لا تجده ولو جهدت وإني ... بالذي لا يكون يوجد مثله
إنما صاحبي الذي يغفر ال ... ذنب ويكفيه من أخيه أقله
وأخبرنا المرزباني، حدثنا الصولي، حدثنا أبو العيناء قال: رأيت علي بن عبيدة يعاتب رجلاً ثم قال في كلامه: العجب أني أعاتبك وأنت من أهل القطيعة! وحدثنا أبو عبد الله النمري قال: لما وزر أبو محمد المهلبي سنة أربعين بعد وفاة أبي جعفر الصيمري كتب إلى أبي الفضل العباس بن الحسين وكان بينهما تواصل:
بسم الله الرحمن الرحيم
إني - حفظك الله - وحفظني لك، وأمتعك بي وأمتعني بك، قد بلوتك طول أيام أبي جعفر - قدس الله روحه - فوجدتك ذا شهامة فيما يناط بك، حسن الكفاية فيما يوكل إليك، كتوماً للسر إذا استحفظته، حسن المساعدة فيما يجمل بك الوفاق عليه، وقد حداني هذا كله على اجتبائك، وتقريبك، وإدنائك، وتقديمك، وغالب ظني أنك تعينني على ذلك بميمون نقيبتك، ومأمون ضريبتك، وجعلت دعامة هذا كله أني أجريك مجرى الصديق الذي يفاوض في الخير والشر، ويشارك في الغث والسمين، ويستنام إليه في الشهادة والغيب، ولي معك عينان، إحداهما مغضوضة عن كل ما ساءني منك، والأخرى مرفوعة إلى كل ما سرني فيك، فإن كنت تجد في نفسك على قولي هذا شاهداً صدوقاً، وإمارة نطوقاً، فعرفني لأعلم أن فراستي لم تفل، وحدسي عن طريق الصواب لم يمل، والحال التي قد جددها الله لي هي محروسة لك، ومفرغة عليك، ومستقلة بك، فأشركني فيها بخالصة الوفاء، أو تفرد بها إن شئت بحقيقة الصفاء، فلك الأمنة من حيلولة الاعتقاد، والسكون إلى عفو الاجتهاد، وثق بأن الذي خطبته منك إنما أريده لك، فلا تقعن في وساوس صدرك أن لكاشح لنا فيما نحن عليه طريقاً لنقص، أو لمحب لنا فيه باباً إلى الزيادة، واكتف بهذا القدر الذي دللتك عليه، واستقبل أمري وأمرك بالذي أرشدتك إليه، وإياك أن تستشير فيه غير نفسك فإنك بعرض حسد يكون عقالاً لحظك، والله يهديك للحسنى، ويقيني فيك غوائل العيون المرضى والسلام.
قلت للنمري: فبماذا أجابه؟ قال: من له بجواب في هذا السبك على هذه الحلاوة؟ إلا أنه استعان بأبي عبد الله فكتب له:
بسم الله الرحمن الرحيم
الوزير - أطال الله بقاءه - قد خاطبني بما إن لو غلطت في نفسي، وادعيت ما لا يليق بي، لكان في ذلك عذري، ولست من أصحاب البراعة، فأسهب خاطباً، أو أخطب مطنباً، وأنا - وإن فاتني هذا بفوت الصناعة - فلن يفوتني إن شاء الله ما يستحق علي من القيام بالخدمة وبذل الطاعة، حتى يكون جوابي صادراً على مذهب الخدم، كما كان ابتداؤه صادراً على مذهب أرباب النعم، وها أنا قد وكلت ناظري بلحظه، ووقفت سمعي على لفظه، انتظاراً لأمره ونهيه اللذين إذا امتثلت أحدهما وملت عن الآخر ملكت المنى، وأحرزت الغنى، وكانت شمسي به دائرة وسط السماء، وعيشي جارياً على النعماء والسراء، فلا يبقى لي غم إلا تفرى، ولا وغم إلا تسرى، ولا إرادة إلا مبلوغة، ولا بغية إلا مدركة، وقد رفلت. ومن نعمة الوزير - أدام الله أيامه - في عطاف من المسرة، الله أسأل إسباله علي مدى الدهر، بنفاذ أمره، وجواز خاتمه، وجريان قلمه، وشعاع شمسه، وسلامة نفسه، ودوام أنسه، وهو يجيب الداعي إذا أخلص في دعائه، ويعطي السائل سؤله إذا صفى ضميره في سؤاله، ولرأي الوزير العلو في قبول ما جاد به عنده من طاعته، وقابل به دعوته من إجابته، إن شاء الله.
وقال آخر:
أبا يعقوب صرت قذى لعيني ... وستراً بين طرفي والمنام
وكنت على الحوادث لي معيناً ... فصرت مع الحوادث في نظام
وكنت على المصائب لي سلواً ... فصرت من المصيبات العظام
وقال عبدة بن الطبيب:
إن الذين ترونهم خلانكم ... يشفي صداع رؤوسهم أن تصرعوا
فضلت عداوتهم على أحلامهم ... وأبت ضباب صدورهم لا تنزع
وقال أبو إسحاق السبيعي: ثلاث يصفين لك ود أخيك: السلام إذا لقيته، وأن تدعوه بأحب أسمائه، وأن لا تماريه.

سمعت العوامي يقول لعلي بن عيسى الوزير: إن الحال بينك وبين ابن مجاهد صفيقة فما الذي قربه منك، ونفقه عليك، وأولعك به؟ قال: وجدته متواضعاً في علمه، هشاً في نسكه، كتوماً لسره، حافظاً لمروءته، شفيقاً على خليطه، حسن الحديث في حينه، محمود الصمت في وقته، بعيد القرين في عصره، والله لو لم يكن فيه من هذه الأخلاق إلا واحدة لكان محبوباً ومقبولاً.
شاعر:
إذا أنا عاتبت الملول فإنما ... أخطط في جار من الماء أحرفا
فهبه ارعوى بعد العتاب ألم تكن ... مودته طبعاً فصارت تكلفا
آخر:
يعاتبكم يا أم عمرو بحبكم ... ألا إنما المقلي من لا يعاتب
آخر:
إذا ما تقضى الود إلا تكاشراً ... فهجر جميل للفريقين صالح
تلونت ألواناً علي كثيرة ... ومازج عذباً من إخائك مالح
ولي عنك مستغنى وفي الأرض مذهب ... فسيح، ورزق الله غاد ورائح
لتعلم أني إذ أردت قطيعتي ... وسامحت بالهجران إني مسامح
آخر:
إذا ما المرء لم يحببك إلا ... مغالب نفسه سئم الغلابا
ومن لا يعط إلا في عتاب ... يخاف، يدع به الناس العتابا
أخوك أخوك من تدنو وترجو ... مودته؛ وإن دعي استجابا
إذا حاربت حارب من تعادي ... وزاد سلاحه منك اقترابا
يواسي في الكريهة كل يوم ... إذا ما معضل الحدثان نابا
وقال رجل لصاحب له: إنما اشتد غضبي، لأن من كان علمه أكثر، كان ذنبه أكبر، قال: فهلاً جعلت سعة علمي سبيلاً إلى حسن الظن بنزوعي، أو إلى أني غالط في تفريطي، مخطىء بقصدي، غير معاند لك، ولا جريء عليك.
ورأيت الزهيري وقد كتب إلى ابن الأزرق كتاباً كتب في آخر هذه الأبيات:
اذهب فلا حاجة لي فيكا ... غطت على عيني مساويكا
وارغبتا فيك بدت سوءتي ... واسوءتا من رغبتي فيكا
قد كنت أرجوك أخاً لي فلا ... أفلح من أمسى يرجيكا
وقال بعضهم: تركتني معرفة الناس فرداً.
وأنشد آخر:
تركتني صحبة الناس ومالي من رفيق ... لم أجد إشفاق ندماني كإشفاق الصديق
قد أتت هذه الرسالة على حديث الصداقة والصديق، وما يتصل بالوفاق، والخلاف، والهجر، والصلة، والعتب، والرضا، والمذق، والرياء، والتحقق، والنفاق، والحيلة، والخداع، والاستقامة، والالتواء، والاستمانة، والاحتجاج، والاعتذار، ولو أمكن لكان تأليف ذلك كلؤه أتم مما هو عليه، وأجرى إلى الغاية في ضم الشيء إلى شكله، وصبه على قالبه، فكان رونقه أبين، ورفيقه أحسن، ولكن العذر قد تقدم، ولو أردنا أيضاً أن نجمع ما قاله كل ناظم في شعره، وكل ناثر من لفظه لكان ذلك عسيراً، بل متعذراً، فإن أنفاس الناس في هذا الباب طويلة، وما من أحد إلا وله في هذا الفن حصة، لأنه لا يخلو أحد من جار، أو معامل، أو حميم، أو صاحب، أو رفيق، أو سكن، أو حبيب، أو صديق، أو أليف، أو قريب، أو بعيد، أو ولي، أو خليط، كما لا يخلو أيضاً من عدو، أو كاشح، أو مداج، أو مكاشف، أو حاسد، أو شامت، أو منافق، أو مؤذ، أو منابذ، أو معاند، أو مزل، أو مضل، أو مغل، وقد قال الأوائل: الإنسان مدني بالطبع، وبيان هذا أنه لا بد له من الإعانة، والاستعانة، لأنه لا يكمل وحده لجميع مصالحه، ولا يستقل بجميع حوائجه، وهذا ظاهر، وإذا كان مديناً بالطبع كما قيل فبالواجب ما يعرض في أضعاف ذلك من الأخذ، والعطاء، والمجاورة والمحاورة، والمخالطة والمعاشرة، ما يكون سبباً لانتشار الأمر، ولا محالة أن هذه وأشباهها مفضية إلى جملة ما نعته هؤلاء الذين روينا نظمهم ونثرهم، وكتبنا جورهم وإنصافهم، وذلك أعلى فنون ما قالوه ونظروه، وعيون ما ذكروه ونشروه، ونروي في هذا الموضع بقية أبيات وإن عن شيء حكيناه، ونغلق الرسالة فإنها إذا طال بغضت، وإذا بغضت هجرت، وربما نيل من عرض صاحبها، وأنحي باللائمة عليه من أجلها، وهو لم يقصد إلا الخير، ولا أراد إلا الرشاد، وقد يؤتى الإنسان من حيث لا يعلم، ويرمي من حيث لا يتقي، كما يأتي من حيث لا يحتسب، وينجو وقد أشفى، ويدرك وقد غلب اليأس. قال العطوي:

لا تبك إثر مول عنك منحرف ... تحت السماء وفوق الأرض أبدال
الناس أكثر من أن لا ترى خلقاً ... ممن زوى وجهه عن وجهك المال
ما أقبح الوصل يدنيه ويبعده ... بين الصديقين إكثار وإقلال
الصنوبري:
يا ناصحاً ما زال يتبع نصحه ... غشاً إذا نصح الصديق صديقه
فله العزاء بروم لست أرومه ... قلت السلو يطاق لست أطيقه
آخر:
رميت هواي من مرمى قريب ... وكنت أخي فصرت أخا الخطوب
قدرت من الجسوم على تناء ... ولكن لا تنائي للقلوب
فمن تطلب الإنصاف يوماً ... إذا جار الأديب على الأديب
آخر:
كم من صديق صادق الظاهر ... متفق الأول والآخر
أطمعني في مثله مطمع ... من خاطري، لا كان من خاطر
حتى إذا ما قلت فازت يدي ... بمثله فوز يد القامر
وجدت في كفي منه كما ... قد ملئت منه يد الزامر
آخر:
أخو ثقة يسر بحسن حالي ... وإن لم يدنه مني قرابه
يسر بما أسر به ويشجى ... إذا ما أزمة نزلت رحابه
أحب إلي من ألفي قريب ... بنات صدورهم لي مسترابه
آخر:
ولا تصل حبل غادر ملق ... فالغدر من شر شيمة الرجل
لا خير في غادر مودته ... كالصاب، والقول عنه كالعسل
آخر:
ما لي جفيت وكنت لا أجفى ... ودلائل الهجران لا تخفى
ما لي أراك نسيتني بطراً ... ولقد عهدتك تذكر الإلفا
آخر:
أخلقت عنده الملالة وجهي ... كيف لي عنده بوجه جديد؟
آخر:
أتعجب إن جفاك أخ ... لغيرك عنك منتقل
فلا تعجب لجفوته ... ثقلت فملك الرجل
آخر:
عهدي بطرفك لا يزال ملاحظي ... يرنو إلي رنو طرف الحافظ
فاليوم تنبو عن جناني نبوة ... وأراك من بعد الإساغة لافظي
آخر:
توق من الإخوان كل ممازح ... يزول مع الأفناء حيث تزول
فلا تصحبن مستطرفاً ذا ملالة ... فليس على عهد يدوم ملول
آخر:
وحقك ما تركي عتابك من قلى ... ولكن لعلمي أنه غير نافع
وإني إذا لم أصبر اليوم طائعاً ... فلابد منه مكرهاً غير طائع
إذا أنت لم تعطفك إلا شفاعة ... فلا خير في ود يكون بشافع
إبراهيم بن العباس الكاتب:
أخ بيني وبين الدهر ص ... احب أينا غلبا
صديقي ما استقام فإن ... نبا دهر علي نبا
وثبت على الزمان به ... فعاد به وقد وثبا
ولو عاد الزمان لنا ... لعاد به أخاً حدبا
آخر:
كنت عبداً لك مأ ... موناً على دنيا ودين
بعتني سمحاً بقول ... جاء من غير يمين
ليت شعري عنك ل ... م حكمت ظناً بيقين
سترى ما تكشف الخ ... برة من غيب الظنون
آخر:
خليل نأى عني الزمان بوده ... فأعرض واستولى على أمره الغدر
فألبسته الثوب الذي اختار لبسه ... وأحسن من ود يضيق به الصدر
وأفضل من أمر يريبك تركه ... وأجمل من مال يرم به الفقر
فإن عاش فالأيام بيني وبينه ... وإن مات لم أجزع لمن ضمه قبر
إذا ما امرؤ جارت عليك ظنونه ... وسامك ما فيه المذلة والصغر
فكله إلى حكم الحوادث إنه ... كفى منصفاً ممن تظلمك الدهر
آخر:
عاشر أخاك على ما كان من خلق ... واحفظ مودته بالغيب ما وصلا
فأطول الناس غماً من يريد أخاً ... ذا خلة لا يرى في وده خللا
آخر:
أجفوتني في من جفاني ... وجعلت شانك غير شاني
ونسيت مني موضعاً ... لك لم يكن لك فيه ثاني
وسررت يوماً واحداً ... أن لا أراك ولا تراني

وهجرتني وقطعتني ... وقليتني في من قلاني
أفعلتها فالمستع ... ان الله أفضل مستعان
آخر:
تملقته جهدي فلما رأيته ... إذا لان مني جانب عز جانبه
جريت له في الصدر مني مودة ... وخليت عنه مهملاً لا أعاتبه
أطين عين الشمس كيلا يقال لي ... طبائعه مذمومة ومذاهبه
وأطريه بالقول الجميل وعنده ... من التيه مطريه سواء وعائبه
آخر:
غلط الفتى في قوله ... من لا يردك فلا ترده
من ناقش الإخوان لم ... يبد العتاب ولم يعده
عاتب أخاك إذا هفا ... واعطف بفضلك واستعده
وإذا أتاك بعيبه ... واش فقل لم يعتمده
فلقلما طلب الفتى ... عيباً لخل لم يجده
جرير:
وإني لمغرور أعلل بالمنى ... ليالي أرجو أن مالك ماليا
بأي سنان تطعن القوم بعدما ... نزعت سناناً من قناتك ماضيا
وقال آخر:
تبدلت بعدي والملول إذا نأت ... به الدار عن أحبابه يتبدل
فبان القلى لي منك واتضح الخفا ... ولاح لنا منه الذي كان يشكل
أحين أنارت للمودة بيننا ... رياض بدا نوارها يتهلل
ودامت سماء اللهو تنهل سحة ... علينا بأنواع الوفاء وتهطل
تنكبت قوس اللهو ثم رميتني ... وخليتني أبكي الوصال وأعول
سأحفظ ما ضيعته من إخائنا ... لتعلم أني عنه لا أتبدل
ابن أبي فنن:
إذا كنت تغضب من غير ذنب ... وتعتب من غير جرم عليا
طلبت رضاك فإن عزلي ... عددتك ميتاً وإن كنت حيا
قنعت وإن كنت ذا حاجة ... فأصبحت من أكثر الناس شيا
فلا تعجبن بما في يديك ... فأكثر منه الذي في يديا
وقال آخر:
وأخ كان لي ودوداً محباً ... ناصحاً ومقاً ورفيقاً وشفيقا
كان أحلى من الجنى بصيب ... المزن يرضيك صامتاً ونطوقا
لم لما أصابني الدهر بالجفوة ... منه صار البعيد السحيقا
يا صديقي ما كنت لي بصديق ... إنما كنت للزمان صديقا
صرت تشرى إذا التحفت بثوبي ... وتشكي إذا سلكنا طريقا
آخر:
وأخ كان لي فأصبحت منه ... كأشل اليدين أو كالأجب
ضاق ذرعاً بزلة لي كانت ... فانتحى لانتهاك سري وثلبي
أفما كان في المودة والحر ... مة حق يريه غفران ذنبي؟
وقال آخر:
وكل ملمات الزمان وجدتها ... سوى فرقة الأحباب هينة الخطب
لئن كنت أمسيت العشية سيداً ... شديد شحوب اللون مختلف العضب
فما لك من مولاك إلا حفاظه ... وما المرء إلا باللسان وبالقلب
هما الأصغران الذائدان عن الفتى ... مكارهه والصاحبان على الخطب
فإلا أكن كل الكريم فإنني ... أكف عن الجاني وأصبر في الجدب
ماني الموسوس:
رأيتك لا تختار إلا تباعدي ... فباعدت نفسي لاتباع هواكا
فبعدك يؤذيني وقربي لكم أذى ... فكيف احتيالي يا جعلت فداكا؟
آخر:
رأيتك تجفوني فأحدثت عزلة ... لتخفي الذي يأتي إلي فتعذرا
آخر:
أطل حبل الشناءة لي وبغضي ... وعش ما شئت فانظر من تضير
فما بيديك خيراً أرتجيه ... وغير صدودك الخطب الكبير
إذا أبصرتني أعرضت عني ... كأن الشمس من قلي تدور
آخر:
ومولى كأن الشمس بيني وبينه ... إذا ما التقينا ليس ممن أعاتبه
قال ابن المرزبان الكاتب: سمعت الخليفة المطيع يقول: صديقك صديقك، وصديق صديقك صديقك، وعدوك عدوك، وصديق عدوك عدوك، وعدو صديقك عدوك، وعدو عدوك صديقك.
وقال آخر:
وذوي ضباب مظهرين عداوة ... قرحى القلوب معاودي الأكباد
ناسيتهم بغضاءهم وتركتهم ... وهم إذا ذكر الصديق أعادي

وسمعت ابن بابويه القمي العالم يقول: قال جعفر بن محمد: مناغاة الصديق أعبث بالروح، وأندى على الفؤاد من مغازلة المعشوق، لأنك تفزع بحديث المعشوق إلى الصديق، ولا تفزع بحديث الصديق إلى المعشوق.
وحدثني ابن السراج قال: كتبت إلى ابن الحارث الرازي: كتبت إليك عن محل قد ابتهج بودك، وانزعج لصدك، يناديك، ألا إن القلب قد تألم بمفارقتك، فمتى يلم شعث الأنس بمشاهدتك، فأجبته: كلا وإن امتزج فرح الاتصال، بترح الانفصال، فما ضر مباعدة الأشباح مع مساعدة الأرواح، قال: فأجابني: أما صدر كتابك فغني عن دلالتك عليه، لإحساسي بشاهده عندي، وكيف أعدم الشاهد عليه وأنا الأول فيه، والجالب له، وأما عجزه فشديد الأخذ بطرف من القسوة، لسلوك بأحد الأمرين عن الآخر، ولو علمت أن تمام الأفراح، بمساعدة الأرواح، ومشاهدة الأشباح، لم تقل ما قلت، ولم يبلغ - أكرمك الله - في اللطافة أن يكون من غير هذا النوع الذي نحن منهن لكني أقول: كتبت إليك من محل موحش لبعدك، بلفظ مضطرب أنس بذكرك مستوحشاً، واستوحش إلى رؤيتك مستأنساً، ولو كنت قريباً مني لكان هذا كله مطرحاً، والأمل مدركاً مقترحاً، والعائق مرفوعاً، والطرف متنزهاً، والزمان نضراً، والدهر محموداً، والسلام.
شاعر:
وحسبك حسرة لك من صديق ... يكون زمامه بيدي عدو
أخبرنا ابن مقسم قال: سمعت أحمد بن يحيى يقول: كتب رجل إلى الزبير بن بكار يستجفيه فأجابه:
ما غير الدهر وداً كنت تعرفه ... ولا تبدلت بعد الذكر نسيانا
ولا حمدت وفاء من أخي ثقة ... إلا جعلتك فوق الحمد عنوانا
وكتب سعيد بن جبير إلى أخ له: أما بعد، يا أخي، فاحذر الناس، واكفهم نفسك، ويسعك بيتك.
قال رجل لمحمد بن واسع: إني لأحبك في الله، قال: فأطع من تحبني فيه.
قال أبو خازم المدني لسلمة بن دينار: لأن يبغضك عدوك المسلم خير من أن يحبك عدوك الفاجر.
سمعت ابن الجلاء يقول بمكة: يقال: من لا إخوان له فلا عيش له، ومن لا ولد له فلا ذكر له، ومن لا مال له فلا مروءة له، ومن لا عقل له فلا دنيا له ولا آخرة.
قال أبو عثمان النصيبي: من لا إخوان له فلا تعب له، ومن لا ولد له فلا حجاب عليه، ومن لا مال له فلا حساب عليه، ومن لا عقل له فهو في الجنة.
شاعر:
هبني أسأت كما زعمت فأين عاقبة الأخوه ... وإذا أسات كما أسأت فأين فضلك والمروه
وقال أعرابي: نصح الصديق تأديب، ونصح العدو تأنيب.
قال الفضل بن يحيى: الصبر على أخ يعتب عليه خير من أخ يستأنف مودته.
وسمعت ذا الكفايتين ابن العميد ببغداد يقول: إنشاء المعرفة صعب، فلما ندرنا من مجلسه قال أبو إسحاق الصابي: تربيتها أصعب من إنشائها. عرضت هذا الكلام على أبي سليمان فقال: أما الإنشاء فإنما صعب لأنه لا أوائل له يناط بها، ويؤسس عليها، وأما التربية فإنما صعبت أيضاً لأنها تستعير من الإنسان زماناً مديداً هو يشح به، وعناء متصلاً يشتد صبره عليه، ومالاً مبذولاً قلما تطيب النفس بإخراجه إلا إذا كان الكرم له طباعاً، ويجد من ضريبته إليه نزاعاً.
وقال ذو الشامة يرثي أخاه:
ذكرت أخي أخا الخي ... رضي الله عنه الذي لم يبق لي خلفا
ولا أرجوه إلا الله من ... ه الدهر مؤتنفا
أخاً ما كان لي كأخ ... وبي برأ وبي لطفا
كفى من كنت كافيه ... وسد مسد من سلفا
وحق لعين من أمسى ... بما أمسيت معترفا
من الإيحاش والإيجا ... س والإفراد أن يكفا
وقال أبو بكر: خير إخوانك من آساك، وخير منه من كفاك، وخير مالك ما أغناك، وخير منه ما وقاك.
قال المأمون الخليفة: من لم يؤاس الإخوان في دولته خذلوه في شدته.
وقال:
لا أعرفنك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زودتني زادي
وقال آخر:
ليس عندي وإن تغضبت إلا ... طاعة حرة وقلب سليم
وانتظار الرضا فإن رضا السادات عز وعتبهم تقويم
رجل من بلعنبر:
لقد ألبس المولى على غش صدره ... وأفقأ بيضات الضغائن بالهجر

يثير التداني بيننا كل دمنة ... ويشفي التنائي بيننا وخز الصدر
آخر:
ضعفت عن الإخوان حتى جفوتهم ... على غير زهد في الإخاء ولا الود
ولكن أيامي تحرمن منيتي ... فما أبلغ الحاجات إلا على جهد
آخر:
من عف خف على الصديق لقاؤه ... وأخو الحوائج وجهه مملول
وأخوك من وفرت ما في كيسه ... فإذا غدرت به فأنت ثقيل
آخر:
أيام أن قلت قال في سرع ... وإن كرهنا بدا تأبيه
مساعد، مونق، أخو كرم ... فليس شبه له يدانيه
آخر:
قل للذين صحبناهم فلم نرهم ... إلا لمن صحبوا يرضون بالدون
سلامة الدين والدنيا فراقكم ... وقربكم آفة الدنيا مع الدين
أنا النذير لمغبون بصحبتكم ... محارف، جاهل، بالأمر مفتون
خاب الغبين الذي يبغي مودتكم ... وليس هاجركم عندي بمغبون
وأخبرنا ابن مقسم قال: أنشدنا أحمد بن يحيى الشاعر:
وإني لتصفو للخليل مودتي ... وقد جعلت أشياء منه تريب
أخاف لجاجات العتاب بصاحبي ... وللجهل من قلب الحليم نصيب
فإن فاء لم أعدد عليه ذنوبه ... وهل بعد فيئات الرجال ذنوب
ابن عروس:
يا فتى كانت به دنياي تصفو وتطيب
وله كانت تضيق الأرض بي حين يغيب
ما الذي رابك والأيام ما زالت تريب
فيم إعراضك عني ... أيها الحر اللبيب
أملالاً فهو ما ليس يداويه طبيب
أم لظن فامتحن فالظن يخطي ويصيب
أم لعتب فعتاب الحر يجدي ويثيب
أم لذنب فلك الله بأني سأتوب
شاعر: كيف صبري عن بعض نفسي وهل يصبر عن بعض نفسه الإنسان آخر:
وإذا أرادك صاحب بجناية ... جعل التجني للجفاء سبيلا
فترى دواعي الهجر في حركاته ... وكفى بذلك شاهداً ودليلا
وأخبرنا المزباني قال: حدثنا ابن أبي الأزهر قال: أنبأنا بندار قال: أنشدني ابن السكيت:
إني لأصبر من عود به جلب ... عند الملمات إلا عند هجران
إذا رأيت ازوراراً من أخي ثقة ... ضاقت علي برحب الأرض أوطاني
وما صدود ذوات الدل أرمضني ... لكنما الهجر عندي هجر إخواني
فإنت صدفت بوجهي كي أجازيه ... فالعين غضبي، وقلبي غير غضبان
أخبرنا المرزباني أبو عبد الله، حدثنا الصولي، حدثنا أبو العيناء قال: كان ابن أبي داود يقول: لو أراد العباس بن الأحنف بقوله:
المرء قد يرزق أعداؤه ... منه ويشقى بالصديق الصديق
إصلاحاً بين قبيلتين من العرب، أو إقامة لخطبة، أو إرسالاً لمثل وحكمة لكان أبلغ وأحسن.
وله أيضاً:
إذا امتنع القريب فلم تنله ... على قرب فذاك هو البعيد
أخبرنا القاضي أبو السائب، حدثنا ابن أبي طاهر، قال الكندي: العباس - والله - ظريف، مليح، حكيم، وشعره جزل، وكان قليلاً ما يرضى الشعر فكان ينشد هذا كثيراً له:
ألا تعجبون كما أعجب ... صديق يسيء ولا يعتب
وأبغي رضاه على سخطه ... فيأبى علي ويستصعب
فياليت حظي إذا ما أس ... ات أنك ترضى ولا تغضب
وقال لنا الناقط: كتب أبو الحوراء إلى صديق له: الله يعلم أنك ما خطرت ببالي في وقت من الأوقات إلا مثل الذكر منك لي محاسن تزيدني صبابة إليك، وضناً بك، واغتباطاً بإخائك.
أخبرنا ابن سحرة، حدثنا أبو إسماعيل الحريمي قال: دخلت على عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وكنت قد تأخرت عنه فقال:
رأيت جفاء الدهر بي فجفوتني ... كأنك غضبان علي مع الدهر

فقلت: أيها الأمير لو علمت أني أسمع هذا لأعددت له جواباً يناضل عني في الاعتذار، ويتقدمني بطلائع الشوق إليك، ويقوم لي مقام العذر قبلك، ولقد بدهتني بمفحمة، وتركبتني بمظلمة، وبالله الذي أسأله الزلفة عندك إني ما تأخرت إلا لعذر خافيه كالشمس وضوحاً، وغائبه كالحاضر عياناً، ومظنونه كالمشاهد يقيناً، ومع ذلك فلم أخل من خاطر شوق كالسنان، ونزاع نفس كالجمة، وتبرم بالعيش كالحمام، أفأنا أجفوك مع الدهر، وأكون ألباً له عليك، وأنا ألحاه على جفائه لك، إنحائه على إرادتك بما خالف هواك، كلا، والذي شق البصر، وجعلك الوزر والعصر. فقال لي هذا جوابك عما لم تعد له، فكيف بنا لو غمرتنا منك سحابتك الغداقة: ومزنتك الدفاقة، لله درك بادهاً ومروياً، وسابقاً، ومصلياً.
آخر:
غير ما طالبين ذحلاً ولكن ... مال دهر على أناس فمالوا
الخليع:
لا تعجبن لملة صرفت ... وجه الأمير فإنه بشر
وإذا نبا بك في سريرته ... عقد الضمير نبا بك النظر
أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن علي الهجيمي قال: حدثنا أبو داود الطائي قال: جاء رجل إلى حماد بن زيد فقال له: يا أبا سعيد اطلب لي رفيقاً إلى مكة، ما بينك وبين سنة، فلما جاء الحول جاء رجل إلى حماد فقال: أنا أطلب رفيقاً إلى مكة مذ سنة فجمع بينهما فمضيا إلى ابن عون فودعاه وقالا له: أوصنا، قال: أوصيكما بخصلتين، قالا: وما هما، قال: كظم الغيظ، وبذل المال، قال: فأتى أحدهما في منامه أن ابن عون أهدى لهما حلتين.
وقال الزبرقان:
ومن الموالي موليان فمنهما ... معطي الجزيل وباذل النضر
ومن الموالي ضب جندلة ... لحز المروءة ظاهر الغمر
يجني عليك إذا استطاع ولا ... يعيطك عند غنى ولا فقر
وإذا حباك الله أرغمه ... ودعا لتصبح غير ذي وفر
آخر:
ومولى كداء البطن لو كان قادراً ... على الدهر أفنى الدهر أهلي وماليا
آخر:
ومولى قد رعيت الغيب فيه ... ولو كنت المغيب ما رعاني
آخر:
فما حياة امرىء أضحت مدامعه ... مقسومة بين أحياء وأموات؟
قيل لابن المقفع: بأي شيء يعرف الأخ؟ قال: أن ترى وجهه منبسطاً، ولسانه بمودته ناطقاً، وقلبه ببشره ضاحكاً، ولقربه في المجلس معجباً، وعلى مجاورته في الدار حريصاً، وله فيما بين ذلك مكرماً.
شاعر:
لهفي لأيام مضت ... مشغولة بك فرغا
آخر:
وبي برح شوق لو فرشتك كنهه ... لأيقنت أني في ودادك مخلص
ولا تأس من روح اجتماع يضمنا ... إلى برد أيام بقربك يخلص
آخر:
أتاني عنك ما ليس ... على مكروهه صبر
فأغضيت على عمد ... وقد يغضي الفتى الحر
وأدبتك بالهجر ... ولما ينفع الهجر
فلما زادني المك ... روه واشتد بي الأمر
تناولتك من شري ... بما ليس له قدر
فحركت جناح ال ... ذل لما مسك الضر
إذا لم يصلح الخير ... امرءاً أصلحه الشر
آخر:
ولما رأيتك لا فاسقاً ... تهاب ولا أنت بالزاهد
وليس عدوك بالمتقى ... وليس صديقك بالحامد
أتيت بك السوق سوق الرقيق ... فناديت هل فيك من زائد؟
على رجل غادر بالصديق ... كفور لنعمائه جاحد
فما جاءني رجل واحد ... يزيد على درهم واحد
سوى رجل حان منه الشقاء ... وحلت به الدعوة الوالد
فبعتك منه بلا شاهد ... مخافة ردك بالشاهد
وأبت إلى منزلي سالماً ... وحل البلاء على الناقد
آخر:
أخ لي كأيام الحياة إخاؤه ... يلون ألواناً علي خطوبها
إذا عبت منه خلة فهجرته ... دعتني إليه خلة لا أعيبها
وكان المهلبي يعجب من أبيات المثقب العبدي على ما حدثني به ابن البقال الشاعر:
فأما أن تكون أخي بحق ... فأعرف منك غثي من سميني

وإلا فاطرحني واتخذني ... عدواً أتقيك وتتقيني
فإني لو تخالفني شمالي ... خلافك ما وصلت بها يميني
إذا لقطعتها ولقلت بيني ... كذلك أجتوي من يجتويني
وقال آخر:
بلوتهم واحداً واحداً ... فكلهم ذلك الواحد
وكلهم خيره ناقص ... وكلهم شره زائد
قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه لنا ابن شاهين: تصافحوا فإن التصافح يذهب غل الصدور، وتهادوا فإن الهدية تذهب السخيمة.
قال أعرابي: البشر سحر، والهدية سحر، والمساعدة سحر.
وقال الأحوص:
فإن تشبعي مني وتروي ملالةفإنيوربي منك أروى وأشبع
شاعر:
إذا كتب الصديق إلى صديق ... فقد وجب الجواب عليه فرضا
آخر:
وصاحب سلفت منه إلي يد ... أبطت عليه مكافاتي فعاداني
لما تيقن أن الدهر حاربني ... أبدي التندم في ما كان أولاني
أفسدت بالمن ما أوليت من حسن ... ليس الكريم إذا أولى بمنان
أبو السائل مولى بني كهلان:
أرى فيك أخلاقاً حساناً قبيحة ... وأنت صديق كالذي أنا واصف
قريب، بعيد، أبله، ذو فطانة ... سخي، بخيل، مستقيم، مخالف
كذاك لساني شاتم لك مادح ... كما أن قلبي جاهل بك عارف
تلونت حتى لست أدري من العمى ... أريح جنوب أنت أم أنت عاصف
ولست بذي غش ولست بناصح ... وإني لمن جهل بشانك واقف
أظنك كالستوق ما فيك فضة ... فإن كنت مغشوشاً فإنك زائف
آخر:
أأمنحه ودي ويمنحني الأذى ... لحى الله من ترضى بهذا خلائقه
آخر:
بنفسي من إن قال خيراً وفى به ... وإن قال شراً قاله وهو مازح
آخر:
يرانا سواء فيعطي السواء ... على كل حال وإن زدت زادا
آخر:
وقد تتعايش الأقوام حيناً ... بتلفيق التصنع والنفاق
آخر:
أراني إذا عاديت قوماً وددتهم ... وأنأى بود القلب عمن أقاربه
ويأتيك ودي وهو سهب وقد أبى ... فؤادك إلا النأي ما لم يغالبه
فصلني فإني من جناحك منكب ... وما خير رشد بان منه مناكبه
وقال فيلسوف: خير الأصحاب من ستر ذنبك فلم يقرعك ومعروفه عندك فلم يمنن عليك.
وقال فيلسوف: اجتنب مصاحبة الكذاب، فإن اضطررت إليها فلا تصدقه، ولا تعلمه أنك تكذبه فينتقل عن ودك ولا ينتقل عن طبعه.
وقال فيلسوف: حسبك من عدوك كونه في قدرتك.
وقال فيلسوف: لا تقطع أحداً إلا بعد عجز الحيلة عن استصلاحه، ولا تتبعه بعد القطيعة وقيعة فينسد طريقه عن الرجوع إليك، فلعل التجارب ترده إليك، وتصلحه لك.
وقال فيلسوف: لا يزال الإخوان مسافرين في المودة حتى يبلغوا الثقة، فتطمئن الدار، ويقبل وفود التناصح، وتؤمن خبايا الضمائر، وتلقى ملابس التخلق، وتحل عقد التحفظ.
وقال فيلسوف: إخوان السوء ينصرفون عند النكبة، ويقبلون مع النعمة، ومن شأنهم التوسل بالإخلاص والمحبة إلى أن يظفروا بالأنس والأمن والثقة؛ ثم يوكلون الأعين بالأفعال، والأسماع بالأقوال، فإن رأوا خيراً ونالوه لم يذكروه ولم يشكروه، وإن رأوا شراً أ ظنوه أذاعوه ونشروه، فإن أدمت مواصلتهم فهو الداء المعضل المخوف على المقاتل، وإن استرحت إلى مصارمتهم ادعوا الخبرة بك لطول العشرة لك، فكان كذب حديثهم مصدقاً، وباطلهم محققاً.
شاعر:
إني لآمل أن ترتد ألفتنا ... بعد النذائر والبغضاء والإحن
قال أفلاطون: صديق كل امرىء عقله، وعدوه جهله.
قال سقراط: لا تكون كاملاً حتى يأمنك عدوك، فكيف بك إذا كنت لا يأمنك صديقك.
وقال أفلاطون: عمر الدنيا أقصر من أن تطاع فيها الأحقاد.
قال الشاعر:
والعمر أقصر مدة ... من أن يمحق بالعتاب
وقال أفلاطون: إذا صحبت حازماً فأرضه في إسخاط حاشيته، وإذا صحبت أحمق فأسخطه في رضتء حاشيته.
قيل لديوجانس: ما الذي ينبغي للمرء أن يتحفظ منه؟ قال: من حسد إخوانه، ومكر أعوانه.
وقال أفلاطون: الأشرار يتتبعون مساوىء الناس، ويتركون محاسنهم كما يتتبع الذباب المواضع الفاسدة من الجسد ويترك الصحيح.

وقيل لأبارينوس: ما لفلان أعرض عنك؟ فقال: ما أشبه إقباله بإدباره، ومن زعم أنه يضرني فلينفع نفسه.
وقيل لثيفانون: من صديقك؟ قال: الذي إذا صرت إليه في حاجة وجدته أشد مسارعة إلى قضائها مني إلى طلبها.
وقال انكساغورس: إن الشدائد التي تنزل بالمرء محنة إخوانه.
وقال أفلاطون: لا ينبغي للعاقل أن يتمنى لصديقه الغنى فيزهى عليه، ولكن يتمنى له أن يساويه في الحال.
قيل لبشار: ما تقول في العتاب؟ قال: هو من الرجال خير، ومن النساء شر.
وقال أعرابي: ما افترق متعاتبان قط إلا على حسيكة.
وقال الأحنف: ما عاتبت أحداً إلا وما انثال علي منه أكثر مما عاتبته عليه.
وقال ابن همام السلولي: ما عاتبت أحداً إلا وهو مغيظ مزهو، وما اعتذر إلا وهو ذليل مقفو، فإذا كان العذر لا يسلم من الكذب، فكيف يسلم العتاب من الحقد؟ وسمعت ذا الكفايتين بمدينة السلام يقول لابن فارس: ما عاتبت أحداً إلا بلسان يخرج عن طبع صحيح، وقلب نصيح، وفؤاد سجيح.
شاعر:
خليل لي جزاه الله خيراً كلما ذكرا ... أطاع بهجرنا قوماً أطاروا بيننا شررا
وقال العتابي: قلت لأعرابي قح: إني أريد أن أتخذ صديقاً فابعثه لي حتى أطلبه قال: لا تبعث فإنك لا تجده، قلت: فابعثه كيفما كان حتى أتمناه وإن كنت لا ألقاه، قال: اتخذ من ينظر بعينك، ويسمع بأذنك، ويبطش بيدك، ويمشي بقدمك، ويحط في هواك، ولا يراه سواك، اتخذ من إن نطق فعن فكرك يستملي، وإن هجع فبخيالك يحلم، وإن انتبه فبك يلوذ، وإن احتجت إليه كفاك، وإن غبت عنه ابتداك، يستر فقره عنك لئلا تهتم له، ويبدي يساره لك لئلا تنقيض عنه.
قالت امرأة عبد الله بن مطيع لعبد الله: ما رأيت ألام من أصحابك، إذا أيسرت لزموك، وإذا أعسرت تركوك، فقال: هذا من كرمهم، يغشوننا في حال القوة منا عليهم، ويفارقوننا في حال العجز منا عنهم.
وقلت للعباداني: من الصديق؟ قال: من شهد طرفه لك عن ضميره بالوفاء والود، فإن العين أنطق من اللسان، وأوقد من النيران.
شاعر:
أصد صدود امرىء مجمل ... إذا حال ذو الود عن حاله
ولست بمستعتب صاحباً ... إذا جعل الصرم من باله
ولكنني صارم حبله ... وذلك فعلي بأمثاله
ومهما أدل بحق له ... عرفت له حق إدلاله
وإني على كل حال له ... من إدبار ود وإقباله
لراع لأحسن ما بيننا ... بحفظ الإخاء وإجلاله
وكتب الزهيري إلى ابن السكن في آخر كتابه، وابن السكن إذ ذاك بالأهواز، والزهيري ببغداد:
لئن غاب عن عيني شخصك بالنوى ... لما غاب عن قلبي المصافاة والود
ولا نسيتك النفس مني ساعة ... ولا انتقض الميثاق والود والعقد
وأنشدنا علي بن هارون سنة خمسين وثلاثمائة ومات سنة ستين:
لئن غبت عن عيني بالبعد والنوى ... لما غبت عن فكري وعن ناظر القلب
أراك على بعد المسافة بيننا ... كما تبصر العينان مني على القرب
وقال روح أبو همام:
وعين السخط تبصر كل عيب ... وعين أخي الرضا عن ذاك تعمى
ولو يمنى يدي تكرهتني ... إذاً لحسمتها بالنار حسما
وقال ابن هبيرة في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من جليس مغر، وصديق مطر، وعدو مسر، وأعوذ بك من أرجام النوكى، وكل ما أوجب ملابسة الحمقى، وأعوذ بك من أدب التجار، ومن أخلاق الصغار، ومن خلطة كل محرم تصعب رياضته، وكل حريص يغره حرصه، ونعوذ بالله من صحبة من غايته خاصة نفسه، والانحطاط في هوى مستسيره، وأستعيذ بالله ممن لا يلتمس خالص مودتك، إلا بالتأتي لمواقع شهوتك، وأعوذ بالله ممن يساعدك على ساعتك، ولا يفكر في حوادث غدك، ولا يبالي في أي أقطارها نزلت، ومن أي أعيانها سقطت، ولذلك قالوا: صاحب السوء قطعة من النار، ولذلك قال القائل: ما رأينا في كل خير وشر خيراً من صاحب. وكان يقول: اللهم احفظني من بوائق الثقات، وعداوة ذوي القرابات.
شاعر:
إذا أنت لم تشرك رفيقك في الذي ... يكون قليلاً لم تشاركه في الفضل
آخر:
إذا قل مال المرء قل صديقه ... وضاقت عليه أرضه وسماؤه

إذا قل ماء الوجه قل حياؤه ... ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
وأصبح لا يدري وإن كان حازماً ... أقدامه خير له أم وراؤه
آخر:
ستذكرني إذا جربت غيري ... وتعلم أنني لك كنت كنزا
بذلت لك الصفاء بكل ود ... وكنت كما هويت فصرت جبزا
وهنت إذا عززت وكنت ممن ... يهون إذا أخوه عليه عزا
فرحت بمدية فحززت حبلي ... بها مودتي بيديك حزا
فلم تترك إلى صلح مجازاً ... ولا فيه لمطلب مهزا
ستنكت نادماً في الأرض بعدي ... وتعلم أن رأيك كان عجزا
آخر:
أخوك الذي لو جئت بالسيف قاصداً ... لتضربه لم يستغشك في الود
ولو جئت تدعوه إلى الموت لم يكن ... يردك إشفاقاً عليك من الرد
يرى أنه في ذاك وان مقصر ... على أنه قد آد جهداً على جهد
وقال رجل من بني نهشل بن دارم:
إذا مولاك كان عليك عوناً ... أتاك القوم بالعجب العجيب
فلا تخنع إليه ولا ترده ... ورام برأسه عرض الجنوب
فما لشئافة في غير ذنب ... إذا ولى صديقك من طبيب
قال أبو سعيد السيرافي إمام الدنيا: يقال: شئفت الرجل أشائفه شأفاً وشأفة، ويقال أيضاً: شئفته وشئفت له.
قال عبد الله بن جعفر لصديق له: إن لم تجد من صحبة الرجال بدا فعليك بصحبة من إذا صحبته زانك، وإن خففت له صانك، وإن احتجت إليه مانك، وإن رأى منك خلة سدها، أو حسنة عدها، وإن وعدك لم يخرصك، وإن كبرت عليه لم يرفضك، وإن سألته أعطاك، وإن أمسكت عنه ابتداك.
وقال دعبل في معاذ بن سعيد الحميري:
فإذا جالسته صدرته ... وتنحيت له في الحاشيه
وإذا سايرته قدمته ... وتأخرت مع المستأنيه
وإذا ياسرته صادفته ... سلس الخلق سليم الناحية
وإذا عاشرته ألفيته ... شرس الرأي أبياً داهيه
فأحمد الله على صحبته ... وأسأل الرحمن منه العافيه
وأتى رجل الحج فأتى شعبة بن الحجاج فودعه فقال له شعبة: أما إنك إن لم تر الحلم ذلاً، والسفه أنفاً سلم حجك.
وقال كثير:
ولست براض من خليل بنائل ... قليل ولا راض له بقليل
وليس خليلي بالملول ولا الذي ... إذا غبت عنه باعني بخليل
ولكن خليلي من يدوم وصاله ... ويحفظ سري عند كل دخيل
آخر:
لا تثقن بأمري طويته ... غش ويندي اللسان بالملق
فربما يلبس الجديد لأ ... ن يستر ما تحت ما الخلق
شاعر:
ولربما غفل الفتى عن نفسه ... ولحاظ عين عدوه ترعاه
حتى إذا ظفر العدو بفرصة ... نفث الذي في بغضه أرداه
شاعر:
تغربت أسأل من قد أرى ... من الناس هل من صديق صدوق
فقالوا: عزيزان لن يوجدا ... صديق صدوق وبيض الأنوق
وقال ثا مسطيوس: الإنسان بلا أصدقاء كالشمال بلا يمين.
وقال أرسطوطاليس: أخلص الإخوان مودة من لم تكن مودته عن رغبة ولا رهبة.
وقال هرمس: القرابة تحتاج إلى المودة، والمودة لا تحتاج إلى القرابة.
وقال سقراط: مما يدل على عقل صديقك ونصيحته أنه يدلك على عيوبك، وينفيها عنك، ويعظك بالحسنى، ويتعظ بها منك، ويزجرك عن السيئة، وينزجر عنها لك.
وقال خالد بن صفوان يصف رجلاً: ليس له صديق في السر، ولا عدو في العلانية.
شاعر:
ومما يسكن قلب الغريب ... رفيق تطيب به الصحبه
آخر:
فلا تصحب أخا الجهل ... وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى ... حليماً حين آخاه
يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ما شاه
وفي الشيء من الشيء ... مقاييس واشباه
عبد الرحمن بن حسان:
ومتخذ وداً لمن لا يوده ... كمعتذر عذراً إلى غير عاذر
المتلمس:
احفظ نصيحة من بدا لك نصحه ... وكذاك رأي الحر جهدك فاقبل
للقطامي:

لعلك إن رددت علي نصحي ... سيندمك الذي عملت يداكا
وأنشدنا أبو الفتح بندار بن غانم الكاتب، وكان عامل حلوان، هذين البيتين:
يختار عمرو عداوتي سفهاً ... وأبتغي سلمه ويمتنع
كله إلى بغيه سيصرعه ... والدهر بيني وبينه جدع
كان يبلغ محمد بن الحنفية عن عبد الله بن الزبير ما يكره فقال له أصحابه: إن إمساكك عنه يجرئه عليك، قال: ليس بحكيم من لم يعاشر من لا يجد بداً من معاشرته بالمعروف حتى يجعل الله له منه فرجاً ومخرجاً، وقد يدفع الله باحتمال المكروه مكروهاً أعظم منه.
أنشدنا أبو علي النحوي الشاعر:
كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... يزرع الود في فؤاد الكريم
شاعر:
ومن الناس من يودك حقاً ... صافي الود ليس بالتكدير
فإذا ما سألته دفع فلس ... ألحق الود باللطيف الخبير
آخر:
فلا تغرزك خلة من تواخي ... فما لك عند نائبة خليل
آخر:
ومن شيمتي أني إذا المرء ملني ... وأظهر إعراضاً ومال إلى الغدر
أطلت له فيما يحب عتابه ... وفارقته في حسن مس وفي ستر
فإن عاد في ودي رجعت لوده ... وإن لم يعد أهملت ذاك إلى الحشر
لولا شماتة أقوام ذوي حسك ... أو اغتمام صديق كان يرجوني
لما خطبت إلى الدنيا مطامعها ... ولا بذلت لها نفسي ولا ديني
آخر:
أحب من الإخوات كل مؤات ... وكل غضيض الطرف عن عثراتي
يساعدني في كل أمر أحبه ... ويحفظني حياً وبعد وفاتي
فمن لي بهذا ليت أني وجدته ... فقاسمته مالي من الحسنات
شاعر:
كريم له من نفسه بعض نفسه ... وسائر للحمد والشكر أجمع
آخر:
لم يبق مما فاتني كسبه ... إلا فتى يسلم لي قلبه
ينأى فلا يفسده نأيه ... عني ولا يصلحه قربه
يكون حسبي من جميع الورى ... وفي كل حال وأنا حسبه
شاعر:
عتبي عليك مقارن العذر ... قد ذاد عنك حفيظتي صبري
فمتى هفوت فأنت في سعة ... ومتى جفوت فأنت في عذر
ترك العتاب إذا استحق أخ ... منك العتاب ذريعة الهجر
آخر:
اقبل معاذير من يلقاك معتذراً ... إن بر عندك فيما قال أو فجرا
خير القرينين من أغضى لصاحبه ... ولو أراد انتصاراً منه لانتصرا
آخر:
صديقك حين يذخر عنك خيراً ... وآخر لست تعرفه سواء
آخر:
فإن تنأ عنا لا تضرنا وإن تعد ... تجدنا على العهد الذي كنت تعلم
آخر:
بلوت الناس قرناً بعد قرن ... فلم أر غير خلان المقال
ولم أر في الخطوب أشد هولاً ... وأصعب من معاداة الرجال
وذقت مرارة الأشياء طراً ... فما طعم أمر من السؤال
آخر:
فإنك لن ترى طرداً لحر ... كإلصاق طرف الهوان
ولم تجلب مودة ذي وفاء ... بمثل البذل أو لطف اللسان
وقال فيلسوف: من لم يرض من أخيه بحسن النية لم يرض منه بحسن العطية.
وقال أعرابي: الحفاظ عمود الإخاء.
وقال فيلسوف: لكل جليلة دقيقة، ودقيقة الموت الهجر.
شاعر:
إذا أنت لم تترك أخاك لزلة ... إذا زلها أوشكتما أن تفرقا
آخر:
إذا أنت لم تغفر ذنوباً كثيرة ... تريبك لم يسلم لك الدهر صاحب
ومن لا يغمض عينه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
آخر:
أردت لكيما لا ترى لي زلة ... ومن ذا الذي يعطى الكمال فيكمل
ومن يسأل الأيام نأى صديقه ... وصرف الليالي يعط ما كان يسأل
آخر:
نضع الزيارة حيث لا يزري بنا ... كرم المزور ولا يعاب الزور
آخر:
قل للذي لست أدري من تلونه ... أناصح أم على غش يداجيني
إني لأكثر مما سمتني عجباً ... يد تشج وأخرى منك تأسوني
تغتابني عند أقوام وتمدحني ... في آخرين وكل عنك يأتيني

هذان أمران شتى بون بينهما ... فاكفف لسانك عن ذمي وتزييني
آخر:
كل يوازيك المودة بالسوا ... يعطي ويأخذ منك بالميزان
فإذا رأى رجحان حبة خردل ... مالت مودته مع الرجحان
آخر:
والصدق أفضل ما لفظت به ... إن النفاق سجية تردي
إني وإن أظهرت شكركم ... أخفي وأضمر غير ما أبدي
لا مرحباً بوصال ذي ملق ... يكدي مودته ولا يجدي
وإذا الصديق ذممت خلته ... صيرت قطع حباله وكدي
حتى أرى رجلاً يعاشرني ... بمودة أطرى من الورد
وله أيضاً:
فلو أن كفي غير نافعتي ... لقطعتها بالفأس من زندي
عيني إذا قذيت ضحرت بها ... فأود لو سالت على خدي
أنا عبد من أرضى مودته ... ثم الخليفة بعد ذا عبدي
وأفر ممن خانني فرقاً ... إن الخيانة علة تعدي
قال ديوجانس للإسكندر لما ملك: أيها الملك، إني إلى اليوم كنت أخاً، وأنا اليوم تابع، وشتان بين الأخ والتابع، فقال الإسكندر: إن الأخوة قبل اليوم كانت أنعم بك، وهذه الحال اليوم أرفع لك، وإذا كنت تباطنني على ما تعهدناه قديماً لم يضرك أن يكون تظاهرك على ما نستديم به أنسنا حديثاً.
شاعر:
لعمري لئن ريح المودة أصبحت ... شمالاً لقد بدلت وهي جنوب
آخر:
وإني لمكرام لمكرم نفسه ... وأبتذل المرء الذي لا يصونها
متى ما تهن نفسي على من أوده ... أهنه ولا يكرم علي مهينها
آخر:
من نم في الناس لم تؤمن عقاربه ... على الصديق ولم تؤمن أفاعيه
فالويل للعهد منه كيف ينقضه ... والويل للود منه كيف يفنيه
آخر:
وعين الفتى تبدي الذي في ضميره ... ويعرف بالفحوى الحديث المغمس
وقال أعرابي: عاشر أخاك بالحسنى.
وقال أعرابي: أوحش قريبك إذا كان في إيحاشه أنسك.
شاعر:
فلا أدع ابن العم يمشي على شفاً ... وإن بلغتني من أذاه الجنادع
ولكن أواسيه وأنسى ذنوبه ... لترجعه يوماً إلي الرواجع
وحسبك من ذل وسوء صنيعة ... مناواة ذي القربى وإن قيل قاطع
آخر:
فلا تغترر برواء الرجال ... وإن زخرفوا لك أو موهوا
فكم من فتى يعجب الناظرين ... له ألسن وله أوجه
ينام إذا حضر المكرمات ... وعند الدناءة يستنبه
الخليل النحوي: رغبتك في الزاهد فيك ذل نفس، وزهدك في الراغب فيك قصر همة.
شاعر:
تنكرت حال الصديق فبعده ... عني ومضحره لدي سواء
وبدت علي من الأعادي رقة ... ومن الصديق فظاظة وجفاء
وألفت ضنك العيش عندك فاس ... توت عندي به السراء والضراء
وعلى الليالي أن تلم صروفها ... وعلى الكريم تحمل وعزاء
قال مالك بن دينار: نقل الحجارة مع الأبرار أنفع لك من أكل الخبيص مع الفجار.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: " تهادوا تحابوا " .
وقال الأوزاعي، عن عبدة بن أبي لبابة قال: إذا التقى المسلمان فتصافحا وتبسم كل واحد منهما لصاحبه تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر فقلت: إن هذا ليسير، فقال: لا تقل ذلك فإن الله يقول: " لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم " ، فعلمت أنه أفقه مني.
قال ثابت البناني: جالست الناس خمسين سنة فما جالست أحداً إلا وهو يحب أن تنقاد الناس لهواه، وإن الرجل ليخطئ فيحب أن تخطئ الناس كلهم.
التقى يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم عليهما السلام فتبسم يحيى في وجه عيسى، وقطب عيسى في وجه يحيى فقال عيسى ليحيى: أتبتسم كأنك آمن، فقال له يحيى: أتعبس كأنك قانط، فأوحى الله: إن ما فعله يحيى أحب إلي.
شاعر:
عمرت مع الناس دهراً طويلاً ... وعاشرت شبانهم والكهولا
وجربت أحوالهم في الخطوب ... فشراً كثيراً وخيراً قليلا
آخر:
إلى الله أشكو من خليل أوده ... ثلاث خلال كلها لي غائض

فمنهن ألا يجمع الدهر تلعة ... بيوتاً لنا يا تلع سيلك غامض
ومنهن ألا أستطيع كلامه ... ولا وده حتى يزول عوارض
ومنهن ألا يجمع الغزو بيننا ... وفي الغزو ما يلقى العدو المباغض
كفى بالفتور صارماً لو رعيته ... ولكن ما أعلنت باد وخافض
وقال مبذول العذري:
ومولى كضرس السوء يؤذيك مسه ... ولا بد إن آذاك أنك فاقره
دوي الجوف إن ينزع يسؤك مكانه ... وإن يبق تصبح كل يوم تحاذره
يسر لك البغضاء وهو مجامل ... وما كل من يجني عليك تناكره
فلا يك أدنى الناس منك محلة ... جوى الصدر يخفي غشه ويكاشره
وما كل من مددت ثوبك دونه ... لتستره مما أتى أنت ساتره
آخر:
فأبلغ مصعباً عني رسولاً ... وقد يلقى النصيح بكل واد
تعلم أن أكثر من تناجي ... وإن ضحكوا إليك هم الأعادي
آخر:
إنما شيب الذؤابة مني ... وبراني مقاطع الإخوان
آخر:
عليك سلام الله أما قلوبنا ... فمرضى وأما ودنا فصحيح
آخر:
عزمت على هجر فلما أبى الهوى ... رجعت إلى قلب عليك شفيق
فلا يمكن الهجران من ذات بيننا ... فيعيى صديق عن لقاء صديق
آخر:
لعمرك إنني وأبا رباح ... على طول التجاور منذ حين
ليبغضني وأبغضه وأيضاً ... يراني دونه وأراه دوني
آخر:
وأصبح عمي بعد ود كأنه ... إلي من البغضاء شهباء ماحض
آخر:
متحت لنا سجل العداوة معرضاً ... كأنك عما يحدث الدهر غافل
آخر:
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت
آخر:
إذا أقبلت منه المودة أقبلت ... وإن غمزت منه القناة اكفهرت
شاعر من الأعراب:
إني وإن كان ابن عمي غائباً ... لمقاذف من دونه وورائه
وأعده نصري وإن كان امرءاً ... مترجرجاً في أرضه وسمائه
ومتى أجده في الشدائد مرملاً ... ألق الذي في مزودي بوعائه
وإذا تتبعت الجلائف ماله ... خلطت صحيحتنا إلى جربائه
وإذا ى من وجهة بطريفة ... لم أطلع مما وراء خبائه
وإذا اكتسى لوناً جميلاً لم أقل ... يا ليت أن علي حسن ردائه
وإذا غدا يوماً ليركب مركباً ... صعباً قعدت له على سيسائه
وإذا استراش وفرته وحمدته ... وإذا تصعلك كنت من قرنائه
السيساء: فقار الظهر هكذا قال أبو سعيد السيرافي الإمام.
وقال آخر:
حباك خليلك القسري قيداً ... لبئس على الصداقة ما حباكا
آخر:
ومولى أمتنا داءه تحت جنبه ... فلسنا نجازيه ولسنا نعاقبه
رأى الله أعطاني فأغلق صدره ... على حسد الإخوان فازور جانبه
فويل لهذا ثم ويل لأمه ... علينا إذا ما حربتنا حواربه
مطيع بن إياس:
ليس من يظهر المودة إفكاً ... وإذا قال خالف القول فعله
وصله للصديق يوم وإن طا ... ل فيومان ثم ينبت حبله
وقال العرجي:
ولا بعدي يغير حال ودي ... عن العهد الكريم ولا اقترابي
ولا عند الرخاء أخوان يوماً ... ولا في فاقة دنست ثيابي
ولا يغدو علي الجار يشكو ... أذاتي ما بقيت ولا اغتيابي
وما الدنيا لصاحبها بحظ ... سوى حظ البنان من الخضاب
إذا ما الخصم جار فقل صواباً ... فإن الجور يدمغ بالصواب
فإني لا يغول النأي ودي ... ولو كنا بمنقطع التراب
وقال آخر:
فلولا أن فرعك حين ينمي ... وأصلك منتمي فرعي وأصلي
وإني إن رميت رميت عظمي ... ونالتني إذا نالتك نبلي
لقد أنكرتني إنكار خوف ... يضم حشاك عن شتمي وأكلي
المتلمس:

ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي ... جعلت لهم فوق العرانين ميسما
وما كنت إلا مثل قاطع كفه ... بكف له أخرى فأصبح أجذما
يداه أصابت هذه حتف هذه ... فلم تجد الأخرى عليها مقدما
فلما استفاد الكف بالكف لم يجد ... له دركاً في أن تبينا فأحجما
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغاً لنابيه الشجاع لصمما
آخر:
وإذا شنئت فتى شنئت حديثه ... وإذا سمعت غناءه لم أطرب
آخر:
له خلائق بيض لا يغيرها ... صرف الزمان كما لا يصدأ الذهب
آخر:
سبكناه ونحسبه لجينا ... فأبدى الكير عن خبث الحديد
النابغة:
ولست بمستبق أخاً لا تلمه ... على شعث: أي الرجال المهذب؟
ولما جفت سعد سيدها الأضبط بن قريع تحول عنهم إلى قبيلة أخرى فظلموه وآذوه فقال: بكل واد بنو سعد.
شاعر:
إني ليردعني عن ظلم ذي رحم ... لب أصيل، وحلم غير ذي وصم
إن لأن لنت وإن دبت عقاربه ... ملأت كفيه من صفح ومن كرم
آخر:
ولو أخاصم أفعى نابها لبق ... أو الأساود من صم الأهاضيب
لكنتم معها إلباً وكان لها ... ناب بأسفل ساق أو بعرقوب
آخر:
أذيتم بقربي منكم ومودتي ... فأغتيت عنكم ما أذيتم به مني
وأصبحت عنكم غانياً في عدوكم ... وأغناكم تقصير رأيكم عني
آخر:
لعمرك لو أني أخاصم حية ... إلى فقعس ما أنصفتني فقعس
آخر:
أفكر ما ذنبي إليك فلا أرى ... علي سبيلاً غير أنك حاسد
وإنا لموسومان كل بوسمة ... أقر مقر أم أبى جاحد
آخر:
بني عمنا لا تقربوا البطل إنه ... يضيق وأن الحق مأتاه واسع
فلا الضيم أعطيكم لطول وعيدكم ... ولا الحق من بغضائكم أنا مانع
آخر:
لقد زادني حباً لنفسي أنني ... بغيض إلى كل امرئ غير طائل
وإني شقي باللئام ولا ترى ... شقياً بهم إلا كريم الشمائل
إذا ما رآني قطع الطرف بينه ... وبيني فعل العارف المتجاهل
ملأت عليه الأرض حتى كأنها ... من الضيق في عينيه كفة حابل
أكل امرئ ألفى أباه مقصراً ... معاد لأهل المكرمات الأوائل
آخر:
ومولى كولى الزبرقان دملته ... كما دملت ساق يهاض بها كسر
ترى الشر قد أفنى دوائر وجهه ... كضب الكدى أفنى براثنه الحفر
تراه كأن الله يجدع أنفه ... وأذنيه إن مولاه ناب له وفر
آخر:
إخوة ما شهدت سرون برون ف ... إن غبت فالذئاب الجياع
لا لسوء البلاء مني ولكن ... ظهرت نعمة علي فلاعوا
آخر:
ستعلم أينا أبذى وأفرى ... وأقول للعظيم ولا يبالي
ومن بتواتر السبات أحرى ... إذا نحن ارتمينا في النضال
ومن أخلاقه قذع ولؤم ... ومن يرمي بأمثال الجبال
الخريمي:
فلم أجزه إلا المودة جاهداً ... وحسبك مني أن أود فأجهدا
مسكين الدارمي:
ولا تحمد المرء قبل البلاء ... ولا يسبق السيل منك المطر
وإني لأعرف سيما الرجال ... كما يعرف القائفون الأثر
وكتب عمر بن الخطاب إلى سعد: إن الله إذا أحب عبداً حببه إلى خلقه، فاعتبر منزلتك من الله بمنزلتك من الناس، واعلم أن مالك عند الله مثل ما لله عندك. وقالوا: إذا أحب الله عبداً ألقى مودته على الماء فلم يشرب منه أحد إلا أحبه، وإذا أبغض الله عبداً ألقى بغضه على الماء فلم يشرب منه أحد إلا أبغضه.

وسمعت ابن سمعون الصوفي يقول: ما يقف البشر على بعد غور قول الله تعالى لكليمه: " وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني " ، فإن في هاتين الكلمتين ما لا يبلغ كنهه، ولا ينال آخره، ولو أن أرق الناس لساناً، وألطفهم بياناً أراد أن يتوسط حقيقة هذا القول لم يستطع وعاد حسيراً، ونكص بهيراً، وبقي عاجزاً. ثم قال: اللهم حبب بعضنا إلى بعض، واجمع شملنا إلى رضاك عنا مع إحسانك إلينا، إنك أهل ذلك، والجواد به.
وقال بعض السلف الصالح: خير الناس خير الناس للناس.
وقال آخر: من أحب الناس صنع ما يحبه الناس.
وقال رجل من قريش: خالطوا الناس مخالطة إن غبتم حنوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم.
وقال بكر بن عبد الله المزني: لو كان هذا المسجد، يعني مسجد البصرة، مفعماً بالرجال ثم قيل: من خيرهم؟ لقلت: أخيرهم لهمز وقال معاذ بن جبل: خير الرجال الألوف وشرهم العزوف.
شاعر:
وما الود إلا عند من هو أهله ... وما الشر إلا عند من هو حامله
وقال ابن دارة:
إذا أنت لم تستبق يوماً صحابة ... على عتبة أكثرت بث المعاتب
آخر:
أخي وصفيي فرق الدهر بيننا ... بكره ولكن لا عتاب على الدهر
تصبر على جنب الخوان مبصراً ... تصبر بحاجات المجاور والصهر
آخر:
إذا أنت أكثرت الأخلاء صادفت ... بهم حاجة بعض الذي أنت مانع
إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة ... وتحمل أخرى افدحتك الودائع
آخر:
ومحتمل ضغناً علي وشامت ... شديد اللسان ود لو أتضعضع
ملأت عليه الأرض حتى كأنما ... يضيق عليه عرضها حين أطلع
آخر:
عجبت لبعض الناس يبذل وده ... ويمنع ما ضمت عليه الأصابع
إذا أنا أعطيت الخليل مودتي ... فليس لما لي بعد ذلك مانع
آخر:
وكم من أخ فارقت لو كان أمره ... إلي طوال الدهر لم نتفرق
آخر:
أنا ابن عمك إن نابتك نائبة ... ولست ذاك إذا ما نعتك اعتدلا
آخر:
إذا شئت أن لا يبرح الود دائماً ... كأفضل ما كانت تكون أوائله
فآخ فتى لا المقرفات ولدنه ... كريماً كنصل السيف حلواً شمائله
فذاك الذي يرضيك صارم حده ... ويكفيك من لهو الكواعب باطله
آخر:
ومولى كداء البطن ليس بزائل ... تدب أفاعيه لنا والعقارب
دملت على أشياء منه لو أنها ... تنم لم يسلم عليهن صاحب
أمولاي إني لا تكون عداوتي ... عليك ولكني بوترك طالب
آخر:
فتب واتخذني جنة تتقي بها ... عدوك إن نابت عليك النوائب
آخر:
إني ليحمدني الخليل إذا احتوى ... مالي ويكرهني ذوو الأضغان
آخر:
إني تودكم نفسي وأمنحكم ... حبي ورب حبيب غير محبوب
آخر:
أجامل ذا الضغن المبين ضغنه ... وأضحك حتى يبدو الناب أجمع
وأهديه عمداً بالمقول ولو يرى ... سريرة ما أخفي لظل يفزع
آخر:
وما المرء إلا بإخوانه ... كما تقبض الكف بالمعصم
ولا خير في الكف مقطوعة ... ولا خير في الساعد الأجذم
آخر وهو جاهلي:
إني لأبذل للخليل إذا دنا ... ما لي وأترك ماله موفوراً
وإذا أردت ثواب ما أعطيته ... فكفى بذلك نائلاً تكديرا
آخر:
تبغ ابن عم الصدق حيث لقيته ... فإن ابن عم السوء أوغر جانبه
تبغيته حتى إذا ما وجدته ... أراني نهار الصيف تجري كواكبه
ورب ابن عم تدعيه ولو ترى ... خبيئته يوماً لساءك غائبه
فإن يك خيراً فالبعيد يناله ... وإن كان شراً فابن عمك صاحبه
ألا رب من يغشى الأباعد نفعه ... ويشقى به حتى الممات أقاربه
فخل ابن عم السوء والدهر إنه ... ستدركه أيامه ونوائبه
آخر:
أواخي كرام القوم ثم أحوطهم ... ولست بمذق القول مستطرف الوصل
ومالي من ذنب إليك فلا تكن ... إلي شيء كأنشوطة الحبل

فلا مرحباً بالسخط منك وبالقلى ... فكل الذي يرضيك بالرحب والسهل
آخر:
وإني أخوهم عند كل ملمة ... إذا مت لم يلقوا أخاً لهم مثلي
ومولى دفعت الدر عنه تكرماً ... ولو شئت أمسى وهو مغض على تبل
آخر:
تواصل أحياناً وتصرم تارة ... وشر الأخلاء الحبيب الممزح
آخر:
كم من عدو أخي ضعن يجاملني ... يخفي عداوته أن لا يرى طمعا
آخر:
وكم تورعت من مولى تعرض لي ... رفهت عنه ولو أتعبته ضلعا
آخر:
كالتمر أنت إذا ما حاجة عرضت ... وحنظل كلما استغنيت للجاني
تنأى بودك ما ساغنيت عن أحد ... وما افتقرت فأنت الواغل الداني
آخر:
فيا قومنا لا خير في كل صاحب ... إذا اصطنع المعروف من وعددا
آخر:
متى ما يشا ذو الوصل يصرم خليله ... ويغضب عليه لا محالة ظالما
آخر:
أخوك الذي إن تدعه لملمة ... يجبك وإن تغضب إلى السيف يغضب
آخر:
ألم تر ما بيني وبين ابن عامر ... من الود قد بالت عليه الثعالب
فأصبح باقي الود بيني وبينه ... كأن لم يكن، والدهر فيه العجائب
فما أنا بالباكي عليه صبابة ... ولا بالذي ملتك منه المثالب
إذا المرء لم يجبك إلا تكرهاً ... بدا لك من أخلاقه ما يغالب
فدعه فصرم المرء أهون حادث ... وفي الأرض للمرء الكريم مذاهب
آخر:
فإن تترك يوماً أخاً لك صالحاً ... ففي الأرض منأى عن بلادك واسع
آخر:
ولي ابن عم لو أن الناس في كبد ... لظل محتجراً بالنبل يرميني
إني لعمركما بابي بذي غلق ... عن الصديق ولا خيري بممنون
آخر:
إذا افتقرت نأى واشتد جانبه ... وإن رآك غنياً لان واقتربا
وإن أتاك لمال أو لتنصره ... أثنى عليك الذي يهوى وإن كذبا
مدلي القرابة عند النيل يطلبه ... وهو البعيد إذا نال الذي طلبا
حلو اللسان بعيد القلب مشتمل ... على العداوة لابن العم ما اصطحبا
آخر:
ويزعم لي الواشون أني فاسد ... عليك وإني لست مما عهدتني
وما فسدت لي يعلم الله نيةعليك بل استفسدتني فاتهمتني
غدرت بودي جاهداً فأخفتني ... فخفت ولو آمنتني لأمنتني
إلى الله أشكو لا إليك وطالما ... شكوت الذي ألقاه منك فزدتني
آخر:
ولست بذي لونين يهفو ولا الذي ... إذا ما خليلي بان منه تقلبا
ولكن خليلي من يدوم وصاله ... على كل حال إن نأى أو تقربا
آخر:
ألين لذي القربى مراراً وتلتوي ... بأعناق أعدائي حبالي فتمرث
قال فعنت:
ما بال قوم صديقاً ثم ليس لهم ... عهد وليس لهم دين إذا أئتمنوا
إن يسمعوا رية طاروا بها فرحاً ... مني وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
وإن بطنت أرجي ودهم ظهروا ... وإن ظهرت للقيا فيهم بطنوا
فطانة فطنوها لو تكون لهم ... مروءة أو تقى لله ما فطنوا
وقد علمت على أني أعايشهم ... لا تبرح الدهر فيما بيننا إحن
كل يداجي على البغضاء صاحبه ... ولن أعالنهم إلا كما علنوا
شبه العصافير أحلاماً ومقدرة ... لو يوزنون بزف الريش ما وزنوا
جهلاً علينا وجبناً عن عدوهم ... لبئست الخلتان: الجهل والجبن
كغارز رأسه لم يدنه أحد ... بين القرينين حتى لزه القرن
آخر:
البس قرينك إن أخلاقك فحشت ... فلا جديد لمن لا يلبس الخلقا
وقال زياد الأعجم:
أخ لك لا تراه الدهر إلا ... على العلات بساماً جوادا
أخ لك ليس خلته بمذق ... إذا ما عاد فقر أخيه عادا
آخر:

أحذر وصال اللئيم إن له ... عضهاً إذا حبل وصله انقطعا
آخر:
وإن الذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عني لمختلف جداً
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم ... وإن هم هووا غيي هويت لهم رشدا
وإن زجروا طيراً بنحس تمر بي ... زجرت لهم طيراً تمر بهم سعدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
وإن أجمعوا صرمي معاً وقطعيتي ... جمعت لهم مني مع الصلة الودا
أجود بمالي خشية أن يعمروا ... إذا ما هم شدوا على الصور العقدا
لهم جل ما لي إن تتابع لي غنى ... وإن قل مالي لم أكفهم رفدا
وتقدم خصمان إلى المغيرة بن شعبة فقال أحدهما: إن هذا يدل علي بمعرفة بك، قال: صدق وإنها لتنفعه. قال: كيف أتضلع علي في الحكم؟ قال: لا، ولكن أنظر فإن توجه الحق له أخذته منك عنف، وإن توجه الحق لك عليه قضيت عنه إليك، إن المعرفة لتنفع عند الكلب العقور فكيف عند الرجل الحر.
شاعر:
لي صاحب قد كنت آمل نفعه ... سبقت صواعقه إلي صبيبه
يا من بذلت له المودة مخلصاً ... في كل أحوالي وكنت حبيبه
أيام نسرح في مراد واحد ... للعلم تنتجع القلوب عريبه
ونظل نشرع في غدير واحد ... نصف الصفاء لوارديه وطيبه
ما هكذا يرعى الصديق صديقه ... وحبيبه وقرينه ونسيبه
قال الفضل صلى الله عليه وآله: رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس.
وقال شاعر:
زادني قرب صديقي فاقة ... أورثت من بعد فقري مسكنه
آخر:
وإن أخاك الكاره الود وارد ... وأنت بمرأى من أخيك ومسمع
وآخر:
الله يعلم أن فرقة بيننا ... فيما أرى خطب علي يهون
آخر:
إلفان داما على ودادهما ... قد أمكنا الحب من قيادهما
تحالفا إن صفا الهوى لهما ... أن يحفظاه إلى معادهما
ما من محبين جاهراً بهوى ... إلا سعى الناس في فسادهما
آخر:
وإني لأستحيي من الله أن أرى ... رديفاً لوصلي أو على رديف
وإن أرد الماء الموطأ ورده ... وأتبع ود المرء وهو ضعيف
بشار:
وكاشح معرض عني هممت به ... ثم ارعويت وقلت: الناس بالناس
آخر:
ولا خير في قربى لغيرك نفعها ... ولا في صديق لا تزال تعاتبه
آخر:
تبدل فما لي من هواك بديل ... ولا لكعندي في الأنام عديل
وكن قاطعاً إن شئت أو كن مواصلاً ... فأنت هوى لي كيف شئت وسول
رجائي وإن قصرت فيك طويل ... وصبري وإن أعرضت عنك قليل
آخر:
إني لأبغض كل مصطبر ... عن إلفه في الوصل والهجر
آخر:
فإن يك من لقائك غاب وجهب ... فلم تغب المودة والإخاء
ولم يغب الثناء عليك مني ... بظهر الغيب يتبعه الدعاء
وما زالت تتوق إليك نفسي ... على الحالات يحددها الوفاء
آخر:
من أين لي في سائر الناس صاحب ... إذا صد عني رده النظم والنثر
آخر:
وإذا سمعت نميمة فتعدها ... وتحفظن من الذي أنباكها
وذر النميمة لا تكن من أهلها ... وتجنبن من صاغها أو حاكها
وكتب ابن ثوابة إلى ابن فراس الكاتب:
بسم الله الرحمن الرحيم
عهدي بك يا سيدي يتطوع بنافلة لابتداء، فكيف تخل بفريضة الجواب، وهل يرضى الصديق منك أن تبره قريباً، وتجفوه بعيداً، وتذيقه حلاوة الوصل دانئاً، وتجرعه مرارة القطيعة نائياً، وما عليك لو رضيت بالبين فاجعاً، واكتفيت بالدهر قاطعاً:
والدهر ليس بمعتب من يجزع ... والبين بالشمل لمجمع مولع

فما ظنك بمن يجري ذوي المروءة مجرى سائر من يرى باطنه يخالف ظاهره، وتأويله ينافي تنزيله، وهذا هزل يترجم عن جد، والضد يبرز حسنه الضد، أودعتني، إذا ودعتني:
شوقاً إليك تفيض منه الأدمع ... وجوى عليك تضيق عنه الأضلع
فكم أتلهف على ما أنفدناه في حال الاجتماع من عيش رخي، ويوم فتي، وسرور امتدت ظلاله، وليل غاب عذاله، فارغب إلى الله في إعادة تلك العهود، إنه فعال لما يريد.
شاعر:
يا ذا الذي ألف القطيعة دهره ... إن القطيعة موضع الريب
إن كان ودك كامناً في نية ... فاطلب صديقاً عالماً بالغيب
سمعت أبا سعيد السيرافي الإمام يقول: العرب تقول: أوصل الناس أوضعهم للصرم في موضعه.
شاعر:
وما كل من يظنني أنا معتب ... ولا كل ما يروى علي أقول
آخر:
رب ابن عم ليس بابن عم ... داني الأذاة ضيق المجم
وإن أتى يوم شديد الغم ... لم يك قرن المقطع المهم
وقال بشار:
أراك اليوم لي وغداً لغيري ... وبعد غد لأقربنا إليكا
إذا آخيت ذا فارقت هذا ... كأن فراقه حتم عليكا
فأقدمهم أخسهم جميعاً ... وأحدثهم أحثهم لديكا
وكلهم وإن طرمذت فيه ... ستتركه وشيكاً من يديكا
أبو الأسود الدؤلي:
وما ساس أمر الناس إلا مجرب ... حليم ولا صافيت مثل كريم
فما لحليم واعظ مثل نفسه ... ولا لسفيه واعظ كحليم
آخر:
وأعرض عن ذي المال حتى يقال لي ... قد أحدث هذا جفوة وتعظما
وما بي جفاء عن صديق ولا أخ ... ولكنه فعلي إذا كنت معدما
آخر:
وإن أمانتي لا يحتويها ... خليل في زيال واجتماع
سأرعاها وإن هو غاب عنها ... لكل أمانة بالغيب راع
آخر:
وذي حسد يغتابني حين لا يرى ... مكاني ويثني صالحاً حين أسمع
تورعت أن أغتابه من ورائه ... وما هو إذ يغتابني متورع
آخر:
وسوء ظنك بالأذنين داعية ... بأن يخونك من قد كان مؤتمنا
آخر:
احفظ نصيحة من بدا لك نصحه ... ولرأي أهل الخير جهدك فاقبل
القطامي:
لعلك إن رددت علي نصحي ... ستندمك الذي عملت يداكا
أبو الأسود:
ألا رب نصح يغلق الباب دونه ... وغش إلى جنب السرور يقرب
عبد الرحمن بن حسان:
ومتخذ وداً لمن لا يوده ... كمعتذ عذراً إلى غير عاذر
ومستوقد حرباً على غير ثروة ... كمقتحم في اليم ليس بماهر
وعاش بعينيه لمن لا يباله ... كساع برجليه لإدراك طائر
وقال أعرابي: بالمداراة تستخرج الحية من جحرها، وتستنزل الطائر من الهواء، وتقنص الوحش من البيداء.
شاعر:
أخو البشر محمود على حسن بشره ... ولن يعدم البغضاء من كان عابساً
وقال أسماء بن خارجة:
أردت مساتي فاعتمدت مسرتي ... وقد يحسن الإنسان يوماً ولا يدري
وقيل لقس بن ساعدة: صف لنا صديقك فقال:
رحيب الذراع بالذي لا يشينه ... وإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعا
وقال قيس بن الخطيم:
فإن ضيع الإخوان سراً فإنني ... كتوم لأسرار العشير أمين
وعندي له يوماً إذا ما ائتمنته ... مكان بسوادء الفؤاد مكين
وقيل للحراني: بينك وبين سهل بن هارون صداقة فانعته لنا كي نعرف فقال: هو كالخير، وازن العلم، واسع الحلم، إن فوخر لم يكذب، وإن موزح لم يغضب، كالغيث أين وقع نفع، وكالشمس حيث أوفت أحيت، وكالأرض ما حملتها حملت، وكالماء طهور لملتمسه، وناقع لغلة من احتر إليه، وكالهواء الذي نقطف منه الحياة بالتنسم، وكالنار التي يعيش بها المقرور، وكالسماء التي قد حسنت بأصناف النور.
شاعر:
غمست نفسك في خضراء مغدقة ... وغيرتك على إخوانك النعم
آخر:
لقد أتاك العدى عنا بمنكرة ... فرددوها بإسراف وتكثير
لا تسمعن بنا إفكاً ولا كذباً ... يا ذا الفواضل والنعماء والخير
آخر:

كأني وشبلاً لم نبت ليلة معاً ... ولم نصطحب خدنين قبل التفرق
ولم نتماحض صادق الود بيننا ... ولم نبتعد يوماً لخير فنلتقي
حليم إذا ما الجهل أنصل نبله ... وحص أثيث الريش عن كل أفوق
سجيه حلم صاغها الله شيمة ... فتمت على ما قال غير التخلق
آخر:
ومن يتخذ جلى إخائك جنة ... وممتنعاً لا تلقه الدهر معورا
آخر:
وقد كنت جاراً للشباب وصاحباً ... فكيف ولم أغدر به ملء جانبي
وغني على ما فات منه لقائل ... عليك السلام من خليل وصاحب
آخر:
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ... والمنكرون لكل أمر منكر
وبقيت في خلف يزين بعضهم ... بعضاً ليدفع معوراً عن معور
آخر:
ذهب الذين إذا رأوني مقبلاً ... هشوا وقالوا: مرحباً بالمقبل
وبقيت في خلف كأن حديثهم ... ولغ الكلاب تهارشت في منهل
آخر:
ألا ربما كان الشفيق مضرة ... عليك من الإشفاق وهو ودود
قالت عائشة: كنت أرى امرأة تدخل على النبي صلى الله عليه وآله، وكان يقبل عليها بحفاوة فشق ذاك علي فعلم ذاك مني فقال: يا عائشة هذه كانت تغشانا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان.
وأروي هنا ذراوة من كلام أرباب الحذق والخرق فإن فيه فائدة حسنة لا أرى الإضرار عنه، والإخلال به.
سمعت ابن السراج الصوفي يقول: قلت لأبي الحسن البوشنجي: من أصحب؟ قال: من يصفو كدرك بصفائه، ولا يكدر صافيك بكدره.
وقلت لغلام ابن بابويه القمي: من أعاشر؟ فقال: من إذا أحسنت قال: الحمد لله الذي وفق هذا لم أرى، وإذا أسأت قال: الحمد لله الذي لم نبله بأشد مما أرى.
وقال أبو المتيم الرقي: قلت لابن الموله: من أخلص إليه، وأشتمل بسري وعلانيتي عليه قال: من إذا لم يكن لنفسك كان لك، وإذا كنت لنفسك كان معك، يجلو صدأ جهلك بعلمه، ويحسم مادة غيك برشده، وينفي عنك غش صدرك بنصحه، اصحب من إن قلت صدقك، وإن سكت عذرك، وإن بذلت شكرك، وإن منعت سلم لك، قلت يا سيدي من لي بمن هذا نعته؟ قال: كن أنت ذاك تجدك على ذاك، ويجدك مثلك على ذاك، كأنك إنما تحب أن يكون غيرك لك، ولا تحب أن تكون أنت لغيرك.
وقيل لبرهان الصوفي: من الصديق؟ قال: يا هذا من بضع نصفه معدوم عليك فاطلب من يسعك بخلقه، ويؤنسك بنفسه، ويواسيك من قليله، إن رضي عنك لم يغلظك، وإن سخط عليك لم يمقتك، يبدي لك خيره لتقتدي به، ويواري عنك شره لئلا تستوحش منه، فأما من تكون مثال نفسه في كل حال تلون به الدهر، وهم صدره في كل أمر، يقلب به الليل والنهار، يقدم حظك على حظه، ولا يسارق النظر بلحظه، ولا يغلظ القول بلفظه، ولا يتغير لك في غيبه، ولا يحول عما عهدته في شهادته، يعانق مصلحتك بالاهتمام، ويثبت قدمك عند الإقدام والإحجام فذاك شيء قد سد الناس دونه كل باب، وقصر الطمع فيه عن كل قاب، فليس له شبح إلا في الوهم، ولا خيال إلا في التمني والسلام.
وقلت لجعفر بن حنظلة: من أصحب؟ قال: أخطأت، قل لي من لا أصحب، فإني إن حصرت لك من لا تصحب فقد أرشدتك إلى من تصحب، فإني إن حصرت لك من لا تصحب فقد أرشدتك إلى من تصحب، قال: فمن لا أصحب؟ قال: لا تصحبني ولا تصحب من كان مثلي، وما زادني على هذا، ولحقني من هذا الكلام كرب وصرف الزما، فرأيته بمدينة السلام سنة ثمان وخمسين وهو متوجه إلى الحج فقلت له: أيها الشيخ لقد جرحت سري بكلامك في وقت كذا وكذا، ولعلك ذاكر مما كان هناك، قال: أردت بتنفيرك مني إغراءك بي، وهذا من خدع المشايخ للمريدين.

وحدثني ابن السراج الصوفي قال: كنت بالشام عند الروبذباري أبي عبد الله، فكتب إلى المهلبي، وكان من مشايخ الشام، كتاباً فيه شوق وعتب يقول في فصل منه: أراحك الله يا سيدي من شوق من لا تشتاق غليه، وعتب من لا تغتابه، فإنه إذا أجاب هذا الدعاء حرس وقتك لك، وأفرغ بالك عليك، وكنت في زينة حالك ساعياً، ولحقائق سرك وعلانيتك راعياً، ولكن لو رحمت أصدقاءك في شوقهم إليك، صنتهم وغياك عن عتبهم عليك، وليس بضائر أن تجعل اهتمامك بهم، وطلوعك عليهم، وتجديدك العهد بناسمتهم في عرض ما تتقرب إلى الله به إن كان حسناً، أو في جملة ما تسغفر الله منه إن كان قبيحاً. وبعد فليس كل من أوتي الصبر، وأعين بالجلد، وكان له من نفسه داع إلى الجفاء، ومجيب إلى الهجر، أكمل ذلك كله في البعد هن خلانه، والبراءة من خلصانه، والله الذي هو مالك همنا، والسابح في سرائرنا، لولا أنك أحلى من زلال الحياة إذا طابت، وأطيب من العيشة إذا لذت، وأعذب من الزلال على الحرة، وأدب في الضمائر من الخواطر، وأعلق بالعيون من النواظر، ما اهتززنا مشتاقين إليك، ولا الهبنا متهالكين عليك، ولكنك الروح، والصبر عن الروح معوز، والحياة والبقاء مع فقد الحياة معجز، فإن فاء بك رأيي في الانكفاء إلى أحداق طامحة نحوك، وهمم طائحة في الوجد بك، ومجالس خضرة نضرة بأحاديثك، ومسامع صاغية إلى لذيذ لفظك، وشهي جدك وهزلك، فتصدق علينا بنفسك إن الله يجزي المتصدقين.
سالم بن وابصة:
ونيرب من موالي السوء ذي حسد ... يقتات لحمي ولا يشفيه من قرم
داويت صدراً طويلاً غمره حقداً ... منه وقلمت أظفاراً بلا جلم
كقنفذ الرمل ما تخفى مدارجه ... خب إذا نام عنه البوم لم ينم
ملازم لخداع ما يفارقه ... يبدي لنا الغش والعوراء في الكلم
كأن سمعي إذا ما قال مخفظة ... أصم عنه وما بالسمع من صمم
حتى اطبى وده رفقي به ولقد ... نسيته الحقد حتى عاد كالحلم
إن من الحلم ذلا أنت عارفه ... والحلم عن قدرة صنف من الكرم
آخر:
فمن شاء رام الصرم أو قال ظالماً ... لذي وده ذنب وليس له ذنب
آخر:
وهون وجدي أنه ليس واجداً ... من الناس إلا قد أصيب بصاحب
آخر:
وما زال يدعوني إلى الهجر ما أرى ... فإني وتثنيني عليك الحفائظ
وأنتظر العتبي وأغضي على القذى ... وأصبر حتى أوجعتني المغائظ
آخر:
ولي صديق عدمت عقلي ... إن قلت: إني له صديق
ما نلتقي في الزمان حتى ... يجمع ما بيننا الطريق
آخر:
نشدتك بالبيت الذي طاف حوله ... رجال بنوه من لؤي بن غالب
فإنك قد جربتني هل وجدتني ... أعينك في الجلى وأحميك جانبي
وإن معشر دبت إليك عداوة ... عقاربهم دبت إليهم عقاربي
آخر:
من لم يردك فلا ترده ... لتكن كمن لم تستفده
آخر:
إذا كنت تحصي ذنوب الص ... ديق وتنسى ذنوبك بالواحده
فإنك أنبل أهل الز ... مان طراً على هذه القاعده
وكتب بعض آل ثوابه إلى صديق له:
بسم الله الرحمن الرحيم
فأما ما أشرت به من معاتبة أبي فلان، واستقبحته من سيرته في بعض نقض العهد، وتضييع الود فالناس يا أخي أصدقاء الحال يتصرفون بتصرفها، ويحولون بحولها، والحزم أن يؤخذ صفوهم، ويقبل عفوهم، ولا يعاتبوا على هفوتهم، والله يعلم أني لكل من واددت على حب واف، وميل صاف، وإخلاص شاف.
وكتب أيضاً هذا الكاتب إلى آخر:
بسم الله الرحمن الرحيم

وددتنا أعزك الله، فأحسنت ظاهر التودد، ولاقيتنا فعمرت الحال بالتفقد، ثم أخذت بوثائق الصرمة والجفوة، وخليت عن علائق الصلة والمبرة، حتى كأن ما أسلفته كان حلماً، وما استأنفته كان غنماً، فإن قلت: إن الشغل بالسلطان، والتصرف مع الزمان، عاقاك عن جميل العادة، وقضي حق السلام والعيادة، فقد كان لك في الرسول فسحة، وبالكتاب بالعذر حجة، وكان الأولى أن تربط وشل ثقتنا بك، وتميط سيئ ظننا عنك، وتجعلنا في حيز السكون إليك، ونحن نرجو أن تستقبل الإعتاب، وتستهجن هذا الكاب، وتراجع فينا ما أنت أولى به من الصواب، إن شاء الله.
وكتب أيضاً:
بسم الله الرحمن الرحيم
حقوقك مفترضة، وثقتي بك مستحكمة، وربما كانت الصلة في إظهار ضدها، وكان بادئ الجفوة أبقى للحال، وأعمر لها، وما أحسبني أحتاج إلى زيادة في علمك بما أنت عليه قديماً وحديثاً من ودك، زاد الله في مننه ونعمه عندك.
وكتب أيضاً:
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا أجري مجرى أوليائك، ومن لبس الضافي من نعمائك، فإن زرتك لم أوجب عليك حقاً بمواصلة، وإن أغببتك، لم أخف منك حيفاً ولا لائمة، فالحمد لله الذي جعلني بهذه المنزلة في المتحققين بك، والثقة بفضلك.
شاعر:
أخشى القطيعة بيننا وأظنها ... ستكون إن دمنا على الهجران
وأرى اللجاجة غير شك ربما ... قطعت شوابك حرمة الخلان
وكتب الكاتب الأول أيضاً:
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا واحد منكم أهل البيت، داخل في جملتكم، وجاري مجرى لحمتكم، فإن شملتكم نعمة، شركتكم في التجمل بها، وإن تجددت لكن دولة تجاوزتكم في الابتهاج بها، وإن وقفت بكم حال تصريف معكم فيها، ومن كان بهذه المنزلة في المشابكة والممازجة لم يخش منكم إذا غاب نقمة، ولا إذا حضر جفوة، ولا إذا قصر محاسبة، فالحمد لله الذي أخلصني لكم، وجعلني على ثقة بكم، لا يضيق بي عندكم عذر بما لا يجب لي عليكم شكر.
شاعر:
عدوك ذو العقل خير لك ... من الصديق الوامق الأحمق
فما احكم الرأي مثل امرئ ... يقيس بما قد مضى ما بقي
آخر:
لا أسمع، الدهر، جليسي الأذى ... إن لساني عن جليسي كليل
إن خليلي واحد وجهه ... وليس ذو الوجهين لي بالخليل
شاعر:
أبني إن سعادة ... بالمرء طاعة ذي التجارب
خذ من صديقك ما صفا ... لك لا تكن جم المعاتب
وإذا منيت بجاهل ... فاحضر بحلم غير عازب
ما نال غنماً ذو السفاه ولا أخو حلم بخائب
واشرب على الأقذاء ملتمساً بها صفو المشارب
واشكر فإن الشكر محتوم على الإنسان واجب
ما خير من لا يشكر النعمى وينصر في النوائي؟
آخر:
وإذا وصلت بعاقل أملاً ... كانت نتيجة قوله فعلاً
آخر:
وكيف يسود المرء من هو مثله ... بلا منة منه عليه ولا يد
إذا لم يكن للمرء عقل ولم يكنيدافع عن إخوانه لم يسود
آخر:
أعاتب إخواني وأبقي عليهم ... ولست بمستبق أخاً لا أعاتبه
آخر:
ولست برائي عيب ذو الود كله ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا
فعين لرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
آخر:
أصافي خليلي ما استقام بوده ... وأمنحه ودي إذا يتجنب
ولست باد صاحبي بقطيعتي ... ولا أنا مفش سره حسن أغضب
آخر:
فانظر لنفسك من يحب ... ك بين أطراف الرماح
من لا يسؤك لسانه ... بالعيب أن يلحاك لاح
آخر:
أرضى عن المرس ما أصفى مودته ... وليس شيء مع البغضاء يرضيني
ليس الصديق بمن تخشى غوائله ... ولا العدو على حال بمأمون
آخر:
ولاق ببشر من لقيت تكن له ... صديقاً وإن أمسى مغباً على حقد
آخر:
ما لي صديق من يواصلني ... في اليسر ثم يصد في العسر
اغفر ذنوب أخيك ما قصرت ... دون الحوائج فارض باليسر
آخر:
لا تفش سراً إلى غير الصديق ولا ... إلى المشيع له يوماً إذا عتبا

قد يحقر المرء ما يهوى فيركبه ... حتى يكون إلى توريطه سببا
شر الأخلاء من كانت مودته ... مع الزمان إذا ما خاف أو رغبا
إذا وترت امرءاً فاحذر عداوته ... من يزرع الشوك لا يحصد به عنبا
آخر:
ليس الصديق الذي يعطيك شاهده ... شهد الوداد وخان الغيب غائبه
وقال عبيد بن الأبرص:
قد يوصل النازح النائي وقد ... يقطع ذو السهمة القريب
آخر:
تلوم على القطيعة من أتاها ... وأنت شببتها في الناس قبلي
آخر:
قد فرق الله بين شيمتنا ... في كل أمر فكيف نأتلف
قال جعفر بن محمد رضي الله عنهما: من أفطر من أجل أخ له، ثم لم يمنن عليه عدل له ذلك بصيام شهر.
وقال الحسن البصري: لا ينظر الله إلى من بذل الود لأخيه حتى ائتمنه ثم انطوى له على غل.
شاعر:
وأخ إن جاءني في حاجة ... كان بالإلحاح مني واثقاً
وإذا ما جئته في حاجة ... كان بالرد بصيراً حاذقا
يعمل الفكرة لي في الرد من ... قبل أن أبدأ فيها ناطقا
آخر:
أراك مع الأعداء في كل موطن ... وقلبك من ضغن علي مريض
وما بي من فقر إلى أن تحبني ... وما ضرني أني إليك بغيض
وقال ابن عباس: العاقل الكريم صديق كل أحد، إلا من ضره، والجاهل اللئيم عدو لكل أحد إلا من نفعه.
وقال آخر:
لنا صديق مبغض للأدب ... إخوانه من جهله في تعب
يغضب حيناً عند حد الرضا ... نوكاً ويرضى عند حال الغضب
كأنه من سوء تأديبه ... أسلم في كتاب سوء الأدب
آخر:
الحمد لله عامل الصدقه ... كان صديقاً فقد لوى عنقه
آخر:
يا صديقي ما كنت لي بصديق ... إنما كنت للزمان صديقا
قال بعض السلف: أحق الناس بأن يتقى: العدو القوي، والصديق المخادع، والسلطان الغشوم.
شاعر:
إذا عدوك لم يظهر عداوته ... فما يضرك إن عاداك أشرار
وقال رجل لعمر بن الخطاب: والله إني لأحبك في الله، قال: لو كنت كما تقول لأهديت إلي عيوبي.
وقال أعرابي: السؤال عن الصديق أحد اللقائين.
شاعر:
من لم يكن ذا صديق ... يفضي إليه بسره
ويستريح إليه ... في خير أمر وشره
فليس يعرف طعماً ... لحلو عيش ومره
آخر:
وأبيض قد صادفته فدعوته ... إلى بدوات الأمر حلو شمائله
أخي ثقة إن أبتغ الجد عنده ... أجده ويلهيني إذا شئت باطله
وإني لمعراض عن المرء بعدما ... يبين وتبدو لو أشاء مقاتله
آخر:
أغيب عنكم بود لا يغيره ... طول البعاد ولا ضرب من الملل
آخر:
ولا يلبث الحبل الضعيف إذا التوى ... وجاد به الأعداء أن يتخذما
قال الحسن البصري: ليس من المروءة أن يربح الرجل على أخيه.
وقال الحسن: كان أحدهم يشق إزاره اثنين، ولا يستأثر دون أخيه بورق ولا عين.
وقال الحسن: لأن اقضي لأخ من إخواني حاجة أحب إلي من أن أصلي ألف ركعة.
وقال الحسن: ما تحاب اثنان ففرق بينهما إلا ذنب يحدثه أحدهما.
وقال الحسن: لا تشتر مودة ألف بعداوة واحد.
وقال الشاعر:
إذا ما امرؤ ولى علي بوده ... وأدبر لم يهدر بإدباره ودي
قيل لأعرابي: كيف ينبغي أ، يكون الصديق؟ قال: مثل الروح لصاحبه، يحييه بالتنفس، ويمتعه بالحياة ويريه من الدنيا نضارتها، ويوصل إليه نعيمها ولذتها.
وأخبرنا ابن مقسم العطار النحوي قال: أنشدنا ثعلب لأعرابي:
وذي رحم قلمت أظفار ضغنه ... بحلمي عنه وهو ليس له حلم
إذا سمته وصل القرابة سامني ... قطيعتها، تلك السفاهة والظلم
ويسعى إذا أبني ليهدم صالحي ... وليس الذي يبني كمن شأنه الهدم
يحاول رغمي لا يحاول غيره ... وكالموت عندي أن يسوغ له الرغم
فإن أنتصر منه أكن مثل رائش ... سهام عدو يستهاض بها العظم

وإن أعف عنه أغض عيناً على قذى ... وليس له بالصفح عن ذنبه علم
فما زلت في لين له وتعطف ... عليه كما تحنو على الولد الأم
لأستل ذاك الضغن حتى استللته ... وقد كان ذا ضغن يضيق له الحزم
فداويت منه الحقد والمرء قادر ... على سهمه ما دام في كفه السهم
وقلت لابن برد الأبهري، وكان من غلمان ابن طاهر: من الصديق؟ قال: من سلم سره لك، وزين ظاهره بك، وبذل ذات يده عند حاحتك، وعف عن ذات يدك عند حاجته، يراك منصفاً وإن كنت جائراً، ومفضلاً وإن كنت ممانعاً، رضاه منوط برضاك، وهواه محوط بهواك، إن ضللت هداك، وإن ظمئت أرواك، وإن عجزت آداك، يبين عنك بالجسم والرسم، ويشاركك في القسم والوسم. قلت: أما الوصف فحسن، وأما الموصوف فعزيز، قال: إنما عز هذا في زمانك حين خبثت الأعراق، وفسدت الأخلاق، واستعمل النفاق في الوفاق، وخيف الهلاك في الفراق، والله لقد شاهدت لشيخنا ابن طاهر أصدقاء ينطوون له على مودة أذكى من الورد والعنبر، إذا لحظهم بطرفه تهللوا، وإذا ناقلهم بلفظه تدللوا، وإذا تحكم عليهم تعجلوا، وإذا أمسك عنهم نولوا وخولوا، وكان يجدون به ما لا يجدون بأهليهم وأولادهم، رحمة الله عليهم، فلقد كانوا زينة الأرض، في كل حال من الشدة والخفض، وإني لآذكرهم فأجد في روحي عبقاً من حديثهم، قلت: كيف كان انبساطهم في الاجتماع؟ قال: ما كانوا يتجاوزون الليلة الحلوة، والمزح الخفيف، واللفظ اللطيف، والرمز الرشيق، والتبسم المقبول، وإذا افترقوا فإنما هم في اهتمام يعود بنظام عيشهم، وتدوم لهم مسرة حياتهم، الكلمة واحدة، والطريقة واحدة، والإرادة واحدة، والعادة واحدة، والوحدة إذا ملكت الكثرة نفت الخلاف، وأروثت الائتلاف، ثم تكلم في الوحدة والواحد والأحد بكلام في غاية الرقة، مع الإيضاح، ولولا أن هذا الموضع يجفو عنه لرسمته فيه، ولكن قد قيل لكل مقام مقال، ولكل فعل أوان، وفي حفظ الحدود استمرار الموجود، على ما هو به موجود.
وأنشد لعبد الله بن طاهر:
وما المرء إلا اثنان هذا موكل ... بما يعجب الإخوان إن قال أو فعل
فينزل محموداً إذا حل منزلاً ... ويرحل مفقوداً إذا قيل قد رحل
فأما الذي لا خير فيه فإنه ... وإن أطعم السلوى وألعق من عسل
يذيب عن لحم العدو مخافة ... ويأكل من لحم الصديق إذا آكل
وما قلبه إلا وعاء معطل ... من الود محشو من الغل والدغل
ومن قل منه الود للناس لم ينل ... من الناس إلا مثل ذلك أو أقل
قيل لأبي السائب: ما آفة الملال؟ قال: كثرة الإدلال.
وقيل لابن أبي عتيق: ما يدعو المحب إلى الهجر؟ قال: إدمان المحبوب للغدر.
لما انتقل ابن المنجم عن جيرة عبيد الله بن طاهر إلى دار إسحاق بن إبراهيم الموصلي كتب عبيد الله إليه أبياتاً:
ما من تحول عنا وهو يألفنا ... أبعدت عنا ولأياً صرت تلقانا
فاعلم بأنك مذ فارقت جيرتنا ... بدلت جاراً وما بدلت جيرانا
فكتب إليه ابن المنجم:
بعدت عنكم بداري ودون خالصتي ... ومحض ودي وعهدي كالذي كانا
وما تبدلت مذ فارقت قربكم ... إلا هموماً أعانيها وأحزانا
وهل يسر بسكنى داره أحد ... وليس أحبابه للدار جيرانا
آخر:
كن بالتحفظ من ك ... ل من عرفت حقيقا
فقد يصير عدواً ... من كان يوماً صديقا
آخر:
يخرج أسرار الفتى جليسة ... رب امرئ جاسوسه أنيسه
وقال الحارني: الجليس الصالح، كالسراج اللائح، والجليس الطالح، للمرء فاضح، مجالسة الأشكال تدعو إلى الوصال، ومجالسة الضداد تذيب الأكباد.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: مثل الجليس الصالح كمثل الداري إن لا يجدك من عطره، يعلقك من ريحه، ومثل الجليس السوء كمثل القين إن لا يحرقك بشرره، يؤذك بدخانه.
شاعر:
خليلي للبغضاء حال مبينة ... وللحب آيات ترى ومعارف
آخر:
إذا كنت تغضب من غير جرم ... وتعتب من غير عتب عليا
عددتك ممن حوته القبور ... وإن كنت ألقاك في الناس حيا

آخر:
إن المرء أعراه الصديق بدا له ... بأرض الأعادي بعض ألوانها الربد
آخر:
أحب الفتى ينفي الفواحش سمعه ... كأن به عن كل فاحشة وقرا
سليم دواعي الصدر لا ناشطاً أذى ... ولا مانعاً خيراً ولا قائلاً هجرا
إذا ما أتت من صاحب لك زلة ... فكن أنت محتالاً لزلته عذرا
غنى النفس ما يكفيك من سد خلة ... فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقرا
آخر:
وأنت امرؤ إما ائتمنتك خالياً ... فخنت، وإما قلت قولاً بلا علم
فأنت من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلة بين الخيانة والإثم
آخر:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تغدو المنية أول
وإني أخوك الدائم العهد لم أخن ... إن ابزاك خصم أو نبا بك منزل
أحارب من حاربت من ذي عداوة ... وأحبس ما لي إن غرمت فأعقل
وإن سؤتني يوماً صفحت إلى غد ... ليعقب يوماً منك آخر مقبل
كأنك تشفي منك داء مساءتي ... وسخطي وما في ريبتي ما تعجل
وإني على أشياء منك تريبني ... قديماً لذو صفح على ذاك مجمل
ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني ... يمينك فانظر أي كف تبدل
وفي الناس إن رثت حبالك واصل ... وفي الأرض عن دار القلى متحول
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إن كان يعقل
ويركب حد السيف من أن تضيمه ... إذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل
وكنت إذا ما صاحب رام ظنتي ... وبدل سوءاً بالذي كنت أفعل
قلبت له ظهر المجن فلم أدم ... على ذاك إلا ريث ما أتحول
إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد ... إليه بوجه آخر الدهر تقبل
آخر:
فأكرم أخاك الدهر ما دمتما معاً ... كفى بالممات فرقة وتنائياً
آخر:
أفاطم أعرضي قبل المنايا ... كفى بالموت هجراً واجتنابا
آخر:
لا تطلبن الود من متباعد ... ولا تنأ من ذي بغضة إن تقربا
فإن القريب من يقرب نفسه ... لعمر أبيك الخير لا من تنسبا
آخر:
لعمرك ما أبقى لي الدهر من أخ ... حفي ولا ذي خلة أواصله
ولا من خليل ليس فيه غوائل ... وشر الأخلاء الثير غوائله
النمر بن تولب:
أحبب حبيبك حباً رويداً ... فقد لا يعولك أن تصرما
وأبغض بغيضك هوناً رويداً ... إذا أنت حاولت أن تحكما
آخر:
لقد عجبت وما بالدهر من عجب ... يد تشح وأخرى منك تأسوني
آخر:
أتيت أنادي الدهر جد لي بصاحب ... وخل طلاب الدهر ما أنا طالب
فما جاء لي منه بغير مجانب ... وآخر خير منه ذاك المجانب
أخلائي أمثال الكواكب كثرة ... وما كان ما يرمى به الأفق ثاقب
بلى كلهم مثل الزمان تلوناً ... إذا سر منه جانب ساء جانب
آخر:
ومن البلاء أخ خيانته ... علق بنا ولغيرنا نشبه
آخر:
ألم تر ما بيني وبين ابن عامر ... من الود قد بالت عليه الثعالب
فأصبح نابي الود بيني وبينه ... كأن لم يكن والدهر جم العجائب
آخر:
تكاشرني كرهاً كأنك ناصح ... وعينك تبدي أن صدرك لي دوي
لسانك ماذي وغيبك علقم ... وشرك مبسوط وخيرك منطوي
آخر:
كم من صديق لنا أيام دولتنا ... قد كان يمدحنا فصار يهجونا
آخر:
دعني أواصل من قطعت تراه بي إذ لا يراكا
إني متى أحقد لحقدك لا أضر به سواكا
وإذا أطعتك في أخيك أطعت فيه غداً أخاكا
حتى ارى متقسماً ... يوماً لذا وغداً لذاكا
آخر:
يا صديقي بالأمس صرت عدواً ... سؤتني ظالماً ولم ترسوا

كلما ازددت لك في الحب ت ... زيدت نبوة وعتوا
آخر:
ما لي بحائجة أرادني الزمان بها يدان
لما بلغت مكاني فيك بلغت في مدى الزمان
ونصبتني غرضاً يبيح دمي ولحمي من رماني
هذا جزاء مقدماًتي إذ أكون وليس ثاني
وعدا علي بك الزمان مذرباً نحوي لساني
آخر:
هبني أسأت كما زعمت فأين عاقبة الأخوه
فإذا أسأت كما أسأت فأين فضلك والمروه
أخبرنا المرزباني، حدثنا الصولي، حدثنا أحمد بن يزيد المهلبي، حدثنا هبة الله بن إبراهيم بن المهدي قال: كتب أبي إلى بعض من عتب إليه في شيء: لو عرفت الحسن لتجنبت القبيح، ولو استحليت الحلم لاستمررت الخرق، وأنا وأنت كما قال زهير:
وذي خطل بالقول يحسب أنه ... مصيب فما يلمم به فهو قائله
عبأت له حلمي وأكرمت غيره ... وأعرضت عنه وهو باد مقاتله
وإن من إحسان الهل إلينا، وإساءتك إلى نفسك أنا أمسكنا عما تعلم، وقلت ما لا تعلم، وتركت الممكن، وتناولت المعجز، فالحمد لله الذي أوضح غدرك، وأبان أمرك، وقبح عند الناس ذكرك.
وقال أعرابي: نصح الصديق تأديب، ونصح العدو تأنيب.
شاعر:
وتطرف الكف عين صاحبها ... فلا يرى قطعها من الرشد
قال أبو سعيد السيرافي فيما سمعته منه: الصديق يكون واحداً وجمعاً ومذكراً ومؤنثاً. قال المرواني وكان حاضراً: هذا والله من شرف الصديق، قلت: ما نزيغ بهذا، قال: أما ترىهذا المثال كيف عم هذه الأشياء المختلفة حتى تكون صورة الصديق محفوظة فيها، وملحوظة منها ولذلك قال الله تعالى: " أو صديقكم " ، فأخرجه مخرج الواحد، وهو يريد الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.
أخبرنا أبو السائب القاضي عتبة بن عبد الله، حدثنا الحسن بن عروة، حدثنا محمد بن عبد الله القرشي، حدثنا محمد بن عبد الله الأشكري عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر رضي الله عنهما قال: أوصاني أبي قال: يا بني لا تصحب فاسقاً فإنه بائعك بأكلة فما دونها، قلت: وما هو دونها؟ قال: يطمع فيها ثم لا ينالها، ولا تصحب بخيلاً فإنه يقطع بك في مالك أحوج ما تكون إليه، ولا تصحب كذاباً فإنه يمنزلة السراب يقرب منك البعيد، ويبعد منك القريب، ولا تصحب أحمق فإنه يريد أ، ينفعك فيضرك، ولا تصحب قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في ثلاثة مواضع من كتاب الله: في سورة البقرة، وسورة الرعد، وسورة الذين كفروا.
وقال ابن أبي خازم الشاعر الجاهلي:
وكن من الإخوان مستوحشاً ... وحشة إنسي بجنان
أخبرنا الصواف أبو علي، حدثنا ابن المؤمل، قال: سمعت موسى بن جعفر يقول: خير إخوانك المعين لك على دهرك، وشهم من سعى لك بسوق يومه.
وقال بعض السلف الصالح: خير إخوانك من وعظك برؤيته قبل أن يعظك بكلامه. قلت لبرهان الصوفي: ما تفسير هذا؟ قال: لأنك إذا رأيته رأيت هيأته، وشارته، وحركته، ونظرته، وقومته، وقعدته، وهذا كلها نواطق، ولكن بلا حروف، وشواهد ولكن بلا لفظ، وإشارات ولكن بلا أدوات، وأما إذا جاء الكلام فقد استوعب أقصى البيان، وأتى على آخر الإرادة، فأراد هذا القائل أنه إذا أراك نفسه فقد حضك على اتباع أمه، ودعاك إلى الاقتداء به، وأن تحرج من مسكه، وتبرز من تبيانه، فهذا كلام في غاية الإيضاح.
قال محمد بن علي رضي الله عنهما: كفى بالله ناصراً أن ترى عدوك يعصي الله فيك وتطيعه.
قال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ما تحاب رجلان إلا كان أفضلهما أشدهما حباً لصاحبه، هذا أخبرنا به المرزباني عن ابن السراج عن المبرد عن الرياشي عن أبي عاصم عن مبارك بن فضالة عن ثابت عن أنس.
قال رجل من العباد لعابد آخر: إني لأحبك في الله، قال: أعوذ بالله أن أكون ممن يحب في الله والله علي ساخط.
وقالت امرأة لرابعة العدوية: إني لأحبك في الله، قالت: فأطيعي من أحببتني فيه، قالت: من طاعتي له محبتي لمن أطاعه.
أخبرنا ابن مقسم النحوي قال: حدثنا أحمد بن يحيى، حدثنا عمر بن شبة، حدثنا الأصمعي، قال: وقف أعرابي يسأل فقال: أخ في تلاد الله وجار في بلاد الله، وطالب خير من فضل الله، فهل من أخ يواسي في ذات الله؟ قال ابن السراج: التلاد: المال الذي لم يكتسب، سمعته من علي بن عيسى عنه.

قال أبو الدرداء: ما أنصفنا إخواننا، يحبوننا في الله، ويفارقوننا في الدنيا، إذا لقيني قال: أحبك يا أيا الدرداء، وإذا احتجت إليه في شيء امتنع مني.
قيل للأوزاعي: أيبلغ من حب الرجل لأخيه أن يكون أحب إليه من أخيه لأمه وأبيه؟ قال: نعم ومن أمه وأبيه! شاعر:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدواً ما من صداقته بد
سمعت العسجدي يقول وقد أنشد هذا البيت: فما الحيلة إذا كان المخلص لا يوجد، والمرائي لا يفقد، والحاجة قائمة إلى التعاون، والتعاون مورث للتهاون، والتهاون باعث على الكلام، والكلام بين العتب والاستزادة، والتظلم والاستراحة، ثم قال: لا حيلة إلا الصبر فإن فساد دخائل الإخوان مضموم إلى جميع جوادث الزمان، والله المستعان.
وقال المهلبي لبني أمية:
مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا ... امشوا رويداً كما كنتم تكونونا
الله يعلم أنا لا نحبكم ... ولا نلومكم أن لا تحبونا
وأنشدنا أبو السائب القاضي قال: أنشدني محمد بن يزيد لنفسه:
بنفسي أخي برشددت به أزري ... فألقيته حراً على العسر واليسر
أغيب فلي منه ثناء ومدحة ... وأحضر منه أحسن القول والبشر
وكتب أبو النفيس إلى العباداني: سبحان من لم يغنك عنا حتى سلانا عنك، ولا شغلك بغيرنا حتى عوضنا منك، ولا خار لنا في بعدك، حتى صنع لنا في فقدك، ولا هون عليك الوجد بنا حتى خفف عنا الموجدة عليك، ولا حظر عليك وصلنا حتى أباح لنا هجرك، ولا سهل عندك الرزء بنا حتى رفع عنا المصيبة فيك.
وكتب أيضاً: أخت هذه الحمد لله الذي لم يزين لك الكفر بحرمتنا حتى حسن عندنا الشرك في صحبتك، ولا طوى عنا بساط قربك حتى أسبل علينا سجاف بعدك، ولا علق حبلك بغيرنا حتى كفانا مؤونة عتبك، ولا خوفك بالرغبة عنا حتى أمننا بالزهد فيك، ولا دمس جيبك بالأسف علينا حتى طهر قلوبنا من الشوق إليك، ولا سقاك صفو الهجر حتى أروانا بزلال الصبر، ولا أوسع لك في الانحراف عنا حتى أوضح لنا العذر في الانصراف عنك، ولا أذكرك قبح الجفاء حتى أنسانا خالص الصفاء، ولا عراك من يمن الإجماع حتى ألبسنا حبرة الإفراق، فدم على هجرنا فقد استبدلنا بك، واسل عنا فقد تعزينا عنك والسلام.
شاعر من بني أسد:
وأستنقذ لمولى من الأمر بعدما ... يزل كما زل البعير عن الدحض
آخر:
وإني لأنسى عند كل حفيظة ... إذا قيل مولاك: احتمال الضغائن
وإن كان مولى ليس فيما ينوبني ... من الأمر بالكافي ولا بالمعاون
آخر:
ومولى خفت عنه الموالي كأنه ... من البؤس مطلي به القار أجرب
رئمت إذا لم ترأم البازل ابنها ... ولم يك يها للمبسين محلب
آخر:
تثاقلت إلا عن يد أستفيدها ... وخلة ذي ود أشد به أزري
وقال ساعدة الهذلي: ولا أوذي الصديق بما أقول.
قال أبو زيد في الأمثال: رب أخ لك لم تلده أمك.
وقال أيضاً: أخي خذلة وأنا عذلة وكلانا ليس بابن أمه.
وقال أيضاً: الصبي أعلم بمبضعي جده.
وقال أيضاً: النفس تعلم من أخوها النافع.
وقال:
القوم إخوان وشتى في الشيم ... وكلهم يجمعهم بيت الأدم
وقال بعض السلف: من علامات العاقل بره بإخوانه، وحنينه إلى أوطانه، ومداراته لأهل زمانه.
وقال شاعر:
لعمرك إني الخليل الذي له ... علي دلال واجب لمفجع
وإني بالمولى الذي ليس نافعي ... ولا ضائري فقدانه لممتع
أولئك إخوان الصفاء رزئتهم ... وما الكف إلا إصبع ثم إصبع
والعرب تقول:
خل طريق من وهي سقاؤه ... ومن هريق بالفلاة ماؤه
وقال أعرابي: الصديق للظهر سناد، وللدهر عتاد، ولليوم جمال، وللغد مال.
وقال شاعر:
إن كنت تطلب في الزمان مهذباً ... فني الزمان وأنت في الطلبات
خذ صفو أخلاق الصديق وأعطه ... صفواً ودع أخلاقه الكدرات
قال ابن المعتز: إذا صحت النية، وتوكدت الثقة سقطت مؤونة التحفظ.
أخبرنا ابن مقسم قال: قرأت على أحمد بن يحيى أنشدنا ابن الأعرابي:

إذا أحسن ابن العم بعد إساءة ... فلست لشري فعله بحمول
أي إذا أحسن وأساء لا أحمل عنه الشر أي لم أواخذه، وأراد بالشر فعليه فقلب.
وقال آخر: صحبة الأشرار، تورث سوء الظن بالأخيار.
سدوس بن ذهل اليربوعي:
إذا ما امرؤ ولى غنياً بوده ... وأدبر لم يصدر بإدباره وقر
ولبنى هذيل مثل وهو: هذا التصافي، ولا تصافي المحلب، أصله أن هذيلاً أصابت دماً في بعض العرب، فأسر أصحاب الدم رجلين من هذيل متصادقين، فقالوا لهما: أيكما أشرف فنقتله بصاحبنا؟ فقال كل واحد مهما: أنا ابن فلان الحسيب النسيب، ذو الثأر المنيم، فاقتلوني دون صاحبي، فكل بذل نفسه للقتل دون صاحبه، فعيوا بأمرهما لما رأوا من تأبيهما فقالوا: هذا التصافي، لا تصافي المحلب، وصفحوا عنهما، أي لا تصافي للنادمة على الشراب.
وروى يعقوب قول نابغة بني جعدة:
أدوم على العهد ما دام لي ... إذا كذبت خلة المحلب
آخر:
أخ لي إما كل شيء سألته ... فيعطي وإما كل ذنب فيغفر
آخر:
كان لنا صاحب فبانا ... وحاد عن وصلنا وخانا
تاه علينا وتاه منا ... فما نراه ولا يرانا
وقال أعرابي: المودة قرابة مستفادة.
شاعر:
أخ لك لا تغيره الليالي ... ولا الأيام عن خلق جديد
وقال أعرابي: وصول معدم خير من جاف مكثر.
وقال محمد بن سليمان لابن السماك: بلغني عنك شيء فقال: لست أبالي، قال: ولم؟ قال: فإن كان حقاً غفرته، وإن كان باطلاً رددته.
وقال أعرابي: اللهم إني أعوذ بك من سلطان جائر، ونديم فاجر، وصديق غادر، وغريم ماكر، وقريب ناكر، وشريك خائن، وحريف مائن، وولد جاف، وخادم هاف، وحاسد محافظ، وجار ملاحظ، ورفيق كسلان، وجليس وسنان، ووكيل ضعيف، ومركوب قطوف، وزوجة مبذرة، ودار ضيقة.
شاعر:
فلا تعتقد خلا يسرك بعضه ... وإن غاب يوماً عنك ساءك كله
إذا شئت أن تبلو امرءاً كيف طبعه ... فدعه وسل من قبلها كيف أصله
شاعر، ويقال أنه لعمارة بن عقيل:
ألم ترني والمرء ابن أمه ... إذا ما أتت عوجاء لا تتقوم
ضممت جناحي عن أبي النضر بعدما ... تلومته ما كان لي متلوم
وقلت له لما التقينا وقال لي ... مقالة مزرعائث يتجرم
أتعذلني في أن أبيعك مثل ما ... به بعتني والبادئ البيع أظلم
وليس على ود امرئ ليس عنده ... وفاء ولا عهد إذا غاب مندم
وقال ابن المقفع: لا صديق لثلاثة: للميت، والفقير، والمحبوس.
وسئل الجنيد الصوفي: من تصحب؟ قال: من قدر أن ينسى ماله ويقضي ما عليه.
شاعر:
ليت شعري ما كانت الحال بعدي ... أعلى العهد أم تكرهت ودي
أنا ذاك المسيئ والذنب ذنبي ... فاعف عني يا أكرم الناس عندي
لا يكون الغفران إلا لمولى ... وتكون الذنوب إلا لعبد
محمود الوراق:
لا تحدسن أخاك وارع ل ... ه على الأيام عهده
حسد الصديق صديقه ... وأخاه من سقم الموده
شاعر:
وأول خير من صديق أفدته ... رجوعي بتسهيل الصديق حجابي
وأعرف ما لي عنده بغلامه ... وبالبشر منه عند رجع جوابي
آخر:
زرعت في القلب مني من مودتكم ... زرعاً تمكن في الأحشاء والكبد
آخر:
جزى الله عني صالحاً بوفائه ... وأضعف أضعافاً له في جزائه
أخاً لي إذا ما جئت أبغيه حاجة ... رجعت بما أبغي ووجهي بمائه
بلوت رجالاً بعده بإخائهم ... فما ازددت إلا ربغة في إخائه
آخر:
تاه على إخوانه قاسم ... فصار ما يطرف من كبره
أعاده الله إلى حاله ... فإنه يحسن في فقره
آخر:
لم يبق في الناس حر ... ولا صديق يسر
وكل من ترتضيه ... عند المذاقة مر
آخر:
أكل هذا الجفاء يا حكم ... كذا يكون الإخاء والكرم
الحمد لله لا صديق لمن ... زلت به في زمانه القدم
آخر:

إذا كنت تأتي المرء توجب حقه ... ويجهل منك الود فالهجر أوسع
آخرك
تكثر الإخوان ما لم يخبروا ... وعلى الخبر قليل في العدد
لا تودن امرءاً لم تبله ... وانظرن بعد ابتلاء من تود
خالق الناس على أحسابهم ... لا يغرنك ثياب وجسد
رب محمود على الصورة قد ... نال ذماً، وذميم قد حمد
فإنذا الصورة والحمد معاً ... جمعاً يوماً لإنسان سعد
قل بحلم أودع القول فللص ... مت خير من مقال في فند
ودع المزح فيا رب امرئ ... قاده المزح إلى ما لم يرد
شاعر:
إذا كان إعراض الفتى مثل أكله ... فذاك ضعيف الرأي مستجهل العقل
وليس بموثوق به في مودة ... ولا حسن رأي عند عقد ولا حل
فآخ صديق الصدق إنك إنه ... وإن هو نافى بالتخطط والشكل
يقال: أمور ليست لها ثبات منها: ظل الغمام، دخلة الأشرار، وثناء الكذابين، والمال الكثير يرثه الأحمق، ومودة النساء.
قال أكثم بن صيفي: العيش في سبعة أشياء: الولد البار، والزوجة الصالحة، والأخ المساعد، والخادم العاقل، والعافية السابغة، والقوت الكافي، والأمن الشامل.
شاعر:
إذا رأيت امرءاً في حال عسرته ... مصافياً لك ما في وده دخل
فلا تمن له أن يستفيد غنى ... فإنه بانتقال الحال ينتقل
آخر:
لا تحمدن على الإخاء مؤاخياً ... حتى تبين قدر غور إخائه
فتذم أو تختصه من بعدما ... تبلو سريرته وصدق وفائه
شاعر:
إذا أنت شاجرت الرفيق فلن له ... ومن خير من رافقت من لا تشاجره
كاتب: اشتريتك بالتنصل إذ بعتني بالتجني.
فيلسوف: لا تعدن من آخاك في أيام مقدرتك للمقدرة، واعلم أنه ينتقل عليك في أحوال ثلاثة: يكون صديقاً يوم حاجته إليك، ومعرفة يوم استغنائه عنك، ومتجنياً ذنباً يوم حاجتك إليه.
شاعر:
وشرك عن صديقك غير ناب ... وشرك عند منقطع الترات
شاعر:
فانظر لنفسك من تصاحب منهم ... ليس الصحيح داؤه كالأجرب
شاعر:
إذا غبت لم تنفع صديقاً وإن تقم ... فأنت على ما في يديك ضنين
آخر:
أبا هاشم لا فرق الله بيننا ... ففي قربكم أنسي، وفي بعدكم حتفي
شاعر:
الأخلاء في الرخاء كثير ... فإذا ما بلوت كانوا قليلاً
وإذا ما أصبت خلا حفيظاً ... راعياً للإخاء براً وصولا
فتمسك بحبله أبد الدهر ... وأكرم به أخا وخليلا
قال الراجز:
إني وإن عيرتني نحولي ... أوازدريت عظمي وطولي
لا أعجف النفس على خليلي ... أعرض بالود وبالتنويل
قال أبو زيد الأنصاري: يقال عجفت نفسي على المريض إذا صبرت عليه.
شاعر:
مذ بدا يخطر ما لم يرني ... وإذا يخلو له لحمي رتع
آخر:
ورب امرئ تغتشه لك ناصح ... ومؤتمن بالغيب غير أمين
قال أبو زيد العذري:
وابل الرجال إذا أردت إخاءهم ... وتوسمن أمورهم وتفقد
فإذا ظفرت بذي الليانة والتقى ... فبه اليدين قرير عين فاشدد
ومتى يزل، ولا محالة، زلة ... فعلى أخيك بفضل حلمك فاردد
آخر:
أحين تناهت بك المكرمات ... رميت بحبلي على غاربي
فما بال عينك مطروقة ... إذا ما رميت بها جانبي
شاعر:
أراك مع الأعداء في كل موطن ... وقلبك من ضغن علي مريض
وما لي من فقر إلى أن تحبني ... وما ضرني أني إليك بغيض
شاعر:
أما المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق
إني بلوتهما فلم أحمدهما ... لمجاور جاراً ولا لرفيق
قال ابن عباس: ما من غرة إلا وغلى جانبها عرة، وما الذئب في فريسته بأسرع من ابن عم دني، في عرض ابن عم سري.
قال الأصمعي: وقف أعرابي على قوم يعيبون رجلاً من إخوانه. فقال: أبطئوا عن عيب من لو كان حاضراً لسارعتم إلى مدحه.

شاعر:
إن شر الناس من يكشر لي ... حين يلقاني وإن غبت شتم
وكلام سيئ قد وقرت ... عنه أذناي وما بي من صمم
لا تراني راتعاً في مجلس ... في لحوم الناس كالسبع الضرم
قال المدائني: يقال: من رمى أخاه بذنب قد تاب منه ابتلاه الله به.
وقال عمر بن الخطاب كفى بك عيباً أن يبدو لك من أخيك ما يغني عليك من نفسك، أو تؤذي جليسك.
الأخطل:
إني تدوم لذي الصفاء مودتي ... وإذا تغير كنت ذا ألوان
وأصد عن عيب الصديق تكرماً ... عمداً وما دهري له بهوان
وأفارق الخلان عن غير القلى ... وأميت بعض السر بالكتمان
كاتب: ولعمري إن في الحق أن يقبل الاعتذار، ما لم يكن معه الإصرار، وأن لا تحمل المتستر بالصداقة على المكاشفة بالعداوة ما صلح ظاهره، وتصنعت سرائره.
وقال آخر: إخوان الشر كشجرة النار يحرق بعضها بعضاً.
وقال آخر: إنما سمي الصديق صديقاً بصدقه لك، وسمي العدو عدواً لعدوه عليك لو ظفر بك: وقال أيضاً: من لم يقدم الامتحان قبل الثقة، والثقة قبل الأنس، أثمرت مودته ندماً، ليكن الأنس أغلى أعلاق مودتك، وأبطأها عرضاً على صديقك.
وقال: علامة الصديق إذا أراد القطيعة أن يؤخر الجواب، ولا يبتدئ بكتاب.
وقال: إخوان السوء يتفرقون عند النكبة، ويقبلون مع النعمة، ومن شأنهم التوصل بالإخلاص والمحبة إلى أن يظفروا بالأنس والثقة، ثم يوكلون الأعين بالأفعال، والأسماع بالأقوال، فإن رأوا خيراً ستروه، وإن رأوا شراً وظنوه أذاعوه ونشروه.
وقال آخر: إنما تطيب الدنيا بمساعفة الإخوان ونفع بعضهم بعضاً في كل باب، وإلا فعلى الصداقة الدماء، وما أرجو إذا كانت تنقطع في الدنيا، ولا تتصل بما أحب في الدنيا.
شاعر:
أنت امرؤ قصرت عنه خليقته ... إلا من الغش للأدنين والحسد
حدثنا ابن مسرف قال: كان بين محمد بن السماك وبين رجل مؤاخاة فانقطع عنه الرجل فكتب إليه ابن السماك: أما بعد: فإن لكل شيء ثمرة، وثمرة المودة الزيارة والسلام. وكتب إليه في آخره:
لقد ثبتت في القلب منك مودة ... كا ثبتت في الراحتين الأصابع
فأجابه الرجل: أما بعد يا أخي فقد زرعت في قلوبنا مودتك، فتعهد زرعك بسقي الماء وإلا فلا تأمن والسلام.
شاعر:
صديقك حين تستغني كثير ... وما لك عند فقرك من صديق
فلا تغضب على أحد إذا ما ... طوى عنك الزيارة عند ضيق
آخر:
إذا المرء لم يبذل لك الود مقبلاً ... مدى الدهر لم يبذل لك الود مدبرا
آخر:
أقام معي من لا أحب جواره ... وجاراي، جارا الصدق مرتحلان
ولا يستوي الجاران جار مكارم ... وجار طويل العمر دون مجاني
آخر:
أعاتب ليلى إنما الصرم أن ترى ... خليلك يأتي ما أتى لا تعاتبه
وما أهل ليلى من خليل فينفعوا ... وما أهل ليلى من عدو نجانبه
قيل للإسكندر: بما نلت هذا الملك على حداثة السن؟ قال: باستمالة الأعداء، وتعهد الأصدقاء.
وقال آخر: العتاب حدائق المتحابين، وثمار الأوداء، ودليل على الضن بالصفا، وحركات الشوق، ومستراح الواجد، ولسان الإشفاق.
وقال آخر: التجني رسول القطيعة، وداعي القلى، وسبب السلو، وأول التجافي، ومنزل التهاجر.
وقال آخر: من عاشر الناس بالمسامحة دام استمتاعه بهم.
شاعر:
وكنت إذا صحبت رجال قوم ... صحبتهم وثبتني الوفاء
فأحسن حين يحسن محسنوهم ... وأجتنب الإساءة إن أساؤوا
وأبصر ما يعيبهم بعين ... عليها من عيونهم غطاء
آخر:
إني رأيتك لي محباً ... وإلي حين أغيب صبا
فهجرت لا لملالة ... حدثت ولا استحدثت ذنبا
لكن لقول قد مضى ... من زار غباً زاد حباً
الله يعلم أنني ... لك أخلص الثقلين قلبا
وقال جحظة فيما حدثنا ابن سيف، كتب رجل إلى صديق له:
لله أنت على جفائك ... ماذا أؤمل من وفائك
فكرت فيم هجرتني ... فوجدت ذاك لسوء رأيك

فرأيت أن أسعى إليك وأن أبادر في لقائك
كيما أجدد ما تغير لي ... وأخلق من إخائك
لإسحاق بن إبراهيم الموصلي في أبي دلف العجلي:
اجعل أبا دلف كمن لم تعرف ... واهجره معترفاً وإن لم يخلف
آخ الكرام المنصفين بوصلهم ... واترك مودة كل من لم ينصف
لا خير في صدق الإخاء موكل ... بأذى الصديق ملولة مستطرف
شاعر:
سأحبس نفسي إذ كرهت مودتي ... وأكسر قلبي منك باليأس والصبر
وأذكر وداً كان مني تكرماً ... وإن حلت عن وصلي وملت إلى الهجر
فشكري لما أوليتني لك دائم ... وحبي جديد ليس ينقص في الدهر
فما زلت أبكيكم بعين سخينة ... كما كانت الخنساء تبكي على صخر
آخر:
إذا نائبات الدهر يسرن للفتى ... أربع خصال قلما تتيسر
كفاف يصون الحر عن بذل وجهه ... فيضحي ويمسي وهو حر موقر
وكأس يسليه إذا الهم ضافه ... ومحسنة إحسانها ليس ينكر
ورابعة عزت وقل حصولها ... صديق على الأيام لا يتغير
فذاك الذي قد نال مالكاً بلا أذى ... وأسعد بالخيارت إن كان يفكر
أخبرنا المرزباني، أخبرنا القراطيسي قال: أخبرنا أبو العيناء قال: كتب رجل إلى صديق له: أما بعد فإني ما اتهمت حسن ظني بك حين توجه إخائي نحوك، ولا تجدد أملي باعتمادي عليك، ولا استدعتني رغبة فيك إلى من سواك، ولا أراني اختياري غيرك عوضاً منك.
وحدثني أبو طائع الطلحي قال: كتب الجارحي إلي مرة: الله يعلم أنك ما خطرت ببالي في وقت من الأوقات إلا مثل الذكر منك لي محاسن تزيدن صبابة إليك، وضناً بك، واغتباطاً بإخائك.
شاعر:
لئن جد أسباب العداوة بيننا ... لترتحلن مني على ظهر شيهم
والشيهم ذكر القنافذ، وإنما يريد لتصيبك مني داهية، هكذا حفظت عن ابن الأعرابي، وكان كبيراً.
قال جميل بن الصريري لابنه: يا بني اصحب السلطان بشدة التوقي كما تصحب السبع الضاري، والفيل المغتلم، والأفعى القاتلة، واصحب الصديق بلين الجانب والتواضع، واصحب العدو بالإعذار إليه، والحجة فيما بينك وبينه، واصحب العامة بالبر، والبشر، واللطف باللسان.
شاعر:
إن الكريم الذي تبقى مودته ... ويحفظ السر إن ضافى وإن صرما
ليس الكريم الذي إن ذل صاحبه ... بث الذي كان من أسراره علما
قال فيلسوف: اعتزل عدوك واحذر صديقك.
وقال عمرو بن العاص: الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا لوطف.
وقال خلف الأحمر: وصف لي رجل أخاً له فقال: كنت لا تراه الدهر إلا وكأنه لا غنى به عنك، وإن كنت إليه أحوج، وإن أذنبت غفر ذنبك، وكأنه المذنب، وإن أسأت إليه أحسن وكأنه المسيء.
شاعر:
إذا أنا لم أجز الصديق بنصحه ... وأقص الذي تسري إلي عقاربه
فمن يتقي يومي ومن يرتجي غدي ... لنائبة، والدهر جم نوائبه
لحى الله مولى السوء لا أنت راغب ... إليه ولا رام به من تحاربه
وما قرب مولى السوء إلا كبعده ... بل البعد خير من عدو تقاربه
من الناس من يدعى صديقاً ولو ترى ... خبيئة جنبيه لساءك جانبه
يمن ولا يعطي ويزعم أنه ... كريم ويأبى لؤمه وضرائبه
وإني وتأميلي جذيمة كالذييؤمل ما لا يدرك الدهر طالبه
فأما إذا استغنيتم فعدوكم ... وأدعى إذا ما غص بالماء شاربه
وما تركت أحلامكم من صديقكم ... لكم صاحباً إلا قد ازور جانبه
آخر:
إذا أنت لم تعرض عن الحقد لم تفز ... بذكر ولم تسعد بتقريظ مادح
آخر:
من نم في الناس لم تؤمن عقاربه ... عن الصديق ولم تؤمن أفاعيه
كالسيل بالليل لا يدري به أحد ... من أين جاء ولا من أين يأتيه
آخر:
عامل الناس بخلق رفيق ... والق من تلقى بوجه طليق
فإذا أنت قليل الأعادي ... وإذا أنت كثير الصديق

وقيل لفيلسوف: من تحب أن تصادق؟ فقال: أما في الدهر الصالح فالحسيب، اللبيب، الأديب، فإنك تستفيد من حسبه كرماً، ومن أدبه علماً، ومن لبه رأياً، وأما في الزمان السوء فارض بالمكاشر الذي يعطيك بعضه بالحياء، وبعضه بالنفاق، ويمتعك ظاهره، وإن ساءك باطنه، ولكل زمان حكم، ولكل ظهر عكم.
وقالت أعرابية:
يا دهر لا عريت من آبده ... ما أنا في فعلك بي حامده
صاحبت إخوانك طراً فما ... حمدت منهم خلة واحده
وكنت من كلهم حاضنه ... في كل يوم بيضة فاسده
وقيل للواسطي المتكلم: كيف ترى أبا عبد الله البصري؟ فأنشد:
حرج الخليفة بغضه لعدوه ... وصفاؤه لصديقه سيان
وكتب ابن أكمل غلى ابن سورين، وكان بينهما ود متوارث: إن رأيت أن تروي ظمأ أخيك بغرتك، وتبرد غليله بطلعتك وتؤنس وحشته بأنس قربك، وتجلو غشاء ناظره بوجهك، وتزين مجلسه بجمال حضورك، وتجعل غداءك عنده في منزلك الذي هو فيه ساكنك، وتهب له السرور بك باقي يومه، مؤثراً له على شغلك فعلت إن شاء الله.
فأجابه: كيف أروي ظمأك إلي مني، وأنا أشد ظمأ إليك منك إلي، وعلى حيلولة ذاك فالتلاقي أبرد لغليل النفس، وأجلب لما شرد من الأنس، وها أنا قد هيأت كلي لطاعتك، وبشرت روحي بالاستمتاع بحديثك، وأخذت عياذ الاستفادة منك، وصلت على الدهر وأبنائه بما ملكته من تشريفك والسلام.
قال أعرابي لآخر: ودك لا ينضى ملبوسه، ولا يتوى محروسه، ولا يذوي مغروسه.
وأنشدنا أبو سعيد السيرافي قال: أنشدنا قدامة بن جعفر الكاتب لشاعر:
وفتيان صدق ثابتين صحبتهم ... يزيدهم هول الجناب تآسيا
فإن يك خيراً يحسنوا أملاً به ... وإن يك شراً يشربوه تحاسيا
واعتذر رجل إلى أبي أيوب سليمان بن وهب الكاتب وأطال فقال له: أقلل فإن الولي لا يحاسب، والعدو لا يحتسب له.
قال ابن السكيت: العرب تقول: أنت من حبة نفسي أي ممن تحبه نفسي.
وقال: يقال: هو صفيي، وسجيري، وهم أصفيائي وسجرائي.
وحكى أبو عمرو واللفيف في معنى السجير، وهو خلصاني، وهم خلصاني.
ويقال: آخيت الرجل وواخيت، يقلبون الهمزة واواً، كما يقال: آسيته وواسيته، وهو خلي وهم أخلائي.
فأما الشجير بالشين فهو الغريب.
قال أعرابي لصاحب له: إني لأصقل بلقائك عقلي، وأشحذ بمحادثتك ذهني، وأطوي بذكر محاسنك أيام، وأرجع من طويتك إلى أكرم موثوق به لرعايه عهد، وأفضل متكل عليه لمحافظة على ود.
وقال آخر لصاحب له: ما زلت أعلم أنك للسر ملء الصدر، وأنك في المساعدة أذكى من الجمر، وأرق من عتيق الخم، ظريف المخاطبة، عذب المواصلة، لذيذ المجالسة، هنيء العشرة، مقبول الظاهر، سليم الباطن، منشور المطاوي، عار من المساوي.
قال أعرابي لرجل: إن فلاناً وإن ضحك لك فإنه يضحك منك، فإن لم تتخذه عدواً في علانيتك فلا تجعله صديقاً في سريرتك.
وكتب آخر إلى صديق له: إنما قلبي نجي ذكرك، ولساني خادم شكرك.
وكتب آخر في بعض العتاب: قد طالت علتك أو تعاللك، واشتد شوقنا إليك، فعافاك الله مما يك من مرض في بدنك، أو إخائك، ولا أعدمناك.
قال إسحاق: قلت للعباس بن الحسن: إني لأحبك، فقال: رائد ذاك معي.
قال: وذكرت له رجلاً فقال: دعني أتذوق طعم فراقه فهو والله الذي لا تشجى به النفس، ولا يكثر في إثره الالتفاف.
سئل أعرابي عن صديق له فقال: صفرت عياب الود بيني وبينه بعد امتلائها، واكفهرت وجوه كانت بمائها.
إبراهيم بن العباس الصولي:
يا أخا لم أر في الناس خلاً ... مثله أسرع هجراً ووصلا
كان لي في صدر يوم صيدقاً ... فعلى عهدك أمسيت أم لا؟
روى المدائني عن عبد الله بن سلم الفهري قال: غاب مولى الزبير بن العوام عن المدينة حيناً، فلما آب قال له رجل من قريش: أما والله لقد أتيت قوماً يبغضون طلعتك، وفارقت قوماً لا يحبون رجعتك، قال: أنعم الله بمن قدمت عليه عيناًن ولا خلف الله على من فارقته خيراً.
وقرأت لعلي بن جعفر الكاتب، كاتب الطابع، رقعة له إلى صالح بن مسعود الكاتب النصراني لم تكن بذاك قلة ما لم أروها، لكني وجدت شعيراً نقلته إلى هذا الموضع وهو:
بل عشت لي وبقيت منك ممتعاً ... في صالح الإخوان والأهل

حتى إذا نزل الحمام بواحد ... منا ليأخذه على مهل
متنا جميعاً لا يفرق واحد ... فيذوق فيه مرارة الثكل
وقال بعض السلف: الانبساط إلى العامة مكسبة لقرين السوء، والانقباض مجلبة للمقت، فإنا اقتديت من قرناء السوء باعتقاد المقت، وإما ابتغيت أسر الإخوان بالصبر على المكروه.
قال عبد الملك بن مروان لرجل: ما بقي من لديك؟ قال: جليس يقصر مع طول الليل مع العلة، ودابة أشتهي معها طول السفر. وأنشد لأعرابي:
من أين ألقى صاحباً مثل عمر ... يزداد طيباً كلما طال السفر
قال بعض السلف: توق من الرجال من إن أنعمت عليه كفرك، وإن أنعم عليك من عليك، وإن حدثته كذبك، وإن حدثك كذبك، وإن ائتمنته خانك، وإن ائئتمنك اتهمك.
لأبي الأسود:
أريت امرءاً كنت لم أبله ... أتاني فقال: اتخذني خليلا
فخاللته ثم صافيته ... فلم أستفد من لدنه فتيلا
فألقيته غير متستعتب ... ولا ذاكر الله إلا قليلا
ألست حقيقاً يتوديعه ... وأتبع ذلك هجراً جميلاً
قال عمر بن الخطاب: مما يصفي لك ود أخيك أن تبدأه بالسلام، وتوسع له في المجلس، وتدعوه باحب الكنى إليه.
محمد بن عبد الملك الزيات:
أقول إذا ما بدا طالعاً ... وقد كاد أو هم أو قد ولج
من الناس من ليس حتى المما ... ت منه و من أذاه فرج
ولو كنت تأمنه ليلة ... إلى الصبح لم يرض أو يدلج
ولو كان ذا من أحب العباد إلي ... ك لكان بغيضاً سمج
فكيف إذا كان ممن يكاد ص ... درك من بغضه ينفرج
آخر:
تريك أعينهما في صدورهم ... إن الصدور يؤدي غشها البصر
آخر:
متى تك في صديق أو عدو ... تخبرك العيون عن القلوب
أنشدنا المبرد فيما حدثنا به أبو سعيد السيرافي عن ابن السراج عنه:
كيف العزاء لمن يعن له ... شرب المدام ولذة الخمر
وحديث فتيان غطارفه ... وفوارس كالأنجم الزهر
إن جئتهم سروا وإن نزحت ... داري فإن حديثهم ذكري
يا ليتني أحيا بقربهم ... فإذا فقدتم انقضى عمري
فتكون داري بين دورهم ... ويكون بين قبورهم قبري
قال حاتم الأصم: أربعة تذهب الحقد بين الإخوان: المعاونة بالبدن، واللطف باللسان، والمواساة بالمال، والدعاء في الغيب.
كتب سهل بن هارون الكاتب إلى جعفر بن يحيى:
إذا ما أتى يوم يفرق بيننا ... نموت فكن أنت الذي يتأخر
وقال الجماز فيما حدثنا ابن المرزباني عن الصولي عن أبي العيناء عنه يصف صديقاً: لم أر في الناس وفياً بعد واحد كان أصفى لي مودته، وبذل لي مهجته، كان أطوع لي من كفي، وكنت أذل له من نعله، أتكلم بكلامه فينطق بلساني، إن قلت خيراً أعانني، وإن ملت إلى سيئ ردعني، كان والله إذا قال فعل، وإذا حدث صدق، وإذا أؤتمن لم يخن، ضاحك السن، مسفر الوجه، كان إذا غاب فكأنه شاهدي، وإذا غبت عنه فكأنه يراني، لا ينطق لسانه بخلاف ما يضمر جنانه، لا يدري أينا أسر بصاحبه، ولا أينا أصدق مودة بخليطه، آنس ما كنا إذا اجتمعنا، وأوحش ما كنا إذا افترقنا، ما تفرقنا طول صحبتنا إلا يوماً حسبناه حولاً، أغبط ما كنا إذ رمى الهر فلم يشق إذ رمى من كل روحه روحي، ونفسه أعز علي من نفسي، فليته أصابني وأخطأه، وإذا لم يخطئه أصابني معه، فيكون موتنا معاً كما كان عيشنا معاً، مات فمات الوفاء بعده، خاب الرجاء فما ألذ بعده طعاماً، ولا أسيغ شراباً ، غماً له، واكتئاباً عليه، وشوقاً إليه، فلو كنت أقول الشعر لرثيته آخر الدهر، ولأتعبت بالقوافي الكاتبين، فبليت بعده بمن إذا أحببته أبغضني، وإن وددته عاداني، وإن أقبلت نحوه ولى عني، فهو كالذئب والغراب، ما للذئب يناله الغراب، وما للغراب فالذئب لا يطمع فيه، حسبك به غادراً، تراه عن الوفاء مبطئاً، وإلى الخيانة مهملجاً.

قال أرسطوطاليس في رسالة أفدناها أبو سليمان: تعهد الإخوان بإحياء الملاطفة، فإن التارك متروك، ثم تعهد إخوان الإخوان، فإن إخوان الإخون من الإخوان، وهم بمنزلة العلم المستدل به على الوفاء، ثم تعهد أهل المكاشرة المتشبهين بالإخوان بالصبر عليهم، إما طمعاً في تحويل ذلك منهم صدقاً، وإما اتقاء كلمة فاجر وقعت في سمع مائق ذي دولة.
وذكر أعرابي مودة رجل فقال: مودة رثة العقال، وسماء قليلة البلال، وأرض دائمة الإمحال، هو اليد الحذاء، والأزمة الحصداء، أبعد مقاله قريب، وأقرب فعاله بعيد، يقول ما لا يفعل، ويفعل ما لا يقول.
شاعر:
أتناسيت أم نسيت إخائي ... والتناسي شر من النسيان
عبد الصمد بن المعذل:
هي النفس تجزي الود بالود مثله ... وإن سمتها الهجران فالهجر دينها
إذا ما قرين بت منها حباله ... فأهون مفقود عليها قرينها
لبئس معار الود من لا يوده ... ومستودع الأسرار من لا يصونها
لما تباعد بين يحيى بن خالد وعلي بن عيسى بن ماهان وجه علي أبا نوح ليتعرف ما في نفسي يحيى، فكتب يحيى على يد أبي نوح:
بسم الله الرحمن الرحيم
عافانا الله وإياك، كن على يقين أني بك ضنين، وعلى التمسك بما بيني وبينك حريص، أريدك ما أردتني، وأريدك أن تنوب عني ما كان ذلك بي وبك جميلاً، فإن جاءت المقادير بخلاف ما أحب من ذلك لم أعد ما يحمد، ولم أتجاوز إلى شيء مما يكره، هاجني على الكتاب إليك مسألة أبي نوح غياي، وإعلامك رأيي وهواي، فما تبدلت، ولا حلت، فجمعنا الله وإياك على طاعته وأنشد:
لكل أديب ترى هيئة ... وهذي تدل على همته
ولم أر مثل فتى ماجد ... يداري الأمور على فطنته
يجازي الصديق بإحسانه ... ويزجي العدو إلى غفلته
ويلبس للدهر تبانه ... ويخضع للقرد في دولته
بلوت الرجال وجربتهم ... فكل يدور على لذته
قال سفيان بن عيينة: صحبت الناس خمسين سنة ما ستر لي أحد عورة، ولا رد عني عيبة، ولا عفا لي عن مظلمة، ولا قطعته فوصلني، وأخص إخواني لو خالفته في رمانة فقلت: هي حامضة، وقال: هي حلوة لسعى بي حتى يشيط دمي.
وقال أعربي في صاحب له: افصح خلق الله كلاماً إذا حدث، وأحسنهم استماعاً إذا حدث، وأكفهم عن الملاحاة إذا خولف، يعطي صديقه النافلة، ولا يسأله الفريضة، له نفس عن العوراء محصورة، وعلى المعالي مقصورة، كالذهب الإبريز الذي يعز كل أوان، والشمس التي لا تخفى بكل مكان، هو النجم المضيء للجيران، والبارد العذب للعطشان.
كتب أبو الدرداء إلى سلمان الفارسي يدعوه إلى الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان: إن بعدت الدار من الدار فإن الروح مع الروح قريب، وطائر السماء على إلفه من الأرض يقع.
قال معبد بن مسلم:
جزى الله الموالي عن أخيهم ... وكل صحابة لهم جزاء
بما فعلوه إن خيراً فخيراً ... وغن شراً كما امتثل الحذاء
فما أنصفتم والنصف يرضى ... به الإسلام والرحم البواء
لزدتهم النصحية من لدني ... فمجوا النصح ثم ثنوا فقاؤا
وقلت: فدى لكم عمي وخالي ... فما قبل التودد والفداء
فكيف بهم وإن أحسنت قالوا ... أسأت، وإن غفرت لهم أساؤا
قال بنا المرزباني: حدثنا القراطيسي قال: أنشدنا أبو العيناء قال: أنشدنا السدري:
وإني لأهوى ثم لا أتبع الهوى ... وأكرم خلاني وفي صدود
وفي الناس عن بعض التضرع غلظة ... وفي العين عن بعض البكاء جمود
قال أبو العيناء: قلت لأعرابي: كيف أنت؟ قال: كما يسرك إن كنت صديقاً، وكما يسوءك إن كنت عدواً.
وكتب ابن ثوابة إلى صديق له: ما انفككت عن ودك، ولا انفركت عن عهدك.
شاعر:
إذا كثر التجني من خليل ... بلا ذنب فقد مل الخليل

كتب الحسن بن وهب إلى صديق له يعلمه صبابته إليه، ووحشته لفراقه فقال: وقد قسمك الله بين طرفي وقلبي، ففي مشهدك أنس قلبي، وفي عينيك لهو طرفي، فأجابه الصديق: وقفت على الفضل الذي أخبرت به بما أخبرت، فسيان عليك رأيتني أم لم ترني إذا كان بعضك يؤنس بعضاً فتسلوعني، ولكن يأراك فيخشع قلبي، وأغيب عنك فتدمع عيني، فسيان بين من سلا أبده، ومن حزن أمده.
فكتب إليه الحسن: يا حانقاً على الجرة، ثم تمثل:
أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني
هكذا أنشدنا علي بن عيسى الرماني بالشين ورد السين.
قال يونس النحوي: لا تعادين أحداً وإن ظننت أنه لا يضرك، ولا تزهدن في صداقة أحد وإن ظننت أنه لا ينفعك، فإنك لا تدري متى تخاف عدوك، وترجو صديقك، ولا يعتذر أحد إليك إلا قبلت عذره وإن علمت أنه كاذب، وليقل عتب الناس على لسانك.
وقال جعفر بن يحيى لصديق له: أنت من جوارحي يميني، ومن سوانحي يقيني.
وذكر أعرابي قوماً فسد ما بينهم بعد صلاح ومودة: والله ما زالت عيون العداوة تنجم من صدورهم فتمجها أفواههم، وأسباب المودة تخلق في قلوبهم وتخرس عنها ألسنتهم حتى ما تجد للشر مزيداً، ولا للخير مريداً.
وقال أعرابي: خير الجلساء من إذا عجبته عجب، وإذا فكهته طرب وإذا أمسكت تحدث، وإذا فكرت لم يلمك.
شاعر:
وخل كنت عين النصح منه ... إذا نظروا ومستمعاً سميعاً
أطاف بغية فنهيت عنها ... وقلت له أرى أمراً شنيعاً
أردت رشاده جهدي فلما ... أبى وعصى أبيناه جميعاً
كتب بعض الهاشميين إلى يحيى بن خالد: علمي بمودتك يمنعني من استحثاثك، ووصلة إخائي تشكو إليك تقصيرك، وأملي فيك يصبرني على تأنيك.
شاعر:
إني لألبسكم على علاتكم ... لبس الشفيق على العتيق المخلق
ولقد أرى ما لو أشاء عتبته ... وأصد عنه ببغيتي وترفقي
ليرى العدو قناتنا لم تنصدع ... ويكون ذاك كأنه لم يخلق
وإذا تتبعت الذنوب فلم تدع ... ذنباً قطعت قوى القرين المشفق
وسمعت أو نقلت إليك مقالة ... عوراء نطقتها صموت المنطق
وقال ابن عائشة: مجالسة أهل الديانة تجلو عن القلوب صدأ الذنوب، ومجالسة أهل المروءات تدل على مكارم الأخلاق، ومجالسة العلماء تزكي النفوس.
شاعر:
إن الكريم أخو الكريم وإنما ... يصل اللئيم حباله بلئيم
كتب إبراهيم بن العباس الصولي إلى صديق له: أنصف الله شوقي إليك من جفائك، وأخذ لبري من تقصيرك، ولا سلط الدهر على حسن ظني
بك كما سلطه على لطيف محلي منك.
وقيل لديجانس: لم لا يشتد فرحك بأخيك في حياتك كشدة حزنك عليه بعد وفاته؟ قال: لأني كنت أعلم في حياته أنه يموت، والآن أعلم أنه لا يعيش! شاعر:
أصافي المرء يألفني فيجري ... جميعاً بختلاف واتفاق
وعهد الود محفوظ إذا ما ... أمنا في الوداد من النافق
وأقطع كل ذي بر وصول ... إذا مزج الخليقة باختلاق
وكم من معقب حسن اجتماع ... لتنويه بسر الإفتراق
وكم من معقب حسن اجتماع ... لتنويه بسر الافتراق
شاعر جاهلي:
لي ابن عم لو أن المزن طاع له ... ما نالني منه ما يروى به الثغر
يود لو أنني أرمي بمندبة ... من الشواجب لا يعفو لها أثر
إذا رآني أبدى لي مكاشرة ... وتحتها لهب الأحقاد يستعر
فلو ذبحنا على صراء صردحة ... تزايل الدم منا حين ينهمر
إذا رآني خال الشمس طالعة ... من نحو وجهي إليه حين يبتدر
لا يحملني على حدباء جائحة ... مهلاً أبا الجهل لا يطمح بك الأشر
إني ومن وخدت تدمى مناسمها ... إليه ينكبها الحزان والطرر
لولا وشائح أرحام مؤكدة ... لقد تبينت ما آتي وما أذر
شاعر:
ومكاشر ما زال يمذق لي ... مذقاً وأمحضه الهوى محضا
يرضى ويسخطني وأحسبه ... أني متى أرضيته يرضى

 

 هيا إلى الجزء الثالث من الكتاب