرمة

وقال ابن أبي ليلى الفقيه في عبد اللّه بن شبرمة:

وكيف ترجّى لفصل القضاء

ولم تصب الحكم في نفسكا

وتزعم أنك لابن الـجـلاح

وهيهم ت دعواك من أصلكا

شعر العلاء بن المنهم ل في شريك القاضي

عبد اللّه بن صالح العجلي قال: خرج شريك وهو على القضاء يتلقى الخيزران وقد أقبلت تريد الحج، فأتى، "شاهي"، فأقام بهم ثلاثاً ولك تواف فخفّ زاده وما كان معه من الخبز فجعل يبلّه بالماء وي أكله بالملح، فقال العلاء بن المنهم ل الغنوي:

فإن كان الذي قد قلت حـقـاً

بأن قد أكرهوك على القضاء

فما لك موضعاً في كـل يوم

تلقّى من يحجّ من النـسـاء

مقيماً في قرى شاهي ثلاثـا

بلا زاد سوى كسـرٍ ومـاء

يزيد النـاس خـيراً كـلّ يوم

فترجع يا شريك إلـى وراء

وقال فيه أيضاً:

فليت أبا شريك كـان حـيا

فيقصر حين يبصره شريك

ويترك من تدرّيه علـيّنـا

إذا قلنا لـه هـذا أبـوك

شعر في بعض الحكام غير العدول

وأنشد لبعض الشعراء في بعض الحكام:

أبكي وأندب بهجة الإسـلام

إذ صرت تقعد مقعد الحكّام

إن الحوادث ما علمت كثيرة

وأراك بعض حوادث الأيام

حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثني القاسم بن الفضل قال: حدّثني رجل من بني جرير أن رجلاً منهم خاصم رجلاً إلى سوّار بن عبد اللّه فقضى على الجريري، فمر سوّار ببني جرير فقام إليه الجريري فصرعه وخنقه وجعل يقول:

رأيت أحلاماً فعبّرتـهـم

وكنت للأحلام عـبّـارا

رأيتني أخنق ضبًّا علـى

حجر وكان الضبّ سوّارا

في الشهم دات

أقوال في الشهم دة

حدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال لي أيوب: إن من أصحابي من أرجو دعوته ولا أجيز شهم دته. قال: وقال سوّار: ما أعلم أحداً أفضل من عطاء السّلمي، ولو شهد عندي على فلسين لم أجز شهم دته. يذهب إلى أنه ضعيف الرأي ليس بالحازم، لا أنه يطعن عليه في دينه وأمانته.
قال: وشهد أبو عمرو بن العلاء عند سوّار على نسب فقال سوار: وما يدريك أنه ابنه؟ قال: كما أعلم أنك سوّار بن عبد اللّه بن عنزة بن نقب.
قال: وشهد رجل عند سوار في دار قد ادّعاهم رجل قال: أشهد أنهم من الماء إلى السماء.
وشهد آخر فقال للكاتب: اكتب شهم دتهما. فقال: أيّ شي ء أكتب؟ فقال: كلّ شيء يخرج الدار من يد هذا ويجعلهم في ملك هذا فاكتبه.
قال أبو حاتم: بلغني أنه إنما قيل شهم دة عربية وما أشبهه.
قال: وشهد رجل عند سوار، فقال له: ما صناعتكن؟ قال: أنا مؤدّب. قال: فإنّا لا نجيز شهم دتكن. قال: ولم؟ قال: لأنك تأخذ على تعليّم القرآن أجراً. قال: وأنت تأخذ على القضاء بين المسلمين أجراً. قال إني أكرهت على القضاء. قال: يا هذا، القضاء أكرهت عليه فهل أكرهت على أخذ الرزق؟ قال: هلمّ شهم دتكن. فأجازهم .
قال:وشهد الفرزدق عند بعض القضاة فقال: قد أجزنا شهم دة أبي فراس، وزيدونا. فقيل له حين انصرف: إنه واللّه ما أجاز شهم دتكن. قال: وما يمنعه من ذلكوقد قذفت ألف محصنة.

شعر لأبي دلامة في شهم دته عند ابن أبي ليلى

وجاء أبو دلامة ليشهد عند ابن أبي ليلى فقال في مجلسه ذلك:

إن القوم غطّوني تغطيت دونهم

وإن بحثوا عني ففيهم مباحـث

وإن حفروا بئري حفرت بئارهم

ليعلم ما تخفيه تلك النّـبـائت

فأجاز شهم دته وحبس المشهود عليه عنده وأعطاه قيمة الشيء.

من قضاء ابن شبرمة

أتى رجل ابن شبرمة بقوم يشهدون له على قراح فيه نخل، فشهدوا وكانوا عدولاً فسألهم: كم في القراح من نخلة؟ قالوا: لا نعلم. فردّ شهم دتهم. فقال له رجل منهم: أنت تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة، فأعلمنا: كم فيه من أسطوانة؟ فأجازهم.

شعر في خصومة القاضي

وقال بعض الشعراء:

والخصم لا يرتجى النجاة لـه

يوماً إذا كان خصمه القاضي

قول لزياد في الحقوق إلى ذوي الخاصّة منه

قدم رجلاً خصماً له إلى زياد في حق له عليه، فقال: إن هذا الرجل يدلّ بخاصّة ذكر أنهم له منك. قال: نعم. وسأخبرك بما ينفعه عندي من خاصّته: إن يكن الحقّ له عليك آخذك أخذاً عنيفاً، وإن يكن الحق لك عليه أقضىلا عليه ثم أقض عنه.

في الحكم إلى الأخوان

وقال أبو اليقظان: كان عبيد اللّه بن أبي بكرة قاضياً وكان يميل في الحكم إلى إخوانه. فقيل له في ذلك. فقال: وما خير رجل لا يقطع من دينه لإخوانه؟

قول عمرو بن العاص لطلحة بن عبيد اللّه والزبير

قال المدائني: كان بين طلحة بن عبيد اللّه والزبير مدارأة في واد بالمدينة. قال: فقالا: نجعل بيننا عمرو بن العاص، فأتياه فقال لهما: أنتما في فضلكما وقديم سوابقكما ونعمة اللّه عليكما تختلفان! وقد سمعتما من رسول اللّه مثل ما سمعت وحضرتما من قوله مثل الذي حضرت فيمن اقتطع شبرا من أرض أخيه بغير حق أنه يطوّقه من سبع أرضين! والحكم أحوج إلى العدل من المحكوم عليه وذلك أن الحكم إذا جار رزيء دينه والمحكوم عليه إذا جير عليه رزيء عرض الدنيا "إن شئتما فأدليا بحجتكنما" وإن شئتما فأصلحا ذات بينكما. فاصطلحا وأعطى كل واحد منهما بصاحبه بالرضا.

فيمن كان السندي لا يقبل شهم دتهم

وكان السّنديّ بن شاهك لا يستحلف المكاري ولا الحائك ولا الملّاح ويجعل القول قول المدّعي مع يمينه، ويقول: اللهم إني أستخيرك في الجمّال ومعلّم الصبيان. فيمن لاتقبل شهم دته في البادية

وقال أبو البيداء: سمعت شيخاً من الأعراب يقول: نحن بالبادية لا نقبل شهم دة العبد ولا شهم دة العذيوط ولا المغذّى ببوله. قال أبو البيداء: فضحكت واللّه حتى كدت أبول في ثوبي.

لعبيد اللّه بن الحسن في عدم إجازة شهم دة الأحمق

وقيل لعبيد اللّه بن الحسن العنبري: أتجيز شهم دة رجل عفيف تقيّ أحمق؟ قال: لا، وسأريكم. ادعوا لي أبا مودود حاجبي. فلما جاء قال له: اخرج حتى تنظر ما الريح؟ فخرج ثم رجع فقال: شمال يشوبهم شيء من الجنوب. فقال: أتروني كنت مجيزاً شهم دة مثل هذا؟

بين الأعمش ومحارب بن دثار

في ولاية القضاء والعزل عنه

قال الأعمش: قال لي محارب بن دثار: وليت القضاء فبكى أهلي وعزلت عنه فبكوا، فما أدري مم ذاك؟ فقلت له: وليت القضاء فكرهته وجزعت منه فبكى أهلك، وعزلت عنه فكرهت العزل وجزعت منه فبكى أهلك. فقاتل: إنه لكما قلت.

بين إياس بن معاوية وقاضٍ لعبد اللّه بن مروان

قدم إياس بن معاوية الشأم وهو غلام فقدّم خصما له إلى قاض لعبد الملك بن مروان وكان خصمه شيخاً كبيراً. فقال له القاضي: أتقدّم شيخاً كبيراً؟ فقال له إياس الحق أكبر منه. قال: اسكت. قال: فمن ينطق بحجتي؟ قال: ما أظنك تقول حقاً حتى تقوم. قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه. فقام القاضي فدخل على عبد الملك فأخبره بالخبر فقال: اقض حاجته وأخرجه من الشأم لا يفسد عليّ الناس.

قول أعرابي لخصمٍ له

قال أعرابي لخصم له: "واللّه لئن هملجت إلى الباطل إنك عن الحق لقطوف".

باب الأحكام

قضاء رسول الله في الطرق أنهم سبع أذرع

حدّثني عبد ة بن عبد الله قال: حدّثنا وهب بن جرير قال: حدّثني أبي قال: سمعت الزبير بن الحارث يحدّث عن عكرمة عن أبي هريرة قال: "قضى رسول اللّه إذا اختلف الناس في الطرق أنهم سبع أذرع".

كفالة النبي رجلاً في تهمة

حدّثني يزيد بن عمرو عن محمد بن موسى عن أبراهيم بن حنتم عن غزال بن مالك الغفاري عن أبيه عن جدّه قال: "كفل النبي عليه السلام رجلاً في تهمة".

من أحكام النبيّ

قال: وحدّثني أيضاً عن إبراهيم بن حنتم عن غزال بن مالك عن أبيه عن جدّه قال: قال أبو هريرة: "حبس النبي في اللّهمة حبساً يسيراً حتى استبرأ حدّثني يزيد قال: حدّثني الوليد عن جرير بن حازم عن الحسن: "أنّ رسول اللّه صلب رجلاً على جبل يقال له: رباب" وقال لي رجل بالمدينة: هو ذو رباب.
حدّثني أحمد بن خليل عن سليمان بن حرب عن جرير عن يعلى بن حكيم عن أبيه عن ابن عباس قال: "أتى ماعز بن مالك النبي فقال: إني زنيت يا رسول اللّه. فقال: لعلك مسست أو لمست أو غمزت. فقال: لا. بل زنيت. فأعادهم عليه ثلاثاً، فلما كان في الرابعة رجمه".

من أحكام أبي الدرداء

حدّثني شبابة عن القاسم بن الحكم عن الثوري عن عليّ بن الأقمر عن يزيد بن أبي كبشة أن أبا الدرداء أتي بامرأة سرقت، فقال: أسرقت؟ قولي: لا.

بين زياد والأحنف

حدّثني سهل بن محمد قال: حدّثني الأصمعيّ قال: جاءوا زياداً بلصّ وعنده جماعة فيهم، الأحنف فانتهروه وقالوا: اصدق الأمير. فقال الأحنف: إن الصدق أحياناً معجزة. فأعجب ذلك زياداً وقال: جزاك اللّه خيراً.

لابن عباس في جزّ الرأس واللحية

حدّثني شبابة عن القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عيّاش عمن حدّثه عن ابن عباس قال: "جزّ الرأس واللّحية لا يصلح في العقوبة لاأن اللّه عز وجل جعل حلق الرأس نسكاً لمرضاته".

لعمر بن عبد العزيز في المثلة في العقوبة

حدّثني شبابة عن القاسم عن الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز قال: "إياكم والمثلة في العقوبة جزّ الرأس واللحية".

من أحكام مروان بن الحكم

حدّثني مجمد بن خالد بن خداش قال: حدّثنا سلابن قتيبة قال: حدّثنا يونس عن أبي بكر ابن حفص بن عمر قال: كان مروان بن الحكم أمير المدينة فقضى في رجل فزّع رجلاً فضرط بأربعين درهماً.

لابن مسعود

حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عم أبي إسحاق عن جوبير عن الضحاك عن ابن مسعود قال: "لا يحل في هذه الأمة غلٌّ ولا صفدٌ ولا تجريد ولامدٌّ
حدّثني عبد الرحمن عن الأصمعيّ قال: كان عامر بن الظّرب العدواني حكم العرب، فنزل به قوم يستفتونه في خنثى وله جارية يقال لهم خصيلة. وربما لامهم في الإبطاء في الرعي وفي الشيء يجده عليهم. فقال: يا خصيلة لقد حبست هؤلاء القوم وريّثتهم حتى أسرعت في غنمي.
قالت: وما يكن عليك من ذلك؟ أتبعه مباله. فقال لهم: "مسّي خصيل بعدهم أو روّحي".

حكم جابر بن زيد في تحديد صفة إنسان

قال: وأتي ابن زياد بإنسان له قبل وذكر ولا يدري كيف يورّث. فقال: من لهذا؟ فقالوا: أرسل إلى جابر بن زيد. فأرسل إليه، فجاء يرسف في قيوده فقال: ما تقول: في هذا؟ فقال: ألزقه بالجدار فإن بال عليه فهو ذكر، وغن بال في رجليه فهو أنثى.

رفض شريح بالقضاء في الطنبور

حدّثني محمد بن خالد بن خداش قال: حدّثنا سلابن قتيبة قال: حدّثنا قيس بن الربيع عن أبي حصين أن لرجلاً كسر طنبوراً لرجل فخاصمه إلى شريح، فقال شريح: لا أقضي في الطنبور بشيء.

بين أبي العجاج وأبي الأصمعيّ

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبيه قال: قال لي أبو العجاج: يا بن أصمع واللّه لئن أقررت لألزمنّك. أي لاتقر.

؟حكم إياس بن معاوية في رد جارية حمقاء

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبيه عن معمر قال: ردّ رجل على رجل جارية اشتراهم منه، فخاصمه إلى إياس بن معاوية، فقال له: بم تردّهم ؟ قال له: بالحمق. فقال لهم إياس: أيّ رجليك أطول؟ فقالت: هذه. فقال: أتذكرين ليلة ولدت؟ قالت: نعم. فقال إياس: ردّ ردّ.

قضاء الشعبي وهو على جلد أسد

حدّثني أبو الخطاب قال: حدّثنا أبو داود عن قيس عن أبي حصين قال: رأيت الشّعبيّ يقضي على جلد أسد.

الظلم

كلام المظلوم ووجه الظالأ

حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب قال: حدّثني الأصمعيّ قال: أخبرنا بعض أشياخ البصرة أن رجلاً وامرآته اختصما إلى أمير من أمراء العراق وكانت المرأة حسنة المتنقّب قبيحة المسفر، وكان لهم لسان فكأن العامل مال معهم فقال: يعمد أحدكم إلى المرأة الكريمة فيتزوّجهم ثم يسيء إليهم  فأهوى زوجهم إلى النّقاب فألقاه عن وجههم فقال العامل: عليك اللعنة؟ كلام مظلومٍ ووجه ظالمٍ.
وأنشد الرياشيّ في نحو هذا:

رأيت أبا الحجناء في الناس جائراً

ولون أبي الحجناء لون البهـم ئم

تراه على ما لاحه مـن سـواده

وإن كان مظلوماً له وجه ظـالأ

في الظالأ المعتدي أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان رجل من العرب في الجاهلية إذا رأى رجلاً يظلم ويعتدي يقول: فلان لا يموت سويًّا. فيرون ذلك حتى مات رجل ممن قال ذلك فيه فقيل له: مات فلان سوياً. فلم يقبل حتى تتابعت الأخبار. فقال: إن كنتم صادقين إن لكم دارا سوى هذه تجاوزن فيهم.

رسالة كاتب إلى السلطان

كتب رجل من الكتّاب إلى سلطان: "أعيذك باللّه من أن تكون لاهياً عن الشكر محجوباً بالنعم صارفاً فضل ما أوتيت من السلطان إلى ما تقلّ عائدته وتعظم تبعته من الظلم والعدوان، وأن يستزلّك الشيطان بخدعه وغروره وتسويله فيزيل عاجل الغبطة وينسيك مذموم العاقبة، فإن الحازم من يذكر في يومه المخوف من عواقب غده ولم يغرّه طول الأمل وتراخي الغاية ولم يضرب في غمرة من الباطل ولا يدري ما تتجلّى به مغبّتهم. هذا إلى ما يتبع الظالأمن سوء المنقلب وقبيح الذكر الذي لا يفنيه كرّ الجديدين واختلاف العصرين حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثنا معاوية بن عمرو قال: حدّثنا أبو إبراهيم السقّاء عن ليث عن مجاهد قال: "يؤتى بمعلم الصبيان يوم القيامة فإن كان عدل بين الغلمان وإلا أقيم مع الظلمة".

؟لمعاوية في الظلم

وكان معاوية يقول: "إني لأستحي أن أظلم "من لا يجد عليّ ناصراً إلا اللّه".
وقال بلال: "إني لأستحي أن أظلم" وأحرج أن أظلموكان يقال: إذا أراد اللّه أن يتحف عبد اً قيّض له من يظلمه.
كتب رجل إلى سلطان: "أحق الناس بالإحسان من أحسن اللّه إليه وأولاهم بالإنصاف من بسطت بالقدرة يداه".

في أن الظّلم يخرب الديار


ذكر الظالأفي مجلس ابن عباس فقال كعب: إني لا أجد في كتاب اللّه المنزّل أن الظلم يخرب الديار. فقال ابن عباس أنا أوجدكه في القرآن، قال اللّه عز وجل "فتلك بيوتهم خاويةٌ بما ظلموا".

القوة في الحق

حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال:كان فرعان وهو من بني تميم لا يزال يغير على إبل الناس فيأخذ منهم ثم يقاتلهم عليهم إلى أن أغار على رجل فأصاب له جملاً، فجاء الرجل فأخذ بشعره فجذبه فبرك، فقال الناس: كبرت واللّه يا فرعان. فقال: لاواللّه ولكن جذبني جذبة محقٍّ.
وكان سديف بن ميمون مولى اللّهبين يقول: اللهم قد صار فيئنا دولة بعد القسمة وإمارتنا غلبة بعد المشورة وعهدنا ميراثاً بعد الاختيار للأمة. واشتريت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة وحكّم في أبشار المسلمين أهل الذمة وتولى القيام بأمورهم فاسق كلّ محلّة. اللهم وقد استحصد زرع الباطل وبلغ نهم يته واجتمع طريده. اللهم فأتح له يداً من الحق حاصدة تبدّد شمله وتفرّق أمره ليظهر الحق في أحسن صوره وأتم نوره.

بين أعرابي واليهود في ديّة المسيح

ولي أعرابي بعض النواحي فجمع اليهود في عمله وسألهم عن المسيح فقالوا: قتلناه وصلبناه. فقال: فهل أديتم ديته؟ قالوا:لا. قال: فواللّه لا تخرجون أو تؤدّوهم. فلم يبرحوا حتى أدّوهم .

بين أبي العاج ونصراني

كان أبو العاج على جوالي البصرة فأتي برجل من النصارى، فقال: ما اسمك؟ فقال: بنداذ شهر بنداذ. فقال: اسم ثلاثةٍ وجزية واحدٍ! لا واللّه العظيم. قال: فأخذ منه ثلاث جزًى.

حكم أعرابي

ولي أعرابي "تبالة" فصعد المنبر فما حمد اللّه ولا أثنى عليه حتى قال: إن الأمير أعزنا اللّه وإياه ولّاني بلادكم هذه، وإني واللّه ما أعرف من الحق موضع سوطي، ولن أوتى بظالأولا مظلوم إلا أوجعتهما ضرباً. فكانوا يتعاملون بالحق بينهم ولا يرتفعون إليه.

شعر في الظلم

قال بعض الشعراء:

بني عمّنا لا تذكروا الشعر بعد مـا

دفنتم بصحراء الغمير الـقـوافـيا

فلسنا كمن كنتم تـصـيبـون سـلّة

فنقبل ضيما أو نحـكّـم قـاضـيا

ولكن حكم السيف فيكم مـسـلّـط

فنرضى إذا ما أصبح السيف راضياً

فإن قلتم إنا ظلمنـا فـلـم نـكـن

ظلمنا ولكنّا أسأنـا الـتـقـاضـيا

"وقال آخر:

تفرح أن تغلبني ظالمـاً

والغالب المظلوم لو تعلم"

دعاء في الوقاية من ظلم السلطان

وكانوا يتوقّون ظلم السلطان إذا دخلوا عليه بأن يقولوا: "بسم اللّه إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً" "آخسئوا فيهم ولا تكنلّمونأخذت سمعك وبصرك بسمع اللّه وبصره. أخذت قوّتكن بقوّة اللّه. بيني وبينك ستر النبوّة الذي كانت الأنبياء تستتر به من سطوات الفراعنة. جبريل عن يمينك وميكائيل عن يسارك ومحمد أمامك واللّه مطلع عليك ويحجزك عني ويمنعني منك".

في ظلم الأمراء وأولي الأمر

وقال بعض الشعراء:

ونستعدي الأمير إذا ظلمنا

فمن يعدي إذا ظلم الأمير

" وقال آخر:

إذا كان الأمير عليك خصما

فلا تكنثر فقد غلب الأمير"

وكتب رجل إلى صديق له: قد كنت أستعديك ظالماً على غيرك فتحكم لي وقد استعديتكن عليك مظلوماً فضاق عني عدلك، وذكّرني قول القائل:

كنت من كربتي أفرّ إليهم

فهم كربتي فأين الفرار

"ونحوه:

والخصم لا يرتجى النجاح له

يوماً إذا خصمه القاضـي"

للأصمعي في إباء العدل

حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال:كان يقال: ما أعطي أحد قط النّصف فأباه إلا أخذ شراً منه. قال: وقال الأحنف: ما عرضت النّصفة قطّ على أحد فقبلهم إلا دخلتني له هيبةٌ ولا ردّهم إلا اختبأتهم في عقله.

شعر للبعيث

وقال البعيث:

وإني لأعطي النّصف من لو ظلمته

أقرّ وطابت نفسه لي بالـظّـلـم

للطائيّ ثم للعباس بن عبد المطلب

وقال الطائي:

يرى العلقم المأدوم بالعـزّ أريةً

يمانيةً والأري بالضيم علقـمـا

إذا فرشوه النّصف نامت شذاتـه

وإن رتعوا في ظلمه كان أظلما

وقال العباس بن عبد المطلب:

أبى قومنا أنى ينصفونا فأنصفت

قواطع في أيماننا تقطر الدمـا

تركناهم لا يستجلّون بـعـدهـم

لذي رحمٍ يوماً من الدهر محرما

كتاب عمر بن عبد العزيز

إلى بعض عماله يحثه على العدل وترك الظلم

بلغنا عن ضمرة عن ثور بن يزيد قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمّاله: أما بعد إذا دعتكن قدرتكن على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة اللّه عليك وفناء ما تؤتي إليهم وبقاء ما يؤتون إليك، والسلام.

بين ابن سيرين وآخر يدعو على من ظلمه

سمع ابن سيرين رجلاً يدعو على من ظلمه، فقال: أقصر يا هذا، لايربح عليك ظالمك.

قولهم في الحبس

شكاية يوسف عليه السلام إلى اللّه تعالى طول الحبس

"في الحديث المرفوع: "شكا يوسف عليه السلام إلى اللّه عزّ وجلّ طول الحبس فأوحى اللّه إليه: من حبسك يا يوسف، أنت حبست نفسك حيث قلت "ربّ السّجن أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه" ولو قلت: العافية أحبّ عليّ لعوفيت".

دعاء يوسف عليه السلام لأهل السجن

حدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: "إن يوسف عليه السلام دعا لأهل السجن دعوةً لم تزل تعرف لهم إلى اليوم، قال: اللهم اعطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأخبار" فيقال: أنهم أعلم الناس بكل خبر في كل بلد.

ما كتب على باب سجين

وكتب على باب السجن: "هذه منازل البلوى وقبور الأحياء وتجربة الصديق وشماتة الأعداء".

شعر للرياشي في السجن

أنشدني الرياشيّ:

ما يدخل السجن إنسانٌ فتسأله

ما بال سجنك إلا قال مظلوم

ولأعرابي، ثم لأحد المساجين

وقال أعرابي:

ولمّا دخلت السجن كبّر أهـلـه

وقالوا أبو ليلى الغـداة حـزين

وفي الباب مكتوبٌ على صفحاته

بأنك تنزو ثـمّ سـوف تـلـين

ويقال: إنّ قولهم "تنزو وتلين" زؤي مكتوباً على باب حبس فضربه الناس مثلا.
وقال بعض المسجونين:

وبتّ بأحصنـهـم مـنـزلاً

ثقيلاً على عنق السـالـك

ولست بضيف ولا في كـرا

ولا مستعـير ولا مـالـك

وليس بغصبٍ ولا كالرّهون

ولا يشبه الوقف عن هم لك

ولي مسمعان فأدنـاهـمـا

يغنّي ويسمع في الحالـك

وأقصاهما ناظرٌ في السمـا

ء عمداً وأوسخ من عارك

المسمع الأوّل قيده والثاني صاحب الحرس. ونحوه قول الآخر:

ولي مسمعان وزمّـارة

وظلٌّ مديد وحصن أمق

الزمّارة الغلّ، وأصل الزمّارة السّاجور.

بين بلال بن أبي بردة وخالد بن صفوان

قال أبو عبيد ة: اختصم خالد بن صفوان مع رجل إلى بلال بن أبي بردة، فقضى للرجل على خالد، فقام خالد وهو يقول: سحابة صيف عن قليل تقشّع فقال بلال: أما إنهم لا تقشّع حتى يصيبك منهم شؤبوب برد. وأمر به إلى الحبس، فقال خالد: علام تحبسني؟ فواللّه ما جنيت جناية ولا خنت خيانة. فقال بلال: يخبرك عن ذلك بابٌ مصمت وأقيادٌ ثقال وقيّمٌ يقال له حفص.

بين الحجاج والغضبان بن القبعثري

قال الحجاج للغضبان بن القبعثري ورآه سميناً: ما أسمنك؟ قال: القيد والرّتعة، ومن كان في ضيافة الأمير سمن.

خروج الكميت الشاعر متنكرا من السجن وشعر له

كان خالد بن عبد اللّه حبس الكميت الشاعر فزاراته امرأته في السجن فلبس ثيابهم وخرج ولم يعرف فقال:

ولما أحلّوني بصلـعـاء صـيلـمٍ

بإحدى زبى ذي اللّبدتين أبي الشّبل

خرجت خروج القدح قدح ابن مقبلٍ

على رغم آناف النوابح والمشلـي

عليّ ثياب الغانـيات وتـحـتـهـم

عزيمة مرءٍ أشبهت سلّة النصـل

شعر للفرزدق

وكان خالد بن عبد اللّه حبس الفرزدق فقال:

وأني لأرجو خالداً أن يفكّنـي

ويطلق عني مقفلات الحدائد

فإن يك قيدي ردّ همّي فربمـا

تناولت أطراف الهموم الأباعد

وما من بلاء غير كلّ عشـية

وكل صباح زائرٍ غير عـائد

يقول لي الحداد هل أنت قـائم

وما أنا إلا مثل آخر قـاعـد

لبعضهم في خالد بن عبد اللّه القسري حين حبس


وقال بعض الشعراء في خالد بن عبد اللّه القسري حين حبس:

لعمري لقد أعمرتم السجن خالـداً

وأوطأتموه وطأة المـتـثـاقـل

إن تحبسوا القسريّ لا تحبسوا اسمه

ولا تستجنوا معروفه في القبـائل

وقال بعض المسجّنين:

أسجنٌ وقيد واغتراب وعسرة

وفقد حبيب! إن ذا لعظـيم

وإن آمرأ تبقى مواثيق عهده

على كل هذا، إنه لـكـريم

وقال آخر مثله:

إلى اللّه أشكو إنه موضع الشكوى

وفي يده كشف المصيبة والبلـوى

خرجنا من الدنيا ونحن من آهلهـم

فلسنا من الأحياء فيهم ولا الموتى

إذا جاءنا السجّان يومـاً لـحـاجة

عجبنا وقلنا جاء هذا من الـدنـيا

وتعجبنا الرؤيا فـجـلّ حـديثـنـا

إذا نحن أصبحنا الحديث عن الرؤيا

فإن حسنت لم تأت عجلي وأبطأت

وإن قبحت لم تحتبس وأتت عجلى

وقال يزيد بن المهلّب وهو في الحبس: يا لهفي على طلبة بمائة ألف وفرحٍ في جبهة أسد.

بين الفرزدق والمهلب وهو محبوس

ودخل الفرزدق على المهلب وهو محبوس فقال:

أصبح في قيدك السماحة وال

جود وحملٌ لمضلع الأثقال

فقال له: أتمدحني على هذه الحال؟ فقال: أصبتكن رخيصاً فاشتريتكن.

بين أبي العتاهية والرشيد وقد كتب إليه من الحبس شعراً

وحبس الرشيد أبا العتاهية فكتب إليه من الحبس بأبيات منهم :

تفديك نفسي من كل ما كرهت

نفسك إن كنت مذنباً فاغفـر

يا ليت قلبي مصوّر لـك مـا

فيه لتستقين الـذي أضـمـر

فوقّع الرشيد في رقعته: لا بأس عليك. فأعاد عليه رقعة أخرى فيهم :

كأنّ الخلق ركّب فـيه روح

له جسد وأنت علـيه رأس

أمين اللّه إن الحبـس بـأسٌ

وقد وقّعت "ليس عليك بأس"

فأمر بإطلاقه.

الحجاب

بين عبد العزيز بن زرارة

ومعاوية، وقد حجبه عنه يوماً، وشعر له في ذلك

أبو حاتم عن العتبي عن أبيه أن عبد العزيز بن زرارة الكلابي وقف على باب معاوية فقال: من يستأذن لي اليوم فأدخله غداً؟ وهو في شملتين، فلما دخل على معاوية قال: هززت ذوائب الرحال إليك إذ لم أجد معوّلاً إلا عليك. أمتطي الليل بعد النهم ر وأسم المجاهل بالآثار. يقودني نحوك رجاء وتسوقني إليك بلوى، والنفس مستبطئة والاجتهم د عاذر. فأكرمه وقرّبه. فقال في ذلك:

دخلت على معاوية بن حرب

وذلك إذ يئست من الدخـول

وما نلت الدخول عليه حتّـى

حللت محلّة الرجل الذلـيل

وأغضبت الجفون على قذاهم

ولم أسمع إلى قـالٍ وقـيل

فأدركت الذي أمّلـت فـيه

بمكثٍ والخطا زاد العجول

وقال غير العتبي: لما دخل عبد العزيز بن زرارة على معاوية قال له: "إني رحلت إليك بالأمل واحتملت جفوتكن بالصبر، ورأيت ببابك أقواماً قدّمهم الحظّ، وآخرين باعدهم الحرمان. وليس ينبغي للمتقدم أن يأمن ولا للمتأخر أن ييأس. وأول المعرفة الاختبار فابل وآختبر".

شعر لعبد العزيز بن

زرارة في حجاب معاوية إياه

وفي حجاب معاوية إياه يقول شاعر مضرّ:

من يأذن اليوم لعبد العزيز

يأذن له عبد عزيزٍ غـداً

قال أبو اليقظان: كان عبد العزيز بن زرارة فتى العرب.

رد أبي سفيان على حجب عثمان إياه

أستأذن أبو سفيان على عثمان فحجبه. فقيل له: حجبك أمير المؤمنين؟ فقال: لاعدمت من قومي من إذا شاء حجبني.

قول أبي الدرداء في حجب معاوية له

وحجب معاوية أبا الدرداء فقال أبو الدرداء: من يغش سدد السلطان يقم ويقعد، ومن صادف باباً عنه مغلقاً وجد إلى جانبه باباً فتحا، إن دعا أجيب وإذا سأل أعطي.

وظيفة الحاجب ودوره


قال رجل لحاجبه: إنك عين أنظر بهم وجنّة أستنيم إليهم ، وقد ولّيتكن بابي، فما تراك صانعاً برعيتي؟ قال: أنظر إليهم بعينك وأحملهم على قدر منازلهم عندك وأضعهم في إبطائهم عن زيارتكن ولزومهم خدمتكن مواضع استحقاقهم وأرتّبهم حيث وضعهم ترتيبك وأحسن إبلاغك عنهم وإبلاغهم عنك. قال: قد وفّيت ما لك وما عليك إن صدّقته بفعل. و كان يقال: حاجب الرجل حارس عرضه.

قول أبرويز لحاجبه يحدد دوره

وقرأت في التاج أن أبرويز قال لحاجبه: "لا تقدّمن مستغيثاً ولا تضعنّ ذا شرف بصعوبة حجاب ولا ترفعنّ ذا ضعة بسهولته. وضع الرجال مواضع أخطارهم، فمن كان مقدّماً له الشرف ممن آزدرعه ولم يهدمه من بعد بنائه فقدّمه على شرفه الأوّل وحسن رأيه الآخر، ومن كان له شرف مقدّم فلم يصن ذلك إبلاغاً به ولم يزدرعه تثميراً له فألحق بآبائه مهلة سبقهم في خواصهم، وألحق به في خاصته ما ألحق بنفسه. لا تأذن له إلا دبرا ولا تأذن له إلا سراراً. وإذا ورد عليك كتاب عامل من عمّالي فلا تحبسه عني طرفة عين إلا أن أكون على حال لا تستطيع الوصول إليّ فيهم ، وإن أتاك مدّع لنصيحة فاستكنتبهم سرّاً ثم أدخله بعد أن تستأذن له. حتى إذا كان مني بحيث أراه فادفع إليّ كتابه، فإن أحمدت قبلت وإن كرهت رفضت، ولا ترفعنّ إليّ طلبة طالب إن منعته بخّلني وإن أعطيته آزدراني، إلا بمؤامرة مني من غير أن تعلمه أنك قد أعلمتني وإن أتاك عالأيستأذن عليّ لعلم يزعم أنه عنده فاسأله: ما علمه ذلك؟ ثم أستأذن له فإن العلم كاسمه، ولا تحجبن سخطةً ولا تأذنن رضاً، اخصص بذلك الملك ولا تخصّ به نفسك".

قول خالد بن عبد اللّه لحاجبه

الهيثم قال: قال خالد بن عبد اللّه لحاجبه: "لا تحجبني عنّي أحداً إذا أخذت مجلسي، فإن الوالي لا يحجب إلا عن ثلاث: عيٍّ يكره أن يطّلع عليه منه، أو ريبة، أو بخل فيكره أن يدخل عليه من يسأله".

شعر لمحمود الورّاق في احتجاب الوالي

ومنه أخذ ذلك محمود الورّاق فقال:

إذا آعتصم الوالي باغلاق بـابـه

وردّ ذوي الحاجات دون حجابـه

ظننت بهم حدى ثـلاث وربّـمـا

نزعت بظنٍّ واقعٍ بـصـوابـه

فقلت به مسٌّ من العيّ ظـاهـرٌ

ففي إذنه للناس إظهم ر ما بـه

فإن لم يكن عيّ اللسان فغـالـبٌ

من البخل يحمي ما له عن طلابه

فإن لم يكـن هـذا ولاذا فـريبةٌ

يصرّ عليهم عند إغـلاق بـابـه

لبعض الشعراء في أن عرض الملك حاجبه

وقال بعض الشعراء:

أعلمن إن كنت تعلمـه

أن عرض الملك حاجبه

فبه تبدو مـحـاسـنـه

وبه تبـدو مـعـايبـه

شعر في الحاجب

وقال أخر:

كم من فتى تحمد أخلاقه

وتسكن الأحرار في ذمّته

قد كثّر الحاجب أعـداءه

وسلّط الذمّ على نعمتـه

قول جماعة على باب عمر بن الخطاب

حضر باب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه جماعةٌ منهم سهيل بن عمرو وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس فخرج الآذن فقال: أين صهيب؟ أين عمّار؟ أين سلمان؟ فتمع0ّرت وجوه القوم. فقال واحد منهم: لم تتمعّر وجوهكم؟ دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعدّ اللّه لهم في الجنة أكثر.

شعر في حاجب

وقال بعض الشعراء:

سأترك هذا الباب ما دام إذنـه

على ما أرى حتى يخفّ قليلا

إذا لم نجد للاذن عندك موضعا

وجدنا إلى ترك المجيء سبيلا

وقال آخر لحاجب:

سأترك باباً أنـت تـمـلـك إذنـه

وإن كنت أعمى عن جميع المسالك

فلو كنت بوّاب الجنان تركـتـهـم

وحوّلت رحلي مسرعا نحو مالـك

وكتب أبو العتاهية إلى أحمد بن يوسف:

لئن عدت بعد اليوم إنـي لـظـالـم

سأصرف وجهي حيث تبغى المكارم

متى ينجح الغـادي إلـيك بـحـاجة

ونصفك محجوب ونصفـك نـائم؟

وقال آخر:

ولست بمتّخذ صاحـبـا

 

يقيم على بابه حاجبـا

 

إذا جئت قال له حـاجةٌ

 

وإن عدت ألفيته غائبا

 

ويلزم إخوانـه حـقـه

 

وليس يرى حقّهم واجبا

 

فلست بلاقيه حتى الممات

 

إذ أنا لم ألقـه راكـبـا

           

وقال عبد اللّه بن سعيد في حاجب الحجاج وكان يحجبه دائماً:

ألا ربّ نصح يغلق الباب دونه

وغشٍّ إلى جنب السرير يقرّب

وقال آخر:

ما ضاقت الأرض على راغب

يطّلب الـرزق ولا هـم رب

بل ضاقت الأرض على طالب

أصبح يشكو جفوة الحاجـب

كتاب رجل حجب عن باب السلطان

وحجب رجل عن باب السلطان فكتب إليه: "نحن نعوذ باللّه من المطامع الدنيّة والهمم القصيرة وابتذال الحرّية، فإن نفسي والحمد اللّه أبيّة ما سقطت وراء همة ولا خذلهم صبر عند نازلة ولا استرقّهم طمع ولا طبعت على طبع وقد رأيتكن ولّيت عرضك من لا يصونه و وصلت ببابك من يشينه وجعلت ترجمان عقلك من يكثر من أعدائك وينقص من أوليائك "ويسيء العبارة عنك ويوجه وفد الذم إليك" ويضغن قلوب إخوانك عليك إذ كان لايعرف لشريف قدراً ولا لصديق منزلة، ويزيل المراتب عن جهل بهم وبدرجاتهم فيحطّ العليّ إلى مرتبة الوضيع ويرفع الدنيّ إلى مرتبة الرفيع، ويحتقر الضعيف لضعفه وتنبو عينه عن ذي البذاذة، ويميل إلى ذي اللباس والزينة ويقدّم على الهوى ويقبل الرّشا".

شعر لبشار

وقال بشار، وقيل هو لغيره:

تأبى خلائق خالد وفـعـالـه

إلا تجنّب كـلّ أمـر عـائب

فإذا أتيت الباب وقـت غـدائه

أذن الغداء برغم أنف الحاجب

اشعار في الحاجب والحجاب

وهذا ضد قول الآخر:

إذا تغـدّى فـر بـوابـه

وآرتدّ من غير يدٍ بـابـه

ومات من شهوة ما يحتسي

عياله طرًّا وأصحـابـه

وقال آخر:

يا أميرا على جريب من الأر

ض له تسعة من الحجّـاب

قاعداً في الخراب يحجب عنه

ما سمعنا بحاجب في خراب!

وقال آخر:

على أي باب أطلب الاذن بعد ما

حجبت عن الباب الذي أنا حاجبه

وقال الطائي:

يا أيهم الملك النـائي بـرؤيتـه

وجوده لمراعي جـوده كـثـب

ليس الحجاب مقصٍ عنك لي أملا

إن السماء ترجّى حين تحتجـب

وقال أيضاً:

ومحجّبٍ حاولتـه فـوجـدتـه

نجماً عن الركب العفاة شسوعا

أعدمته لما عـدمـت نـوالـه

شكري فرحنا معدمين جميعـا

وقال آخر:

قد أطلنا بالباب أمس القعـودا

وجفينا بـه جـفـاء شـديدا

وذممنا العبيد حتـى إذا نـح

ن بلونا المولى عذرنا العبيد ا

وحجب رجل فكتب:

أبا جعفر إن الولاية إن تـكـن

منبّلة قوماً فأنت لـهـم نـبـل

فلا ترفع عنا لشـيء ولـيتـه

كما لم يصغّر عندنا شأنك العزل

كتاب رجل إلى صديق له حجب نفسه

وكتب رجل من الكتاب في هذا المعنى إلى صديق له: "إن كان ذهولك عنا لدينا أخضلت عليك سماؤهم وأرتبت بك ديمهم إن أكثر ما يجري في الظن بك بل في اليقين منك أنك أملك ما تكون لعنانك أن يجمح بك ولنفسك أن تستعليّ عليك إذا لانت لك أكنافهم "وآنقاد في كفّك زمامهم لأنك لم تنل ما نلت خلساً ولا خطفا، ولا عن مقدار جرف إليك غير حقك وأمال نحوك سوى نصيبك. فإن ذهبت إلى أن حقك قد يحتمل في قوّته وسعته أن تضمّ إليه الجفوة والنّبوة فيتضائل في جنبه ويصغر عن كبيره فغير مدفوع عن ذلك. وآيم اللّه لولا ما بليت به النفس من الضّنّ بك وأنّ مكانك منهم لايسدّه غيرك نسخت عنك وذهلت عن إقبالك وإدبارك ولكان في جفائك ما يردّ من غرتهم ويبرد من غرّتهم ، ولكنه لما تكناملت النعمة لك تكناملت الرغبة فيك".

بين معاوية وحضين بن المنذر

أبو حاتم عن العتبيّ قال: قال معاوية لحضين بن المنذر وكان يدخل عليه في أخريات الناس: يا أبا ساسان كأنه لا يحسن إذنك. فانشأ يقول:

كل خفيف الشأن يسعى مشمّرا

إذا فتح البوّاب بابك إصبـعـا

ونحن الجلوس الماكثون رزانةً

وحلماً إلى أن يفتح الباب أجمعا

شعر في بشر بن مروان

وقال بعض الشعراء في بشر بن مروان:

بعيد مردّ العين ما ردّ طـرفـه

 

حذار الغواشي باب دار ولا ستر

 

ولو شاء بشر كان من دون بابـه

 

طماطم سودٌ أو صقالبةٌ حمـر

ولكن بشرا يسّر الباب لـلـتـي

 

يكون له في غبّهم الحمد والأجر

         

وقال بشر:

فلا تبخلا بخل ابن قرعة إنـه

مخافة أن يرجى نداه حـزين

إذا جئته في العرف اغلق بابـه

فلم تلقـه إلا وأنـت كـمـين

فقل لأبي يحيى متى تدرك العلا

وفي كل معروف عليك يمـين

مدح لابن هرمة

وقال ابن هرمة يمدح:

هشٌّ إذا نزل الوفود ببابـه

سهل الحجاب مؤدّب الخدّام

وإذا رأيت شقيقه وصديقـه

لم تدر أيّهما أخو الأرحـام

وكتب رجل إلى بعض الملوك:

إذا كان الجواد له حـجـاب

فما فضل الجواد على البخيل

فكتب إليه الآخر:

إذا كان الجواد قليل مال

ولم يعذر تعلّل بالحجاب

وقال عبيد اللّه بن عكراش":

وإني لأرثي للكـريم إذا غـدا

على طمع عند اللئيم يطالـبـه

وأرثي له من مجلس عند بابـه

كمرثيتي للطّرف والعلج راكبه

وكتب عبد اللّه بن أبي عيينة إلى صديق له:

أتيتكن زائراً لقضـاء حـق

فحال السّتر دونك والحجاب

ولست بصساقطٍ في قدر قوم

وإن كرهوا كما يقع الذّباب

شعر لأعرابي على باب الفضل بن الربيع

أبو حاتم عن عبد اللّه بن مصعب الزبيري قال: كنا بباب الفضل بن الربيع وهم يأذنون لذوي الهيئات والشارات وأعرابي يدنو فكلما دنا طرح. فقام ناحية وأنشأ يقول:

رأيت آذننـا يعـتـام بـزّتـنـا

وليس للحسب الزاكي بمعـتـام

ولو دعينا على الأحساب قدّمنـي

مجدٌ تليد وجدّ راجـح نـامـي

متى رأيا الصقور الجدل يقدمهم

خلطان من رخمٍ قرع ومن هم م

بين معاوية وشريك الحارثي

دخل شريك الحارثي على معاوية فقال له معاوية: من أنت؟ فقال له: يا أمير المؤمنين ما رأيت لك هفوة قبل هذه. مثلك ينكر مثلي من رعيته! فقال له معاوية: إن معرفتكن متفرقة، أعرف وجهك إذا حضرت في الوجوه، وأعرف آسمك في الأسماء إذا ذكرت، ولا أعلم أن ذلك الاسم هو هذا الوجه، فاذكر لي اسمك تجتمع معرفتكن.

في آداب الدخول على الملوك

استأذن رجلان على معاوية فأذن لأحدهما وكان أشرف منزلة من الآخر، ثم أذن للأخر فدخل عليه فجلس فوق صاحبه. فقال معاوية: إن اللّه قد ألزمنا تأديبكم كما ألزمنا رعايتكنم، وإنا لم نأذن له قبلك ونحن نريد أن يكون مجلسه دونك. فقم لا أقام اللّه لك وزناً.

دخول أبي مجلز على عمر بن عبد العزيز

دخل أبو مجلز على عمر بن عبد العزيز حين أقدمه من خراسان، فلم يقبل عليه. فلما خرج قال له بعض من حضر المجلس: هذا أبو مجلز. فردّه واعتذر إليه وقال: إني لم أعرفك. قال: يا أمير المؤمنين فهلا أنكرتني.

أشجع السلمي يذكر باب المنصور بن زياد

قال أشجع السلمي يذكر باب المنصور بن زياد:

على باب ابن منصورٍ

علاماتٌ من البـذل

جماعاتٌ وحسب البـا

ب فضلاً كثرة الأهل

وكانت العرب تتعوّذ باللّه من قرع الفناء ومن قرع المراح.
وقال بعض الشعراء:

ما لي أرى أبوابهم مهجـورة

وكأنّ بابك مجمـع الأسـواق

ألجوك أم خافوك أم شاموا الحيا

بحراك فانتجعوا من الآفـاق

وقال آخر:

يزدحم الناس علـى بـابـه

والمشرع العذب كثير الزحام

وقال آخر: إن النّدى حيث ترى الضّغاطا يعني الزحام.

شعر لبشار

وقال بشار:

ليس يعطيك للرجاء ولا الخو

ف ولكن يلذّ طعم العطـاء

يسقط الطير حيث ينتثر الح

بّ وتغشى منازل الكرماء

بين عمر بن عبد العزيز وطارق مجهول

دقّ رجل على عمر بن عبد العزيز الباب فقال عمر: من هذا؟ قال: أنا. قال عمر: ما نعرف أحداً من إخواننا يسمّى أنا.

قول شبيب بن شيبة عند خروجه من دار الخلافة

خرج شبيب بن شيبة من دار الخلافة يوماً فقال له قائل: كيف رأيت الناس؟ فقال: رأيت الداخل راجياً ورأيت الخارج راضياً. شعر لأبي العتاهية، وغيره

قال أبو العتاهية:

إذا آشتدّ دوني حجاب آمرىء

كفيت المؤونة حـجّـابـه

حجب أعرابيّ على باب السلطان فقال:

أهين لهم نفسي لأكرمهم بهم

ولا يكرم النفس الذي لايهينهم

وقال جرير:

قوم إذا حضر الملوك وفودهم

نتفت شواربهم على الأبواب

وقال آخر:

فلما وردت الباب أيقنت أننـا

على اللّه والسلطان غير كرام

وقال أبو القمقام الأسدي:

أبلغ أبا مالك عني مغـلـغـلة

وفي العتاب حياةٌ بـين أقـوام

أدخلت قبلي قوماٌ لم يكن لـهـم

من قبل أن يلجوا الأبواب قدّامي

لو عدّ بيتٌ وبيتٌ كنت أكرمهـم

بيتاً وأبعدهم من منـزل الـذام

فقد جعلت إذا ما حاجتي نزلـت

بباب دارك أدلوهـم بـأقـوام

التلطف في مخاطبة السلطان

و إلقاء النصيحة إليه

بين الوليد وعمرو بن عتبة في النصيحة

العتبي قال: قال عمرو بن عتبة للوليد حين تنكّر له الناس: يا أمير المؤمنين إنك تنطقني بالأنس بك وأنا أكفت ذلك بالهيبة لك. وأراك تأمن أشياء أخافهم عليك، أ فأسكت مطيعاً؟ أم أقول مشفقاً؟ فقال: كلٌّ مقبول منك، واللّه فينا علم غيب نحن صائرون إليه. ونعود فنقول: فقتل بعد أيام.

من كتاب للهند في نصيحة السلطان

وفي إلقاء النصيحة إليه: قرأت في كتاب للهند أن رجلاً دخل على بعض ملوكهم فقال له: أيهم الملك نصيحتكن واجبة في الحقير الصغير بله الجليل الخطير ولولا الثقة بفضيلة رأيك واحتمالك ما يسوء موقعه من الأسماع والقلوب في جنب صلاح العاقبة وتلافي الحادث قبل تفاقمه لكان خرقاً مني أن أقول، وإن كنا إذا رجعنا إلى أن بقاءنا "موصول" ببقائك وأنفسنا معلقة بنفسك لم أجد بدّاً من أداء الحق إليك وإن أنت لم تسألني "أو خفت ألّا تقبل مني" فإنه يقال: من كتم السلطان نصحه والأطباء مرضه والإخوان بثّه فقد خان نفسه.

الخفوت في طاعته

بين جرير بن يزيد وأحد الخلفاء

قال بعض الخلفاء لجرير بن يزيد: إني قد أعددتكن لأمر. قال: يا أمير المؤمنين، إن اللّه قد أعدّ لك منّي قلباً معقوداً بنصيحتكن ويداً مبسوطة بطاعتكن وسيفاً مشحوذاً على عدوّك فإذا شئت فقل.
وفي مثله: قال إسحاق بن إبراهيم: قال لي جعفر بن يحيى: آغد عليّ غدا لكذا. فقلت: أنا والصبح كفرسي رهم ن.
وفي مثله: أمر بعض الأمراء رجلاً بأمر فقال له: أنا أطوع لك من اليد وأذل لك من النّعل.
وقال آخر: أنا أطوع لك من الرّداء وأذلّ لك من الحذاء.

التلطّف في مدحه

خالد القسريّ يمدح عمر بن عبد العزيز

قال خالد بن عبد اللّه القسري لعمر بن عبد العزيز: من كانت الخلافة زانته، فإنك قد زنتهم ، ومن كانت شرفته فإنك قد شرفتهم ، فأنت كما قال القائل:

وإذا الدّرّ زان حسن وجوه

كان للدّر وجهـك زينـا

فقال عمر: أعطي صاحبكم مقولا ولم يعط معقولا.

نصيحة أديب لوزير

وكتب بعض الأدباء إلى بعض الوزراء: "إن أمير المؤمنين منذ استخلصك لنفسه فنظر بعينك وسمع بأذنك ونطق بلسانك وأخذ وأعطى بيدك وأورد وأصدر عن رأيك، وكان تفويضه إليك بعد امتحانك وتسليطه الرأي على الهوى فيك بعد أن ميّل بينك وبين الذين سموا لرتبتكن وجروا إلى غايتكن فأسقطهم مضمارك وخفّوا في ميزانك ولم يزدك رفعةً إلا آزددت اللّه تواضعاً، ولا بسطا وإيناساً إلا ازددت له من العامة قربا. ولا يخرجك فرط النصح للسلطان عن النظر لرعيته، ولا إيثار حقّه عن الأخذ لهم بحقّهم عنده، ولا القيام بما هو له عن تضمّن ما عليه، ولا تشغلك جلائل الأمور عن التفقّد لصغارهم ، ولا الجذل بصلاحهم واستقامتهم عن استشعار الحذر وإمعان النظر في عواقبهم

بين الرشيد والعماني الراجز


وفي مدحه: دخل العماني الراجز على الرشيد لينشده وعليه قلنسوة طويلة وخفّ ساذج، فقال له الرشيد: يا عماني، إياك أن تنشدني إلا وعليك عمامة عظيمة الكور وخفّان دلقمان فبكّر إليه من الغد وقد تزيّا بزيّ الأعراب ثم أنشده وقبّل يده وقال: يا أمير المؤمنين قد واللّه أنشدت مروان ورأيت وجهه وقبّلت يده وأخذت جائزته ثم يزيد بن الوليد وإبراهيم بن الوليد ثم السّفاح ثم المنصور ثم المهدي. كلّ هؤلاء رأيت وجوههم وقبّلت أيديهم وأخذت جوائزهم، إلى كثير من أشباه الخلفاء وكبار الأمراء والسادة والرؤساء، واللّه مارأيت فيهم أبهى منظراً ولا أحسن وجهم ولا أنعم كفّاً وأندى راحةً منك يا أمير المؤمنين. فأعظم له الجائزة على شعره وأضعف له على كلامه وأقبل عليه فبسطه حتى تمنى جميع من حضر أنه قام ذلك المقام.

كتاب الفضل بن سهل إلى أخيه الحسن ينصحه

وفي المديح: كتب الفضل بن سهل إلى أخيه الحسن بن سهل فقال: "إن اللّه قد جعل جدّك عالياً وجعلك في كل خير مقدماً وإلى غاية كل فضل سابقاً وصيّرك، وإن نأت بك الدار، من أمير المؤمنين وكرامته قريباً، وقد جدّد لك من البرّ كيت وكيت. وكذا يحوز اللّه لك من الدين والدنيا والعز والشرف أكثره وأشرغه إن شاء اللّه".

بين الرشيد وبعض الشعراء

وفي مدحه: قال الرشيد يوماً لبعض الشعراء: هل أحدّثت فينا شيئاً؟ فقال: يا أمير المؤمنين المديح فيك دون قدرك والشعر فيك فوق قدري، ولكنّي أستحسن قول العتّابيّ:

ماذا يرى قائلٌ يثني عليك وقـد

ناداك في الوحي تقديسٌ وتطهير

فتّ المدائح إلا أن ألـسـنـنـا

مستنطقات بما تخفي الضمائير

" في عترة لم تقم إلا بطاعتهـم

من الكتاب ولك تقض المشاعير

هذي يمينك في قربـاك صـائلة

وصارمٌ من سيوف الهند مأثور"

رسالة إلى أمير

وفي مدحه: كتب بعض الكتاب إلى بعض الأمراء: "إن من النعمة على المثني عليك أنه لا يخاف الإفراط ولا يأمن التقصير ولا يحذر أن تلحقه نقيصة الكذب ولا ينتهي به المدح إلى غاية إلا وجد في فضلك عوناً على تجاوزهم. ومن سعادة جدّك أن الداعي لك لا يعدم كثرة المشايعين ومساعدة النيّة على ظاهر القول".

وإلى وزير

وفي مثله كتب بعض الأدباء إلى الوزير: "مما يعين على شكرك كثرة المنصتين له، ومما يبسط لسان مادحك أمنه من تحمّل الإثم فيه وتكنذيب السامعين له".

لعمرو بن يزيد يمدح يزيد بن معاوية

وفي مثل ذلك: لمّا عقد معاوية البيعة ليزيد قام الناس يخطبون فقال لعمرو بن سعيد: قم يا أبا أمية. فقام فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد فإن يزيد بن معاوية أملٌ تأملونه وأجل تأمنونه، إن آستضفتم إلى حلمه وسعكم، وإن آحتجتم إلى رأيه أرشدكم، وإن افتقرتم إلى ذات يده أغناكم، جذعٌ قارحٌ سوبق فسبق وموجد فمجد وقورع فخرج فهو خلف أمير المؤمنين ولا خلف منهفقال معاوية: أوسعت يا أبا أمية فاجلس.

في مدح الحسن بن سهل

وفي مثل ذلك: قال رجل للحسن بن سهل: "يا أيهم الأمير، أسكتني عن وصفك تساوي أفعالك في السوود وحيّرني فيهم كثرة عددهم فليس إلى ذكر جميعهم سبيل، وإن أردت ذكر واحدة اعترضت أختهم إذ لم تكن الأولى أحق بالذكر منهم ، فلست أصفهم إلا بإظهم ر العجز عن صفتهم ".

في مدح محمد بن عبد الملك

وفي مثل ذلك: كتب آخر إلى محمد بن عبد الملك: "إن مما يطعمني في بقاء النعمة عليك، ويزيدني بصيرة في العلم بدوامهم لديك أنك أخذتهم بحقهم واستوجبتهم بما فيك من أسبابهم ، ومن شأن الأجناس أن تتواصل وشأن الأشكال أن تتقاوم، والشيء يتغلغل في معدنه ويحنّ إلى عنصره، فإذا صادف منبته ولزّ في مغرسه ضرب بعرقه وسمق بفرعه وتمكّن تمكّن الإقامة وثبت ثبات الطبيعة".

في مدح وزير

وفي مثل ذلك: كتب آخر إلى بعض الوزراء: "رأيتني فيما أتعاطى من مدحك كالمخبر عن ضوء النهم ر الباهر والقمر الزاهر الذي لايخفى على ناظر، وأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوبٌ إلى العجز مقصرٌ عن الغاية فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك".

العتّابي يمدح خالد بن يزيد


وفي مثله كتب العتابي إلى خالد بن يزيد: "أنت أيهم الأمير وارث سلفك وبقية أعلام أهل بيتكن، المسدود بك ثلمهم والمجدّد بك قديم شرفهم والمنبّه بك أيام صيتهم والمنبسط بك "آمالنا والصائر بك أكالنا والمأخوذ بك" حظوظنا، فإنه لم يخمل من كنت وارثه، ولا درست آثار من كنت سالك سبيله ولا آمّحت معاهد من خلفته في مرتبته".

في شكر الملك وحمده

قرأت في التاج قال بعض الكتاب للملك: "الحمد اللّه الذي أعلقني سبباً من أسباب الملك ورفع خسيستي بمخاطبته وعزّز ركني من الذّلة به وأظهر بسطتي في العامّة وزيّن مقاومتي في المشاهدة وفقأ عني عيون الحسدة وذلّل لي رقاب الجبابرة وأعظم لي رغبات الرعيّة وجعل لي به عقبا يوطأ يعظّم ومزية تحسن، والذي حقّق فيّ رجاء من كان يأملني وظاهر به قوة من كان ينصرني وبسط به رغبة من كان يسترفدني، والذي أدخلني من ظلال الملك في جناح سترني، وجعلني من أكنافه في كنف آتسع عليّ".

في شكر أردشير وتعداد نعمه

وفي شكره وتعداد نعمه: قرأت في سير العجم أن أردشير لما استوسق له أمره جمع الناس وخطبهم خطبة بليغة حضهم فيهم على الألفة والطاعة وحذرهم المعصية وصنّف الناس أربعة أصناف، فخرّ القوم سجّدا وتكنلّم متكنلّمهم مجيباً فقال: "لا زلت أيهم الملك محبّوا من اللّه بعزّة النصر ودرك الأمل ودوام العافية وحسن المزيد، ولا زلت تتابع لديك النعم وتسبغ عندك الكرامات والفضل حتى تبلغ الغاية التي يؤمن زوالهم ولا تنقطع زهرتهم في دار القرار التي أعدّهم اللّه لنظرائك من أهل الزّلفى عنده والحظوة لديه، ولا زال ملكك وسلطانك باقيين بقاءالشمس والقمر زائدين زيادة البحور والأنهم ر حتى تستوي أقطار الأرض كلهم في علوّك عليهم ونفاذ أمرك فيهم ، فقد أشرق عليّنا من ضياء نورك ما عمّنا عموم ضياء الشمس ووصل إلينا من عظيم رأفتكن ما اتصل بأنفسنا اتصال النسيم، فجمعت الأيدي بعد افتراقهم والكلمة بعد اختلافهم وألّفت بين القلوب بعد تباغضهم وأذهبت الإحن والحسائك بعد آستعار نيرانهم ، وأصبح فضلك لا يدرك بوصف ولا يحدّ بتعداد، ثم لم ترض بما عمّمتنا به من هذه النّعم وظاهرت من هذه الأيادي حتى أحببت توطيدهم والاستيثاق منهم وعملت لنا في دوامهم كعملك في إقامتهم وكفلت من ذلك ما نرجو نفعه في الخلوف والأعقاب، وبلغت همّتكن لنا فيه حيث لا تبلغ همم الآباء للأولاد، فجزاك اللّه الذي رضاه تحرّيت وفي موافقته سعيت أفضل ما التمست ونويت".

قول خالد بن صفوان لوا لٍ دخل عليه

وفي مثله: قال خالد بن صفوان لوا لٍ دخل عليه: "قدمت فأعطيت كلاً بقسطه من نظرك ومجلسك وصلاتكن وعدلك حتى كأنك متن كل أحد أو كأنك لست من أحد".

شكر وزير

كتب بعض الكتاب إلى الوزير يشكر له: "من شكر لك عن درجة رفعته إليهم أو ثروة أفدته إياهم فإن شكري إياك على مهجة أحييتهم وحشاشة تبقيتهم ورمقٍ أمسكت به وقمت بين التلف وبينه".

مثله في الشكر

قرأت في كتاب: "ولكل نعمة من نعم الدنيا حدّ تنتهي إليه ومدًى توقف عنده وغاية في الشكر يسمو إليهم الطّرف خلا هذه النعمة التي فاتت الوصف وطالت الشكر وتجاوزت كل قدر وأتت من وراء كل غاية وجمعت من أمير المؤمنين مننا جمّة أبقت للماضين منّا وللباقين فخر الأبد وردّت عنا كيد العدوّ وأرغمت عنا أنف الحسود وبسطت لنا عزّاً نتداوله ثم نخلفه للأعقاب فنحن نلجأ من أمير المؤمنين إلى ظلّ ظليل وكنف كريم وقلب عطوف ونظر رؤوف، فكيف يشكر الشاكر منا وأين يبلغ اجتهم د مجتهدنا ومتى نؤدّي ما يلزمنا ونقضي المفترض عليّنا وهذا كتاب أمير المؤمنين الذي لو لم تكن له ولآبائه الراشدين عند من مضى منا ومن غيرنا إلا ما ورد من صنوف كرامته وأياديه ولطيف ألفاظه ومخاطبته، لكان في ذلك ما يحسّن الشكر ويستفرغ المجهود".

التلطف في مسألة العفو

يوشت المغني يسأل كسرى العفو

قال كسرى ليوشت المغنيّ وقد قتل فهلوذ حين فاقه وكان تلميذه: "كنت أستريح منه إليك ومنك إليه فأذهب شطر تمتّعي حسدك ونغل صدركثم أمر أن يلقى تحت أرجل الفيلة فقال: أيهم الملك إذا قتلت أنا شطر طربك وأبطلته وقتلت أنت شطره الآخر وأبطلته، أليس تكون جنايتكن على طربك كجنايتي عليه؟ قال كسرى: دعوه، ما دلّه على هذا الكلام إلا ما جعل له من طول المدّة. وفي العفو أيضاً

قال رجل للمنصور: "الانتقام عدل والتجاوز فضل ونحن نعيذ أمير المؤمنين باللّه من أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين".

وفي العفو

جلس الحجاج يقتل أصحاب عبد الرحمن، فقام إليه رجل منهم فقال: أيهم الأمير إن لي عليك حقاً. قال: وماحقك عليّ؟ قال: سبّك عبد الرحمن يوماً فرددت عنك. قال: ومن يعلم ذاك؟ فقال الرجل: أنشد اللّه رجلاً سمع ذاك إلا شهد به. فقام رجل من الأسرى فقال: قد كان ذاك أيهم الأمير. فقال: خلّوا عنه. ثم قال للشاهد: فما منعك أن تنكر كما أنكر؟ قال: لقديم بغضي إياك. قال: ويخلّى هذا لصدقه.

وفي العفو

أسر معاوية يوم صفّين رجلاً من أصحاب عليّ صلوات اللّه عليه، فلما أقيم بين يديه قال: الحمد اللّه الذي أمكن منك. قال: لا تقل ذاك فإنهم مصيبة. قال: وأيّة نعمة أعظم من أن يكون اللّه أظفرني برجل قتل في ساعة واحدة جماعة من أصحابي. اضربا عنقه. فقال: اللهم اشهد أن معاوية لم يقتلني فيك ولا لأنك ترضى قتلي، ولكن قتلني في الغلبة على حطام هذه الدنيا، فإن فعل فافعل به ما هو أهله، وإن لم يفعل فافعل به ما أنت أهله. فقال: قاتلك اللّه! لقد سببت فأوجعت في السب ودعوت فأبلغت في الدعاء. خلّيا سبيله.

وفي مثله

أخذ عبد الملك بن مروان سارقاً فأمر بقطع يده فقال:

يدي يا أمير المؤمنين أعيذهـم

بعفوك أن تلقى نكالا يشينهـم

فلا خير في الدنيا وكانت حبيبةً

إذا ما شمالي فارقتهم يمينهـم

فأبى إلاّ قطعه، فدخلت عليه أمه فقالت: يا أمير المؤمنين، واحدي وكاسبي. فقال: بئس الكاسب! هذا حدّ من حدود اللّه. فقالت: اجعله من الذنوب التي تستغفر اللّه منهم. فعفا عنه.

وفي مثله

أخذ عبد اللّه بن عليّ أسيراً من أصحاب مروان فأمر بضرب عنقه فلما رفع السيف ليضرب به ضرط الشأمي فوقع العمود بين يدي الغلام ونقرت دابة عبد اللّه فضحك وقال: اذهب فأنت عتيق آستكن. فالتفت إليه وقال: أصلح اللّه الأمير! رأيت ضرطة قطّ أنجت من الموت غير هذه؟ قال: لا، "قال": هذا واللّه الإدبار. قال: وكيف ذاك؟ قال: ما ظنك بنا وكنا ندفع الموت بأسنّتنا فصرنا ندفعه اليوم بأستاهنا.

وفي مثله

خرج النعمان بن المنذر في غبٍّ سماء فمرّ برجل من بني يشكر جالساً على غدير ماء، فقال له: أتعرف النعمان؟ قال اليشكري؟ أليس ابن سلمى؟ قال: نعم. قال: واللّه لربما أمررت يدي على فرجهم. قال له: ويحك، النعمان بن المنذر! قال: قد خبرتكن. فما انقضى كلامه حتى لحقته الخيل وحيّوه بتحية الملك. فقال له: كيف قلت؟ قال: أبيت اللعن، إنك واللّه ما رأيت شيخاً أكذب ولا ألأم ولا أوضع ولاأعضّ ببظر أمه من شيخ بين يديك. فقال النعمان: دعوه، فأنشأ يقول:

تعفو الملوك عن العظي

م من الذنوب لفضلهـم

ولقد تعاقب في اليسـي

ر وليس ذاك لجهلهـم

إلا ليعرف فضـلـهـم

ويخاف شدّة نكلـهـم

إبراهيم بن المهدي يستعطف المأمون ليعفو عنه

لمّا أخذ المأمون إبراهيم بن المهدي استشار أبا إسحاق والعباس في قتله فأشارا به، فقالله المأمون: قد أشارا بقتلك. فقال إبراهيم: أما أن يكونا قد نصحا لك في عظم الخلافة وما جرت به عادة السياسة فقد فعلا، ولكنك تأبى أن تستجلب النصر إلا من حيث عودّك اللّه. وكان في اعتذاره إليه أن قال: إنه وإن بلغ جرمي استحلال دمي فحلم أمير المؤمنين وفضله يبلغانني عفوه، ولي بعدهما شفعة الإقرار بالذنب وحقّ الأبوة بعد الأب. فقال المأمون: لو لم يكن في حق سببك حقّ الصفح عن جرمك لبلّغك ما أمّلت حسن تنصّلك ولطف توصّلك. وكان إبراهيم يقول بعد ذلك: واللّه ماعفا عني المأمون صلةً لرحمي ولا محبة لاستحيائي ولا قضاءً لحق عمومتي، ولكن قامت له سوقٌ في العفو فكره أن يفسدهم بي.

شعر في طلب العفو

ومن أحسن ما قيل في مثله قول العتّابي:

رحل الرجاء إليك مغتـربـا

حشدت عليه نوائب الدهـر

ردّت إليك ندامتـي أمـلـي

وثنى إليك عنانه شـكـري

وجعلت عتبك عتب موعظة

ورجاء عفوك منتهى عذري

وقول عليّ بن الجهم للمتوكل:

عفا اللّه عنـك ألا حـرمة

تعوذ بعفـوك أن أبـعـدا

لئن جلّ ذنب ولم أعتـمـده

لأنت أجـلّ وأعـلـى يدا

ألم تر عبد اً عـدا طـوره

ومولّىً عفا ورشيدا هـدى

ومفسد أمـر تـلافـيتـه

فعاد فأصلح مـا أفـسـدا

أقلني أقالك مـن لـم يزل

يقيك ويصرف عنك الردى

وجد بعض الأمراء على رجل فجفاه وآطّرحه حيناً ثم دعا به ليسأله عن شيء فرآه ناحلاً شاحباً. فقال: متى اعتللت؟ فقال:

ما مسّني سقمٌ ولـكـنـنـي

جفوت نفسي إذ جفاني الأمير

فعاد له وقال آخر:

ألا إن خير العفو عفوٌ معجّـل

وشر العقاب ما يجاز به القدر

وكان يقال: بحسب العقوبة أن تكون على مقدار الذنب.
وفي العفو: قال بعضهم: إن عاقبت جازيت وإن عفوت أحسنت والعفو أقرب للتقوى.
ونحوه: قال رجل لبعض الأمراء: أسألك بالذي أنت بين يديه أذلّ مني بين يديك، وهو على عقابك أقدر منك على عقابي إلاّ نظرت في أمري نظر من برئي أحبّ إليه من سقمي وبراءتي أحبّ إليه من جرمي.
ونحوه قول آخر: قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة.
وفي مثله: أتى الأحنف ابن قيس مصعب بن الزبير فكلّمه في قوم حبسهم، فقال: أصلح اللّه الأمير، إن كانوا حبسوا في باطل فالحق يخرجهم، وإن كانوا حبسوا في حق فالعفو يسعهم. فخلاّهم.
وفي مثله: أمر معاوية بعقوبة روح بن زنباع فقال له روح: أنشدك اللّه يا أمير المؤمنين أن تضع مني خسيسة أنت رفعتهم أو تنقض مني مرّة أنت أبرمتهم أو تشمت بي عدواً أنت وقمته وإلاّ أتى حلمك وعفوك على جهلي وإساءتي. فقال معاوية: خلّيا عنه. ثم أنشد: إذا اللّه سنّى عقد أمرٍ تيسرا وفي مثله: أمر عمر بن عبد العزيز بعقوبة رجل قد كان نذر إن أمكنه اللّه منه ليفعلنّ به وليفعلن. فقال له رجاء بن حيوة: قد فعل اللّه ما تحب من الظفر فافعل ما يحب اللّه من العفو.
وفي مثله: قال ابن القرّيّة للحجاج في كلام له: أقلني عثرتي وأسغني ريقي فإنه لا بد للجواد من كبوة ولا بد للسيف من نبوة ولا بد للحليم من هفوة. فقال الحجاج: كلاّ، واللّه حتى أوردك جهنم. ألست القائل برستقباذ: تغدّوا الجدي قبل أن يتعشّاكم.
وفي مثله: أمر عبد الملك بن مروان بقتل رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أعزّ ما تكون أحوج ما تكون إلى اللّه، فاعف له فإنك به تعان وإليه تعود. فخلّى سبيله.
وفي مثله: قال خالد بن عبد اللّه لسليمان بعد أن عذبه "بما عذّبه به": إن القدرة تذهب الحفيظة وقد جلّ قدرك عن العتاب ونحن مقرّون بالذنب، فإن تعف فأهل العفو وإن تعاقب فبما كان منا. فقال: "أولى لك" أمّا حتّى تأتي الشأم راجلاً فلا عفو.
وفي مثله: ضرب الحجاج أعناق أسارى أتي بهم، فقال رجل منهم: واللّه لئن كنا أسأنا في الذنب فما أحسنت في المكافأة. فقال الحجاج: أفٍّ لهذه الجيف! أما كان فيهم أحد يحسن مثل هذا! وكفّ عن القتل.

وفي مثله بين مصعب بن الزبير ورجل من أصحاب المختار الثقفي

أخذ مصعب بن الزبير رجلاً من أصحاب المختار فأمر بضرب عنقه. فقال: أيهم الأمير ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتكن هذه الحسنة ووجهك هذا الذي يستضاء به فأتعلق بأطرافك وأقول أي ربّ سل مصعباً فيم قتلني. قال: أطلقوه. قال: اجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض. قال: أعطوه مائة ألف. قال: بأبي أنت وأمي، أشهد اللّه أن لابن قيس الرّقيات منهم خمسين ألفاً. قال: ولم؟ قال: لقوله فيك:

إنما مصعبٌ شهم ب من الل

ه تجلّت عن وجهه الظلماء

ملكه ملك رحمة ليس فـيه

جبروتٌ يخشى ولا كبـرياء

يتقي اللّه في الأمور وقد أف

لح من كان همّه الاتـقـاء

فضحك مصعب، وقال: أرى فيك موضعاً للصنيعة. وأمرو بلزومه وأحسن إليه فلم يزل معه حتى قتل.

وفي مثله بين عبد الملك بن مروان وعبد الملك بن الحجاج

قال عبد الملك بن الحجاج التغلبي لعبد الملك بن مروان: هربت إليك من العراق.
قال: كذبت، ليس إلينا هربت، ولكنك هربت من دم الحسين وخفت على دمك فلجأت إلينا.
ثم جاء يوماً آخر فقال:

أدنو لترحمني وترتق خلّتي

وأراك تدفعني فأين المدفع

ونحوه قول الآخر:

كنت من كربتي أفرّ إليهم

فهم كربتي فأين الفرار

وفي مثله: قنّع الحجاج رجلاً في مجلسه ثلاثين سوطاً وهو في ذلك يقول:

وليس بتعزيز الأمير خـزايةٌ

عليّ إذا ما كنت غير مريب

ونحوه:

وإن أمير المؤمنين وفـعـلـه

لكالدهر، لا عارٌ بما فعل الدهر

وفي مثله للحسن البصري

مر الحسن البصري برجل يقاد منه. فقال للوليّ: يا عبد اللّه، إنك لا تدري لعل هذا قتل وليّك وهو لا يريد قتله، وأنت تقتله متعمداً، فانظر لنفسك. قال: قد تركته للّذه.
وفي مثله: حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن عيسى بن عمر قال: رمي الحجاج فقال: انظروا من هذا؟ فأوما رجل بيده ليرمي. فأخذ فأدخل عليه وقد ذهبت روحه. قال عيسى بصوت ضعيف يحكي الحجاج: أنت الرّامينا منذ الليلة؟ قال: نعم أيهم الأمير. قال: ما حملك على ذلك؟ قال: العيّ واللّه واللؤم. قال: خلّوا عنه. وكان إذا صدق انكسر.

وفي مثله بين الحجاج وعثمان الشحام

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن عثمان الشحام قال: أتي الحجاج بالشّعبي فقال له: أخرجت عليّنا يا شعبي؟ قال: أجدب بنا الجناب وأحزن بنا المنزل واستحلسنا الخوف واكتحلنا السهر وأصابتنا خزية لم نكن فيهم بررةً أتقياءولا فجرة أقوياء. فقال الحجاج: اللّه أبوك. ثم أرسله.
وفي مثله: أتي موسى بن المهدي برجل كان قد حبسه فجعل يقرّعه بذنوبه، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، اعتذاري مما تقرّعني به ردٌ عليك وإقراري بما تعتدّه عليّ يلزمني ذنباً لم أجنه، ولكني أقول:

فإن كنت ترجو بالعـقـوبةً راحةً

 

فلا تزهدن عند المعافاة في الأجر

وفي مثله: قال الحسن بن سهل لنعيم بن حازم وقد اعتذر إليه من ذنب عظّمه: على رسلك أيهم الرجل، تقدّمت لك طاعةٌ وتأخرت لك توبة، وليس لذنب بينهما مكان، وما ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو.

في الدعاء للسلطان

قال رجل لبعض الأمراء: "إني لو كنت أعرف كلاماً يجوز أن ألقى به الأمير غير ما جرى على ألسن الناس، لأحببت أن أبلغ ذلك فيما أدعو به له وأعظّم من أمره، غير أني أسأل اللّه الذي لا يخفى عليه ما تحتجب به الغيوب من نيات القلوب أن يجعل ما يطلّع عليه مما تبلغهنيته في إرادته للأمير أدنى ما يؤتيه إياه من عطاياه ومواهبه وفي الدعاء له: قرأت في كتاب رجل من الكتاب: "لا زالت أيامك ممدودة بين أمل لك تبلغه وأملٍ فيك تحقّقه حتى تتملّى من الأعمار أطولهم وترقى من الدرجات أفضلهم ".

وفي الدعاء أيضاً

دخل محمد بن عبد الملك بن صالح على المأمون حين قبضت ضياعه فقال: السلام عليك أمير المؤمنين. محمد بن عبد الملك سليل نعمتكن وابن دولتكن وغصن من أغصان دوحتكن، أتأذن له في الكلام؟ قال: نعم. فتكنلّم بعد حمد اللّه والثناء عليه. فقال: "نستمتع اللّه لحياطة ديننا ودنيانا ورعاي أدنانا وأقصانا ببقائك يا أمير المؤمنين ونسأله أن يزيد في عمرك من أعمارنا وفي أثرك من آثارنا ويقيك الأذى بأسماعنا وأبصارنا. هذا مقام العائذ بظلّك الهم رب إلى كنفك وفضلك الفقير إلى رحمتكن وعدلك" ثم تكنلّم في حاجته.

وفي شكر السلطان وفي حمده

قدم رجل على سليمان بن عبد الملك في خلافته فقال له: ما أقدمك عليّ؟ فقال: يا أمير المؤمنين ما أقدمني عليك رغبة ولا رهبة. قال: وكيف ذاك؟ قال: أما الرغبة فقد وصلت إلينا وفاضت في رحالنا وتناولهم الأقصى والأدنى منّا، وأما الرّهبة فقد أمنّا بعدلك يا أمير المؤمنين عليّنا وحسن سيرتكن فينا من الظلم، فنحن وفد الشكر.

وفي حمده

كتب بعض الكتاب إلى وزير: "كلّ مدى يبلغه القائل بفضلك والواصف لأيامك والشاكر للنعمة الشاملة بك قصدٌ أممٌ عند الفضائل الموفورة لك والمواهب المقسومة للرعية بك، فواجبٌ على من عرف قدر النعمة بك أن يشكرهم وعلى من أظله عزّ أيامك أن يستديمه وعلى من حاطته دولتكن أن يدعو اللّه ببقائهم ونمائهم ، فقد جمع اللّه بك الشّتات وأصلح بهم الفساد وقبض الأيدي الجائرة وعطف القلوب النافرة، فأمّنت سرب البرىء وخفضت جأشه وأخفت سبل الجاني وأخذت عليه مذاهبه ومطالعه ووقفت بالخاصّة والعامة على قصد من السيرة أمنوا بهم من العثار والكبوة".

وفي حضّه على شكر اللّه عز وجل


قال شبيب بن شيبة للمهدي: إن اللّه عز وجل لم يرض أن يجعلك دون أحد من خلقه، فلا ترض بأن يكون أحد أشكر له منك، والسلام.
تم كتاب السلطان، ويتلوه في الجزء الثاني
كتاب الحرب.