ابن قتيبة عيون الأخبار
1. كتاب السلطان
محل السلطان وسيرته وسياسته للنبي صلى الله عليه وسلم في الإمارة
حدّثنا محمد بن خالد بن خداش قال: حدّثنا سلابن قتيبة عن ابن أبي ذئب عن
المقبريّ عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ستحرصون على
الإمارة ثم تكون حسرةً وندامةً يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة". لابن عباس رضي اللّه عنهما حدّثني زيد بن أخزم قال: حدّثنا وهب بن جرير قال: حدّثنا أبي قال: سمعت أيّوب يحدّث عن عكرمة عن ابن عباس أنه قدم المدينة زمن الحرّة فقال: من استعمل القوم؟ قالوا: على قريش عبد اللّه بن مطيع، وعلى الأنصار عبد اللّه بن حنظلة بن الراهب. فقال: أميران! هلك واللّه القوم. للحسن عليه السلام حدّثنا محمد بن عبيد قال: حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن هشام بن حسّان قال: كان الحسن يقول: "أربعة من الإسلام إلى السلطان الحكم والفيء والجمعة والجهاد". لكعب الأحبار وحدّثني محمد قال: حدّثنا أبو سلمة عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة قال: قال كعب: "مثل الإسلام والسلطان والناس مثل الفسطاط والعمود والأطناب والأوتاد، فالفسطاط الإسلام، والعمود السلطان، والأطناب والأوتاد الناس، لا يصلح بعضه إلا ببعض". كلمة لأبي حازم في السلطان حدّثني سهل بن محمد قال: حدّثني الأصمعيّ قال: قال أبو حازم لسليمان بن عبد الملك: "السلطان سوقٌ فما نفق عنده أتي به". لابن المقفع وقرأت في كتاب لابن المقفّع: "الناس على دين السلطان إلا القليل فليكن للبرّ والمروءة عنده نفاقٌ فسيكسد بذلك الفجور والدناءة في آفاق الأرض قرأت فيه أيضاً: "الملك ثلاثة ملك دين وملك حزم وملك هوى، فأما ملك الدين فإنه إذا أقام لأهله دينهم فكان دينهم هو الذي يعطيهم ما لهم ويلحق بهم ما عليهم، أرضاهم ذلك وأنزل الساخط منهم منزلة الراضي في الإقرار والتسليم. وأما ملك الحزم فإنه تقوم به الأمور ولا يسلم من الطعن والتسخّط ولن يضرّه طعن الضعيف مع حزم القوي. وأما ملك الهوى فلعب ساعة ودمار دهر". للرسول
حدّثني يزيد بن عمرو عن عصمة بن صقير الباهلي قال: حدّثنا إسحاق بن نجيح عن
ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال: قال رسول اللّه: "إن اللّه حرّاساً
فحرّاسه في السماء الملائكة وحراسه في الأرض الذين يأخذون الدّيوان".
يعني باسم اللّه، وفيه قول اللّه: "يحفظونه من أمر اللّه" أي بأمر اللّه. كلمة في عدل الإمام وجوره حدّثني شيخ لنا عن أبي الأحوص عن ابن عمّ لأبي وائل عن أبي وائل قال: قال عبد اللّه بن مسعود: "إذا كان الإمام عادلاً فله الأجر وعليك الشكر، وإذا كان جائراً فعليه الوزر وعليك الصبر". قول عمر بن الخطاب في الفواقر وأخبرني أيضاً عن أبي قدامة عن عليّ بن زيد قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: "ثلاثٌ من الفواقر: جار مقامةٍ إن رأى حسنة سترهم وإن رأى سيئة أذاعهم، وامرأة إن دخلت عليهم لسنتك وإن غبت عنها لم تأمنها، وسلطان إن أحسنت لم يحمدك وإن أسأت قتلك". من اليتيمة في منافع السلطان ومضارّه
وقرأت في اليتيمة "مثل قليل مضارٌ السلطان في جنب منافعه مثل الغيث الذي هو
سقيا اللّه وبركات السماء وحياة الأرض ومن عليها، وقد يتأذى به السّفر
ويتداعى له البنيان وتكون فيه الصواعق وتدرّ سيوله فيهلك الناس والدواب وتموج
له البحار فتشتدّ البليّة منه على أهله فلا يمنع الناس، إذا نظروا إلى آثار
رحمة اللّه في الأرض التي أحيا والنبات الذي أخرج والرزق الذي بسط والرحمة
التي نشر، أن يعظموا نعمة ربهم ويشكروها وبلغوا ذكر خواصّ البلايا التي دخلت
على خواصّ الخلق. ومثل الرياح التي يرسلهم اللّه نشرا بين يديّ رحمته فيسوق
بهم السحاب ويجعلهم لقاحاً للثمرات و أرواحاً للعباد يتنسمون منها ويتقلبون
فيهم، وتجري بهم مياههم، وتقد بها نيرانهم وتسير بهم أفلاكهم. وقد تضرّ بكثير
من الناس في برّهم وبحرهم ويخلص ذلك إلى أنفسهم وأموالهم فيشكوها منهم
الشاكون ويتأذّى بها المتأذّون ولا يزيلها ذلك عن منزلتها التي جعلها اللّه
بهم وأمرها الذي سخرها له من قوام عباده وتمام نعمته. ومثل الشتاء والصيف
اللذين جعل اللّه حرّهما وبردهما صلاحاً للحرث والنسل ونتاجاً للحب والثمر،
يجمعهم البرد بإذن الّله ويحملها ويخرجها الحرّ باذن اللّه وينضجها مع سائر
ما يعرف من منافعها، وقد يكون الأذى والضرّ في حرّهما وبردهما وسمائمهما
وزمهريرهما وهما مع ذلك لا ينسبان إلا إلى الخير والصلاح. ومن ذلك الليل الذي
جعله اللّه سكناً ولباساً وقد يستوحش له أخو القفر، وينازع فيه ذو البليّة
والرّيبة وتعدو فيه السّباع وتنساب فيه الهوامّ ويغتنمه أهل الّسرق والسّلّة،
ولا يزري صغير ضرره بكثير نفعه، ولا يلحق به ذمّا ولا يضع عن الناس الحقّ في
الشكر اللّه على ما منّ به عليهم منه. ومثل النهار الذي جعله اللّه ضياء
ونشوراً وقد يكون على الناس أذى الحرّ في قيظهم وتصبّحهم فيه الحروب والغارات
ويكون فيه النّصب والشّخوص وكثير مما يشكوه الناس ويستريحون فيه إلى الليل
وسكونه. ولو أن الدنيا كان شيءٌ من سرّائهم يعم عامة أهلهم بغير ضرر على
بعضهم وكانت نعماؤهم بغير كدر وميسورها من غير معسور كانت الدنيا إذاً هي
الجنة التي لا يشوب مسرتها مكروه ولا فرحها ترحٌ والتي ليس فيهم نصب ولا
لغوب، فكل جسيم من أمر الدنيا يكون ضرّه خاصةً فهو نعمةٌ عامة، وكل شيء منه
يكون نفعه خاصاً فهو بلاءٌ عام". لبعض الملوك
وقرأت في التاج لبعض الملوك: "هموم الناس صغار وهموم الملوك كبار وألباب
الملوك مشغولة بكل شيء يجلّ وألباب السّوق مشغولة بأيسرالشيء، فالجاهل منهم
يعذر نفسه بدعة ما هو عليه من الرّسلة ولا يعذر سلطانه مع شدّة ما هو فيه من
المؤونة، ومن هناك يعزّر اللّه سلطانه ويرشده وينصره". لكسرى
حدّثنا الرياشيّ عن أحمد بن سلاّم مولى ذفيف عن مولى يزيد بن حاتم عن شيخ له
قال: قال كسرى: "لا تنزل ببلد ليس فيه خمسة أشياء: سلطان قاهر، وقاض عادل،
وسوق قائمة، وطبيب عالم، ونهرٌ جارٍ". كتاب من أردشير إلى جميع الطوائف من رعيته وقرأت في بعض كتب العجم كتباً لأردشير بن بابك إلى الرعية، نسخته: "من أردشير الموبذ ذي البهاء ملك الملوك ووارث العظماء، إلى الفقهاء الذين هم حملة الدين، والأساورة الذين هم حفظة البيضة، والكتاب الذين هم زينة المملكة، وذوي الحرث الذين هم عمرة البلاد. السلام عليكم، فإنا بحمد اللّه صالحون وقد وضعنا على رعيتنا بفضل رأفتنا إتاوتها الموظّفة عليهم. ونحن مع ذلك كاتبون إليكم بوصية: لا تستشعروا الحقد فيدهمكم العدوّ، ولا تحتكروا فيشملكم القحط، وتزوّجوا في القرابين فإنه أمسّ للرحم وأثبت للنسب، ولا تعدّوا هذه الدنيا شيئاً فإنها لا تبقى على أحد ولا ترفضوها مع ذلك فإن الآخرة لا تنال إلا بها". نصيحة أرسطاطاليس إلى الاسكندر
كلمة لملك العجم
وقرأت في كتاب الآيين أن بعض ملوك العجم قال في خطبة له: "إني إنما أملك
الأجساد لا النيات وأحكم بالعدل لا بالرضا وأفحص عن الاعمال لا عن السرائر". كلمة لعبد الملك بن مروان قال عبد الملك بن مروان: "أنصفونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر! ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرة رعية أبي بكر وعمر! نسأل اللّه أن يعين كلاً على كل". لعمر بن الخطاب ولابن عبد العزيز
قال عمر بن الخطاب: "إن هذا الأمر لا يصلح له إلا اللّين في غير ضعف والقويّ
في غير عنف". لمعاوية في سياسة الرغبة قال معاوية: "لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرةً ما انقطعت. قيل: وكيف ذاك؟ قال: كنت إذا مدّوها خلّيتها وإذا خلّوها مددتهم". للشعبي وعمر في معاوية
ونحو هذا قول الشّعبي فيه: "كان معاوية كالجمل الطّبّ، إذا سكت عنه تقدّم
وإذا ردّ تأخروقول عمر فيه: "احذروا آدم قريش وابن كريمهم ، من لا ينام إلا
على الرضا ويضحك في الغضب ويأخذ ما فوقه من تحته". كتاب الحجاج إلى الوليد بن عبد الملك يشرح له سيرته
وكتب الوليد إلى الحجاج يأمره أن يكتب إليه بسيرته فكتب إليه: "إني أيقظت
رأيي وأنمت هواي، فأدنيت السيد المطاع في قومه، ووليت الحرب الحازم في أمره،
وقلّدت الخراج الموفرّ لأمانته، وقسمت لكل خصم من نفسي قسماً يعطيه حظّاً من
نظري ولطيف عنايتي، وصرفت السيف إلى النّطف المسيء، والثواب إلى المحسن
البريء فخاف المريب صولة العقاب، وتمسك المحسن بحظه من الثواب". رد معاوية على سليم مولى زياد فخر سليم مولى زياد بزياد عند معاوية فقال معاوية: "اسكت ما أدرك صاحبك شيئاً قطّ بسيفه إلا وقد أدركت أكثر منه بلساني". تعريف عبد الملك للسياسة
وقال الوليد لعبد الملك: يا أبت ما السياسة؟ قال: "هيبة الخاصّة مع صدق
مودّتها واقتياد قلوب العامة بالإنصاف لها واحتمال هفوات الصّنائع". وصية أبرويز لابنه شيرويه
وقرأت في كتاب التاج: قال أبرويز لابنه شيرويه وهو في حبسه: "لا توسعنّ على
جندك فيستغنوا عنك ولا تضيقنّ عليهم فيضجّوا منك، أعطهم عطاء قصداً وامنعهم
منعاً جميلاً ووسّع عليهم في الرجاء ولا توسّع عليهم في العطاء". وصية عمر للأشعري وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعريّ: "أما بعد، فإن للناس نفرة عن سلطانهم فأعوذ باللّه أن تدركني وإياك عمياء مجهولة وضغائن محمولة، أقم الحدود ولو ساعة من نهار، وإذا عرض لك أمران: أحدهما اللّه، والآخر للدينا فآثر نصيبك من اللّه فإن الدنيا تنفد والآخرة تبقى، وأخيفوا الفسّاق وأجعلوهم يداً يداً ورجلاً رجلاً، وعد مرضى المسلمين واشهد جنائزهم وافتح لهم بابك وباشر أمورهم بنفسك فإنما أنت رجل منهم غير أن اللّه جعلك أثقلهم حملاً، وقد بلغني أنه قد فشا لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك ليس للمسلمين مثلهم ، فإياك يا عبد اللّه أن تكون بمنزلة البهيمة مرّت بوادٍ خصيب فلم يكن لهم همٌّ إلا السّمن وإنما حتفهم في السمن، واعلم أن العامل إذا زاغ زاغت رعيّته، وأشقى الناس من شقي الناس به، والسلام". لعبد اللّه بن زبير في معاوية هشام بن عروة قال: "صلى يوماً عبد اللّه بن الزبير فوجم بعد الصلاة ساعة فقال الناس: لقد حدّث نفسه. ثم التفت إلينا فقال: لا يبعدنّ ابن هند! إن كانت فيه لمخارج لا نجدهم في أحد بعده أبدا. واللّه إن كنا لنفرّقه وما الليث الحرب على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا. وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلةٍ من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا، واللّه لوددت أنّا متّعنا به ما دام في هذا حجر - وأشار إلى قبيس - لا يتخوّن له عقل ولا تنتقص له قوّة. قلنا: أوحش واللّه الرجل. قال: وكان يصل بهذا الحديث: وكان واللّه كما كان العذري:
حدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: حدّثنا جد سران، وسران عمّ
الأصمعيّ قال: "كلم الناس عبد الرحمن بن عوف أن يكلم عمر بن الخطاب في أن
يلين لهم فإنه قد أخافهم حتى إنه قد أخاف الأبكار في خدورهنّ. فقال عمر: إني
لا أجد لهم إلا ذلك، إنهم لو يعلمون ما لهم عندي لأخذوا ثوبي من عاتقي".
كان يقال: "شر الأمراء أبعدهم من القرّاء، وشر القرّاء أقربهم من الأمراء". لأعرابي في أميرٍ عادل ذكر أعرابي أميراً فقال: "كان إذا ولي لم يطابق بين جفونه وأرسل العيون على عيونه، فهو غائب عنهم شاهد معهم، فالمحسن راج والمسيء خائف". كلمة لجعفر بن يحيى كان جعفر بن يحيى يقول: "الخراج عمود الملك وما استغزر بمثل العدل ولا استنزر بمثل الظلم". وصية أردشير لابنه
كلمة معاوية لابنة عثمان وقدم معاوية المدينة فدخل دار عثمان فقالت عائشة بنت عثمان: واأبتاه، وبكت. فقال معاوية: "يا ابنة أخي إنّ الناس أعطونا طاعة وأعطيناهم أماناً، وأظهرنا لهم حلماً تحته غضب وأظهروا لنا طاعة تحتهم حقد ومع كل إنسان سيفه وهو يرى مكان أنصاره، فإن نكثنا بهم نكثوا بنا ولا ندري أعليّنا تكون أم لنا،ولأن تكوني بنت عمّ أمير المؤمنين خيرٌ من أن تكوني آمرأة من عرض المسلمين من عبد اللّه بن عباس إلى الحسن بن عليّ
كتب عبد اللّه بن عباس إلى الحسن بن عليّ:" إنّ المسلمين ولّوك أمرهم بعد
عليّ فشمّر للحرب وجاهد عدوك ودار أصحابك وآشتر من الظّنين دينه بما لا يثلم
دينك، وولّ أهل البيوتات والشرف تستصلح بهم عشائرهم حتى تكون الجماعة، فإن
بعض ما يكره الناس، ما لم يتعدّ الحق وكانت عواقبه تؤدي إلى ظهور العدل وعز
الدين، خيرٌ من كثير مما يحبون إذا كانت عواقبه تدعو إلى ظهور الجور ووهن
الدين". اختيار العمال وصية أبو بكر الصديق عند وفاته روي أن بكر الصديق رضي اللّه عنه لمّا حضرته الوفاة كتب عهداً فيه: "بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الّله عند آخر عهده بالدنيا وأوّل عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيهم الكافر ويتّقي فيهم الفاجر: إني استعملت عمر بن الخطاب فإن برّ وعدل فذلك علمي به، وإن جار وبدّل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت، ولكل امرىء ما اكتسب "وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون". من وصايا أبرويز إلى ابنه شيرويه وفي التاج أن أبرويز كتب إلى ابنه شيرويه من الحبس: "ليكن من تختاره لولايتك آمرأ كان في ضعة فرفعته، أوذا شرف وجدته مهتضماً فأصطنعته، ولاتجعله آمرأ أصبته بعقوبة فآتّضع عنهم ولا أطاعك بعد ما اذللته ولا أحداً ممن يقع في خلدك أن إزالة سلطانك أحبّ له من ثبوته،وإياك أن تستعمله ضرعاً غمراً كثر إعجابه بنفسه وقلت تجاربه في غيره، ولا كبيراً مدبراً قد أخذ الدهر من عقله كما اخذت السنّ من جسمه شعر للقيط وقال لقيط في هذا المعنى:
من الأمثال في الرجل المجرّب و يقال في مثل: "رأي الشيخ خير من مشهد الغلام ومن أمثال العرب أيضاًفي المجرّب: "العوان لا تعلّم الخمرة لبعض الخلفاء في الربيع بن زياد قال بعض الخلفاء: دلوني على رجل أستعمله على أمر قد أهمّني. قالوا: كيف تريده؟ قال: "إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم قالوا: لا نعلمه إلا الربيع بن زياد الحارثي. قال: صدقتكم، هو لها. عبد الرحمن بن عبيد التميمي صاحب شرطة الحجاج و روى الهيثم عن مجالد عن الشّعبي قال: قال الحجاج: دلوني على رجل للشّرط. فقيل: أيّ الرجال تريد؟ فقال: "أريده دائم العبوس طويل الجلوس سمين الأمانة أعجف الخيانة لا يخفق في الحق على جرّةٍ يهون عليه سبال الإشراف في الشفاعة فقيل له: عليك بعبد الرحمن بن عبيد التميمي. فأرسل إليه يستعمله، فقال له: لست أقبلهم إلا أن تكنفيني عيالك وولدك وحاشيتك. قال: يا غلام، ناد في الناس: من طلب إليه منهم حاجة فقد برئت منه الذمة. قال الشعبي: فواللّه ما رأيت صاحب شرطة قطّ مثله، كان لا يحبس إلا في دين، وكان إذا أتي برجل قد نقب على قوم وضع منقبته في بطنه حتى تخرج من ظهره، وإذا أتي بنبّاش حفر له قبراً فدفنه فيه، وإذا أتي برجل قاتل بحديدة اوشهر سلاحاً قطع يده، وإذا اتي برجل قدأحرق على قوم منزلهم أحرقه، وإذا أتي برجل يشكّ فيه وقد قيل إنه لص ولم يكن منه شيء ضربه ثلاثمائة سوط. قال: فكان ربما أقام أربعين ليلة لا يؤتى بأحد فضم إليه الحجاج شرطة البصرة مع شرطة الكوفة. نصيحة أبرويز إلى ابنه شيرويه وقرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه: "انتخب لخراجك أحد ثلاثة: إما رجلاً يظهر زهداً في المال ويدّعي ورعاً في الدين فإنّ من كان كذلك عدل على الضعيف وأنصف من الشريف ووفّر الخراج وأجتهد في العمارة، فإن هو لم يرع ولم يعفّ إبقاء على دينه ونظراً لأمانته كان حريّاً أن يخون قليلاً ويوفّر كثيراً آستسراراً بالرياء واكتتاماً بالخيانة، فإن ظهرت على ذلك منه عاقبته على ماخان ولم تحمده على ما وفّر، وإن هو جلّح في الخيانة وبارز بالرياء نكّلت به في العذاب واستنظفت ماله مع الحبس. أو رجلاً عالماً بالخراج غنياً في المال مأموناً في العقل فيدعوه علمه بالخراج إلى الاقتصاد في الحلب والعمارة للأرضين والرفق بالرعية، ويدعوه غناه إلى العفة ويدعوه عقله إلى الرغبة فيما ينفعه والرهبة مما يضره. أو رجلاً عالماً بالخراج مأموناً بالأمانة مقتراً من المال فتوسّع عليه في الرزق فيغتنم لحاجته الرزق ويستكنثر لفاقته اليسير، ويزجي بعلمه الخراج، ويعفّ بأمانته عن الخيانة". عمر بن عبد العزيز وأهل العذر استشار عمر بن عبد العزيز في قوم يستعملهم، فقال له بعض أصحابه: عليك بأهل العذر. قال: ومن هم؟ قال: الذين إن عدلوا فهو ما رجوت منهم، وإن قصّروا قال الناس: قد اجتهد عمر. حديث عدي بن ارطأة مع إياس بن معاوية فيمن يصلح للولاية من القراء قال عدي بت أرطاة لإياس بن معاوية: دلّني على قوم من القراء أولّهم. فقال له: القرّاء ضربان: فضرب يعملون للآخرة ولا يعملون لك، وضرب يعملون للدّنيا فما ظنّك بهم إذا أنت ولّيتهم فمكّنتهم منهم ؟ قال: فما أصنع؟ قال: عليك بأهل البيوتات الذين يستحيون لأحسابهم فولّهم. بين الرشيد ورجل أراد توليته القضاء أحضر الرشيد رجلاً ليولّيه القضاء فقال له: إني لا أحسن القضاء ولا أنا فقيه.قال الرشيد: فيك ثلاث خلال: لك شرف والشرف يمنع صاحبه من الدناءة. ولك حلم يمنعك من العجلة، ومن لم يعجل قلّ خطؤه. وأنت رجل تشاور في أمرك ومن شاور كثر صوابه، وأما الفقه فسينضم إليك من تتفقّه به. فولي ماوجدوا فيه مطعناً. حديث عمر بن هبيرة مع إياس بن معاوية حين أراد ابن هبيرة توليته حدّثني سهل بن محمد قال:حدّثنا الأصمعيّ قال: حدّثني صالح بن رستم أبو عامر الخزّار قال: قال لي إياس بن معاوية المزنيّ: أرسل إليّ عمر بن هبيرة فأتيته فساكتني فسكتّ، فلما أطلت قال: إيهٍ. قلت: سل عما بدا لك. قال: أتقرأ القرآن؟ قلت نعم. قال: هل تفرض الفرائض؟ قلت نعم. قال:فهل تعرف من أيام العرب شيئاً؟ قلت نعم. قال: فهل تعرف من أيام العجم شيئاً؟ قلت: أنا بهم أعلم. قال: إني أريد أن أستعين بك. قلت: إن فيّ ثلاثاً لا أصلح معهن للعمل. قال: ماهن؟ قلت: أنا دميم كما ترى، وأنا حديد، وأنا عيٌّ. قال: أما الدمامة فإني لا اريد أن أحاسن بك الناس، وأمّا العيّ فإني أراك تعبر عن نفسك، وأمّا سوء الخلق فيقوّمك السوط. قم، قد وليتك. قال: فولاني وأعطاني ألفي درهم فهما أول مال تموّلته. من كتاب للهند في السلطان الحازم
كلمة للمأمون في مدح الرجال حدّثني المعلّى بن أيوب قال: سمعت المأمون يقول: "من مدح لنا رجلاً فقد تضمّن عيبه". باب صحبة السلطان وآدابهم وتغير السلطان وتلوّنه وصية العباس لابنه عبد اللّه
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا أبو أسامة عن مجالد الشّعبي عن عبد اللّه بن
عباس قال: قال لي أبي: "يا بنيّ إني أرى أمير المؤمنين يستخليك ويستشيرك
ويقدّمك على الأكابر من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وإني أوصيك
بخلال أربع: لا تفشينّ له سرّاً، ولا يجرّبنّ عليك كذباً، ولا تغتابن عنده
أحداً، ولا تطو عنه نصيحةقال الشّعبي: قلت لابن عباس: كل واحد خير من الف. إي
واللّه ومن عشرة آلاف. نصيحة زياد لابنه قال زياد لابنه: "إذا دخلت على أمير المؤمنين فادع له ثم اصفح صفحاً جميلاً، ولا يرينّ منك تهلكاً عليه ولا انقباضاً عنه". كلمة لمسلم بن عمرو في خدمة السلطان قال مسلم بن عمرو: "ينبغي لمن خدم السلطان ألا يغترّ بهم إذا رضوا عنه ولا يتغير لهم إذا سخطوا عليه ولا يستثقل ما حمّلوه ولا يلحف في مسالتّهم". من كتاب للهند في صحبة السلطان ولزوم بابه
وقرأت في كتاب للهند: "صحبة السلطان على ما فيهم من العز والثروة عظيمة
الخطار، وإنما تشبّه بالجبل الوعر فيه الثمار الطيبة والسباع العادية،
فالارتقاء إليه شديد والمقام فيه أشدّ، وليس يتكافأ خير السلطان وشره لأنّ
خير السلطان لا يعدو مزيد الحال، وشر السلطان قد يزيل الحال ويتلف النفوس
التي لها طلب المزيد، ولا خير في الشيء الذي سلامته مال وجاه وفي نكبته
الجائحة والتلف". كلام العرب وكانت العرب تقول: "إذا لم تكن من قربان الأمير فكن من بعدانه". لابن المقفع في صحبة السلطان
وقرأت في آداب ابن المقفع: "لا تكوننّ صحبتك للسلطان إلا بعد رياضة منك لنفسك
عن طاعتهم في المكروه عندك وموافقتهم فيما خالفك وتقدير الأمور على أهوائهم
دون هواك، فإن كنت حافظاً إذا ولّوك، حذراً إذا قرّبوك، أميناً إذا ائتمنوك،
تعلمهم وكأنك تتعلم منهم، وتؤدبهم وكأنك تتأدب بهم، وتشكر لهم ولا تكلفهم
الشكر، ذليلاً إن صرموك، راضياً إن أسخطوك، وإلا فالبعد منهم كلّ البعد
والحذر منهم كلّ الحذر. وإن وجدت عن السلطان وصحبته غنًى فاستغن به فإنه من
يخدم السلطان بحقّه يحل بينه وبين لذة الدنيا وعمل الآخرة، ومن يخدمه بغير
حقه يحتمل الفضيحة في الدنيا والوزر في الآخرة". نصيحة عبد الملك بن صالح المؤدب ولده
بين أبي مسلم الخراساني والسفاح دخل أبو مسلم على أبي العباس وعنده أبو جعفر فسلّم على أبي العباس فقال له: يا أبا مسلم، هذا أبو جعفر! فقال: يا أمير المؤمنين، هذا موضع لا يقضى فيه إلا حقك. للفضل بن الربيع في مسألة الملوك قال الفضل بن الربيع: "مسألة الملوك عن أحوالهم من تحيات النّوكى، فإذا أردت أن تقول: كيف أصبح الأمير، فقل: صبّح اللّه الأمير بالكرامة. وإذا أردت أن تقول: كيف يجد الأمير نفسه، فقل: أنزل اللّه على الأمير الشفاء والرحمة، فإن المسألة توجب الجواب، فإن لم يجبك اشتدّ عليك وإن اجابك اشتدّ عليه". لابن المقفع في ما يجب سلوكه مع السلطان وقرأت في آداب ابن المقفع: "جانب المسخوط عليه والظّنين عند السلطان ولا يجمعنك وإياه مجلس ولا منزل ولا تظهران له عذراً ولا تثن عليه عند أحد، فإذا رأيته قد بلغ في الانتقام ما ترجو أن يلين بعده فاعمل في رضاه عنك برفق وتلطّف، ولا تسارّ في مجلس السلطان أحداً، ولا تومىء إليه بجفنك وعينك فإن السّرار يخيّل إلى كل من رآه من ذي سلطان وغيره أنه المراد به، وإذا كلّمك فاصغ إلى كلامه ولا تشغل طرفك عنه بنظر ولا قلبك بحديث نفس". من كتاب الهند في آداب الوزير مع السلطان وقرأت في كتاب للهند أنه أهدي لملك الهند ثياب وحلي، فدعا بامرأتين له وخيّر أحظاهما عنده بين اللباس والحلية، وكان وزيره حاضراً، فنظرت المرأة إليه كالمستشيرة له فغمزها باللباس تغضيناً بعينه، ولحظه الملك، فاختارت الحلية لئلا يفطن للغمزة، ومكث الوزير أربعين سنة كاسراً عينه لئلا تقرّ تلك في نفس الملك وليظنّ أنه عادة أو خلقة، وصار اللباس للأخرى فلما حضرت الملك الوفاة قال لولده: توصّ بالوزير خيراً فإنه اعتذر من شيء يسير أربعين سنة. لشبيب بن شيبة فيمن يخدم السلطان قال شبيب بن شيبة: "ينبغي لمن ساير خليفة أن يكون بالموضع الذي إذا أراد الخليفة أن يسأله عن شيء لم يحتج إلى أن يلتفت، ويكون من ناحية إن التفت لم تستقبله الشمس. وإن سار بين يديه أن يحيد عن سنن الريح التي تؤدّي الغبار إلى وجهه". نصيحة ناسك لآخر قال رجل من النساك لآخر: "إن ابتليت بأن تدخل إلى السلطان مع الناس فأخذوا في الثناء فعليك بالدعاء". بين المأمون ويحيى بن أكثم
قال ثمامة: كان يحيى بن أكثم يماشي المأمون يوماً في بستان موسى والشمس عن
يسار يحيى والمأمون في الظل وقد وضع يده على عاتق يحيى وهما يتحادثان حتى بلغ
حيث أراد ثم كرّ راجعاً في الطريق التي بدأ فيهم فقال ليحيى: كانت الشمس عليك
لأنك كنت على يساري وقد نالت منك فكن الآن حيث كنت وأتحوّل أنا حيث كنت. فقال
يحيى: واللّه يا أمير المؤمنين لو أمكنني أن أقيك هول المطلع بنفسي لفعلت.
فقال المأمون: لا واللّه لابدٌّ من أن تأخذ الشمس مني مثل ما أخذت منك.
فتحوّل يحيى وأخذ من الظل مثل الذي أخذ منه المأمون. المدئني قال: قال الأحنف: "لا تنقبضوا عن السلطان ولا تهالكوا عليه فإنه من أشرف للسلطان أذراه، ومن تضرّع له أحظاه". لحذيفة بن اليمان في التعرض لسلطان اللّه في الأرض حدّثني يزيد بن عمرو وقال: حدّثني محمد بن عمرو الرومي قال: حدّثنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع، قال: قال حذيفة بن اليمان: "ما مشى قوم قطّ إلى سلطان اللّه في الأرض ليذلّوه إلا أذلّهم اللّه قبل أن يموتوا". لهشام بن عبد الملك في صحبة السلطان ؟؟؟وفي أخبار خالد بن صفوان أنه قال: دخلت على هشام بن عبد الملك فاستدناني حتى كنت أقرب الناس منه فتنفّس ثم قال: يا خالد، لربّ خالدٍ قعد مقعدك هذا أشهى إليّ حديثاً منك. فعلمت أنه يعني خالد بن عبد اللّه. فقلت: يا أمير المؤمنين، أفلا تعيده؟ فقال: إن خالداً أدلّ فأملّ وأوجف فأعجف ولم يدع لراجع مرجعاً، على أنه ما سألني حاجة. فقلت: يا أمير المؤمنين، ذاك أحرى. فقال: هيهات.
بين منكة الهندي ويحيى بن خالد البرمكي
حدّثنا الفضل بن محمد بن منصور بمعنى هذا الحديث، وببعضه نهيك: اعتل يحيى بن
خالد فبعث إلى منكة الهندي فقال له: ما ترى في هذه العلة؟ فقال منكة: داؤك
كبير ودواؤه يسير وأيسر منه الشكر. وكان متفنناً. فقال له يحيى: ربما ثقل على
السمع خطرة الحقّ به، فإذا كان ذلك كانت الهجرة له ألزم من المفاوضة فيه. قال
منكة: صدقت ولكني أرى في الطوالع أثراً والأمد فيه قريب وأنت قسيم في المعرفة
وقد نبهت، وربما تكون صورة الحركة للكوكب عقيمة ليست بذات نتاج ولكن الأخذ
بالحزم أوفر حظ الطالبين. قال يحيى: للأمور منصرف إلى العواقب وما حتم لا بد
من أن يقع، والمنعة بمسالمة الأيام نهزة فاقصد لما دعوتك له من هذا الأثر
الموجود بالمزاج. قال منكة: هي الصفراء مازجتهم مائيةٌ من البلغم فحدّث لهم
بذلك ما يحدّث اللّهب عند مماسّته رطوبة المادة من الاشتعال فخذ ماء رمّانتين
فدقّهما بإهليلجة سوداء تنهضك مجلساً أو مجلسين وتسكّن ذلك التوقد الذي تجد
إن شاء اللّه. من كتاب الهند في قلة وفاء السلطان لأصحابه وقرأت في كتاب للهند: "إنما مثل السلطان في قلة وفائه للأصحاب وسخاء نفسه عمن فقد منهم مثل البغيّ والمكتّب، كلما ذهب واحد جاء بآخر". للعرب في وصف السلطان والعرب تقول: "السلطان ذو عدوانٍ وذو بدوانٍ وذو تدرٍأ"، يريدون أنه سريع الإنصراف كثير البدوات هجومٌ على الأمور". لأبي مسلم الخرساني في أن المعرفة لا تقدر على دفع المقدّر المحتوم
من كلام أبي جعفر المنصور قال المنصور: "ثلاث كنّ في صدري شفى الله منهم: كتاب أبي مسلم إليّ وأنا خليفة: عافانا اللّه وإياك من السوء. ودخول رسوله عليّنا وقوله: أيكم ابن الحارثيّة؟ وضرب سليمان بن حبيب ظهري بالسياط". بين المنصور وسلم بن قتيبة في قتل أبي مسلم الخراساني قال المنصور لسلم بن قتيبة: ما ترى في قتل أبي مسلم؟ فقال سلم: "لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتافقال: حسبك يابا أميّة. شعر لأبي دلامة قال أبو دلامة:
بين مروان بن محمد و عبد الحميد الكاتب قال مروان بن محمد لعبد الحميد حين أيقن بزوال ملكه: "قد احتجت إلى أن تصير مع عدوّي وتظهر الغدر بي، فإن إعجابهم بأدبك وحاجتهم إلى كتابك تدعوهم إلى حسن الظن بك، فإن استطعت أن تنفعني في حياتي وإلا لم تعجز عن حفظ حرمتي بعد وفاتيفقال عبد الحميد: إن الذي أمرتني به أنفع الأمرين لك وأقبحهما بي وما عندي إلا الصبر معك حتى يفتح الله لك أو أقتل معك. وقال:
المشاورة والرأي عن الحسن في مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم النساء حدّثنا الزّياديّ قال: حدّثنا حماد بن زيد عن هشان عن الحسن قال: "كان النبيّ يستشير حتى المرأة فتشير عليه بالشيء فيأخذ به من كتاب التاج في استشارة الملك وقرأت في التاج أن بعض ملوك العجم استشار وزراءه، فقال أحدهم: "لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحداً إلا خالياً به، فإن أموت للسر وأحزم للرأي وأجدر بالسلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض. فإن إفشاء السر إلى رجل واحد أوثق من إفشائه إلى اثنين، وإفشاءه إلى ثلاث كإفشائه إلى العامّة لأن الواحد رهن بما أفشي إليه، والثاني يطلق عنه ذلك الرهن والثالث علاوة فيه، وإذا كان سر الرجل عند واحد كان أحرى ألا يظهره رهبةً منه ورغبة إليه، وإذا كان عند اثنين دخلت على الملك الشبهة واتسعت على الرجلين المعاريض، فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن آتهمهما اتهم بريئاً بجناية مجرم، وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له وعن الآخر ولا حجة معه أيضاً من كتاب الهند في الاستشارة وقرأت في كتاب للهند أن ملكاً استشار وزراء له، فقال أحدهم: "الملك الحازم يزداد برأي الوزراء الحزمة كما يزداد البحر بموادّه من الأنهم ر، وينال بالحزم والرأي مالايناله بالقوّة و الجنود، وللأسرار منازل: منهم ما يدخل الرهط فيه، ومنهم ما يستعان فيه بقوم، ومنهم ما يستغنى فيه بواحد. وفي تحصين السر الظّفر بالحاجة والسلامة من الخلل. والمستشير وإن كان أفضل رأياً من المشير، فإنه يزداد برأيه رأياً كما تزداد النار بالسّليط ضوءاً. وإذا كان الملك محصّناً لسره بعيداً من أن يعرف ما في نفسه متخيّراً للوزراء مهيباً في أنفس العامة كافياً بحسن البلاء لا يخافه البريء ولا يأمنه المريب مقدّراً لما يفيد وينفق، كان خليقاً لبقاء ملكه. ولا يصلح لسرّنا هذا إلا لسانان وأربع آذان. ثم خلا به من كتاب إلى بعض السلاطين
لزياد يشاور رجلاً قال زياد لرجل يشاوره: "لكل مستشير ثقة ولكل سر مستودع، وإن الناس قد ابدعت بهم خصلتان: إضاعة السر، وإحراج النصيحة. وليس موضع السر إلا أحد رجلين: رجل آخرة يرجو ثواب اللّه، أو رجل دنيا له شرف في نفسه وعقل يصون به حسبه، وقد عجمتهما لك". لبعض الكتّاب في النّصح والغشّ
وكتب بعض الكتّاب: "اعلم أن الناصح لك المشفق عليك من طالع لك وراء العواقب
برؤيته ونظره، ومثّل لك الأحوال المخوفة عليك، وخلط لك الوعر بالسهل من كلامه
ومشورته ليكون خوفك كفئاً لرجائك وشكرك إزاء النعمة عليك. وأن الغاشّ لك
الحاطب عليك من مدّ لك في الاغترار ووطّأ لك مهاد الظلم وجرى معك في عنانك
منقاداً لهواك". لعبيد اللّه بن عمر في المشورة، ثم لنصر بن مالك
إبراهيم بن المنذر قال: استشار زياد بن عبيد اللّه الحارثي عبيد اللّه بن عمر
في أخيه أبي بكر أن يوليه القضاء، فأشار عليه به، فبعث إلى أبي بكر فامتنع
عليه، فبعث زياد إلى عبيد اللّه يستعين به على أبي بكر، فقال أبو بكر لعبيد
اللّه: أنشدك باللّه أترى لي أن آلي القضاء؟ قال: اللهم لا. قال زياد: سبحان
اللّه! استشرتك فأشرت عليّ به ثم أسمعك تنهاه! قال: أيها الأمير استشرتني
فاجتهدت لك رأيي ونصحتك، واستشارني فاجتهدت له رأيي ونصحته. لمعاوية في الحلم قال معاوية: "لقد كنت ألقى الرجل من العرب أعلم أن في قلبه عليّ ضغنا فأستشيره، فيثير إليّ منه بقدر ما يجده في نفسه فلا يزال يوسعني شتماً وأوسعه حلماً حتى يرجع صديقاً أستعين به فيعينني وأستنجده فينجدني نصيحة ابرويز لابنه في المشورة
من كتاب الهند في المشورة وفي كتاب للهند: "من التمس من الأخوان الرخصة عند المشورة ومن الأطباء عند المرض ومن الفقهاء عند الشبهة، أخطأ الرأي وازداد مرضاً وحمل الوزر". من كلام ابن المقفع وفي آداب ابن المقفع: "لا يقذفن في روعك أنك إن استشرت الرجال ظهر للناس منك الحاجة إلى رأي غيرك، فيقطعك ذاك عن المشاورة، فإنك لا تريد الرأي للفخر به ولكن للانتفاع به. ولو أنك أردت الذكرى كان أحسن الذكر عند الألبّاء أن يقال: لا ينفرد برأيه دون ذوي الرأي من إخوانه. قول لعمر بن الخطاب في الرأي قال عمر بن الخطاب: "الرأي الفرد كالخيط السّحيل، والرأيان كالخيطان المبرمين، والثلاثة مرار لا يكاد ينتقض" وقال أشجع:
قول المهلب للحجاج في الرأي كتب الحجاج إلى المهلّب يستعجله في حرب الأزارقة، فكتب إليه المهلب: "إن من البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره". من كلام عبد اللّه بن وهب يوم عقدت له الخوارج وقيل لعبد اللّه بن وهب الراسبيّ يوم عقدت له الخوارج: تكلم. فقال: ما أنا والرأي الفطير والكلام القضيب. وقال أيضاً: خمير الرأي خير من فطيره، ورب شيء غابّه خير من طريّه، وتأخيره خير من تقديمه. وقيل لآخر: تكلّم. فقال: ما أشتهي الخبز إلا بائتاً. لابن هبيرة في الصحبة
كان ابن هبيرة يقول: "اللهم إني أعوذ بك من صحبة من غايته خاصة نفسه
والإنحطاط في هوى مستشيره، وممن لا يلتمس خالص مودّتك إلا بالتأتّي لموافقة
شهوتكن، ومن يساعدك على سرور ساعتك ولا يفكر في حوادث غدك". فيمن يستشار من أصناف الناس
وكان يقال: لا تستشر معلّماًولا راعي الغنم ولا كثير القعود مع النساء. لبعض ملوك العجم في خطأ الرأي
وكان بعض ملوك العجم إذا شاور مرازبته فقصّروا في الرأي دعا الموكّلين
لأرزاقهم فعاقبهم، فيقولون: تخطىء مرازبتك وتعاقبنا! فيقول: نعم، إنهم لم
يخطئوا إلا لتعلّق قلوبهم بأرزاقهم وإذا اهتموا أخطأوا. لكعب فيمن يستشار وقال كعب: لا تستشيروا الحاكة فإن اللّه سلبهم عقولهم ونزع البركة من كسبهم. شعر في المشاورة قال الشاعر:
ويقال: علامة الرشد أن تكون النفس مشتاقة وقال آخر:
لأعرابي في المشاورة قال أعرابي: ما غبنت قط حتى يغبن قومي. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا أفعل شيئاً حتى أشاورهم. قول لعبسيّ في الحزم والطاعة قيل لرجل من بني عبس: ما أكثر صوابكم! فقال: نحن ألف رجل وفينا حازم واحد ونحن نطيعه، فكأنا ألف حازم. ويقال: "ليس بين الملك وبين أن يملك رعيته أو تملكه إلا حزم أو توانٍ". شعر للقطامي، ثم للرياشي، في معصية الناصح وقال القطامي في معصية الناصح:
وقال آخر: أنشدنيه الرياشيّ:
كلام سبيع لأهل اليمامة وقال سبيع لأهل اليمامة: "يا بني حنيفة بعدا كما بعدت عاد وثمود، أما واللّه لقد أنبأتكم بالأمر قبل وقوعه كأني أسمع جرسه وأبصر غيبه ولكنّكم أبيتم النصيحة فاجتنيتم الندم، وأصبحتم وفي أيديكم من تكذيبي التصديق ومن تهمتي الندامة، وأصبح في يدي من هلاككم البكاء ومن ذلّكم الجزع، وأصبح ما فات غير مردود وما بقي غير مأمون. وإني لمّا رأيتكم تتّهمون النصيحة وتسفّهون الحليم استشعرت منكم اليأس وخفت عليكم البلاء. واللّه ما منعكم اللّه التوبة ولا أخذكم على غرّة ولقد أمهلكم حتى ملّ الواعظ وهن الموعوظ وكنتم كأنما يعنى بما أنتم فيه غيركم". قول صديق لآخر نصحه وأشار رجل على صديق له برأي، فقال له: "قد قلت ما يقول الناصح الشفيق الذي يخلط حلو كلامه بمرّه وحزنه بسهله ويحرّك الاشفاق منه ما هو ساكن من غيره، وقد وعيت النصح فيه وقبلته إذ كان مصدره من عند من لا يشكّ في مودته وصافي غيبه، وما زلت بحمد اللّه إلى كل خير طريقاً منهجاً ومهيعاً واضحاً". كتاب الخليفة عثمان حين أحيط به إلى عليّ رضي اللّه عنهما وكتب عثمان إلى عليّ حين أحيط به: "أما بعد فإنه قد جاوز الماء الزّبى وبلغ الحزام الطّبيين وقد تجاوز الأمر بي قدره.
شعر لأوس بن حجر في المشورة وقال أوس بن حجر:
قول في الأناة
وكان يقال: "أناة في عواقبهم درك، خير من معاجلة في عواقبهم فوت".
وكان يقال: "روّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم". الإصابة بالظن والرأي لابن الزبير في الاستدلال بالرأي كان ابن الزبير يقول: "لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه". لبعض الحكماء في العقل
وسئل بعض الحكماء: ما العقل؟ فقال: "الإصابة بالظن ومعرفة ما لم يكن بما كان
وكان يقال: "كفى مخبراً عما مضى ما بقي، وكفى عبراً لأولي الألباب ما
جرّبوا". لأوس بن حجر، وغيره وقال أوس بن حجر:
وقال آخر:
للإمام عليّ بن أبي طالب في عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما
قول في الظن
ويقال: "ظن الرجل قطعةٌ من عقلهويقال: "الظنون مفاتيح اليقين".
شعر للكميت ولغيره في التدبّر وقال الكميت:
وقال آخر:
ولآخر يصف عاقلاً وقال آخر يصف عاقلاً:
وقال آخر في مثله:
وقال آخر يصف عاقلاً:
لجثامة بن قيس يهجو قوماً وقال جثامة بن قيس يهجو قوماً:
وقال آخر:
ويقال: "ظن العاقل كهانة". من كتاب الهند في طبائع الناس وفي كتاب للهند: "الناس حازمان وعاجز، فأحد الحازمين الذي إذا نزل به البلاء لم يبطر وتلقّاه بحيلته و رأيه حتى يخرج منه، وأحزم منه العارف بالأمر إذا أقبل فيدفعه قبل وقوعه، والعاجز في تردّد وتثنٍّ حائرٌ بائرٌ لا يأتمر رشداً ولا يطيع مرشداً". لشاعر في الظن الجميل وقال الشاعر:
وقال آخر:
بين مروان بن الحكم وحبيش بن دلجة
وقال مروان بن الحكم لحبيش بن دلجة: أظنك أحمق. قال: "أحمق ما يكون الشيخ إذا
عمل بظنّه". اتباع الهوى لعامر بن الظّرب في غلبة الرأي الهوى
كان يقال: الهوى شريك العمى. شعر لهشام بن عبد الملك وقال هشام بن عبد الملك، ولم يقل غيره:
لبزرجمهر في النهي عن اتباع الهوى وقال بزرجمهر: "إذا اشتبه عليك أمران فلم تدر في أيهما الصواب، فانظر أقربهما إلى هواك فاجتنبه". ولعمرو بن العاص كان عمرو بن العاص صاحب عمارة بن الوليد إلى بلاد الحبشة ومع عمرو امرأته فوقعت في نفس عمارة فدفع عمراً في البحر فتعلق بالسفينة وخرج، فلما ورد بلاد الحبشة سعى عمرو بعمارة إلى النّجاشيّ وأخبره أنه يخالف إلى بعض نسائه فدعا النّجاشي بالسواحر فنفخن في إحليله فهام مع الوحش، وقال عمرو في ذلك:
؟ومثله لحاتم طيّء ولآخر وقال حاتم طيّء في مثله:
وقال آخر:
؟لأعرابي في الهوى قال أعرابي: "الهوى هوان، ولكن غلظ باسمه". ؟للزبير بن عبد المطلب وللبريق الهذلي وقال الزبير بن عبد المطّلب:
وقال البريق الهذلي:
؟قول في الأخوة وكان يقال: "أخوك من صدقك وأتاك من جهة عقلك لا من جهة هواك؟ ؟السر وكتمانه وإعلانه للرسول صلى الله عليه وسلم في الكتمان
حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا محمد بن الحصيب قال: حدّثني أوس بن عبد
اللّه بن بريدة عن أخيه سهل عن بريدة قال: قال رسول اللّه: "استعينوا على
الحرائج بالكتمان فإنّ كلّ ذي نعمة محسود".. بين ابن أبي محجن ومعاوية حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب عن عمه الأصمعيّ قال: أخبرني بعض أصحابنا قال: دخل ابن أبي محجن الثقفي على معاوية، فقال له معاوية: أبوك الذي يقول:
فقال ابن أبي محجن: لو شئت ذكرت أحسن من هذا من شعره. فقال معاوية: وما ذاك؟ قال قوله:
؟؟شعر للصّلتان العبدي وأنشدني للصّلتان العبدي:
الإمام عليّ رضي اللّه عنه وافشاء السر وكان عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يتمثّل بهذين البيتين:
شعر في كتمان الهوى وقال الشاعر:
وقال مسكين الدّارمي:
مما قيل في كتمان السر وقال:
أسرّ رجلٌ إلى صديق له حديثاً فلما استقصاه قال له: أفهمت؟ قال: لا، بل نسيت.
قيل لرجل: كيف كتمانك للسر؟ قال: "أجحد المخبر وأحلف للمستخبر".
لعمرو بن العاص وقال عمرو بن العاص: "ما استودعت رجلاً سرّاً فأفشاه فلمته، لأني كنت أضيق صدراً حين أستودعته وقال:
وكان يقال: "من ضاق قلبه اتسع لسانه". بين الوليد بن عتبة وأبيه وقال الوليد بن عتبة لأبيه: إن أمير المؤمنين أسرّ إلي حديثاً ولا أراه يطوي عنك ما يبسطه لغيرك، أفلا أحدّثك به؟ قال: لا يا بني "إنه من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه، فلا تكون مملوكاً بعد أن كنت مالكاً قال: قلت: وإن هذا ليجري بين الرجل وأبيه؟ قال: لا، ولكني أكره أن تذلل لسانك بأحاديث السر. فحدّثت به معاوية فقال: يا وليد؟ أعتقك أخي من رقّ الخطأ. ؟لبعض ملوك فارس
وفي كتب العجم أن بعض ملوك فارس قال: "صونوا أسراركم فإنه لا سر لكم إلا في
ثلاثة مواضع: مكيدة تحاول أو منزلة تزاول أو سريرة مدخولة تكتم، ولا حاجة
لأحد منكم في ظهور شيء منهم عنه". لجميل بن معمر ثم لابن أبي ربيعة وقال جميل بن أبي معمر:
وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
يريد أنه ليس يحمله أحد مثلي في صيانته وستره، أي فلا أبديه لأحد. لزهير بن أبي سلمى وقال زهير:
وقال آخر:
وقال آخر لأخٍ له وحدّثه بحديث: اجعل هذا في وعاء غير سرب. والسّرب السائل. بين عبيد اللّه بن زياد وابن همام السلولي أتى رجل عبيد اللّه بن زياد فأخبره: أن عبد اللّه بن همّام السلّولي سبّه. فأرسل إليه فأتاه فقال: يا بن همام إن هذا يزعم أنك قلت: كذا وكذا. فقال ابن همّام:
وقال آخر:
لبعض الأعراب في كتم السر، ولأبي الشيص وقال بعض الأعراب:
وقال أبو الشيص:
وقال أيضاً:
لمسلم بن الوليد وقال مسلم بن الوليد: في الكتاب يأتيك فيه السر.
وقال آخر:
الكّتاب والكتابة للرسول عليه الصلاة والسلام
حدّثنا إسحاق بن راهويه عن وهب بن جرير عن أبيه عن يونس بن عبيد عن الحسن عن
عمرو بن ثعلب عن النبيّ قال: "من أشراط الساعة أن يفيض المال ويظهر القلم
وتفشو التجارقال عمرو: إن كنا لنلتمس في الحواء العظيم الكاتب، ويبيع الرجل
البيع فيقول: حتى استأمن تاجر بني فلان. عن وهب قال ادريس عليه السلام أول من خط بالقلم وحدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: "كان إدريس النبيّ عليه السلام أوّل من خطّ بالقلم وأوّل من خاط الثياب ولبسهم وكان من قبله يلبسون الجلود". بين عمر بن الخطاب وأبي موسى الأشعريّ
حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عياض بن أبي
موسى أن عمر بن الخطّاب قال لأبي موسى: ادع لي كاتبك ليقرأ لنا صحفاً جاءت من
الشأم. لعمر بن الخطاب في عدم اتخاذ بطانة من دون المؤمنين حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا عيسى بين يونس قال: حدّثنا أبو حيّان التّيمي عن أبي زنباع عن أبي الدّهقانة قال: ذكر لعمر بن الخطّاب غلام كاتب حافظ من أهل الحيرة وكان نصرانياً، فقيل له: لو اتخذته كاتباً. فقال "لقد اتخذت إذاً بطانةً من دون المؤمنين". أول من وضع كتابة العربية حدّثني أبو حاتم قال: مرامر بن مروة من أهل الأنبار وهو الذي وضع كتابة العربيّة، ومن الأنبار انتشرت في الناس. بين الرسول صلى الله عليه وسلم والزبير بن العوام حدّثني أبو سهل عن الطّنفاسي عن المنكدر بن محمد عن أبيه محمد بن المنكدر قال: جاء الزّبير بن العوّام إلى النبيّ فقال: كيف أصبحت؟ جعلني اللّه فداك! قال: "ما تركت أعرابيّتك بعد". وصية عبد الملك بن مروان لأخيه عبد العزيز قال عبد الملك بن مروان لأخيه عبد العزيز حين وجّهه إلى مصر: "تفقّد كاتبك وحاجبك وجليسك، فإن الغائب يخبّره عنك كاتبك، والمتوسّم يعرفك بحاجبك، والداخل عليك يعرفك بجليسك". بين عمر بن عبد العزيز وعبد الحميد بن الخطاب ابن أبي الزّناد عن أبيه قال: كنت كاتباً لعمر بن عبد العزيز فكان يكتب إلى عبد الحميد ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب في المظالم فيراجعه، فكتب إليه: "إنه ليخيّل إلي أني لو كتبت إليك أن تعطي رجلاً شاة لكتبت إليّ: أضأن أم ماعز، ولو كتبت إليك بأحدهما لكتبت: أذكر أم أنثى، ولو كتبت إليك بأحدهما لكتبت: أصغير أم كبير. فإذا أتاك كتابي هذا فلا تراجعني في مظلمة". بين أبي جعفر المنصور وسلم بن قتيبة في صفات الكاتب وكتب أبو جعفر إلى سلم بن قتيبة يأمره بهدم دور من خرج مع إبراهيم وعقر نخلهم. فكتب إليه: بأي ذلك نبدأ بالنخل أم بالدّور؟ فكتب إليه أبو جعفر: "أما بعد، فإني لو أمرتك بإفساد ثمرهم لكتبت إليّ تستأذن في أيّه تبدأ أبالبرنيّ أم بالشّهريز؟" وعزله، وولى محمد بن سليمان. وكان يقول: "للكاتب على الملك ثلاثة، رفع الحجاب عنه، واتّهم م الوشاة عليه، وإفشاء السرّ إليه". للعجم في صفات الكاتب كانت العجم تقول:"من لم يكن عالماً بإجراء المياه وبحفر فرض الماء والمسارب وردم المهاوي ومجاري الأيام في الزيادة والنقصان واستهلال القمر وأفعاله ووزن الموازين وذرع المثلّث والمربّع والمختلف الزّوايا ونصب القناطر والجسور والدّوالي والنواعير على المياه وحال أدوات الصنّاع ودقائق الحساب كان ناقصاً في حال كتابته". لميمون بن ميمون قال ميمون بن ميمون: "إذا كانت لك إلى كاتب حاجةٌ فليكن رسولك إليه الطمع وقال: "إذا آخيت الوزير فلا تخش الأمير". من كتاب الهند في الوزير وفي كتاب للهند: "إذا كان الوزير يساوي الملك في المال والهيبة والطاعة من الناس فليصرعه الملك، وإن لم يفعل فليعلم أنه هو المصروع". بين عبيد اللّه بن زياد وكاتب أبيه
نصيحة أبرويز لكاتبه وقرأت في التاج أن أبرويز قال لكاتبه: "أكتم السرّ واصدق الحديث واجتهد في النصيحة واحترس بالحذر، فإن لك عليّ أن ألا أعجل بك حتى أستأني لك ولا أقبل عليك قولاً حتى أستقين ولا أطمع فيك أحداً فيغتالك. واعلم أنك بمنجاة رفعة فلا تحطّنهم وفي ظل مملكة فلا تستزيلنه، وقارب الناس مجاملة عن نفسك وباعد الناس مشايحةً من عدوّك واقصد إلى الجميل ادّراعاً لغدك وتحصّن بالعفاف صوناً لمروءتك وتحسّن عندي بما قدرت عليه من حسن ولا تشرعنّ الألسنة فيك ولا تقبّحنّ الأحدوثة عنك. وصن نفسك صون الدّرّة الصافية وأخلصهم إخلاص الفضّة البيضاء وعاتبهم معاتبة الحذر المشفق وحصّنهم تحصين المدينة المنيعة. لا تدعنّ أن ترفع إليّ الصغير، فإنه يدل على الكبير، ولا تكتمنّ الكبير فإنه ليس شاغلي عن الصغير. هذّب أمورك ثم القني بهم وأحكم لسانك ثم راجعني به ولا تجترئنّ عليّ فأمتعض ولا تنقبض مني فأتّهم ولا تمرّضنّ ما تلقاني به ولا تخدجنّه. وإذا فكرت فلا تعجل وإذا كتبت فلا تعذر، ولا تستعينن بالفضول فإنهم علاوة على الكفاية ولا تقصرن عن التحقيق فإنهم هجنة بالمقالة ولا تلبسنّ كلاماً بكلام ولا تباعدنّ معنى عن معنى. أكرم كتابك عن ثلاث: خضوع يستخفّه، وانتشار يثبّجه، ومعانٍ تقعد به، واجمع الكثير مما تريد في القليل مما تقول، وليكن بسطة كتابك على السّوقة كبسطة ملك الملوك على الملوك، ولا يكن ما تملك عظيماً وما تقول صغيراً فإنما كلام الكاتب على مقدار الملك فاجعله عالياً كعلوّه وفائقاً كفوقه. واعلم أن جمّاع الكلام كله خصال أربع: سؤالك الشيء، وسؤالك عن الشيء، وأمرك بالشيء، وخبرك عن الشيء. فهذه الخلال دعائم المقالات إن التمس لهم خماس لم يوجد وإن نقص منهم رابع لم تتم، فإذا أمرت فأحكم وإذا سألت فأوضح وإذا طلبت فأسجح وإذا أخبرت فحقّق فإنك إذا فعلت ذلك أخذت بحزامير القول كله فلم يشتبه عليك وارده ولم يعجزك منه صادره. أثبت في دواوينك ما أدخلت وأحص فيهم ما أخرجت وتيقّظ لما تأخذ وتجرّد لما تعطي، لا يغلبنك النسيان عن الإحصاء ولا الأناة عن التقدّم ولا تخرجنّ وزن قيراط في غير حقّ، ولا تعظّمن إخراج الكثير في الحق، وليكن ذلك كله عن مؤامرتي". لرجل في زيّ الكتّاب قال رجل لبنيه: "يا بني تزيّوا بزي الكتاب فإن فيهم أدب الملوك وتواضع السّوقة". بين أعرابي والكسائي قال الكسائي: "لقيت أعرابياً فجعلت أسأله عن الحرف بعد الحرف وعن الشيء بعد الشيء أقرنه بغيره فقال: يا اللّه! ما رأيت رجلاً أقدر، على كلمة إلى جنب كلمة أشبه شيء بهم وأبعد شيء منهم ، منك!". لابن الأعرابي وقال ابن الأعرابي: "رآني أعرابي وأنا أكتب الكلمة بعد الكلمة من ألفاظه فقال إنك لحتف الكلمة الشرود". ولرجل من أهل المدينة في بغداديين وقال رجل من أهل المدينة: "جلست إلى قوم ببغداد فما رأيت أوزن من أحلامهم ولا أطيش من أقلامهم". من كاتب إلى صديق له
وكتب بعض الكتاب إلى صديق له: "وصل إليّ كتابك فما رأيت كتاباً أسهل فنوناً
ولا أملس متوناً ولا أكثر عيوناً ولا أحسن مقاطع ومطالع ولا أشّد على كل مفصل
حزًّا منه. أنجزت فيه عدة الرأي وبشرى الفراسة وعاد الظن بك يقيناً والأمل
فيك مبلوغاً". في الكتابة، وفي وصف الكتّاب
قيل لبعضهم: إن فلاناً لا يكتب، فقال: تلك الزّمانة الخفية.
لبعض الشعراء في القلم وقال بعض الشعراء في القلم:
وقال بعض المحدّثين في القلم:
لأبي تمام يصف القلم وقال حبيب الطائي يصف القلم:
أيضاً لمحمد عبد الملك في وصف القلم وقال محمد عبد الملك بن صالح الهاشمي يصف القلم:
في مدح كاتب وقال بعض المحدّثين يمدح كاتباً:
لسعيد بن حميد يصف العود، وللطائي في دواة وقال سعيد بن حميد يصف العود:
بعث الطائي إلى الحسن بن وهب بدواة ابنوس وكتب إليه:
في وصف الدواة والقلم وقال ابن أبي كريمة يصف الدواة والقلم:
في تسمية الديوان وقال بعض أهل الأدب: إنما قيل "ديوان" لموضع الكتبة والحسّاب لأنه يقال: للكتّاب بالفارسية "ديوان" أي شياطين، لحذقهم بالأمور ولطفهم، فسمّي موضعهم باسمهم. في معنى الوزير وقال آخر: إنما قيل لمدير الأمور عن الملك "وزير" من الوزر وهو الحمل، يراد أن يحمل عنه من الأمور مثل الأوزار وهي الأحمال، قال اللّه عز وجل: "ولكنّا حمّلنا أوزاراً من زينة القوم" أي أحمالاً من حليهم، ولهذا قيل للأثم: وزر، شبّه بالحمل على الظهر، قال اللّه تبارك وتعالى: "ووضعنا عنك وزرك الذّي أنقض ظهرك". شعر لأبي نواس وغيره في كاتب وكان الناس يستحسنون لأبي النواس قوله:
وقال آخر:
وقال عديّ بن الرّقاع:
ومنه أخذ الكتّاب: وأتم نعمته عليك وزاد فيهم عندك. للطائيّ، ثم لجرير وقال حاتم طيء في معنى قولهم متّ قبلك:
وقال جرير في معناه:
لبعض الكتاب إلى ملكٍ رداً على كتابه كتب بعض الملوك إلى بعض الكتّاب كتاباً دعا له فيه بأمتع اللّه بك، فكتب إليه ذلك الكاتب:
للأصمعي في البرامكة وقال الأصمعيّ في البرامكة:
وقال آخر:
لابن المقفع في بيت النار مرّ عبد اللّه بن المقفع ببيت النار، فقال:
لدعبل في أبي عبّاد وقال دعبل في أبي عبّاد:
خيانات العمال لعمربن الخطاب في النهي عن الهدايا حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: ذكر لنا أن امرأة من قريش كان بينها وبين رجل خصومة فأراد أن يخاصمها إلى عمر فأهدت المرأة إلى عمر فخذ جزور ثم خاصمته إليه فوجّه القضاء عليهم ، فقالت: ياأمير المؤمنين، افصل القضاء بيننا كما يفصل فخذ الجزور. فقضى عليهم عمر وقال: إياكم والهدايا. وذكر القصة. للمغيرة بن عبد اللّه الثقفي قال إسحاق: كان الحجاج استعمل المغيرة بن عبد اللّه الثقفي على الكوفة فكان يقضي بين الناس، فأهدى إليه رجل سراجاً من شبهٍ،وبلغ ذلك خصمه فبعث إليه ببغلة. فلما اجتمعا عند المغيرة جعل يحمل على صاحب السراج وجعل صاحب السراج يقول: إن أمري أضوأ من السراج. فلما أكثر عليه قال: ويحك إن البغلة رمحت السراج فكسرته. بين الربيع بن زياد الحارثي وعمر حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا روح بن عبادة قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة عن الجريري عن أبي بصرة عن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد إلى عمر فأعجبته هيئته ونحوه، فشكا عمر طعاماً غليظاً يأكله. فقال الربيع: يا أمير المؤمنين، إن أحق الناس بمطعم طيّب وملبس ليّن ومركب وطيء لأنت. فضرب رأسه بجريدة وقال: واللّه ما أردت بهذا إلا مقاربتي، وإن كنت لأحسب أن فيك خيراً. ألا أخبرك بمثلي ومثل هؤلاء، إنما مثلنا كمثل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم وقالوا أنفقهم عليّنا. فهل له يستأثر عليهم بِشيء؟ قال الربيع:لا. لأمير المؤمنين عمر في الأمانة
لعليّ رضي اللّه عنه في القناعة حدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: لما أتي عليّ عليه السلام بالمال أقعد بين يديه الوزّان والنّقاد فكوّم كومةً من ذهب وكومة من فضة وقال: يا حمراء ويا بيضاء احمرّي وابيضّي وغرّي غيري. وأنشد:
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن إسماعيل بن أبي خالد عن عاصم قال: كان عمر بن الخطاب إذا بعث عاملاً يشترط عليه أربعاً: ألّا يركب البراذين، ولا يلبس الرقيق، ولا يأكل النقي، ولا يتخذ بوّاباً. ومر ببناء يبني بحجارة وجصٍّ فقال: لمن هذا؟ فذكروا عاملاً له على البحرين فقال: "أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقهم " وشاطره ماله. وكان يقول: "لي على كل خائن أمينان الماء والطين ؟كتاب عمر بن عبد العزيز إلى واليه حدّثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: حدّثنا قريش بن أنس عن سعيد عن قتادة قال: جاء كتاب عمر بن عبد العزيز إلى واليه: أن دع لأهل الخراج من أهل الفرات ما يتختمون به الذهب ويلبسون الطيالسة ويركبون البراذين وخذ الفضل؟؟. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟بين عمر وأبي هريرة في الأمانة حدّثنا محمد بن عبيد عن هوذة عن عوف عن ابن سيرين وإسحاق عن النضر بن شميل عن ابن عون عن ابن سيرين بمعناه قال: لما قدم أبو هريرة من البحرين قال له عمر: يا عدوّ اللّه وعدوّ كتابه، أسرقت مال اللّه؟ قال أبو هريرة: لست بعدوّ اللّه ولاعدوّ كتابه ولكني عدوّ من عاداهما ولم أسرق مال اللّه. قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف درهم؟ قال: خيلي تناسلت وعطائي تلاحق وسهامي تتابعت فقبضتها منه. قال أبو هريرة: فلما صليت الصبح استغفرت لأمير المؤمنين ثم قال لي عمر بعد ذلك: ألا تعمل؟ فقلت: لا. قال: قد عمل من هو خير منك يوسف. فقلت: يوسف نبيّ ابن نبيّ وأنا ابن أميمة أخشى ثلاثاً واثنتين. قال: فهلا قلت خمساً؟ قلت: أخشى أن أقول بغير علم، وأحكم بغير حلم، وأخشى أن يضرب ظهري، ويشتم عرضي، وينزع مالي. ؟قول مالك بن دينار لبلال بن أبي بردة حدّثنا محمد بن داود عن نصر بن قديد عن إبراهيم بن المبارك عن مالك بن دينار أنه دخل على بلال بن أبي بردة وهو أمير البصرة فقال: أيها الأمير، إني قرأت في بعض الكتب: "من أحمق من السلطان ومن أجهل ممن عصاني ومن أعزّ ممن أعزّني. أيا راعي السوء دفعت إليك غنماً سماناً سحاحاً فأكلت اللحم وشربت اللبن وائتدمت بالسمن ولبست الصوف وتركتها عظاماً تتقعقع موعظة لعمر بن الخطاب حدّثني محمد بن شبابة عن القاسم بن الحكم العرني القاضي قال: حدّثني إسماعيل بن عيّاش عن أبي محمد القرشي عن رجاء بن حيوة عن ابن مخرمة قال: إني لتحت منبر عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه بالجابية حين قام في الناس فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: "أيهم الناس، اقرأوا القرآن تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله. إنه لن يبلغ ذو حق في حقه أن يطاع في معصية اللّه. ألا إنه لن يبعّد من رزق اللّه ولن يقرّب من أجلٍ أن يقول المرء حقاً وأن يذكّر بعظيم. ألا وإني ما وجدت صلاح ما ولاني اللّه إلا بثلاث: أداء الأمانة، والأخذ بالقوة، والحكم بما أنزل اللّه. ألا وإني ما وجدت صلاح هذا المال إلا بثلاث: أن يؤخذ من حق، ويعطى في حق، ويمنع من باطل. ألا وإنما أنا في مالكم هذا كوالي اليتيم إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرّم البهمة". لزياد في الولاية
أيضاً لعمر في الأمانة قال العتبي: بعث إلى عمر بحلل فقسمها فأصاب كل رجل ثوب فصعد المنبر وعليه حلة، والحلة ثوبان، فقال: أيهم الناس ألا تسمعون. فقال سليمان: لا نسمع. قال: ولم يا أبا عبد اللّه؟ قال: لأنك قسمت عليّنا ثوباً ثوباً وعليك حلة. قال: لا تعجل يا أباعبد اللّه. ثم نادى: يا عبد اللّه. فلم يجبه أحد، فقال: يا عبد اللّه بن عمر. قال: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: نشدتكن باللّه، الثوب الذي اتّزرت به هو ثوبك؟ قال: اللهم نعم. فقال سليمان رضي اللّه عنه: أما الآن فقل نسمع. نصيحة شداد بن عمرو بن أوس لمعاوية بلغني عن حفص بن عمران الرازي عن الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمرو قال: قال معاوية لشداد بن عمرو بن أوس: قم فاذكر عليّاً فتنقّصه. فقام شدّاد فقال: "الحمد اللّه الذي افترض طاعته على عباده وجعل رضاه عند أهل التقوى أثر من رضا غيره. على ذلك مضى أوّلهم وعليه يمضي آخرهم. أيهم الناس إن الآخرة وعد صادق يحكم فيهم ملك قادر، وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منهم البرّ والفاجر، وإن السامع المطيع لا حجة عليه وإن السامع العاصي لا حجة له. وإن اللّه جل وعز إذا أراد بالناس صلاحاً عمّل عليهم صلحاءهم وقضّى بينهم فقهاءهم وجعل المال في سمحائهم، وإذا أراد بالعباد شراً عمّل عليهم سفهاءهم وقضّى بينهم جهلاءهم وجعل المال عند بخلائهم. وإن من صلاح الولاة أن يصلح قرناؤهم. نصحك يا معاوية من أسخطك بالحق وغشّك من أرضاك بالباطل فقال له معاوية: اجلس. وأمر له بمال، وقال: ألست من السمحاء؟ فقال: إن كان مالك دون مال المسلمين تعمّدت جمعه مخافة تبعته فأصبته حلالاً وأنفقته إفضالاً، فنعم. وإن مما شاركك فيه المسلمون فاحتجنته دونهم، أصبته اقترافاً وأنفقته إسرافاً، فإن اللّه عز وجل يقول: "إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشّياطين وكان الشّيطان لرّبه كفوراً ؟لعمرو بن عبيد في سارق مرّ عمرو بن عبيد بجماعة عكوفٍ، فقال: ما هذا؟ قالوا: سارق يقطع. فقال: لا إله إلا اللّه، سارق السر يقطعه سارق العلانية. لابن شبرمة في الاتصال السلطان ومر طارقٌ صاحب شرطةٌ خالد القسري بابن شبرمة، وطارق في موكبه فقال ابن شبرمة:
اللهم لي ديني ولهم دنياهم. فاستعمل ابن شبرمة بعد ذلك على القضاء، فقال له ابنه: أتذكر يوم مرّ بك طارق في موكبه وقلت ما قلت؟ فقال: يا بني، إنهم يجدون مثل أبيك ولا يجد مثلهم أبوك. إن أباك أكل من حلوائهم وحط في أهوائهم. ولعبد الرحمن بن قيس ولي عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس المدينة سنتين فأحسن السيرة وعفّ عن أموال الناس ثم عزل فاجتمعوا إليه فأنشد لدرّاج الضّبابي:
؟ولكن أقواماً أخاف عليهم=إذا متّ أن يعطوا الذي كنت أمنع ثم قال: واللّه ما أسفت على هذه الولاية ولكني أخشى أن يلي هذه الوجوه من لا يرعى لهم حقهم . من كتاب لعليّ بن أبي طالب إلى ابن عباس ووجدت في كتاب لعليّ بن أبي طالب كرم اللّه وجهه إلى ابن عباس حين أخذ من مال البصرة ما أخذ: "إني أشركتك في أمانتي ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدوّ قد حرب قلبت لابن عمك ظهر المجنّ بفراقه مع المفارقين وخذلانه مع الخاذلين واختطفت ما قدرت عليه من أموال الأمة اختطاف الذئب الأزل دامية المعزىوفي الكتاب: "ضحّ رويداً فكأن قد بلغت المدى وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي به ينادي المغترّ بالحسرة ويتمنى المضيّع التوبة والظالم الرجعة".من كتاب عمر بن عبد العزيز لعديّ بن أرطأة وفي كتاب لعمر بن عبد العزيز إلى عديّ بن أرطأة: "غرّني منك مجالستك القرّاء وعمامتك السوداء فلما بلوناك وجدناك على خلاف ما أمّلناك، قاتلكم اللّه! أما تمشون بين القبور". لابن أحمد يذكر عمال الصدقة قال ابن أحمد يذكر عمال الصدقة:
وقال عبد اللّه بن همّام السلّولي:
قدم بعض عمال السلطان من عمل فدعا قوماً فأطعمهم وجعل يحدّثهم بالكذب، فقال بعضهم: نحن كما قال اللّه عزو جل: "سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت" قال بعض الشعراء:
لأبي نواس في إسماعيل بن صبيح وقال أبو نواس في إسماعيل بن صبيح:
وله أيضاً وقال فيه أيضاً لمحمد الأمين:
وقال فبه أيضاً:
لأنس الدؤلي في حارثة بن بدر ولي حارثة بن بدر "سرّق " فكتب إليه أنس الدؤلي:
فلما بلغت حارثة قال: لا يعمى عليك الرشد. في الأمانة والخيانة حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن جويرية بن أسماء قال: قال فلان: "إن الرجل ليكون أميناً فإذا رأى الضّياع خان". نصيحة أبرويز لابنه قرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه: "اجعل عقوبتك على اليسير من الخيانة كعقوبتك على الكثير منهم، فإذا لم يطمع منك في الصغير لم يجترأ عليك في الكبير. وأبرد البريد في الدرهم ينقص من الخراج، ولا تعاقبن على شيء كعقوبتك على كسره ولا ترزقنّ على شيء كرزقك على إزجائه، واجعل أعظم رزقك فيه وأحسن ثوابك عليه حقن دم المزجي وتوفير ماله من غير أن يعلم أنك أحمدت أمره حين عفّ واعتصم من أن يهلك". قول ابرويز لصاحب بيت المال
وقرأت في "التاج" أن أبرويز قال لصاحب بيت المال: "إني لا أحتملك على خيانة
درهم ولا أحمدك على حفظ ألف ألف درهم، لأنك إنما تحقن بذلك دمك وتعمر به
أمانتك فإنك إن خنت قليلاً خنت كثيراً. واحترس من خصلتين: النقصان فيما تأخذ،
والزيادة فيما تعطي. واعلم أني لم أجعل أحداً على ذخائر الملك وعمارة المملكة
والعدّة على العدوّ إلا وأنت آمن عندي من موضعه الذي هو فيه وخواتيمه التي هي
عليها، فحقّق ظني في اختياري إيّاك أحقق ظنك في رجائك لي، ولا تتعوّض بخير
شراً ولا برفعة ضعة ولا بسلامة ولا بأمانة خيانة". قول معاذ بن جبل لأبي بكر
قول أعرابي في الخونة ذكر أعرابي رجلاً خائناً فقال: إن الناس يأكلون أماناتهم لقما، وإن فلاناً يحسوها حسواً. نصيحة سلطان لعامل له قال بعض السلاطين لعامل له: "كل قليلاً تعمل طويلاً والزم العفاف يلزمك العمل، وإياك والرّشا يشتد ظهرك عند الخصام القضاء صفات القاضي
حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا بشر المفضّل بن لاحق قال: حدّثنا المغيرة
بن محمد عن عمر بن عبد العزيز قال: "لا ينبغي للرجل أن يكون قاضياً حتى تكون
فيه خمس خصال: يكون عالماً قيل أن يستعمل، مستشيراً لأهل العلم، ملقياً
للرّثع، منصفاً للخصم، محتملاً للائمة". لابن شبرمة في القضاء قال ابن شبرمة:
بين شريح والحجاج في توليه القضاء الهيثم عن ابن عيّاش عن الشّعبي قال: كان أوّل قاضي قضى لعمر بن الخطاب بالعراق سلمان بن ربيعة الباهلي، ثم شهد القادسية وكان قاضياً بهم ، ثم قضى بالمدائن، ثم عزله عمر واستقضى شرحبيل على المدائن، ثم عزله واستقضى أبا قرّة الكندي، وهو اسمه، فاختط الناس الكوفة وقاضيهم أبو قرّة. ثم استقضى شريح بن الحارث الكندي فقضى خمساً وسبعين سنة إلا أن زياداً أخرجه مرة إلى البصرة واستقضى مكانه مسروق بن الأجدع سنة حتى قدم شريح فأعاده ولم يزل قاضياً حتى أدرك الفتنة في زمن ابن الزبير فقعد ولم يقض في الفتنة. فاستقضى عبد اللّه ابن الزبير رجلاً مكانه ثلاث سنين فلما قتل ابن الزبير أعيد شريح على القضاء فلقي رجل شريحاً في الطريق فقال: يا أبا أميةقضيت واللّه بجور. قال: وكيف ذاك؟ ويحك! قال: كبرت سنّك واختلط عقلك وارتشى ابنك. فقال شريح: لاجرم لا يقولهم أحد بعدك. فأتى الحجاج فقال: واللّه لا أقضي بين اثنين. قال: واللّه لا أعفيك أو تبغيني رجلاً.فقال شريح: عليك بالعفيف الشريف أبي بردة بن أبي موسى. فاستقضاه الحجاج وألزمه سعيد بن جبير كاتباً و وزيراً. بين علقمة بن مرثد ومحارب بن دثار وروى الثوري عن علقمة بن مرثد أنه لقي محارب بن دثار وكان على القضاء فقال له: يا محارب، إلى كم تردّد الخصوم؟ فقال له: إني والخصوم كما قال الأعشى:
رد إياس بن معاوية على رجل سأله عن مسألة فطوّل فيهم
من صفات الحاكم وخصائص القضاء الحق قرأت في الآيين: "ينبغي للحاكم أن يعرف القضاء الحقّ العدل والقضاء العدل غير الحق والقضاء الحق غير العدل ويقايس بتثبّت وروية ويتحفّظ من الشبهةوالقضاء الحق العدل عندهم قتل النفس بالنفس، والقضاء العدل غير الحق قتل الحرب بالعبد ، والقضاء الحق غير العدل الدية على العاقلة. قول أعرابي في الحق حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أخي الأصمعيّ قال: قال أعرابي لقوم يتنازعون: هل لكم في الحق أو فيما هو خير من الحق؟ فقيل: وما يكون خيراً من الحق؟ قال: التحاطّ والهضم فإن أخذ الحق كله مرٌّ. حكم الهوى
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: اختلف رجلان في شيء فحكّما رجلاً له في
المخطىء همى، فقال للمخطىء: من يقول بقولك أكثر.
فكان عبد الملك بن عمير يقول: واللّه لربما جاءتني السعلة أو التنحنح وأنافي المتوضّأ فأكفّ عن ذلك. ؟لابن مناذر في خالد بن طلق القاضي وقال ابن مناذر قي خالد بن طليق وكان قد ولي قضاء البصرة:
وقال فيه:
؟رد بكر بن عبد اللّه المزني على عدي ابن أرطاة لما أراد توليته القضاء أراد عديّ بن أرطاة بكر بن عبد اللّه المزني على القضاء فقال له بكر: واللّه ما أحسن القضاء، فإن كنت كاذباً أو صادقاً فما يحلّ لك أن توليني. ؟؟؟؟؟من قضاء ابن شبرمة
امتحان يحيى بن أكثم لمن يريد القضاء حدّثني عبد اللّه بن محمد؟ الخلنجي قال: كان يحيى بن أكثم يمتحن من يريدهم للقضاء، فقال الرجل: ما تقول في رجلين زوّج كل واحد منهما الآخر أمّه فولد لكل واحد من امرأته ولد، ما قرابة ما بين الولدين؟ فلم يعرفهم ، فقال له يحيى: كل واحد من الولدين عمّ الآخر لأمه. بين عبد الملك بن مروان وحميد بن بحدل ودخل رجل من أهل الشأم على عبد الملك بن مروان فقال: إني تزوجت امرأة وزوجت ابني أمّهم ولا غنى بنا عن رفدك. فقال له عبد الملك: إن أخبرتني ما قرابة ما بين أولادكما إذا أولدتما، فعلت. قال: يا أمير المؤمنين، هذا حميد بن بحدل قد قلدته سيفك ووليته ما وراء بابك فسله عنهم ، فإن أصاب لزمني الحرمان، وإن أخطأ اتسع لي العذر. فدعا بالبحدلي فسأله، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك ما قدمتني على العلم بالأنساب ولكن على الطعن بالرّماح، أحدهما عمّ الآخر والآخر خاله. رفض ابن أبي حذيفة تولي القضاء قال ابن سيرين: كنا عند أبي عبيد ة بن أبي حذيفة في قبّة له وبين يديه كانون له فيه نار فجاءه رجل فجلس معه على فراشه فسارّه بشيء لا ندري ما هو، فقال له أبو عبيد ة: ضع لي إصبعك في هذه النار. فقال له الرجلك سبحان اللّه! تأمرني أن أضع لك أصبعي في هذه النار! فقال له أبو عبيد ة: أتبخل عليّ بأصبع من أصابعك في نار الدنيا وتسألني أن أضع لك جسدي كله في نار جهنم! قال: فظننا أنه دعاه إلى القضاء. صفات القاضي الكامل وغير الكامل
كان يقال: "ثلاث إذا كنّ في القاضي فليس بكامل: إذا كره اللوائم، وأحبّ
المحامد، وكره العزل. وثلاث إذا لم تكن فيه غليس بكامل: يشاور وإن كان
عالماً، ولا يسمع شكيّة من أحد حتى يكون معه خصمه، ويقضي إذا علم". بين الشعبي وشريح في ترك الأخذ بالظواهر قال الشعبي: حضرت شريحاً ذات يوم وجاءته امرأة تخاصم زوجهم فأرسلت عينيهم فبكت فقلت: يا أبا أمية ما أظنهم إلا مظلومة. فقال: يا شعبي، إن أخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون. كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعريّ في القضاء
لشعر لسلمة بن الخرشب بشأن الرهن التي وضعت على يدي سبيع التغلبي في قتلى عبس وذبيان وقال سلمة بن الخرشب لسبيع التغلبي في شأن الرّهن التي وضعت على يديه في قتلى عبس وذبيان:
إعجاب عمر بن الخطاب من علم زهير بن أبي سلمى وأنشد عمر بن الخطاب شعر زهير بن أبي سلمى، فلما بلغ قوله:
جعل عمر يتعجب من علمه بالحقوق وتفصيله بينهم ويقول كلا يخرج الحق من إحدى ثلاث إما يمين أو محاكمةٌ أو حجةٌ. شعر لابن أبي ليلى الفقيه في القاضي ابن شبرمة وقال ابن أبي ليلى الفقيه في عبد اللّه بن شبرمة:
شعر العلاء بن المنهم ل في شريك القاضي عبد اللّه بن صالح العجلي قال: خرج شريك وهو على القضاء يتلقى الخيزران وقد أقبلت تريد الحج، فأتى، "شاهي"، فأقام بهم ثلاثاً ولك تواف فخفّ زاده وما كان معه من الخبز فجعل يبلّه بالماء وي أكله بالملح، فقال العلاء بن المنهم ل الغنوي:
وقال فيه أيضاً:
شعر في بعض الحكام غير العدول وأنشد لبعض الشعراء في بعض الحكام:
حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثني القاسم بن الفضل قال: حدّثني رجل من بني جرير أن رجلاً منهم خاصم رجلاً إلى سوّار بن عبد اللّه فقضى على الجريري، فمر سوّار ببني جرير فقام إليه الجريري فصرعه وخنقه وجعل يقول:
في الشهم دات أقوال في الشهم دة
حدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال لي أيوب: إن من أصحابي من أرجو
دعوته ولا أجيز شهم دته. قال: وقال سوّار: ما أعلم أحداً أفضل من عطاء
السّلمي، ولو شهد عندي على فلسين لم أجز شهم دته. يذهب إلى أنه ضعيف الرأي
ليس بالحازم، لا أنه يطعن عليه في دينه وأمانته. شعر لأبي دلامة في شهم دته عند ابن أبي ليلى وجاء أبو دلامة ليشهد عند ابن أبي ليلى فقال في مجلسه ذلك:
فأجاز شهم دته وحبس المشهود عليه عنده وأعطاه قيمة الشيء. من قضاء ابن شبرمة أتى رجل ابن شبرمة بقوم يشهدون له على قراح فيه نخل، فشهدوا وكانوا عدولاً فسألهم: كم في القراح من نخلة؟ قالوا: لا نعلم. فردّ شهم دتهم. فقال له رجل منهم: أنت تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة، فأعلمنا: كم فيه من أسطوانة؟ فأجازهم. شعر في خصومة القاضي وقال بعض الشعراء:
قول لزياد في الحقوق إلى ذوي الخاصّة منه قدم رجلاً خصماً له إلى زياد في حق له عليه، فقال: إن هذا الرجل يدلّ بخاصّة ذكر أنهم له منك. قال: نعم. وسأخبرك بما ينفعه عندي من خاصّته: إن يكن الحقّ له عليك آخذك أخذاً عنيفاً، وإن يكن الحق لك عليه أقضىلا عليه ثم أقض عنه. في الحكم إلى الأخوان وقال أبو اليقظان: كان عبيد اللّه بن أبي بكرة قاضياً وكان يميل في الحكم إلى إخوانه. فقيل له في ذلك. فقال: وما خير رجل لا يقطع من دينه لإخوانه؟ قول عمرو بن العاص لطلحة بن عبيد اللّه والزبير قال المدائني: كان بين طلحة بن عبيد اللّه والزبير مدارأة في واد بالمدينة. قال: فقالا: نجعل بيننا عمرو بن العاص، فأتياه فقال لهما: أنتما في فضلكما وقديم سوابقكما ونعمة اللّه عليكما تختلفان! وقد سمعتما من رسول اللّه مثل ما سمعت وحضرتما من قوله مثل الذي حضرت فيمن اقتطع شبرا من أرض أخيه بغير حق أنه يطوّقه من سبع أرضين! والحكم أحوج إلى العدل من المحكوم عليه وذلك أن الحكم إذا جار رزيء دينه والمحكوم عليه إذا جير عليه رزيء عرض الدنيا "إن شئتما فأدليا بحجتكنما" وإن شئتما فأصلحا ذات بينكما. فاصطلحا وأعطى كل واحد منهما بصاحبه بالرضا. فيمن كان السندي لا يقبل شهم دتهم وكان السّنديّ بن شاهك لا يستحلف المكاري ولا الحائك ولا الملّاح ويجعل القول قول المدّعي مع يمينه، ويقول: اللهم إني أستخيرك في الجمّال ومعلّم الصبيان. فيمن لاتقبل شهم دته في البادية وقال أبو البيداء: سمعت شيخاً من الأعراب يقول: نحن بالبادية لا نقبل شهم دة العبد ولا شهم دة العذيوط ولا المغذّى ببوله. قال أبو البيداء: فضحكت واللّه حتى كدت أبول في ثوبي. لعبيد اللّه بن الحسن في عدم إجازة شهم دة الأحمق وقيل لعبيد اللّه بن الحسن العنبري: أتجيز شهم دة رجل عفيف تقيّ أحمق؟ قال: لا، وسأريكم. ادعوا لي أبا مودود حاجبي. فلما جاء قال له: اخرج حتى تنظر ما الريح؟ فخرج ثم رجع فقال: شمال يشوبهم شيء من الجنوب. فقال: أتروني كنت مجيزاً شهم دة مثل هذا؟ بين الأعمش ومحارب بن دثار في ولاية القضاء والعزل عنه قال الأعمش: قال لي محارب بن دثار: وليت القضاء فبكى أهلي وعزلت عنه فبكوا، فما أدري مم ذاك؟ فقلت له: وليت القضاء فكرهته وجزعت منه فبكى أهلك، وعزلت عنه فكرهت العزل وجزعت منه فبكى أهلك. فقاتل: إنه لكما قلت. بين إياس بن معاوية وقاضٍ لعبد اللّه بن مروان قدم إياس بن معاوية الشأم وهو غلام فقدّم خصما له إلى قاض لعبد الملك بن مروان وكان خصمه شيخاً كبيراً. فقال له القاضي: أتقدّم شيخاً كبيراً؟ فقال له إياس الحق أكبر منه. قال: اسكت. قال: فمن ينطق بحجتي؟ قال: ما أظنك تقول حقاً حتى تقوم. قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه. فقام القاضي فدخل على عبد الملك فأخبره بالخبر فقال: اقض حاجته وأخرجه من الشأم لا يفسد عليّ الناس. قول أعرابي لخصمٍ له قال أعرابي لخصم له: "واللّه لئن هملجت إلى الباطل إنك عن الحق لقطوف". باب الأحكام قضاء رسول الله في الطرق أنهم سبع أذرع حدّثني عبد ة بن عبد الله قال: حدّثنا وهب بن جرير قال: حدّثني أبي قال: سمعت الزبير بن الحارث يحدّث عن عكرمة عن أبي هريرة قال: "قضى رسول اللّه إذا اختلف الناس في الطرق أنهم سبع أذرع". كفالة النبي رجلاً في تهمة حدّثني يزيد بن عمرو عن محمد بن موسى عن أبراهيم بن حنتم عن غزال بن مالك الغفاري عن أبيه عن جدّه قال: "كفل النبي عليه السلام رجلاً في تهمة". من أحكام النبيّ
قال: وحدّثني أيضاً عن إبراهيم بن حنتم عن غزال بن مالك عن أبيه عن جدّه قال:
قال أبو هريرة: "حبس النبي في اللّهمة حبساً يسيراً حتى استبرأ حدّثني يزيد
قال: حدّثني الوليد عن جرير بن حازم عن الحسن: "أنّ رسول اللّه صلب رجلاً على
جبل يقال له: رباب" وقال لي رجل بالمدينة: هو ذو رباب. من أحكام أبي الدرداء حدّثني شبابة عن القاسم بن الحكم عن الثوري عن عليّ بن الأقمر عن يزيد بن أبي كبشة أن أبا الدرداء أتي بامرأة سرقت، فقال: أسرقت؟ قولي: لا. بين زياد والأحنف حدّثني سهل بن محمد قال: حدّثني الأصمعيّ قال: جاءوا زياداً بلصّ وعنده جماعة فيهم، الأحنف فانتهروه وقالوا: اصدق الأمير. فقال الأحنف: إن الصدق أحياناً معجزة. فأعجب ذلك زياداً وقال: جزاك اللّه خيراً. لابن عباس في جزّ الرأس واللحية حدّثني شبابة عن القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عيّاش عمن حدّثه عن ابن عباس قال: "جزّ الرأس واللّحية لا يصلح في العقوبة لاأن اللّه عز وجل جعل حلق الرأس نسكاً لمرضاته". لعمر بن عبد العزيز في المثلة في العقوبة حدّثني شبابة عن القاسم عن الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز قال: "إياكم والمثلة في العقوبة جزّ الرأس واللحية". من أحكام مروان بن الحكم حدّثني مجمد بن خالد بن خداش قال: حدّثنا سلابن قتيبة قال: حدّثنا يونس عن أبي بكر ابن حفص بن عمر قال: كان مروان بن الحكم أمير المدينة فقضى في رجل فزّع رجلاً فضرط بأربعين درهماً. لابن مسعود
حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عم أبي إسحاق عن جوبير عن الضحاك عن
ابن مسعود قال: "لا يحل في هذه الأمة غلٌّ ولا صفدٌ ولا تجريد ولامدٌّ حكم جابر بن زيد في تحديد صفة إنسان قال: وأتي ابن زياد بإنسان له قبل وذكر ولا يدري كيف يورّث. فقال: من لهذا؟ فقالوا: أرسل إلى جابر بن زيد. فأرسل إليه، فجاء يرسف في قيوده فقال: ما تقول: في هذا؟ فقال: ألزقه بالجدار فإن بال عليه فهو ذكر، وغن بال في رجليه فهو أنثى. رفض شريح بالقضاء في الطنبور حدّثني محمد بن خالد بن خداش قال: حدّثنا سلابن قتيبة قال: حدّثنا قيس بن الربيع عن أبي حصين أن لرجلاً كسر طنبوراً لرجل فخاصمه إلى شريح، فقال شريح: لا أقضي في الطنبور بشيء. بين أبي العجاج وأبي الأصمعيّ حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبيه قال: قال لي أبو العجاج: يا بن أصمع واللّه لئن أقررت لألزمنّك. أي لاتقر. ؟حكم إياس بن معاوية في رد جارية حمقاء حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبيه عن معمر قال: ردّ رجل على رجل جارية اشتراهم منه، فخاصمه إلى إياس بن معاوية، فقال له: بم تردّهم ؟ قال له: بالحمق. فقال لهم إياس: أيّ رجليك أطول؟ فقالت: هذه. فقال: أتذكرين ليلة ولدت؟ قالت: نعم. فقال إياس: ردّ ردّ. قضاء الشعبي وهو على جلد أسد حدّثني أبو الخطاب قال: حدّثنا أبو داود عن قيس عن أبي حصين قال: رأيت الشّعبيّ يقضي على جلد أسد. الظلم كلام المظلوم ووجه الظالأ
حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب قال: حدّثني الأصمعيّ قال: أخبرنا
بعض أشياخ البصرة أن رجلاً وامرآته اختصما إلى أمير من أمراء العراق وكانت
المرأة حسنة المتنقّب قبيحة المسفر، وكان لهم لسان فكأن العامل مال معهم
فقال: يعمد أحدكم إلى المرأة
الكريمة فيتزوّجهم ثم يسيء إليهم فأهوى
زوجهم إلى النّقاب فألقاه عن وجههم فقال العامل: عليك اللعنة؟ كلام مظلومٍ
ووجه ظالمٍ.
في الظالأ المعتدي أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان رجل من العرب في الجاهلية إذا رأى رجلاً يظلم ويعتدي يقول: فلان لا يموت سويًّا. فيرون ذلك حتى مات رجل ممن قال ذلك فيه فقيل له: مات فلان سوياً. فلم يقبل حتى تتابعت الأخبار. فقال: إن كنتم صادقين إن لكم دارا سوى هذه تجاوزن فيهم. رسالة كاتب إلى السلطان كتب رجل من الكتّاب إلى سلطان: "أعيذك باللّه من أن تكون لاهياً عن الشكر محجوباً بالنعم صارفاً فضل ما أوتيت من السلطان إلى ما تقلّ عائدته وتعظم تبعته من الظلم والعدوان، وأن يستزلّك الشيطان بخدعه وغروره وتسويله فيزيل عاجل الغبطة وينسيك مذموم العاقبة، فإن الحازم من يذكر في يومه المخوف من عواقب غده ولم يغرّه طول الأمل وتراخي الغاية ولم يضرب في غمرة من الباطل ولا يدري ما تتجلّى به مغبّتهم. هذا إلى ما يتبع الظالأمن سوء المنقلب وقبيح الذكر الذي لا يفنيه كرّ الجديدين واختلاف العصرين حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثنا معاوية بن عمرو قال: حدّثنا أبو إبراهيم السقّاء عن ليث عن مجاهد قال: "يؤتى بمعلم الصبيان يوم القيامة فإن كان عدل بين الغلمان وإلا أقيم مع الظلمة". ؟لمعاوية في الظلم
وكان معاوية يقول: "إني لأستحي أن أظلم "من لا يجد عليّ ناصراً إلا اللّه". في أن الظّلم يخرب الديار
القوة في الحق
حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال:كان فرعان وهو من بني تميم لا يزال يغير
على إبل الناس فيأخذ منهم ثم يقاتلهم عليهم إلى أن أغار على رجل فأصاب له
جملاً، فجاء الرجل فأخذ بشعره فجذبه فبرك، فقال الناس: كبرت واللّه يا فرعان.
فقال: لاواللّه ولكن جذبني جذبة محقٍّ. بين أعرابي واليهود في ديّة المسيح ولي أعرابي بعض النواحي فجمع اليهود في عمله وسألهم عن المسيح فقالوا: قتلناه وصلبناه. فقال: فهل أديتم ديته؟ قالوا:لا. قال: فواللّه لا تخرجون أو تؤدّوهم. فلم يبرحوا حتى أدّوهم . بين أبي العاج ونصراني كان أبو العاج على جوالي البصرة فأتي برجل من النصارى، فقال: ما اسمك؟ فقال: بنداذ شهر بنداذ. فقال: اسم ثلاثةٍ وجزية واحدٍ! لا واللّه العظيم. قال: فأخذ منه ثلاث جزًى. حكم أعرابي ولي أعرابي "تبالة" فصعد المنبر فما حمد اللّه ولا أثنى عليه حتى قال: إن الأمير أعزنا اللّه وإياه ولّاني بلادكم هذه، وإني واللّه ما أعرف من الحق موضع سوطي، ولن أوتى بظالأولا مظلوم إلا أوجعتهما ضرباً. فكانوا يتعاملون بالحق بينهم ولا يرتفعون إليه. شعر في الظلم قال بعض الشعراء:
"وقال آخر:
دعاء في الوقاية من ظلم السلطان وكانوا يتوقّون ظلم السلطان إذا دخلوا عليه بأن يقولوا: "بسم اللّه إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً" "آخسئوا فيهم ولا تكنلّمونأخذت سمعك وبصرك بسمع اللّه وبصره. أخذت قوّتكن بقوّة اللّه. بيني وبينك ستر النبوّة الذي كانت الأنبياء تستتر به من سطوات الفراعنة. جبريل عن يمينك وميكائيل عن يسارك ومحمد أمامك واللّه مطلع عليك ويحجزك عني ويمنعني منك". في ظلم الأمراء وأولي الأمر وقال بعض الشعراء:
" وقال آخر:
وكتب رجل إلى صديق له: قد كنت أستعديك ظالماً على غيرك فتحكم لي وقد استعديتكن عليك مظلوماً فضاق عني عدلك، وذكّرني قول القائل:
"ونحوه:
للأصمعي في إباء العدل حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال:كان يقال: ما أعطي أحد قط النّصف فأباه إلا أخذ شراً منه. قال: وقال الأحنف: ما عرضت النّصفة قطّ على أحد فقبلهم إلا دخلتني له هيبةٌ ولا ردّهم إلا اختبأتهم في عقله. شعر للبعيث وقال البعيث:
للطائيّ ثم للعباس بن عبد المطلب وقال الطائي:
وقال العباس بن عبد المطلب:
كتاب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله يحثه على العدل وترك الظلم بلغنا عن ضمرة عن ثور بن يزيد قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمّاله: أما بعد إذا دعتكن قدرتكن على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة اللّه عليك وفناء ما تؤتي إليهم وبقاء ما يؤتون إليك، والسلام. بين ابن سيرين وآخر يدعو على من ظلمه سمع ابن سيرين رجلاً يدعو على من ظلمه، فقال: أقصر يا هذا، لايربح عليك ظالمك. قولهم في الحبس شكاية يوسف عليه السلام إلى اللّه تعالى طول الحبس "في الحديث المرفوع: "شكا يوسف عليه السلام إلى اللّه عزّ وجلّ طول الحبس فأوحى اللّه إليه: من حبسك يا يوسف، أنت حبست نفسك حيث قلت "ربّ السّجن أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه" ولو قلت: العافية أحبّ عليّ لعوفيت". دعاء يوسف عليه السلام لأهل السجن حدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: "إن يوسف عليه السلام دعا لأهل السجن دعوةً لم تزل تعرف لهم إلى اليوم، قال: اللهم اعطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأخبار" فيقال: أنهم أعلم الناس بكل خبر في كل بلد. ما كتب على باب سجين وكتب على باب السجن: "هذه منازل البلوى وقبور الأحياء وتجربة الصديق وشماتة الأعداء". شعر للرياشي في السجن أنشدني الرياشيّ:
ولأعرابي، ثم لأحد المساجين وقال أعرابي:
ويقال: إنّ قولهم "تنزو وتلين" زؤي مكتوباً على باب حبس فضربه الناس مثلا.
المسمع الأوّل قيده والثاني صاحب الحرس. ونحوه قول الآخر:
الزمّارة الغلّ، وأصل الزمّارة السّاجور. بين بلال بن أبي بردة وخالد بن صفوان قال أبو عبيد ة: اختصم خالد بن صفوان مع رجل إلى بلال بن أبي بردة، فقضى للرجل على خالد، فقام خالد وهو يقول: سحابة صيف عن قليل تقشّع فقال بلال: أما إنهم لا تقشّع حتى يصيبك منهم شؤبوب برد. وأمر به إلى الحبس، فقال خالد: علام تحبسني؟ فواللّه ما جنيت جناية ولا خنت خيانة. فقال بلال: يخبرك عن ذلك بابٌ مصمت وأقيادٌ ثقال وقيّمٌ يقال له حفص. بين الحجاج والغضبان بن القبعثري قال الحجاج للغضبان بن القبعثري ورآه سميناً: ما أسمنك؟ قال: القيد والرّتعة، ومن كان في ضيافة الأمير سمن. خروج الكميت الشاعر متنكرا من السجن وشعر له كان خالد بن عبد اللّه حبس الكميت الشاعر فزاراته امرأته في السجن فلبس ثيابهم وخرج ولم يعرف فقال:
شعر للفرزدق وكان خالد بن عبد اللّه حبس الفرزدق فقال:
لبعضهم في خالد بن عبد اللّه القسري حين حبس
وقال بعض المسجّنين:
وقال آخر مثله:
وقال يزيد بن المهلّب وهو في الحبس: يا لهفي على طلبة بمائة ألف وفرحٍ في جبهة أسد. بين الفرزدق والمهلب وهو محبوس ودخل الفرزدق على المهلب وهو محبوس فقال:
فقال له: أتمدحني على هذه الحال؟ فقال: أصبتكن رخيصاً فاشتريتكن. بين أبي العتاهية والرشيد وقد كتب إليه من الحبس شعراً وحبس الرشيد أبا العتاهية فكتب إليه من الحبس بأبيات منهم :
فوقّع الرشيد في رقعته: لا بأس عليك. فأعاد عليه رقعة أخرى فيهم :
فأمر بإطلاقه. الحجاب بين عبد العزيز بن زرارة ومعاوية، وقد حجبه عنه يوماً، وشعر له في ذلك أبو حاتم عن العتبي عن أبيه أن عبد العزيز بن زرارة الكلابي وقف على باب معاوية فقال: من يستأذن لي اليوم فأدخله غداً؟ وهو في شملتين، فلما دخل على معاوية قال: هززت ذوائب الرحال إليك إذ لم أجد معوّلاً إلا عليك. أمتطي الليل بعد النهم ر وأسم المجاهل بالآثار. يقودني نحوك رجاء وتسوقني إليك بلوى، والنفس مستبطئة والاجتهم د عاذر. فأكرمه وقرّبه. فقال في ذلك:
وقال غير العتبي: لما دخل عبد العزيز بن زرارة على معاوية قال له: "إني رحلت إليك بالأمل واحتملت جفوتكن بالصبر، ورأيت ببابك أقواماً قدّمهم الحظّ، وآخرين باعدهم الحرمان. وليس ينبغي للمتقدم أن يأمن ولا للمتأخر أن ييأس. وأول المعرفة الاختبار فابل وآختبر". شعر لعبد العزيز بن زرارة في حجاب معاوية إياه وفي حجاب معاوية إياه يقول شاعر مضرّ:
قال أبو اليقظان: كان عبد العزيز بن زرارة فتى العرب. رد أبي سفيان على حجب عثمان إياه أستأذن أبو سفيان على عثمان فحجبه. فقيل له: حجبك أمير المؤمنين؟ فقال: لاعدمت من قومي من إذا شاء حجبني. قول أبي الدرداء في حجب معاوية له وحجب معاوية أبا الدرداء فقال أبو الدرداء: من يغش سدد السلطان يقم ويقعد، ومن صادف باباً عنه مغلقاً وجد إلى جانبه باباً فتحا، إن دعا أجيب وإذا سأل أعطي. وظيفة الحاجب ودوره
قول أبرويز لحاجبه يحدد دوره وقرأت في التاج أن أبرويز قال لحاجبه: "لا تقدّمن مستغيثاً ولا تضعنّ ذا شرف بصعوبة حجاب ولا ترفعنّ ذا ضعة بسهولته. وضع الرجال مواضع أخطارهم، فمن كان مقدّماً له الشرف ممن آزدرعه ولم يهدمه من بعد بنائه فقدّمه على شرفه الأوّل وحسن رأيه الآخر، ومن كان له شرف مقدّم فلم يصن ذلك إبلاغاً به ولم يزدرعه تثميراً له فألحق بآبائه مهلة سبقهم في خواصهم، وألحق به في خاصته ما ألحق بنفسه. لا تأذن له إلا دبرا ولا تأذن له إلا سراراً. وإذا ورد عليك كتاب عامل من عمّالي فلا تحبسه عني طرفة عين إلا أن أكون على حال لا تستطيع الوصول إليّ فيهم ، وإن أتاك مدّع لنصيحة فاستكنتبهم سرّاً ثم أدخله بعد أن تستأذن له. حتى إذا كان مني بحيث أراه فادفع إليّ كتابه، فإن أحمدت قبلت وإن كرهت رفضت، ولا ترفعنّ إليّ طلبة طالب إن منعته بخّلني وإن أعطيته آزدراني، إلا بمؤامرة مني من غير أن تعلمه أنك قد أعلمتني وإن أتاك عالأيستأذن عليّ لعلم يزعم أنه عنده فاسأله: ما علمه ذلك؟ ثم أستأذن له فإن العلم كاسمه، ولا تحجبن سخطةً ولا تأذنن رضاً، اخصص بذلك الملك ولا تخصّ به نفسك". قول خالد بن عبد اللّه لحاجبه الهيثم قال: قال خالد بن عبد اللّه لحاجبه: "لا تحجبني عنّي أحداً إذا أخذت مجلسي، فإن الوالي لا يحجب إلا عن ثلاث: عيٍّ يكره أن يطّلع عليه منه، أو ريبة، أو بخل فيكره أن يدخل عليه من يسأله". شعر لمحمود الورّاق في احتجاب الوالي ومنه أخذ ذلك محمود الورّاق فقال:
لبعض الشعراء في أن عرض الملك حاجبه وقال بعض الشعراء:
شعر في الحاجب وقال أخر:
قول جماعة على باب عمر بن الخطاب حضر باب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه جماعةٌ منهم سهيل بن عمرو وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس فخرج الآذن فقال: أين صهيب؟ أين عمّار؟ أين سلمان؟ فتمع0ّرت وجوه القوم. فقال واحد منهم: لم تتمعّر وجوهكم؟ دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعدّ اللّه لهم في الجنة أكثر. شعر في حاجب وقال بعض الشعراء:
وقال آخر لحاجب:
وكتب أبو العتاهية إلى أحمد بن يوسف:
وقال آخر:
وقال عبد اللّه بن سعيد في حاجب الحجاج وكان يحجبه دائماً:
وقال آخر:
كتاب رجل حجب عن باب السلطان وحجب رجل عن باب السلطان فكتب إليه: "نحن نعوذ باللّه من المطامع الدنيّة والهمم القصيرة وابتذال الحرّية، فإن نفسي والحمد اللّه أبيّة ما سقطت وراء همة ولا خذلهم صبر عند نازلة ولا استرقّهم طمع ولا طبعت على طبع وقد رأيتكن ولّيت عرضك من لا يصونه و وصلت ببابك من يشينه وجعلت ترجمان عقلك من يكثر من أعدائك وينقص من أوليائك "ويسيء العبارة عنك ويوجه وفد الذم إليك" ويضغن قلوب إخوانك عليك إذ كان لايعرف لشريف قدراً ولا لصديق منزلة، ويزيل المراتب عن جهل بهم وبدرجاتهم فيحطّ العليّ إلى مرتبة الوضيع ويرفع الدنيّ إلى مرتبة الرفيع، ويحتقر الضعيف لضعفه وتنبو عينه عن ذي البذاذة، ويميل إلى ذي اللباس والزينة ويقدّم على الهوى ويقبل الرّشا". شعر لبشار وقال بشار، وقيل هو لغيره:
اشعار في الحاجب والحجاب وهذا ضد قول الآخر:
وقال آخر:
وقال آخر:
وقال الطائي:
وقال أيضاً:
وقال آخر:
وحجب رجل فكتب:
كتاب رجل إلى صديق له حجب نفسه وكتب رجل من الكتاب في هذا المعنى إلى صديق له: "إن كان ذهولك عنا لدينا أخضلت عليك سماؤهم وأرتبت بك ديمهم إن أكثر ما يجري في الظن بك بل في اليقين منك أنك أملك ما تكون لعنانك أن يجمح بك ولنفسك أن تستعليّ عليك إذا لانت لك أكنافهم "وآنقاد في كفّك زمامهم لأنك لم تنل ما نلت خلساً ولا خطفا، ولا عن مقدار جرف إليك غير حقك وأمال نحوك سوى نصيبك. فإن ذهبت إلى أن حقك قد يحتمل في قوّته وسعته أن تضمّ إليه الجفوة والنّبوة فيتضائل في جنبه ويصغر عن كبيره فغير مدفوع عن ذلك. وآيم اللّه لولا ما بليت به النفس من الضّنّ بك وأنّ مكانك منهم لايسدّه غيرك نسخت عنك وذهلت عن إقبالك وإدبارك ولكان في جفائك ما يردّ من غرتهم ويبرد من غرّتهم ، ولكنه لما تكناملت النعمة لك تكناملت الرغبة فيك". بين معاوية وحضين بن المنذر أبو حاتم عن العتبيّ قال: قال معاوية لحضين بن المنذر وكان يدخل عليه في أخريات الناس: يا أبا ساسان كأنه لا يحسن إذنك. فانشأ يقول:
شعر في بشر بن مروان وقال بعض الشعراء في بشر بن مروان:
وقال بشر:
مدح لابن هرمة وقال ابن هرمة يمدح:
وكتب رجل إلى بعض الملوك:
فكتب إليه الآخر:
وقال عبيد اللّه بن عكراش":
وكتب عبد اللّه بن أبي عيينة إلى صديق له:
شعر لأعرابي على باب الفضل بن الربيع أبو حاتم عن عبد اللّه بن مصعب الزبيري قال: كنا بباب الفضل بن الربيع وهم يأذنون لذوي الهيئات والشارات وأعرابي يدنو فكلما دنا طرح. فقام ناحية وأنشأ يقول:
بين معاوية وشريك الحارثي دخل شريك الحارثي على معاوية فقال له معاوية: من أنت؟ فقال له: يا أمير المؤمنين ما رأيت لك هفوة قبل هذه. مثلك ينكر مثلي من رعيته! فقال له معاوية: إن معرفتكن متفرقة، أعرف وجهك إذا حضرت في الوجوه، وأعرف آسمك في الأسماء إذا ذكرت، ولا أعلم أن ذلك الاسم هو هذا الوجه، فاذكر لي اسمك تجتمع معرفتكن. في آداب الدخول على الملوك استأذن رجلان على معاوية فأذن لأحدهما وكان أشرف منزلة من الآخر، ثم أذن للأخر فدخل عليه فجلس فوق صاحبه. فقال معاوية: إن اللّه قد ألزمنا تأديبكم كما ألزمنا رعايتكنم، وإنا لم نأذن له قبلك ونحن نريد أن يكون مجلسه دونك. فقم لا أقام اللّه لك وزناً. دخول أبي مجلز على عمر بن عبد العزيز دخل أبو مجلز على عمر بن عبد العزيز حين أقدمه من خراسان، فلم يقبل عليه. فلما خرج قال له بعض من حضر المجلس: هذا أبو مجلز. فردّه واعتذر إليه وقال: إني لم أعرفك. قال: يا أمير المؤمنين فهلا أنكرتني. أشجع السلمي يذكر باب المنصور بن زياد قال أشجع السلمي يذكر باب المنصور بن زياد:
وكانت العرب تتعوّذ باللّه من قرع الفناء ومن قرع المراح.
وقال آخر:
وقال آخر: إن النّدى حيث ترى الضّغاطا يعني الزحام. شعر لبشار وقال بشار:
بين عمر بن عبد العزيز وطارق مجهول دقّ رجل على عمر بن عبد العزيز الباب فقال عمر: من هذا؟ قال: أنا. قال عمر: ما نعرف أحداً من إخواننا يسمّى أنا. قول شبيب بن شيبة عند خروجه من دار الخلافة خرج شبيب بن شيبة من دار الخلافة يوماً فقال له قائل: كيف رأيت الناس؟ فقال: رأيت الداخل راجياً ورأيت الخارج راضياً. شعر لأبي العتاهية، وغيره قال أبو العتاهية:
حجب أعرابيّ على باب السلطان فقال:
وقال جرير:
وقال آخر:
وقال أبو القمقام الأسدي:
التلطف في مخاطبة السلطان و إلقاء النصيحة إليه بين الوليد وعمرو بن عتبة في النصيحة العتبي قال: قال عمرو بن عتبة للوليد حين تنكّر له الناس: يا أمير المؤمنين إنك تنطقني بالأنس بك وأنا أكفت ذلك بالهيبة لك. وأراك تأمن أشياء أخافهم عليك، أ فأسكت مطيعاً؟ أم أقول مشفقاً؟ فقال: كلٌّ مقبول منك، واللّه فينا علم غيب نحن صائرون إليه. ونعود فنقول: فقتل بعد أيام. من كتاب للهند في نصيحة السلطان وفي إلقاء النصيحة إليه: قرأت في كتاب للهند أن رجلاً دخل على بعض ملوكهم فقال له: أيهم الملك نصيحتكن واجبة في الحقير الصغير بله الجليل الخطير ولولا الثقة بفضيلة رأيك واحتمالك ما يسوء موقعه من الأسماع والقلوب في جنب صلاح العاقبة وتلافي الحادث قبل تفاقمه لكان خرقاً مني أن أقول، وإن كنا إذا رجعنا إلى أن بقاءنا "موصول" ببقائك وأنفسنا معلقة بنفسك لم أجد بدّاً من أداء الحق إليك وإن أنت لم تسألني "أو خفت ألّا تقبل مني" فإنه يقال: من كتم السلطان نصحه والأطباء مرضه والإخوان بثّه فقد خان نفسه. الخفوت في طاعته بين جرير بن يزيد وأحد الخلفاء
قال بعض الخلفاء لجرير بن يزيد: إني قد أعددتكن لأمر. قال: يا أمير المؤمنين،
إن اللّه قد أعدّ لك منّي قلباً معقوداً بنصيحتكن ويداً مبسوطة بطاعتكن
وسيفاً مشحوذاً على عدوّك فإذا شئت فقل. التلطّف في مدحه خالد القسريّ يمدح عمر بن عبد العزيز قال خالد بن عبد اللّه القسري لعمر بن عبد العزيز: من كانت الخلافة زانته، فإنك قد زنتهم ، ومن كانت شرفته فإنك قد شرفتهم ، فأنت كما قال القائل:
فقال عمر: أعطي صاحبكم مقولا ولم يعط معقولا. نصيحة أديب لوزير وكتب بعض الأدباء إلى بعض الوزراء: "إن أمير المؤمنين منذ استخلصك لنفسه فنظر بعينك وسمع بأذنك ونطق بلسانك وأخذ وأعطى بيدك وأورد وأصدر عن رأيك، وكان تفويضه إليك بعد امتحانك وتسليطه الرأي على الهوى فيك بعد أن ميّل بينك وبين الذين سموا لرتبتكن وجروا إلى غايتكن فأسقطهم مضمارك وخفّوا في ميزانك ولم يزدك رفعةً إلا آزددت اللّه تواضعاً، ولا بسطا وإيناساً إلا ازددت له من العامة قربا. ولا يخرجك فرط النصح للسلطان عن النظر لرعيته، ولا إيثار حقّه عن الأخذ لهم بحقّهم عنده، ولا القيام بما هو له عن تضمّن ما عليه، ولا تشغلك جلائل الأمور عن التفقّد لصغارهم ، ولا الجذل بصلاحهم واستقامتهم عن استشعار الحذر وإمعان النظر في عواقبهم بين الرشيد والعماني الراجز
كتاب الفضل بن سهل إلى أخيه الحسن ينصحه وفي المديح: كتب الفضل بن سهل إلى أخيه الحسن بن سهل فقال: "إن اللّه قد جعل جدّك عالياً وجعلك في كل خير مقدماً وإلى غاية كل فضل سابقاً وصيّرك، وإن نأت بك الدار، من أمير المؤمنين وكرامته قريباً، وقد جدّد لك من البرّ كيت وكيت. وكذا يحوز اللّه لك من الدين والدنيا والعز والشرف أكثره وأشرغه إن شاء اللّه". بين الرشيد وبعض الشعراء وفي مدحه: قال الرشيد يوماً لبعض الشعراء: هل أحدّثت فينا شيئاً؟ فقال: يا أمير المؤمنين المديح فيك دون قدرك والشعر فيك فوق قدري، ولكنّي أستحسن قول العتّابيّ:
رسالة إلى أمير وفي مدحه: كتب بعض الكتاب إلى بعض الأمراء: "إن من النعمة على المثني عليك أنه لا يخاف الإفراط ولا يأمن التقصير ولا يحذر أن تلحقه نقيصة الكذب ولا ينتهي به المدح إلى غاية إلا وجد في فضلك عوناً على تجاوزهم. ومن سعادة جدّك أن الداعي لك لا يعدم كثرة المشايعين ومساعدة النيّة على ظاهر القول". وإلى وزير وفي مثله كتب بعض الأدباء إلى الوزير: "مما يعين على شكرك كثرة المنصتين له، ومما يبسط لسان مادحك أمنه من تحمّل الإثم فيه وتكنذيب السامعين له". لعمرو بن يزيد يمدح يزيد بن معاوية وفي مثل ذلك: لمّا عقد معاوية البيعة ليزيد قام الناس يخطبون فقال لعمرو بن سعيد: قم يا أبا أمية. فقام فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد فإن يزيد بن معاوية أملٌ تأملونه وأجل تأمنونه، إن آستضفتم إلى حلمه وسعكم، وإن آحتجتم إلى رأيه أرشدكم، وإن افتقرتم إلى ذات يده أغناكم، جذعٌ قارحٌ سوبق فسبق وموجد فمجد وقورع فخرج فهو خلف أمير المؤمنين ولا خلف منهفقال معاوية: أوسعت يا أبا أمية فاجلس. في مدح الحسن بن سهل وفي مثل ذلك: قال رجل للحسن بن سهل: "يا أيهم الأمير، أسكتني عن وصفك تساوي أفعالك في السوود وحيّرني فيهم كثرة عددهم فليس إلى ذكر جميعهم سبيل، وإن أردت ذكر واحدة اعترضت أختهم إذ لم تكن الأولى أحق بالذكر منهم ، فلست أصفهم إلا بإظهم ر العجز عن صفتهم ". في مدح محمد بن عبد الملك وفي مثل ذلك: كتب آخر إلى محمد بن عبد الملك: "إن مما يطعمني في بقاء النعمة عليك، ويزيدني بصيرة في العلم بدوامهم لديك أنك أخذتهم بحقهم واستوجبتهم بما فيك من أسبابهم ، ومن شأن الأجناس أن تتواصل وشأن الأشكال أن تتقاوم، والشيء يتغلغل في معدنه ويحنّ إلى عنصره، فإذا صادف منبته ولزّ في مغرسه ضرب بعرقه وسمق بفرعه وتمكّن تمكّن الإقامة وثبت ثبات الطبيعة". في مدح وزير وفي مثل ذلك: كتب آخر إلى بعض الوزراء: "رأيتني فيما أتعاطى من مدحك كالمخبر عن ضوء النهم ر الباهر والقمر الزاهر الذي لايخفى على ناظر، وأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوبٌ إلى العجز مقصرٌ عن الغاية فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك". العتّابي يمدح خالد بن يزيد
في شكر الملك وحمده قرأت في التاج قال بعض الكتاب للملك: "الحمد اللّه الذي أعلقني سبباً من أسباب الملك ورفع خسيستي بمخاطبته وعزّز ركني من الذّلة به وأظهر بسطتي في العامّة وزيّن مقاومتي في المشاهدة وفقأ عني عيون الحسدة وذلّل لي رقاب الجبابرة وأعظم لي رغبات الرعيّة وجعل لي به عقبا يوطأ يعظّم ومزية تحسن، والذي حقّق فيّ رجاء من كان يأملني وظاهر به قوة من كان ينصرني وبسط به رغبة من كان يسترفدني، والذي أدخلني من ظلال الملك في جناح سترني، وجعلني من أكنافه في كنف آتسع عليّ". في شكر أردشير وتعداد نعمه وفي شكره وتعداد نعمه: قرأت في سير العجم أن أردشير لما استوسق له أمره جمع الناس وخطبهم خطبة بليغة حضهم فيهم على الألفة والطاعة وحذرهم المعصية وصنّف الناس أربعة أصناف، فخرّ القوم سجّدا وتكنلّم متكنلّمهم مجيباً فقال: "لا زلت أيهم الملك محبّوا من اللّه بعزّة النصر ودرك الأمل ودوام العافية وحسن المزيد، ولا زلت تتابع لديك النعم وتسبغ عندك الكرامات والفضل حتى تبلغ الغاية التي يؤمن زوالهم ولا تنقطع زهرتهم في دار القرار التي أعدّهم اللّه لنظرائك من أهل الزّلفى عنده والحظوة لديه، ولا زال ملكك وسلطانك باقيين بقاءالشمس والقمر زائدين زيادة البحور والأنهم ر حتى تستوي أقطار الأرض كلهم في علوّك عليهم ونفاذ أمرك فيهم ، فقد أشرق عليّنا من ضياء نورك ما عمّنا عموم ضياء الشمس ووصل إلينا من عظيم رأفتكن ما اتصل بأنفسنا اتصال النسيم، فجمعت الأيدي بعد افتراقهم والكلمة بعد اختلافهم وألّفت بين القلوب بعد تباغضهم وأذهبت الإحن والحسائك بعد آستعار نيرانهم ، وأصبح فضلك لا يدرك بوصف ولا يحدّ بتعداد، ثم لم ترض بما عمّمتنا به من هذه النّعم وظاهرت من هذه الأيادي حتى أحببت توطيدهم والاستيثاق منهم وعملت لنا في دوامهم كعملك في إقامتهم وكفلت من ذلك ما نرجو نفعه في الخلوف والأعقاب، وبلغت همّتكن لنا فيه حيث لا تبلغ همم الآباء للأولاد، فجزاك اللّه الذي رضاه تحرّيت وفي موافقته سعيت أفضل ما التمست ونويت". قول خالد بن صفوان لوا لٍ دخل عليه وفي مثله: قال خالد بن صفوان لوا لٍ دخل عليه: "قدمت فأعطيت كلاً بقسطه من نظرك ومجلسك وصلاتكن وعدلك حتى كأنك متن كل أحد أو كأنك لست من أحد". شكر وزير كتب بعض الكتاب إلى الوزير يشكر له: "من شكر لك عن درجة رفعته إليهم أو ثروة أفدته إياهم فإن شكري إياك على مهجة أحييتهم وحشاشة تبقيتهم ورمقٍ أمسكت به وقمت بين التلف وبينه". مثله في الشكر قرأت في كتاب: "ولكل نعمة من نعم الدنيا حدّ تنتهي إليه ومدًى توقف عنده وغاية في الشكر يسمو إليهم الطّرف خلا هذه النعمة التي فاتت الوصف وطالت الشكر وتجاوزت كل قدر وأتت من وراء كل غاية وجمعت من أمير المؤمنين مننا جمّة أبقت للماضين منّا وللباقين فخر الأبد وردّت عنا كيد العدوّ وأرغمت عنا أنف الحسود وبسطت لنا عزّاً نتداوله ثم نخلفه للأعقاب فنحن نلجأ من أمير المؤمنين إلى ظلّ ظليل وكنف كريم وقلب عطوف ونظر رؤوف، فكيف يشكر الشاكر منا وأين يبلغ اجتهم د مجتهدنا ومتى نؤدّي ما يلزمنا ونقضي المفترض عليّنا وهذا كتاب أمير المؤمنين الذي لو لم تكن له ولآبائه الراشدين عند من مضى منا ومن غيرنا إلا ما ورد من صنوف كرامته وأياديه ولطيف ألفاظه ومخاطبته، لكان في ذلك ما يحسّن الشكر ويستفرغ المجهود". التلطف في مسألة العفو يوشت المغني يسأل كسرى العفو قال كسرى ليوشت المغنيّ وقد قتل فهلوذ حين فاقه وكان تلميذه: "كنت أستريح منه إليك ومنك إليه فأذهب شطر تمتّعي حسدك ونغل صدركثم أمر أن يلقى تحت أرجل الفيلة فقال: أيهم الملك إذا قتلت أنا شطر طربك وأبطلته وقتلت أنت شطره الآخر وأبطلته، أليس تكون جنايتكن على طربك كجنايتي عليه؟ قال كسرى: دعوه، ما دلّه على هذا الكلام إلا ما جعل له من طول المدّة. وفي العفو أيضاً قال رجل للمنصور: "الانتقام عدل والتجاوز فضل ونحن نعيذ أمير المؤمنين باللّه من أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين". وفي العفو جلس الحجاج يقتل أصحاب عبد الرحمن، فقام إليه رجل منهم فقال: أيهم الأمير إن لي عليك حقاً. قال: وماحقك عليّ؟ قال: سبّك عبد الرحمن يوماً فرددت عنك. قال: ومن يعلم ذاك؟ فقال الرجل: أنشد اللّه رجلاً سمع ذاك إلا شهد به. فقام رجل من الأسرى فقال: قد كان ذاك أيهم الأمير. فقال: خلّوا عنه. ثم قال للشاهد: فما منعك أن تنكر كما أنكر؟ قال: لقديم بغضي إياك. قال: ويخلّى هذا لصدقه. وفي العفو أسر معاوية يوم صفّين رجلاً من أصحاب عليّ صلوات اللّه عليه، فلما أقيم بين يديه قال: الحمد اللّه الذي أمكن منك. قال: لا تقل ذاك فإنهم مصيبة. قال: وأيّة نعمة أعظم من أن يكون اللّه أظفرني برجل قتل في ساعة واحدة جماعة من أصحابي. اضربا عنقه. فقال: اللهم اشهد أن معاوية لم يقتلني فيك ولا لأنك ترضى قتلي، ولكن قتلني في الغلبة على حطام هذه الدنيا، فإن فعل فافعل به ما هو أهله، وإن لم يفعل فافعل به ما أنت أهله. فقال: قاتلك اللّه! لقد سببت فأوجعت في السب ودعوت فأبلغت في الدعاء. خلّيا سبيله. وفي مثله أخذ عبد الملك بن مروان سارقاً فأمر بقطع يده فقال:
فأبى إلاّ قطعه، فدخلت عليه أمه فقالت: يا أمير المؤمنين، واحدي وكاسبي. فقال: بئس الكاسب! هذا حدّ من حدود اللّه. فقالت: اجعله من الذنوب التي تستغفر اللّه منهم. فعفا عنه. وفي مثله أخذ عبد اللّه بن عليّ أسيراً من أصحاب مروان فأمر بضرب عنقه فلما رفع السيف ليضرب به ضرط الشأمي فوقع العمود بين يدي الغلام ونقرت دابة عبد اللّه فضحك وقال: اذهب فأنت عتيق آستكن. فالتفت إليه وقال: أصلح اللّه الأمير! رأيت ضرطة قطّ أنجت من الموت غير هذه؟ قال: لا، "قال": هذا واللّه الإدبار. قال: وكيف ذاك؟ قال: ما ظنك بنا وكنا ندفع الموت بأسنّتنا فصرنا ندفعه اليوم بأستاهنا. وفي مثله خرج النعمان بن المنذر في غبٍّ سماء فمرّ برجل من بني يشكر جالساً على غدير ماء، فقال له: أتعرف النعمان؟ قال اليشكري؟ أليس ابن سلمى؟ قال: نعم. قال: واللّه لربما أمررت يدي على فرجهم. قال له: ويحك، النعمان بن المنذر! قال: قد خبرتكن. فما انقضى كلامه حتى لحقته الخيل وحيّوه بتحية الملك. فقال له: كيف قلت؟ قال: أبيت اللعن، إنك واللّه ما رأيت شيخاً أكذب ولا ألأم ولا أوضع ولاأعضّ ببظر أمه من شيخ بين يديك. فقال النعمان: دعوه، فأنشأ يقول:
إبراهيم بن المهدي يستعطف المأمون ليعفو عنه لمّا أخذ المأمون إبراهيم بن المهدي استشار أبا إسحاق والعباس في قتله فأشارا به، فقالله المأمون: قد أشارا بقتلك. فقال إبراهيم: أما أن يكونا قد نصحا لك في عظم الخلافة وما جرت به عادة السياسة فقد فعلا، ولكنك تأبى أن تستجلب النصر إلا من حيث عودّك اللّه. وكان في اعتذاره إليه أن قال: إنه وإن بلغ جرمي استحلال دمي فحلم أمير المؤمنين وفضله يبلغانني عفوه، ولي بعدهما شفعة الإقرار بالذنب وحقّ الأبوة بعد الأب. فقال المأمون: لو لم يكن في حق سببك حقّ الصفح عن جرمك لبلّغك ما أمّلت حسن تنصّلك ولطف توصّلك. وكان إبراهيم يقول بعد ذلك: واللّه ماعفا عني المأمون صلةً لرحمي ولا محبة لاستحيائي ولا قضاءً لحق عمومتي، ولكن قامت له سوقٌ في العفو فكره أن يفسدهم بي. شعر في طلب العفو ومن أحسن ما قيل في مثله قول العتّابي:
وقول عليّ بن الجهم للمتوكل:
وجد بعض الأمراء على رجل فجفاه وآطّرحه حيناً ثم دعا به ليسأله عن شيء فرآه ناحلاً شاحباً. فقال: متى اعتللت؟ فقال:
فعاد له وقال آخر:
وكان يقال: بحسب العقوبة أن تكون على مقدار الذنب. وفي مثله بين مصعب بن الزبير ورجل من أصحاب المختار الثقفي أخذ مصعب بن الزبير رجلاً من أصحاب المختار فأمر بضرب عنقه. فقال: أيهم الأمير ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتكن هذه الحسنة ووجهك هذا الذي يستضاء به فأتعلق بأطرافك وأقول أي ربّ سل مصعباً فيم قتلني. قال: أطلقوه. قال: اجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض. قال: أعطوه مائة ألف. قال: بأبي أنت وأمي، أشهد اللّه أن لابن قيس الرّقيات منهم خمسين ألفاً. قال: ولم؟ قال: لقوله فيك:
فضحك مصعب، وقال: أرى فيك موضعاً للصنيعة. وأمرو بلزومه وأحسن إليه فلم يزل معه حتى قتل. وفي مثله بين عبد الملك بن مروان وعبد الملك بن الحجاج
قال عبد الملك بن الحجاج التغلبي لعبد الملك بن مروان: هربت إليك من العراق.
ونحوه قول الآخر:
وفي مثله: قنّع الحجاج رجلاً في مجلسه ثلاثين سوطاً وهو في ذلك يقول:
ونحوه:
وفي مثله للحسن البصري
مر الحسن البصري برجل يقاد منه. فقال للوليّ: يا عبد اللّه، إنك لا تدري لعل
هذا قتل وليّك وهو لا يريد قتله، وأنت تقتله متعمداً، فانظر لنفسك. قال: قد
تركته للّذه. وفي مثله بين الحجاج وعثمان الشحام
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن عثمان الشحام قال: أتي الحجاج بالشّعبي فقال
له: أخرجت عليّنا يا شعبي؟ قال: أجدب بنا الجناب وأحزن بنا المنزل واستحلسنا
الخوف واكتحلنا السهر وأصابتنا خزية لم نكن فيهم بررةً أتقياءولا فجرة
أقوياء. فقال الحجاج: اللّه أبوك. ثم أرسله.
وفي مثله: قال الحسن بن سهل لنعيم بن حازم وقد اعتذر إليه من ذنب عظّمه: على رسلك أيهم الرجل، تقدّمت لك طاعةٌ وتأخرت لك توبة، وليس لذنب بينهما مكان، وما ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو. في الدعاء للسلطان قال رجل لبعض الأمراء: "إني لو كنت أعرف كلاماً يجوز أن ألقى به الأمير غير ما جرى على ألسن الناس، لأحببت أن أبلغ ذلك فيما أدعو به له وأعظّم من أمره، غير أني أسأل اللّه الذي لا يخفى عليه ما تحتجب به الغيوب من نيات القلوب أن يجعل ما يطلّع عليه مما تبلغهنيته في إرادته للأمير أدنى ما يؤتيه إياه من عطاياه ومواهبه وفي الدعاء له: قرأت في كتاب رجل من الكتاب: "لا زالت أيامك ممدودة بين أمل لك تبلغه وأملٍ فيك تحقّقه حتى تتملّى من الأعمار أطولهم وترقى من الدرجات أفضلهم ". وفي الدعاء أيضاً دخل محمد بن عبد الملك بن صالح على المأمون حين قبضت ضياعه فقال: السلام عليك أمير المؤمنين. محمد بن عبد الملك سليل نعمتكن وابن دولتكن وغصن من أغصان دوحتكن، أتأذن له في الكلام؟ قال: نعم. فتكنلّم بعد حمد اللّه والثناء عليه. فقال: "نستمتع اللّه لحياطة ديننا ودنيانا ورعاي أدنانا وأقصانا ببقائك يا أمير المؤمنين ونسأله أن يزيد في عمرك من أعمارنا وفي أثرك من آثارنا ويقيك الأذى بأسماعنا وأبصارنا. هذا مقام العائذ بظلّك الهم رب إلى كنفك وفضلك الفقير إلى رحمتكن وعدلك" ثم تكنلّم في حاجته. وفي شكر السلطان وفي حمده قدم رجل على سليمان بن عبد الملك في خلافته فقال له: ما أقدمك عليّ؟ فقال: يا أمير المؤمنين ما أقدمني عليك رغبة ولا رهبة. قال: وكيف ذاك؟ قال: أما الرغبة فقد وصلت إلينا وفاضت في رحالنا وتناولهم الأقصى والأدنى منّا، وأما الرّهبة فقد أمنّا بعدلك يا أمير المؤمنين عليّنا وحسن سيرتكن فينا من الظلم، فنحن وفد الشكر. وفي حمده كتب بعض الكتاب إلى وزير: "كلّ مدى يبلغه القائل بفضلك والواصف لأيامك والشاكر للنعمة الشاملة بك قصدٌ أممٌ عند الفضائل الموفورة لك والمواهب المقسومة للرعية بك، فواجبٌ على من عرف قدر النعمة بك أن يشكرهم وعلى من أظله عزّ أيامك أن يستديمه وعلى من حاطته دولتكن أن يدعو اللّه ببقائهم ونمائهم ، فقد جمع اللّه بك الشّتات وأصلح بهم الفساد وقبض الأيدي الجائرة وعطف القلوب النافرة، فأمّنت سرب البرىء وخفضت جأشه وأخفت سبل الجاني وأخذت عليه مذاهبه ومطالعه ووقفت بالخاصّة والعامة على قصد من السيرة أمنوا بهم من العثار والكبوة". وفي حضّه على شكر اللّه عز وجل
|